الأحد، 26 أكتوبر 2014

من المستفيد من أحداث سيناء ؟!



قبل أن يقدم العسكر على قتل المعتصمين في رابعة والنهضة ، مهد للمجزرة ، أقدم على حملة تشويه وتشنيع في حق المعتصمين ، مع اطلاق سيل كبير من الاشاعات المغرضة ، حتى حين يرتكب المجزرة لا يأبه أحد بالدماء المسفوكة ،وحتى لا يكترث لهم أحد ، في حين كانت صورة للشهيد خالد سعيد كفيلة بشحن النفوس وقيام ثورة ! في حين استشهد المئات في يوم واحد لم تهتز لهم مشاعر البعض..
وقبل أن يحكم حصاره على قطاع غزة ، عمد لشن سلسلة من التهم الملفقة ، مع إعلام تحريضي يبث سموم الفرقة ، حتى يمرر مخططاته الخبيثة ، وهكذا يحاول أن يوظف أي حدث ، مهمد له من قبل ، ليخدم مآرب من سوق له ، والتي باتت فصولها تتضح يوما بعد يوم ..

وهذا شأن أحداث سيناء التي لا تحتاج للقبضة الامنية في غياب حلول أخرى ناجعة كالتي كان يصبو إليها د.مرسي ، من رصد ميزانية هامة لتنميتها ، ونشلها من براثن التهميش ، وفك عنها أغلال العزلة ، مع حوار فكري يزيح ما تكرس من مفاهيم مغلوطة أو خاطئة في العقول لدى البعض هناك ، غير أن الانقلاب نسف كل ما تقدم ، وشدد قبضته الامنية ، وكثف حملات التشهير ، لغاية في نفسه..

وبعد أحداث سيناء التي أودت بحياة العشرات من الجنود ، يأتي قائد الانقلاب ليتهم أطرافا خارجية ، على أنها هي المسؤولة أو المحرضة أو المنفذة ، ولم يسمي تلك الاطراف ، مع العلم أن الشعب المصري له عدو واحد ، سقى أصحاب الارض والعرب الويلات ، وهو المحتل لا غير ، وبدل رمي التهم جزافا أو تصريحات تنبئ عن مايضمره من شر للجوار ، أن يحمّل المسؤولية لمن قصر في حماية هؤلاء الجنود ، وأن يحقق في الحادث ، فالتحقيق يأخذ وقت ، أما أن يرمي بالتهم  بلا دليل أوبينة ، فالامر يدعو للشك والريبة وكأن توجيه التهم مقصود ، ولا نستبعد أصابع المحتل ، وبينه وبينه حدود طويلة ، أطول من حدوده مع غزة ..

الحادث جاء ليخدم مصالح عدة أطراف ، أولهم المحتل فيما طرحه قائد الانقلاب من إنشاء منطقة عازلة ، وتهجير سكان الشريط الحدودي مع غزة ، والذين يبتزهم العسكر حتى يجليهم عن مساكنهم ،وهذا ما صرح به أحد أهالي سيناء ، ويشدد الحصار على غزة ، ويصرف أنظار الشعب في الداخل ، شعب متعطش للعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة ، وأن يثنيهم عن مطالبهم ،وأن يكون الهاجس الامني مقدما ومكافحة ما يسميه الارهاب أولوية على أي عدالة أو تنمية ، ذكرني حادث سيناء ، بحادث مجزرة الغوطة ، الكل ينفي صلته بالمجزرة ، وبعد أن انتزع السلاح الكيماوي ، الذي كان سيشكل تهديدا حقيقيا للمحتل ، لم نسمع أحد يأتي على معاقبة الجاني والتحقيق في الحادث ، وكأن هناك طرف ثالت ، حقق مصلحته من نزع السلاح الكيماوي وبقيت سوريا تتجرع المرارة..

وبعد الحادث انهالت القرارات والتأويلات ، وكأنها كانت على الرفوف ، تنتظر فقط الاجواء "الملائمة" لتمريرها ، هذا يتهم الجهة المنفذة أن غايتها تعطيل الانتخابات البرلمانية ، وما يسمى بخارطة الطريق ، وتناسى أن ما بني على باطل فهو باطل ، وأن الواقع المرير ما هو إلا افرازات الانقلاب ، وآخر يصدر قرارات تخدم المحتل .. ولماذا اللمز لحدود غزة ،والحدود مضبوطة وغزة تقوم بواجبها على أكمل وجه ، ولماذا أغلق معبر رفح ؟! وما أوجه الترابط بين الحادث وغزة ؟!!

