الجمعة، 24 فبراير 2017

بين العدل والظلم..



في ظل العدل يتدفق العطاء وتخرج الأنفس مكنونها ، فالعدل يوفر البيئة الخصبة للإبداع ، بيئة تحتضن المبدعين ، وتنمي قدراتهم ، فيها يشعر المبدع أن جهده مثمن وحقه محفوظ ، فيها تُفتح الآفاق ، وتحشذ الهمم ، ويفيض البدل والعطاء وتتفتق الأفكار ويتميز الأداء ، فالمبدع ينبوع عطاء لا ينضب ، إن احتضنته بيئة عادلة ..

البيئة العادلة تحفزك على العطاء وعلى الإبداع ، فجهدك مقدر وله قيمة ووزن ، مع اهتمام وتكريم يرفع معنوياتك ويشجعك على الإستمرار ، وتدلل أمامك الصعاب حتى تشق طريق النجاح بهمة عالية ، وتسقل مواهبك ، ويزداد التنافس في الخير ، حتى تبلغ قمة الإبداع ، البيئة العادلة جالبة للمبدعين ، ومحضنا لهم ، فيها يثمر العمل الجاد ويزهر الإبداء ، وتنمو القدرات ..

أما البيئة الغير العادلة ، فهي بيئة طاردة للمبدعين ، ومدعاة للإحباط وهجرة عقول المبدعين ، فيها يجذب العطاء ويتوقف الإبداع ، ويتسلل للأنفس اليأس ، فتحس أن لا جدوى من العمل ، مادام حقك مهضوم وغير مصان..

البيئة الغير العادلة تقتل في نفسك الإبداع ، وفيها تخبو جذوة العطاء وتفتر الهمم ، وينضب البذل ، وتتكبل الروح وتتكدر النفس! وتحسسك بالغبن !
فما أحوج أمتنا لبيئة عادلة تعتز بعقولها النيرة وترفع قدرهم وتثمن عطاءهم وتستفيد من طاقاتهم ، لتستعيد وهجها ومجدها وتعلو مكانتها بين الأمم ..

الثلاثاء، 14 فبراير 2017

المرأة بين التفريط والإفراط ..



فهي إما محرومة من اكمال دراستها ، أو التصرف في حر مالها ، أو حتى اختيار شريك حياتها ، وهناك من يتسلط على مهرها فينهبه وكذلك إرثها ، فتتنازل عنها إما استحياء لتبقى روابط الأخوة قائمة أو بالغصب ، وداخل الأسرة مهضومة من حقوقها إلا من رحم الله ، فإن هي سكتت على ظلم زوجها زاد تسلطه وإن هي اختارت "مجبرة" الإنفصال ، عاقبها المجتمع !! 

ينظر إليها نظرة دونية ، واستغل جهدها ، حتى ولو كانت هي الضحية ، أو افراط ، يتحدث البعض لجسدها وليس لعقلها ! ويستغل أنوثتها في المسلسلات الهابطة ، والإشهارات وإلا ماذا يعني إشهار سيارة وبجانبها امرأة شبه عارية !! أما دعاة التغريب من تبنوا قضيتها لا لإنصافها ورفع الحيف عنها ، بل الصقوا تهمة تخلفها ومعاناتها واميتها للإسلام ! وبذريعة تحررها ينالون من الإسلام وتعاليمه السمحة ، في حين أن الإسلام هو من أكرمها وأعلى قدرها ..

في صدر الإسلام فقد اعتنى بها وصانها وحماها وحفظ حقوقها ، فكانت أم الشهداء تفتخر بشهادة أبنائها ، تزفهم للحور العين بنفس رضية ، متطلعة لما أعده الله لهم من نعم وما أكرمهم به من فضائل ، وكانت سندا للدعوة و مجاهدة بمالها ونفسها ، وبلسما للجراح ، كالسيدة فاطمة في غزوة أحد عندما داوت جراح أبيها النفسية وواسته وكذا ضمدت جراحه الجسدية ، حتما من عطل جهدها وأعاق مسارها ، لا يدرك قيمتها ووزنها في نهضة الأمة ، والإستفادة من مجهودها وعطائها عودة الأمة للريادة ، بإذن الله..

والبعض يستخف بها عندما يلوك مقولة : شاوروهن ولا تأخذوا برأيهن ! وما جدوى مشاورتهن إن لم يُوخذ برأيهن ! وهل النبي صلى الله عليه وسلم عندما استشار السيدة أم سلمة استخف برأيها وبمشروتها ؟! أم أخذ بها وكانت فاتحة خير على المسلمين ، واليوم ينكل بها الإحتلال كما الإستبداد ، تعتقل مع صغارها ويُضغط على زوجها من خلال التنكيل بها ، ويستقوي عليها ويفرقها عن فلذة كبدها ، وهناك من يفسر عوج الضلع الذي جاء في الحديث حسن هواه ، وأنه عوج في طبيعتها! بيد أن أحد الدعاء فسره تفسيرا غاية في الروعة ، عوج الضلع وجد حتى يحمي القلب من أي خطر خارجي ، وإن ذهب ليقيمه أي يريد امرأة تشبهه ! كسره وكسرها طلاقها ، والمرأة ليس مخلوقا غريبا عن الرجل فهي خلقت من ضلعه ، فحين يتزوجها وكأنه يسترد أو يعيد جزءا منه إليه..

