الثلاثاء، 16 يونيو 2015

انصفي نفسك أولا ...



ما إن تبلغ المرأة حقوقها التي صانها الاسلام وضمنها لها ، حتى تنصف نفسها أولا لكي ينصفها المجتمع ، عندها سيحترم شخصيتها ويوليها كل اهتمام وعناية ويقدر جهدها ويبلغ قدرها وقيمتها ، فهي نفسها مازالت تعتقد أن تلك القيود التي كبلتها بها التقاليد هي جزء من الاسلام !! إماجهلا بشرح نصوص القرآن والاحاديث ، أو جهلا بحقوقها والتي كفلها لها الاسلام ، أو الاستكانة لعقود من الاهمال والجهل والتهميش والامية أوالقبول بالامر الواقع المفروض .

الاسلام أعطى المرأة حق الحياة ، فقد كانت في الجاهلية ولاسباب واهية تدفن حية تحت التراب ، غير أن المرأة اليوم تتعرض لوأد معنوي ، إما تعطيلا لملكاتها أو استخفافا بآرائها أو حرمانها من أن تستثمر ما وهبها الله من منح ، لتكون معول خير للرقي بمجتعها ، أعطاها حق التعليم ولازالت تحرم من الدراسة وتتفشى في أوساطها الامية ، إما بعد المدراس عن القرى أو عقليات عفا عنها الزمن تحرمها اكمال دراستها ، بدل أن تجتهد لتوجد لها دور للطالبات توفر لها شروط الامن والامان حتى تكمل دراستها ، البعض يبحث فقط عن الحلول السهلة ، وتناسوا العواقب ، من يحرم الفتاة من الدراسة ونهل العلم والوعي ،جنى عليها وعلى عقبها ، فهي من ستربي جيل المستقبل ..

المرأة لها الحق أن تتصرف في مالها  فهو نتاج جهدها وكفاحها أو إن كان إرثا لها طبعا فيما يرضي ربنا مثلها مثل الرجل ، لها أن تنفق على بيتها عن طواعية دون اجبار أو ضغط من أحد بل بكامل رضاها ، مثال حي  السيدة خديجة رضي الله عنها ، لها الحق أن تختار شريك حياتها ،ولا يفرضه عليها الاهل ، ومادُمتَ أحسنت التربية ،حتما ستختار من يتوفر فيه الدين والخلق ويوافق اختيارك ، فقد خيّر النبي عليه الصلاة والسلام امرأة أراد الاب تزويجها من غير إستئذانها ، بين أن تقبل برضاها وإن رفضت لن يتم عقد الزواج ، وقد توسع العلماء في الشرح والتفسير في هذا المضمار لمن أراد الاستزادة والتعمق ..

حقها في الارث ، للاسف القليل من يوفي هذا الحق ، فإن لم يحرمها حقها غصبا ، تنازلت هي عنه ، إما استحياء أو اعتقادا منها بالمحافظة على روابط التواصل العائلي وصلة الرحم ..
 أعطى الله عز وجل الحق للزوج في الطلاق ، ومنح لها الحق في الخلع ، في حالة يستحيل استمرار الحياة الزوجية ، والتي ابتعدت عن مقاصدها : من سكينة ورحمة ومودة ، أو حين ينتفي الجو الملائم ، الذي يوفر تربية هادئة لتنشئة الاطفال ، في جو متاوزن تسوده الطمأنينة وراحة البال ، وحتى لا تؤثر فيهم سلبا وحتى لا يكرروا نفس المآساة التي عايشوها في المستقبل .

إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وإن كانت الآية جاءت لتصحح وضعا معوجا كان سائدا في الجاهلية ، إلا أنها تعبر بوضوح عن العلاقة المفترض أن تسود في بيت الزوجية ، إما تعامل بالمعروف بكل ما تحمله الكلمة من معنى جليل ، أو تسريح بإحسان ومن غير الحاق الضرر ، غير أنه من لم يمسك بمعروف هل سيسرح باحسان !! للاسف النفوس الغير السوية تهوي لمستنقع آسن من الانتقام وبذلك توغر الصدور ، والله عز وجل وعد بالخير لكليهما في حالة الانفصال إن استحالت الحياة الزوجية قال تعالى : وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما) ، علّه يكون خيرا لكليهما..

أن تدرك المرأة أن القوامة معناها الرعاية والعناية وحفظا لها والقيام على خدمتها وقضاء مصالحها ، وليس كما يفهم البعض ، على أنها تسلط وقهر واستعباد ، أن تدرك أن الغيرة الطبيعية هي الغيرة المحمودة والمطلوبة ، والتي تعزز روابط المحبة وهي صفة جليلة من صفات المحب ، من يتمسك بتوأم روحه ولا يفرط فيه ، قلوب طاهرة نقية تقية تحيا حياة تسودها الثقة المتبادلة ، أما الغيرة المرَضية فهي حبل ملفوف على عنق المرأة يكاد يخنقها ، ينغص عليها حياتها ويُحيلها إلى جحيم لا يطاق ، فهو دوما يعيش في شك وريبة ووسواس ، وهذه تحتاج لعلاج وإلا تفاقمتِ الامور وأثرت على الحياة الزوجية وعصفت بها ،مثال على ذلك : غيرة اخوة يوسف من حب أبيهم ليوسف عليه السلام هو من أوغر صدورهم والحقوا الأذية بأخيهم أو الغيرة من نجاحها مع أن نجاحها يعني نجاحه هو أيضا ، فيعرقل طموحها ويقف حائلا دون بلوغها قمة النجاح..