الحقيقة الغائبة والله أعلم ، هي أن الانقلاب الذي باع الغاز المصري بسعر زهيد للمحتل ، وطبعا راح ثمنه لجيوب المفسدين ، وقّعوا على تشغيل الانبوب لفترة معينة ، الآن سيشترون الغاز من المحتل بثمن السوق ، ولتأمين الانبوب من أي هجمات ، سيمشطون تلك المنطقة ، والمحتل لن يخطو مثل هكذا خطوة إلا بشروط ، وحتما سيكون من بين شروطه خنق غزة ، والتضييق على المقاومة ..

وإن فكر الانقلاب في نقض العقد ، مطلوب يدفع تعويضات للشركة ، وطبعا ستخرج من جيوب من سرقوا الغاز المصري وباعوه بثمن بخس للمحتل ، وإلا قاضتهم الشركة التي أنشأت الانبوب في المحاكم التجارية الدولية ..
لذلك الانقلاب ليستمر في امتصاص دماء المصرييين الغلابى ، مستعد للتنكيل بغزة وبالمصريين ..
 الحصار الجائر الذي كان يفرضه المحتل على غزة في منظروره كان كافيا لارهاقها وإضعافها ، ليستبيحها فيما بعد أو لخلق واقع مرير يخدمه ، وإلا متى انتبه العالم لحصار غزة وقد دخل عامه الثامن ، الحرب على غزة هي من أعادت غزة للواجهة ، ومن جديد سمع العالم لأنينها ومعاناتها مع الحصار الجائر ..

ومع الحرب طفت معاناتها من جديد على السطح ، هرول من شارك في حصارها لاعمارها !! مع سريان التهدئة ، غدت وعود الاعمار حبر على ورق ، الاحتلال يشن الحرب على غزة ، حتى يجس النبض ، ما تملكه غزة من اسلحة دفاعية ، وهل أثر الحصار على قدراتها ، وبعدها يحكم من جديد الحصار الخانق ، ففي ظل خنق الضفة بسُلطة لا تحمل الهم الوطني ، وتنسيق أمني جفف ينابيع المقاومة وحصار أعده لغزة ، إنهاءا للقضية الفلسطينية ، لاقدر الله ..

 لذلك الشعب المصري اليوم مطالب بإسقاط الانقلاب البغيض ، الذي يعرض مصالح مصر العليا بل ومصالح الامة للخطر ، أهالي سيناء وغزة فقط كبش فداء ، لتحقيق مآرب المحتل على يدي أذنابه ، والمُعول عليه بعد الله انتفاضة الضفة ، لتسند غزة وإلا ضاعت القضية ، لا قدر الله ، فمن دعم الانقلاب يدرك أي دور مهين فصله للانقلاب ، دور سيزيد من إضعاف الامة .. 

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

عرفوا الله في السراء فعرفهم في الضراء..





هي قصة تحكي عن ثلاثة رجال قادتهم مشيئة الله ، إلى الغار ليحتموا فيه ، إذ بصخرة كبيرة تغلق باب الغار ، فاحتجزوا فيه ، فعمد كل واحد منهم على ذكر عمل صالح قام به إبتغاء وجه الله ، عله يكون سببا في نجاتهم من الكرب الذي ألم بهم ومخرجا لضيقهم ، فذكر الاول بره لأبيه وأمه ، والتماس رضاهما والعناية بهما والتفاني في خدمتهما ، وذكر الثاني مساعدته لأرملة إلتجأت إليه في وقت عصيب ، لتطعم عيالها ، وذكر الثالث عاملا كان يعمل عنده ، انصرف دون أخذ حقه ، فرعى له حقه وحفظه له ونماه ، حتى حين عاد ، سلمه له وقد تضاعف ..

