الأحد، 29 مايو 2016

إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق..




يجحف بحق الإسلام من يلصق نقائص ومساوئ بعض المنتسبين إليه ، من أخذوا القشور ولفظوا اللب ، فالإسلام ليس مواعظ تنثر وما تلبث أن تنسى أو عبادات جامدة لا تنعكس على سلوكك أو كلمات براقة تُقال ولا تجد لها وقعا أو أثرا على واقع الحال ، فلا تتحدث عن الإسلام بل دعني أرى أثره في سلوكك وأخلاقك ومعاملاتك ..

هي أوصاف جليلة وشمائل كريمة تلك التي وصفت بها السيدة خديجة رضي عنها سيد الخلق عليه الصلاة والسلام وهي صفات تحلى بها قبل البعثة قالت عنه :...فَوَالله لا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا، وَالله إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ..تمعن جيدا فيما عددته من صفات ستجد  مجملها معاملات وسلوك طيب وأخلاق رفيعة وخصال فاضلة ، فهو الصادق الأمين ، يصل رحمه ، يشد من أزر الغير ، يكرم الضيف ، يعين المحتاج بل يتفانى في خدمته ، ييسر على معسر، جواد كريم ، يفيض عطاءا ، تجده مع الناس في مسارتهم وفي أحزانهم في مسارتهم يفرح لفرحهم وفي احزانهم يواسيهم ويخفف عنهم وو..

فالإسلام ليس عبادات جوفاء ، جامدة ، لا نبض فيها ، أو مواعظة تلقى وكلمات رنانة تقال وتزين بها المجالس ، بل هو سلوك ومعاملات وأخلاق ترى وتتجسد في الواقع ، تنعكس عليه فتغيره للأفضل وتجمله وتحسنه ، وتعزز فيك القيم الكريمة وترسخها ، فالناس تنظر للموعظة الماثلة أمام ناظريها ، موعظة تمشي على الأرض :
من اتصاف بصدق وأمانة وخير متدفق وعطاء وسلوط طيب وتواضع وشيم وحلم وسخاء ووفاء وإخلاص ونبل وشهامة وو...
قال عليه الصلاة والسلام : ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء..
وقال أيضا : إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً ..
والكثير من الاحاديث التي تحث على مكارم الأخلاق وعلى التحلي بالقلوب الطيبة الطاهرة مخبرا ومظهرا، والتي تخلو من الحقد والحسد والغل والتكبروالبخل والرياء والمن والتصنع وكل آفات القلوب وأمراضها ..

قال تعالى في وصف صفيه عليه الصلاة والسلام وخلقه الرفيع : 
 ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ...)
متواضع لين الجانب ، يشملهم بحلمه يتجاوزعن أخطائهم يصفح ويعفو عنهم ، صاحب قلب كبير ، يتفانى في حبهم ، يشاورهم يستغفر لهم ، يرحم ضعفهم ، وبذلك التفوا حوله ولو كان لاقدر الله سيئ الخلق وخشن أو قاسي القلب وجافي الطباع وغليظ القلب ،لانفضوا من حوله ، ترجم الإسلام لواقع ملموس وتجلى ذلك في سلوك وأخلاق ومعاملات راقية ، فقد كان عليه الصلاة والسلام قرآنا يمشي على الأرض ، بخلقه السامي ونبله ورقيه ، تتجلى آيات القرآن وآدابه وتهذيبه ونقائه في كل مناحي حياته ، قال عنه الله عز وجل : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..

فهو القدوة والأسوة الحسنة لنا ، وقد يأتي المرء بصلاة وصوم وحج وو..وقد يكون حريصا على أداء الشعائر والعبادات ، لكن يؤذي جاره أو إخوانه أو يؤذي حيوانا ، أويسرق المال ويخون الامانة ويعتدي على ممتلكات الغير وو..فلا رصيد له ولا قدر له ، وكم من البلدان فتح الله مغالق قلوبهم وأسلموا ، تأثرا بالمعاملات الطيبة لتجار مسلمين حلوا ببلدانهم ، فكانت صفتهم الصدق وحفظ الأمانة ، فالناس لا تتأثر بمواعظ وكلمات رنانة ، جوفاء ، بل تمتلك قلوبهم بحسن أخلاقك وطيبة قلبك وبذْلك وعطائك ..