وآخر عندما يريد أن ينتقص منها يورد حديث : ناقصات عقل ودين ويقف عنده وحتى مدلوله فاته ، ويقف عند هذا الجزء ولا يكمل بقية الحديث ، وقد أفاض العلماء في تفسير ناقصات عقل ودين ، ولو أكمل بقية الحديث لوقف على مدلولها القيم ، ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن))  فالنبي صلى الله عليه وسلم يلفت نظر المرأة أن تستعمل عقلها وكل ما منحها الله عز وجل من هبات وملكات ومنح  فيما يعود على أسرتها الصغيرة وكذا الكبيرة بل والأمة بالخير والنفع ، ويبين قدرها في إنشاء جيل قادر على أن يحمل الأمانة ويجابه الصعاب ، جيل قوي قادر على تحمل المسؤولية لا تهزه أعباء الحياة ، يتحدى العقبات ويدلل المصاعب..
ولا تنشغل بسفاسف الأمور أو تهدر وقتها في مشاهدة المسلسلات المستوردة والبعيدة عن قيمنا الإسلامية وتقاليدنا واعرافنا ، أو تعدل عن وظيفتها الأساسية ..

من غير المعقول أن يخلق الله خلقا ويستخف به أو يحتقره أو يهينه ، قال تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فالإستقامة والخير لا يستفرد به الرجل دون المرأة ، كما أن الشر ليس محصور على هذا دون ذلك ، والله عز وجل خلقنا لنتكامل وليس لنتصادم ..
وقد أورد القرآن الكريم قصة السيدة بلقيس ، ليس من باب المدح والثناء على صنيعها الطيب أو الإعتزاز بحكمتها ، بل لتكون لنا القدوة ، فقد كانت فأل خير على قومها ، بحكمتها وروتها ، أبلغتهم مرفأ الأمان ، وفتح الله مغالق قلوبهم للحق ، وجنبتهم مرارة الحرب وخراب الديار، بل وقالت مقولة : أقرها القرآن وستتلى أبد الدهر :(( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ..))

سئل أحد العلماء : متى تبدأ تربية الأبناء ، فقال : عند اختيار كلا الزوجين للآخر ، فمن لم يحسن الإختيار ، رسم معالم مستقبل أبنائه ، ومن اغفل الدين عند الإختيار وهو الأهم ، انتج أسرا عليلة ومن حرص أن يزوج بناته على صاحب الدين والخلق ، بإذن الله سينتج جيلا تفخر به الأمة ، ومن عاشت في بيت أهلها وفي بيت زوجها معززة مكرمة ، تركت بصماتها على شخصية ابنائها ، أما من عاشت ذليلة مهانة ، فستخرج جيلا خنوعا مستكينا غير مهيئ لمجابهة الصعاب ، النبي صلى الله عليه وسلم رأى يوما رجلا قبل ابنه الذكر واجلسه في حجره ولم يقبل بنته واجلسها بجواره ، فأنكر عليه فعله وأمره أن يعدل بين أولاده في المعاملة وحتى في القبلة ، فمن يؤثر ابنه الذكر على البنت يكدر صفوها ويئدها معنويا وتبقى الكلمة الطيب من الزوج لزوجته هي من تؤسر القلوب وتترك الأثر الطيب ، فيتدفق الحنان والمحبة ويُترجم لعطاء ولمسات حانية ، وتخلق جو من الصفاء والوئام على البيت والأولاد ..

وعندما نالت المرأة كل تقدير واحترام في صدر الإسلام وكانت لها مكانة ، انجبت للأمة رجالا أعزة ، عطاءهم الفياض وعزهم بلغ  مشارق الأرض ومغاربها ، ارضعتهم مع اللبن الكرامة والشهامة والإقدام والبسالة ، فعندما آمنت بالحق وذادت عنه وصمدت في وجه الطغيان ، تعرضت للإيذاء بل فاضت روحها ولم تغير دينها ، فكانت سمية الخياط أول شهيدة في الإسلام ، فالمرأة إن صلحت أصلحت من حولها ، وهي معول خير في المجتمع ، المرأة ينبوع عطاء لا ينضب وهي من نصف المجتمع وهي من تربي النصف الآخر وإن هي نجحت في وظيفتها الأولى في تربية جيل سليم معافى من العاهات ، واعتنت بهم وكان الرجل يساهم في تربيتهم ، وغرست في نفوسهم قيم الإسلام وأخلاقه ، حتما ستمد أمتها بثمار صالحة ، تعيد لهذه الأمة مجدها وسؤددها ، بإذن الله ..