وكل ما تناول أحدهم عمله الصالح إلا وأردفه بقوله : إن كان هذا العمل الصالح ابتغاء وجهك الكريم فافرج عنا ما نحن فيه من هم ..
الاخلاص في العمل مدعاة للقبول وسببا لنجاة صاحبه في الدنيا بتفريج الهم وفي الآخرة بثقل الميزان ، ما ميز أعمالهم صفة الاخلاص التي كستها ..
 بالاضافة للأخلاص ، قد تكون دعوة للأم لولدها البار ، دعوة خالصة فتحت لها أبواب السماء ، واستجاب لها الحق في هذا الموقف الصعب والشاق ، أو دعوة للأرملة ، أن لا يخذل الله من أسندها في وقت الضيق ، وأن يكون له نعم العون في موقف يحتاج فيه للعون والسند ، عندما يلجأ إليك صاحب الحاجة ، فهو خير ساقة الله لك واختبار لك ، فإن لم تكن أهلا له ، حرمت الاجر ورسبت في الامتحان ، دروس عدة مستوحاة من هذه القصة ، أن لا تستصغر معروفا ما، فقد ترى مردوده في وقت تحتاجه فيه ، وقد يكون المعروف عملا كبيرا لكن يخلو من الاخلاص ، فيغيب الاجر ..

من الدروس المستقاة من القصة ، أن بر الوالدين والسعي لرضاهما ، سببا في النجاة ، والقرآن وصى الأبناء في آيات كثيرا على البر ، وحتى لا ينسوا تضحيات والديهم وسهرهم الليالي عليهم ، والاعتناء بهم في الصغر وخاصة ما تكابده الام  من مشاق في الحمل والولادة والصبر والاناة في التربية ، أما الاباء لا يحتاجون لتوصية لأن حبهم لأبنائهم مغروس في حنايا قلوبهم  ، التوصية تكون للتربية الصالحة ، ليمتد الاثر حتى بعد الممات ..

 وقد نال أحد الصالحين رفقة موسى عليه السلام في الجنة ، إكراما له وجزاءا له على بر والديه ، وقد كانت للام دعوة دوما ترددها ، تقول فيها : اللهم اجعل ابني مع موسى بن عمران في الجنة ، فاستجاب الله دعاءها ، ونال ابنها تلك المنزلة القيمة ، فالوالدان هما منبع الحب والحنان والرحمة يغمرانك بالعطف والطيبة وأنت صغير ، فلا ترد الجميل بنكرانه ، وبر الوالدين سلف ، والرجل الذي ساعد الأرملة كانت سببا لتفريج همه ..
 ويحز في النفس اليوم ، كيف نرى لاجئات في دول الأيواء في أوضاع مأساوية ، وكيف تُستغل ظروف المرأة القاهرة واحتياجها للعمل أبشع استغلال في غياب من يعول الاسرة ، فالعائل إما شهيد أو معتقل أو مخفي قسرا من لدن زبانية الاستبداد ، ومن اهتم للعامل وحفظ حقه ، لم ينسى تفانيه في العمل وإخلاصه فيه ، ولم يمنعه حقه ولم يحرمه أجره ، بل حرص على تنميته حتى زكا وفاض ونما ..

لم ينسوا الله في وقت الرخاء ووقت السراء ، فكانوا للخير عنوان ، فالله جزاهم أن فرج ضيقهم ، وتاج القصة أنها علمتنا ، ان التقرب إلى الله عز وجل بالاضافة للعبادة بإخلاص والتبحر في العلم وطرق كل أبواب الخير ، مد يد العون للناس ، وخدمتهم ومساعدتهم ، وتفريج كربهم ، الله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه، بمعنى أن تحمل الخير للغير.. 

الخميس، 16 أكتوبر 2014

حلف الفضول ونصرة المظلوم..




لم يكن العرب في الجاهلية بالبربرية التي يحاول أعداؤهم أن يصورونهم بها ، بل كانت فيهم شيم وفضائل ، عززها الاسلام ورسخها في النفوس ، كإكرام الضيف والوفاء بالعهد والمروءة والشهامة ، وغيرها من الشيم ، وجاء سيد الخلق عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارم الاخلاق ، وكانت الحمية والعصبية القبلية هي السمة الغالبة وهي من يثورون لها ويتعصبون لها ، غير أن حلف الفضول كسرها ، وهو حلف تعاقدوا عليه لنصرة المظلوم ، حتى وإن لم يكن من القبيلة ، وقد قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام ، لو دعيت له في الاسلام لأجبت..