الأحد، 15 مايو 2016

الصبر مفتاح الفرج ..



قال تعالى : فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )
سورة البقرة..

لو سبرنا أغوار هذه الآية الكريمة وأبحرنا في عمقها لبلغنا دررها المكنون وما تحمل بين طياتها من حكم ومعاني جليلة وما تزخر به من دلالات ، بعد أن خرج طالوت بالجنود لمحاربة الأعداء أخبرجنده أن الله مبتليهم بنهر فمن شرب منه فقد عصى أوامر الله ومن لم يطعمه فقد أطاع الله ونجا ، إلا من اغترف غرفة بيده على قلتها روت عطشه لأنه امتثل لأوامر الله خلاف غيرهم مهما شربوا من الماء بقي احساسهم بالعطش كما هو، النهر كان امتحانا لهم على صبرهم فهم سيلاقوا عدوا شرسا وقد يتعرضون لما هو أصعب وانكى وأمر وسيكابدون المشاق ، لذلك كان الإختبار حتى يكونوا على أهبة للاستعداد لأي خطب يصادفونه ، وكانت حكمة الله عز وجل تقتضي أن تتمايز الصفوف ، ليتميز المؤمن المخلص الصادق من غيره..

بعد هذا الإختبار استقلوا أنفسهم أمام قوة وعتاد عدوهم ، لأن الكثير منهم لم يمتثل للأوامر وشربوا من النهر ، لكن الموقنين بنصر الله ذكروهم بوعد الله الصادق وكيف ينصر الله الفئة المؤمنة حتى وإن كانت قليلة إن تمسكت بالصبر وأيقنت بالنصر، وبذلك ثبت أهل الإيمان وكان النصر حليفهم ، فكيف ترجو النصر والصفوف لم تغربل بعد ولم تتمايز، فيها العميل والمنافق والخائن والمتخاذل ووو...

عندما تخلص النية وتصفو الأنفس ، تجاهد في سبيل الله ولا تبتغي غير وجه الله تعالى واعلاء راية الحق خفاقة ونصرة للحق والذود عنه ، وتتخلص من كل ما أعاقها وعطل نصرها وتمحص الأنفس وتنقح الصفوف  من كل الشوائب وكل ما علق بها من الآفات والأدران وحب الدنيا وو.. وعندما تغدو صافية رقراقة ، ترجو أحدى الحسنيين : نصر أو شهادة ، نصرا يبني مجد الأمة ويعلي صرحها ، أو شهادة ترفع منزلته يوم القيامة ،عندها يمن الله عليها بالنصر..

فالقوم مقبلون على الجهاد وهو يتطلب الصبر عند الملاقاة ، الصبر على المحن والشدائد ، فإن لم يتدربوا وهم قادرون على أن يمنعوا أنفسهم فكيف سيصبرون وقت الصعاب والأهوال واشتداد المعارك وحمي وطيسها وكيف سيواجهونها، قد يتقهقروا أو يتراجعوأ أو توهن عزائمهم أو يخذلوا قائدهم ، لذلك كان التأهيل مسبقا حتى يكونوا على قدر المسؤولية ويستطيعوا تجاوز الصعاب وكل ما يعتري طريقهم ..

لذلك كانت الإبتلاءات والإختبارات حتى يصطفي الله عز وجل للنجاح والتمكين ويبلغ القمة من استحق الفوز عن جدارة ونال المنزلة العظيمة ، من أخلص النية ومن رخص للحق كل غالِِ ونفيس ، وحتى يبلغ مقام التمكين من اجتاز الإختبارات بنفس رضية وطاهرة ..عندها ستقف على من سيكون لصفك حتى النهاية ومن سيتخلى عنك أو يخذلك في منتصف الطريق أو من يتيه في سراديب تبعده عن جادة الصواب..