المرأة اليوم إما تعاني تفريطا في حقوقها ، مقيدة بأغلال التقاليد والتي لا تمت بصلة للاسلام ، بينما المرأة في الاسلام  شاركت أخاها الرجل في تبليغ الدعوة ، وشاركته الجهاد أيضا ، وحرصت على حضور مجالس العلم ، وانفقت من مالها مساندة للدعوة ، وهاجرت معه ورافقته في الغزوات وضمدت جراح المجاهدين وسقت الماء وصفحات التاريخ تزخر بعطائها المتدفق ، والمجاهدة أم عمارة كمثال على ذلك ، في إحدى الغزوات تفرق عن سيد الخلق عليه السلام بعض الرجال وبقيت هي تذود عنه ، مع كل ما بلغها من جهد ، النساء شقائق الرجال ، المرأة كلما نما وعيها صلُحت وأصلحت من حولها ، لذلك يسعون لاشغالها بسفاسف الامور عن جوهرها ، المرأة في الاسلام كان لها حضور متميز وبصمة جلية في واقعها..

يعتقدون إن عملت خارج البيت قصرت في تربية الاطفال ، مع أن التربية مشاركة بينها وبين زوجها، الاسلام صان حقوق المرأة وحثها على طلب العمل مثلها مثل الرجل وتبليغ ما علمته.. ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )  ، وإن أنت احجمت عن ولوج ميدان ما ، يحتاج فيه لوجودك الفاعل فلن يبقى شاغرا ، حتما ستلجه غيرك وقد لا يوازين ما تحملينه من هم واقعك وأمتك وقضاياها ، أنت بحجابك ،بخلقك الراقي ، واتقان عملك ، تبلغين الاسلام على الوجه المطلوب سلوكا وشكلا وتساهمين في نهضة مجتمعك وأمتك ..

 أو يتم استغلالها أبشع استغلال ، من لدن دعاة التغريب من يتهمون الاسلام جزافا أنه السبب في تخلفها وعرقلة مسارها واجترارها آفة الامية ، سلعة مبتذلة في الاشهارات والمسلسلات الهابطة ، وقد جردت من الفضيلة والحياء ، بدعوى زائفة : تحررها !! المفهوم الخاطئ للحرية ، الحرية الحقيقية حرية تحت مظلة الاسلام ،حرية تحفظ كرامتها وتصون حقوقها وتحفظ كيانها وتستفيد من عطائها وتخاطب عقلها وترقى بها وليس العكس..



الثلاثاء، 2 يونيو 2015

نعم الأمير أميرها..



لم تكن رؤيا كالتي رآها يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام ووفر لها كل السبل لتحقيقها ،بل كان حديثا شريفا تغلغل نوره وحبه في حنايا قلبه ،ذاك الشرف الذي تسابق إليه الصحابة ليتقلدوا وسامه ، ونال شرفه الشاب المجاهد الورع محمد الفاتح والذي لم يتجاوز عمره 25 سنة ،تاقت روحه لهذا اللقب الجليل : لتفتحن القسطنطينية نعم الامير أميرها ونعم الجيش جيشها ، فكان أهلا لها ، عمل بجد واجتهاد وبذل له التضحيات الجسام حتى بلغه..

هدفه الاسمى شحذ طاقاته ورفع همته ، لم يمني نفسه بالنصر ثم أخلد للنوم بل قابله بالعمل الدؤوب ، رسم هدفه وسطره وتسلح بكل ما من شأنه أن يساعده على تحقيقه ، طريق المجد ليس مفروشا بالورود بل دونه تضحيات جسام ..

 ولو رجعنا قليلا للوراء لنقف على المحضن الذي ترعرع فيه ونشأ ، تربى  على أيدي علماء أفذاذ تركوا بصماتهم الجلية على شخصيته وقَوّتها ، عزز المحضن الخيّر في نفسه قيم الاسلام السامية وغرس شجرة فضائله وأسمى أخلاقه وفنون الاقدام  وعندما أمسك بزمام الامور قربهم إليه في مجلسه فكانوا له نعم السند ، يسندونه بنصائحهم النيرة والتوجيهات السديدة ، العلماء هم صمام أمان للامة يحمونها من كل شر وينيرون لها درب الصلاح ..