كان الهدف منه حماية الحق أياّ كان صاحبه حتى وإن كان غريبا ، و أخذ الحق من الظالم مهما كان مركزه أو مهما علا شأنه أو مكانته ، حتى وإن كان ينتمي للقبيلة ، وتعود القصة لرجل غريب عن مكة جاء إليها ، وباع بضاعته ، غير أن المشتري حبس عنه ثمنها وأبى أن يعطيه حقها ، فما كان من الرجل إلا أن طلب النصرة ،لكن أحدا لم يكترث له ، فعلا جبلا وأنشد أبياتا شعرية يظهر فيها مظلمته ، بأعلى صوته ،فهب الزبير بن عبد المطلب وقال لن نقعد حتى نرجع له حقه ، فأنصفوه وانتصروا له ، مهما كان لغريمه من صيت بين قومه ، لم يبق العهد حبرا على ورق ، أو شعارات رنانة ، بل كان واقعا ملموسا واختبارا نجحوا فيه ..

ما أحوجنا لهكذا حلف اليوم ، حيث التعصب للطائفة أو للجماعة أو..أو..حتى وإن جارت أو سفكت الدماء ، واعتدت وأضعفت قوة الامة ، وتسلل عدونا من خلالها ليستبيح أرضنا ، وحتى لو تحالفت مع أعداء الامة المهم ينتصر لصنمه الذي غدا مقدسا لديه ، والانكى عندما يبحث له عن الاعذار ليبرئه !! يغض الطرف عنه و يغمض عينيه عن أفعاله الشنيعة مادام مصطف لصفه ..
 المجتمع المسلم الذي بناه سيد الخلق بسواعد المخلصين ، بسط رداء العدل وانصف المظلوم وضرب على يد الظالم وحفظ الحق ، مجتمع قامت دعائمه على العدل الراسخ ، اتسعت دائرته وأقبلت عليه النفوس طواعية ، عطشى لتنهل من معينه الصافي ، ولتسعد في كنفه ، وتنعم بالخير الذي يحمله تحت جوانحه ، القوي فيه ضعيفا حتى يؤخذ منه الحق والضعيف فيه قوي حتى يعود له حقه ..

الاسلام دفن كل نعرات الجاهلية التي تؤجج الصراعات ، وجعل الافضلية للتقوى ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، حتى يتسابق إليها الجميع ، ومن بلغها نال الحضوة ، وأول عمل قام به عند بلوغه المدينة بعد بناء المسجد آخى بين الانصار والمهاجرين ، لتمتين الروابط وتعزيز عرى الاخوة ، فتذوب كل مادونها من حزازات وتختفي الضعائن ، غدت آصرة العقيدة أوثق من آصرة القرابة ، شكلت رابطة متينة تجمع الكل على اختلاف اجناسهم وأعراقهم ، رابطة سِمتها الاخوة ..

أما اليوم جعلوا من الشحن الطائفي وقودا لاستمرار الصراع وتأجيجه وإذكاءه ، اتخذوه غطاءا لاطماعهم في بسط النفوذ والتوسع ، ولو على دماء وأشلاء الابرياء ، وعندما يكون الولاء لطائفة أو للحزب أو للجماعة أو لأي صنم كان ، فالصراعات والخلافات والحروب لن تنتهي ، والهوان والضعف سينخر جسد الامة ، ويجعلها لقمة سائغة بين يدي عدوها ، أما حين كان الولاء لله عز وجل ، ثم لاعلاء راية الاسلام خفاقة ، رأينا كيف بلغ عز الامة مشارق الارض ومغاربها ..

عندما يقدس صنمه ، لن يكترث لجرائمه ، حتى وإن أخرج غيره من الملة أو تعدى الحدود ، وأثخن في جسد الامة المنهوك أصلا ، وكل ما ترهل جسد الامة ، قوي عدوها وشكل احلافا ، الغاية منها اذلال المسلمين واستباحة الارض والتنكيل بالمقدسات والاستهانة بها وبمليار مسلم ، واضعاف شوكة المسلمين ، لماذا لم نسمع عن عقد حلف يتضامن مع المقدسيين ، ولحماية المقدسات ودعم صمود المرابطين ، أو حماية لحق المسلم أيا كان انتماؤه ، وانصافه وإزاحة الظلم عنه ، بل وانصاف الانسانية جمعاء إن لحقها ظلم بغض النظر عن عرقها أو هويتها ، مع أن ما يجمعنا اليوم أكثر مما يفرقنا ..