السيرة النوية تزخر صفحاتها المجيدة بالتضحيات والبذل والعطاء والفداء والملاحم ، وكان للنبي عليه الصلاة والسلام لإحتسابه أوتي الحظ الأوفر من الصبر على إيذاء قريش عندما صدح بالدعوة ، وكان القدوة لهم في تحمل العناء والثبات وعندما أثقلت كاهلهم المحن واشتد البأس وعانوا الأمرين ، وقفوا بين يديه يرجون النصرة والعون من الله ، سرد عليهم صبر من كان قبلهم وكيف آذتهم أقوامهم وصبروا وثبتوا على درب الحق ولم يتزعزعوا ولم تثنيهم المحن عن مواصل المشوار حتى أظهر الله الحق وزهق الباطل وبشرهم بالنصر فلا يستعجلوا ، قال تعالى : 
حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) 
وقال أيضا : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } سورة البقرة..

وأول غزة همّ بها النبي عليه الصلاة والسلام كانت لاعتراض قافلة قريش ، إلا أن الله عز وجل أعدهم لما هو أعلى قدرا ، ونجحوا في الإختبار وصمدوا وماوهنوا وساندهم الله عز وجل بجند من الملائكة وقوى شوكتهم ، لذلك كانت الإختبارات حتى حين يحل النصر والتمكين تكون النفوس قد تطهرت وأخلصت النية ومؤهلة لنيل النصر ومتمسكة به ولا تفرط فيه ولو في أحلك الظروف ، فقد جاء بعد بذل الجهد وبعد التضحيات ، قصص القرآن جاءت لتشد الأزر وتسند الظهر فهي البلسم للجراح ، تبث التفاؤل في النفوس وتزرع الأمل فيها ..بأن النصر قادم لا محالة ،بإذن الله ، وكم من محن تحمل في طياتها منح كثيرة ..

سُئل الإمام الشافعي رضى الله عنه أيهما خير للمؤمن أن يمكن أو يبتلى !
فقال لا يُمكّن المؤمن حتى يُبتلى ؟
الإبتلاءات تصقل معادن النفوس ، فتشحن الهمم وتقوي الإرادة وتعلي العزيمة وتميز الخبيث من الطيب ، وتعلم أن ما تكابده من محن وتصبر لها أجر ولها جوائز ، ولا يتسلل القنوط لروحك ولا ينتابك اليأس والإحباط ، فأنت تسير على ردب الإنبياء والصالحين والأتقياء ، وتعلم أن طريق الحق ليس مفروشا بالورود بل دونه تضحيات جسام ، والعاقبة دوما للمتقين ..

الجمعة، 6 مايو 2016

الإحتلال والإستبداد وجهان لعملة واحدة..



من يدعم إرهاب الإحتلال بحق الفلسطيني ، الذي قتل واعدم الشباب بدم بارد ودنس المقدسات وقضم الأرض ونكل بأصحاب الأرض واعتقل وضيق وحاصر وو..هو نفسه من يغض الطرف عن جرائم المستبدين بحق شعوبهم ويدعم بقاءهم ويحمي كراسيهم وهو من يمنع منطقة آمنة في سوريا تحفظ أرواح الأبرياء ويمنع السلاح النوعي الذي قد يحسم الصراع بذرائع واهية وإلا كل ما يمتلكه الإستبداد من قوة يصبها حمما على رؤوس الآمنين ويستقوي بحلفائه في إبادة الشعب وهو من يوزع التصنيفات هذا معتدل وذاك غير معتدل وهو من زرع الورم في قلب الأمة ودججه بكل أصناف الأسلحة حتى ينفذ سياساته في إضعاف الأمة وشرذتمها وانهاكها في صراعات طاحنة تفتت قوتها ومتى ما توحدت الأمة قويت وأعادت بوصلتها لوجهتها الصحيحة، بإذن الله ..

وما نراه من محاكمات صورية يعقدها المحتل ما هي إلا تلميعا لوجهه القميئ ، حاخاماتهم يعبئون ويحشون عقول مستوطنيهم بعنصرية مقيتة نحو العرب والمسلمين بل نحو كل من ليس يهودي ، وإلا من اغتال بسمة وبراءة مئات الأطفال في غزة والآلاف منذ أن اغتصب فلسطين وفي المقابل يحاكم المقاومين بأحكام عالية مع أن مقاومة المحتل حق مشروع لشعب يرزح تحت نير الإحتلال ، وما يترتب عن هذا الإعتقال من انتهاكات وتعسفات وقتل بطيئ ويهدم الدور في عقاب جماعي يطال كل العائلة ، الإحتلال بنى كيانه على أشلاء ودماء أصحاب الأرض ، ارتكب المجازر المورعة بحق الفلسطينيين واستولى بقوة السلاح على الأرض وطمس معالم جريمته ، فهناك من الجرائم ما هو موثق بالصور وهناك الموثق بشهادات تشيب لها الولدان لمن نجى من المجازر..

