ابدعت مسيرة العودة وكسر الحصار في أشكال نضالها وبذلك تشكلت وتنوعت وطورت ، فتميزت وازدادت زخما وشدّت الأنظار وانتبه العالم للقضية من جديد من أن طغت عليها أحدات مستجدة ، حجبت عنها الإهتمام الذي تستحقه ، غير أن المسيرة أعادت لها وهجها ، وفي كل مرة تتفتق عقلية الإبتكار والإبداع لدى المشاركين فيها ، فإزدادت تألقا وابداعا ، ومفاجآتها تبهر الكل وينتظرها المشارك وكذا المتابع والمهتم لها بحماسة وشغف ، حتى الإحتلال بات ينتظر كل جمعة مفجآت الشباب الثائر ، التي قضت مضجعه ويتكهن كيف ستكون ويعتقد أنه استعد لها ويفشل مع كل مرة في عرقلتها .. 

وبذلك خنقت الإحتلال واربكت حساباته واظهرت حقيقته للعالم ووقف الكل على مظلومية الشعب الفلسطيني ، الذي يدافع عن أرضه بصدره العاري ، والأعزل إلا من إرادته وتصميمه العالي وصبره وصموده وثباته وتصميمه القزي على تحقيق اهدافه ، يواجه احتلال متغطرس ومدجج في كل أشكال الأسلحة يهضم حقه وينكل به ، لكن مع كل جبروته يقف عاجزا في إيقاف هذا المد الهادر ، أو أن يحد من طاقة شباب يرنو لوطنه ويسعى لتحريره ويشتاق للعودة لقراه ..


سطرت مسيرة العودة أشكالا بهية للنضال ، تنوعت اشكالها فزادتها تماسكا واصرارا وابداعا، بدءََ من الطائرات الورقية التي كبدت الإحتلال خسائر جسيمة ، إلى تحدي الحدود الوهمية التي خطها الإحتلال بحقده وحال بين الفلسطيني وأرضه ، إلى احراق اعلام الإحتلال في رسالة لرفض الإحتلال ووحدة الكوتشوك واهدافها في التشويش على قناصة الاحتلال ، وتثمين جهود الشباب الثائر الذي أبان عن بسالة وشهامة واقدام ، شباب تربوا على حب الأرض وضحى بروحه فداء لله ثم للوطن ، جاد بروحه وهو يتحدى السياج الفاصل الذي غرزه الإحتلال في أرضه بعد ان اغتصبه عنوة وحرمه منها وفرق بينه وبين موطنه ، تم وفاء لدماء الشهداء والتصميم على مواصلة النضال حتى تحقيق الأهداف المرجوة من مسيرة العودة ، بإذن الله


فتوالى الإبداع حتى بلغت تسيير سفينة الحرية لكسر الحصار الجائر ، ليبلغ رسالة للعالم أجمع ، أن هناك شعب يعاني مرارة الحصار ، حصار نال من الأجساد ، التي انهكها المرض ، ضمت سفينة الحرية مرضى وجرحى وطلاب ، رحلة رمزية تضم عينة تعكس حالة غزة في ظل الحصار الجائر ، فكم من مريض مات وهو ينتظر تحويلة للعلاج وكم من طالب ضاع عليه العام أو أكثر وحرم اكمال دراسته وضاعت عليه المنحة ، وكم من جريح تفاقم وضعه الصحي وهو ينتظر السفر للإكمال العلاج وكم من عائل اغلقت أبواب الرزق في وجهه بسبب الحصار وعندما طرق أبواب الهجرة حال الإحتلال بين وبين ذلك ...


سفينة الحرية هي لسان حال غزة الذي يعبر عن معاناته جراء حصار تجاوز العقد ، حصار نغص على أهالي غزة حياتهم ، وحرمهم تحقيق أحلامهم ، مع أن غزة مخيم للأجئين ، الإحتلال لا يكتفي بإحتلال الأرض ، بل يحرمهم العودة إليها ويحيل مخيمهم الكبير لسجن خانق ، يكتم فيه ألأنفاس ويحيل حياتهم لجحيم لا يطاق في ظل الحصار الجائر ..


الكل يشاهد بأم عينيه كيف لعالم يكيل بآلاف المكاييل ، فشل في حل قضية اللاجئين وعودتهم لقراهم التي هجروا منها قسرا من خلال الضغط على الأحتلال لتنفيد القرارات والقوانين التي كفلت للشعب المهجر من العودة لقراه ، في الوقت نفسه لا يحرك ساكنا أمام جرائم الإحتلال بحق شعب قرر العودة لموطنه ، فلاهو اعاد الشعب لوطنه ولا هو وفر له الحماية من بطش الإحتلال ، فالشعب الذي يعاني مرارة الحصار يواجه وحشية الاحتلال للعودة لوطنه ، ومصر على حقه في العودة ، وكأن الشعب المهجر قسرا لا يكفيه أنه محروم من موطنه ليزيده الإحتلال حصارا فوق تهجيره له قسرا ليضيق عليه حتى في أماكن لجوئه !!


ومع مرارة المشهد الذي يحاول الاحتلال رسمه وترسيخه ، إلا أن جسد الفلسطيني المنهك بفعل الحصار الجائر وجرائمه المتواصلة ، ذاك الجسد الذي يسري في أوصاله حب وطنه ويبذل لأجله روحه ، مشهد الشباب واستماتتهم تشد المشاهد ، فقد هشموا مقولة الصغار ينسون ، هذا الشعب واعي ويعمل لقضية كبيرة وموطنه أرض مقدسة ، مباركة وعاصمتها القدس التي تضم بين جوانحها أولى القبلتين وثاني المسجدين ومسرى المصطفى عليه الصلاة والسلام ، أرض طاهرة مباركة تستحق الفداء والتضحية ..


سفينة الحرية بآلامها وآمالها في التحرر من براثن الحصار الجائر ، والتي تحمل على متنها حالات انسانية وتعرف العالم بمرارة الحصار وطريقة تعامل الإحتلال الوحشي معها ، تكشف وجه الإحتلال البغيض ، العالم أجمع وقف على رسالة سفينة الحرية ، الإحتلال يطبق حصارا جائرا على الشعب المكلوم في غزة وإن أراد العودة لقراه المحتلة ليعيش فيها عزيزا كريما في مظاهرات سلمية سدد له الإحتلال سهام حقده ، فيستشهدون على اعتاب ارضهم وعيونهم ترنو لربى فلسطين وارواحهم تتطلع لأرض حرموا منها عقودا ، إن قرروا كسر الحصار قرصن سفينتهم وعاملهم بوحشية ، وإن أراد الشعب العودة لوطنه نكل به !!


ومع أن الرحلة في السفينة محفوفة بالمخاطر في ظل احتلال لم يتورع من استهداف الأبرياء ومصيرها مجهول وممكن يتعرض للآفات ومع أن الاحتلال ارسل رسائل تحذير ليحول دون تسيير السفينة بإستهداف سفن من قبلٌ راسية في الميناء ، إلا أن الراغبين في خوض التجرية كان مذهلا ، لم يمنعم غطرسة احتلال ولم تهزمهم تحذيراته ولم تنال من عزيمتهم تهديداته على ركوب المخاطر والتحدي وبلوغ رساتهم الإنسانية للعام اجمع ، ومازالت في جعبة الشعب التواق للحرية وكسر الحصار المزيد من المفاجآت التي ستدهش العالم أجمع بإبداعاتها ، بإذن الله ، فالشباب يحملون أملا كبير في القلوب ولن يغفو لهم جفن حتى تحقيقه ، بعون الله ..