لا يخلو مجتمع من العقلاء ، لو يسارعوا لانقاذ الامة ، فقد تغول عدوها عند ضعفها ، وينتصروا للمستضعفين في الارض ، الغرب يقتات من تشرذم الامة ، ويزيد من الشرخ ..
 وشاهدنا في الحرب على غزة كيف تضامن الاحرار معها ، حركهم ضميرهم الانساني وإيمانهم بعدالة القضية ، واستهجنوا صمت حكوماتهم تجاه جرائم المحتل ، ومحاباتهم للمحتل وأغاظتهم سلبيتهم المقيتة، وانتصروا للانسان ، كانت شوارعهم تغلي ، في حين كان تحرك الشارع العربي خجولا ولا يوازي الحدث ، لان الحس تبلد وانشغلوا عن الهم الحقيقي بخلافاتهم التي لا تنتهي ، وضاع الحق بينهم ، واغتالوا الانسان داخلهم ، وعندما تغتال الانسان في النفوس ، لن يكترث لمآسي الغير ولن تهتز مشاعرهم المشاهد المروعة ولن يحركوا ساكنا..


الاثنين، 6 أكتوبر 2014

حقيقة الحرب على داعش ..



كانت الثورة السورية في أشهرها الاولى سلمية ، غير أن النظام الغاشم قابلها بعنف شديد وشراسة ، أدمى سلميتها ونكل بها ، تسلحت الثورة لتدافع عن الارواح والاعراض ، فالمستبد لم يترك لهم خيارا آخر ، بشار..هو من فتح سوريا على المجهول ، ولو كان ثمة دعم حقيقي للثورة منذ البداية لما هوت سوريا لهذا المستنقع الآسن ، ولما كانت ثمة ذريعة للغرب ليستبيح سوريا ..
 طول المحنة وشراسة الاستبداد وتلكؤ  العالم عن نصرة الشعب المكلوم ، وعدم دعم الثورة أنتج كل هذه العينات التي طفت على السطح ويتم توظيفها من أعداء الحرية بل والنفخ فيها اعلاميا لتحقيق مآربهم ..

 مع العلم أن داعش لم تأتي من كوكب آخر ، هي افرازات لعنف مورس على من انضم لصفوفها ، هذه ليست ذرائع ، لكنه الواقع ،  البعض منهم عانى الويلات إن في ظل النظام الطائفي في العراق أو في سجون البغي في سوريا ، لن ينسى العالم فظائع سجن أبو غريب ومقابر الاحياء وأقبية البعث وحرائر العراق وسوريا في السجون ، هم من عاينوا تصفية كل عائلاتهم أمام ناظريهم ، أو من دفعتهم الحاجة والفاقة للانضمام ،وغيرهم من اتباع صدام ، وكل من لهم مآرب خفية ، ما عليه إلا أن يعطي البيعة والانضمام لداعش ليكون في صفوفها ، وبعدها ينفذ أجندته الخاصة به أو أجندة من خلفه ، لذلك من السهل اختراقها ، حتى من شبيحة النظام الغاشم ، فقد تكون بشعة كما يصورها الاعلام وقد تكون مخترقة لهذا الهدف ولتكون مطية للغرب لينكل من خلالها بخيارات الشعوب ووأد ثوراتها ، إنهاء داعش يكمن في انهاء الظلم الذي أفرزها ، انصاف الشعوب المكلومة واعطاءها حقها ، والاصطفاف لخيار الشعوب في الحرية والانعتاق من براثن الظلم والبغي والاستبداد ..

امريكا لم تتحرك إلا عندما أحست بتهديد لمصالحها ، وإلا لماذا تركت داعش كل هذه المدة وقد خربت الثورة وحورت بوصلتها ، وبددت الجهد ، استهدف التحالف منشآت نفطية ، متذرعا أنها تمول داعش ولم يقصفها في العراق ، لان هذه الاخيرة تصب في مصالحه ، في نهب خيرات العراق ، أمريكا كانت مستريحة لحال العراق مادام هناك "حارسا" يحمي مصالحها في العراق ، عراق مفكك لن يستقر وجزء مهم من شعبه يعانون الحيف والظلم  ، وهم سنته هم من قاوموا احتلاله ..