لم يتميز فقط في العمل العسكري وأتقن فنونه ، بل تميز في شتى علوم ونهل من شتى ميادين ، المجال الفني بكل أصنافه من شعر وأدب وو..والمعماري من بناء وتشييد وو.. بنى حضارة متكاملة ، ومن قبل تعهده الاب الصالح برعايته من جميع المناحي ،فكان فارسا لا يشق له غبار ، رغم حداثة سنه ، سلمة إمارة تحت إشراف ثلة من أهل العلم والصلاح ، ليتدرب على تسيير شؤون البلاد ، لتكسبه التجربة مهارة ويتدرب على طريقة الحكم وتكون له دراية ومعرفة مسبقة تساعده التجربة الزاخرة في حياته المستقبلية وتسنده ، أخذ من كل العلوم التي أثرت عصره ، البيئة الصالحة والمنبت القيم والاصيل ينمي مدارك الناشئة ويصقل المواهب ويساهم في تربية صالحة ويخرج لنا جيلا تفخر به الامة ..

وما إن تولى زمام الامور في السلطنة حتى تهيأت روحه للمجد المنتظر ووضع نصب عينيه هدفه حتى نال شرف نعم الامير أميرها ، بشارة تسابق لها لينال شرفها.. كيف بنا نحن اليوم وقد وعدنا الله عز وجل أن الاقصى المبارك عائد إلى حمانا ، لماذا لا نتجهز لنكون نحن جيش التحرير ، ونتوج بهذا الشرف وحتى إن لم نبلغه نكون قد ذللنا له الصعاب ، قد يبغله أولادنا أو أحفادنا ، نضع له حجر الاساس وتبدأ السواعد المخلصة في البناء ، النتائج بيد الله عز وجل ، المهم العمل المستمر وخلق أسباب النصر ..

 هي إذن بشارة بث علماء أجلاء تربى على أيديهم في خلده فتألقت روحه وتاقت نفسه للنصر وحفزته ليكون من أهلها ويكون جديرا بتلك المنزلة الرفيعة وذاك القدر العالي ، بشارة أشادت بالقائد وبالجيش ،وفر لها القائد كل طاقته وبدأ على الارض يرسم معالمها ، وتجهز للمعركة ، لم يركن للنوم والدعة حتى فاته العدو عدة وعتادا ، حتى حين يقارعه يجد هوة شاسعة بينه وبين العدو ، ويتطلب اقتلاعه مضاعفة الجهد والوقت ، تجند لهدفه بكل ما أوتي من قوة وجهد ، يعرف أن العدو شرس وأنه حتما سيضع متاريس للحيلولة دون بلوغ النصر ، غير أن الفاتح المحنك المدرب تجند جيدا للمعركة وكان أهلا للامتحان ونجح في اجتيازه بامتياز ، ذلل كل الصعاب وتهيأ من جميع النواحي لخوض غمار المعركة ..

قطع الطريق على العدو واحكم حصاره مع توفير سلاح باغت به العدو ، كيف تريد أن تحرز نصرا وسلاحك ليس من صنع يديك ؟!!
سلاحك الذي صنتعه تعرف سره وهو من سيجلب لك النصر بإذن الله ، لانك تفاجئ به العدو وتربك حساباته ، المفاجآت في الحرب سلاح فتاك تحبط به خطط العدو وتشل تفكيره ، شاب في العشرينات قاد جيشا عرمرا وخاض به حربا ضارية وقاتل قتالا مستميتا وقارع قوة عظمى ، وأبان عن مهارة وحنكة وعزيمة واصرار ، دليل على أننا أمة قوية نحتاج لعنصر الاخلاص والتفاني في بلوغ الهدف والاعتماد بعد الله عز وجل على امكانياتنا الذاتية ونطورها حتى تضاهي ما يملكه العدو بل وتفوقه ونعزز في خلدنا عنصر الثقة بالنصر واصلاح أنفسنا أولا فهو المدخل لاصلاح واقعنا وتحقيق نصر مؤزر ..

عندما رفرفت رايات النصر خفاقة سجد القائد الفذ سجدة شكر وامتنان لله عز وجل على ما منّ عليه من أفضال ، لم يتجبر على الخلق ولم يبطر بل تعامل مع الناس معالمة راقية وطيبة لم يجبر أحدا على ترك دينه أو تغييره ، بل سماحته وخلقه الرفيع كان سببا في إسلام الكثير منهم ، دخلوا للاسلام عن طواعية عندما لمسوا سماحة الاسلام وعدله والذي تجسد في خلقه قولا وفعلا وهذا هو النصر الحقيقي ، فتح القلوب لتستقبل الخير وتعممه ، وتحمل مشعل نوره وتكون له بعد ذلك نعم الجند الاوفياء ، يدافعون عنه ويذودون عنه ..
لم يكتف بهذا اللقب الجليل والذي احرزه عن جدارة واستحقاق ثم اخلد للترف أو البذخ والرفاهية حتى يترهل جيشه وتضعف منعته ويلحقه الخوار ، بل واصل الفتوحات ، كان قائدا ملهما في السلم كما في الحرب ، في الحرب أبلى البلاء الحسن وفي السلم كان مضرب الامثال في التسامح ونبل الاخلاق ، حافط على انتصارات السلف وواصل المشوار حتى وافته المنية وحقق بذلك للامة ما كانت تصبو إليه من مجد وعزة ومنعة وأوج النصر حتى بلغ بها القمة ..