أما الإستبداد استشرس لأنه بات يتعرض لتهديد حقيقي سيجثت بغيه وفساده من جذوره ، والله أعلم إلى أي مدى سيبلغ صلف الإحتلال عندما يتعرض لتهديد حقيقي يقتلع إرهابه ، الإستبداد يطيل أمد الإحتلال ، لأنه هو من يساهم في تخلف الامة وتدجينها والهائها وإشغالها بمشاكلها الحياتية واليومية عن هموم أمتها وتجهيلها ويثقل كاهلها ويغيّب وعيها ويكتم كل الأصوات المؤثرة أو يهمشها أوينفيها حتى لا تُحرك الشارع ، هومن يعيق نهضتها بكل ما من شأنه أن يبعدها عن قضايا أمتها وهو سبب تقهقرها ، كانت الأمة في مقدمة القافلة فغدت بفعل الإستبداد في ذيلها وغار مجدها وسؤددها ..

الإستبداد يؤمن مصالح الإستعمار تقاطعت مصالحه بمصالحه ، ومتى ما عجز عن تأمينها جاءت لتؤمنها بنفسها وتحرق الأخضر واليابس بذريعة محاربة "الإرهاب" وتئد حلم الشعوب في الإنعتاق من براثن الإستبداد ، وهو الحائل دون تحرر الأمة من أغلال التبعية وبتحرر الشعوب تتحررالأمة وتستعيد مكانتها بين الأمم وهذا بدوره يفضي لتحرير مقدساتنا ، تحرر كامل وحقيقي : في غدائها وسلاحها ودوائها..
الإستبداد خذل القضية الفلسطينية بل وتآمر عليها ، وتغنى بها لتحقيق مآربه ومؤتمراته كانت تعقد للشجب والإدانة دون أن تخرج بقرارات جادة وحاسمة توقف إرهاب الإحتلال ، وجاءت شراسه الإستبداد ودمويته التي قابل بها شعبه والتي نادت بالحرية والكرامة والعدالة ، دليلا على أنه كان فقط يتمسح بالقضية الفلسطينية حتى يمتص غضب الشعوب عندما تتعاطف مع القضية وحتى يحمي بذلك كراسيه ويبقى جاثما على الصدور..

وإلا لو استعمل ربع القوة التي قابل بها صدور شعبه في مواجهة الإحتلال لما كان ثمة كيان ، "يتكامل" دور الإحتلال والإستبداد في محاصرة المقاومة التي تدافع عن فلسطين ويغلق شريان حياتها معبر رفح رئتها التي تتنفس من خلاله ، وهو من يطيل أمد الإحتلال بخزي التنسيق الأمني مع محتل الأرض ويحارب المقاومة بشتى السبل ويقوضها ويفرط في الأرض ولا يحرك ساكناعندما تدنس المقدسات ويكتم كل نَفس مقاوم يعيد للقضية وهجها ويحييها وهو من يشجب تدنيس المقدسات وكأن مسؤولية حمايتها فقط يتحملها الفلسطيني وحده بيد أن من يتعرض للتدنيس والإنتهاك هو أولى القبلتين وثاني المسجدين ومسرى الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ومسؤولية حمايته وصونه تقع على عاتق الأمة جمعاء ..
وهو من من يحرم غزة من أن تجني ثمار انتصاراتها وجهدها وصبرها وحقها في امتلاك ميناء و مطار ورفع الحصار الجائر عنها ، يربط رفع الحصار بتركيعها ، لا قدر الله ، وتخليها عن مقاوتها والتي تدافع عنها وصدت عدوان المحتل الغاشم ، الركوع أو الجوع وإحكام الحصار وخنق غزة ، فالأمة عانت من ويلات الإستبداد وكذا الإحتلال ولازالت ولن تتعافى إلا بأستئصال شرورهما..