النظام الغاشم في سوريا رفع راية الطائفية منذ البداية ، سياسة فرق تسد ، حتى يوهم العالم أن الامر ليس كما يبدو : ثورة شعب مكلوم في مواجهة نظام غاشم ، بل استهداف طائفة معينة ، وزاد الطينة بلة ، حلفاء النظام وداعش ، في تغذية الصراع الطائفي ، وبهذا اُنهكت سوريا ،ولن تستطيع القضاء على طائفة ، وهذا سبب من أسباب طول المحنة، جيش بشار.. الطائفي ، الآن في منظور طائفته يقاتل من أجلها ، وبهذا زادت وتيرة التطاحن ، أما الغرب يعلن أن التحالف وجد لضرب داعش لأنها تهدد مصالحه وكذا السلم العالمي !! وكأن إجرام بشار..لا يهدد أحدا ، وهو من نكل بالشعب طوال هذه السنين ، والجرائم موثقة بالصور والفيديوهات ، وشهادات ضحاياه وهم بالآلاف ، كان الاولى اسقاطه أولا ..

الشعوب المكلومة أضحت بين خيارين كلاهما مر ، إما الركون للاستبداد ، أو ثورة تمتطيها داعش أو أي مسمى آخر يشوهها ويبعدها عن مقاصدها ،وبعدها يجعلها الغرب ذريعة لتحقيق مأربه في المنطقة ، وإن كان الكل يحارب داعش ، من يدعمها في الخفاء ؟!! ومن وفر لها السلاح وكيف بلغها ؟! وكيف استطاعت أن تقضي على بعض معاقل الجيش العراقي المدرب جيدا ؟!..
 وبدعوى تسليحها المتفوق على الاكراد سيتم مدهم بالسلاح ، ويبقى الثوار الحقيقيون بلا تسليح يحسم المعركة،  الآن يحاربون داعش في غياب إسقاط النظام الذي أفرزها ، هذا سيعطي للمعارضة السورية المسلحة انطباعا سيئا ، كون فعل التحالف يصب في صالح النظام الغاشم ويقويه وليس في صالح الثورة أو الثوار ، وستبلغ العدوى لكل الجوار ، لتكون الذريعة لضربها ، في اضعاف داعش وعدم تقوية باقي الفصائل ، هذا سيجعل الفصائل بين خيارين ، إما الانضمام لداعش ، حتى لا تنطبق عليهم مقولة أكلت يوم أكل الثور الابيض ، أو عدم المشاركة في حربها لتستبين الصورة ، وفي ظل عدم اسقاط النظام ستتطرف فصائل أخرى وستكون أكثر شراسة من داعش ..

هذه الاخيرة تتذرع في عدم إسقاطها للنظام ، كون الفصائل المقاتلة ترفض الانضمام لها ، بمعنى إعطاءها الولاء والبيعة ، محنة سوريا شبيهة بافغانستان لحد ما ، وإن بإخراج مختلف تفتح الحدود ، ويقاتل المجاهدون ،وعندما تنتهي مهمتهم ، يأتي بمن ينكل بهم جميعا ، وبعدها يأتي الغرب بدعوى مكافحة "الارهاب" ويضعف الكل ، وينصب كرزاي حليفا له ..
 لهيب الحرب يقترب من تركيا وهي تحاول أن تنآى بنفسها منه ، تدرك أن الغرب ونواياها غير خافية على أحد ، الغرب يسعى لتفتيت وتجزيئ المقسم واضعاف الامة ، وصنع حلفاء جدد ، تذرعت برهائنها ،والخوف على مصيرهم ، إذ بالرهائن يُفرج عنهم في وقت حساس !! وكأن الذريعة انتزعت منها !! 
واقترحت تركيا أن يدرج اسقاط بشار ..في قائمة الاهداف ، فهو سبب هذه الكوارث ، لكن يبدو أن اسقاطه ليس أولوية التحالف ، النار تقترب من تركيا ، فشلوا  في الانقلاب عليه البارحة ، واليوم يسعون لحبك خطة ترمي به في أتون الحرب ، تركيا لها مخاوفها وهواجسها من أن تفرز الحرب واقعا يهدد مصالحها ، كما كانت أحداث 11 سبتمبر ذريعة لاحتلال العراق ،وتفكيكه وتفتيت قواه  ، كانت داعش ذريعة لفتيت سوريا وخلق واقعا مريرا يزيد من اضعاف الامة وبقعة الزيت تزيد في الاتساع .