عندما ثارت الشعوب نادت بإسقاط النظام ، فهي ترى فيه المسبب لما آلت إليه أوضاع البلاد من تقهقر وطبقية وتخلف وضعف وتبعية وفقر وو...مع أنه كان فقط الواجهة لأكمة تتستر خلفه -والتي ستسفر عن وجهها القميئ بعد أن تتغول الثورات المضادة- ورفعت شعارات : كرامة ، حرية ، عدالة اجتماعية ، وشاركت فيها كل الأطياف وعقدت عليها الآمال العريضة نحو التغيير لغد أفضل وو..
ويبقى السؤال : هل سطر الثوار أهدافا للثورة ؟! حتى يستميتوا على تحقيقها ويبذل الغالي والنفيس لأجلها ، لأن الثورة المضادة والتي أعادت النظام القديم بأبشع صورة وضعت نصب عينيها هدفها وإن كان ضد إرادة الشعوب ، لم تتوانى ساعة واحدة حتى بدأت معاول الهدم تنهش في جسد الثورة ، وظفت كل ما تملكه من آليات واستغلت الأبواق الإعلامية لشيطنة الثوار واضعاف نسيجهم ، ووضعت خططا جهنمية للنيل منهم حتى تضعف التفاف عموم الشعب حولهم ، وعملت بكل الوسائل الدنيئة لشق صف الثوار وو..مع العلم ولو كان الصف متماسك لما نالت منه الشائعات..
ولا يكفي أن تسطر أهدافها بل توفر لها الإمكانات لنجاحها ، وحتى تكون يقظا وتفوت على الثورة المضادة مأربها ، وهذا للأسف ما لم يحصل في أغلب الثورات التي شهدها وطننا العربي ، ترهل الصف الثوري وانفرطت حبات عقده ونال منه الضعف ، في حين تغولت الثورة المضادة ، أو عادت بوجه مختلف مع بقاء النظام القديم ، إذن لا يكفي أن تسطر أهدافا للثورة ، بل تعمل لها بكل طاقاتك ولا تستكين إن تعثرت ، ولا ينتابك اليأس ، ولا تستعجل في جني الثمار قبل الأوان ، واعلم أن الحرية لها ثمن ، وتوطن نفسك على البذل والعطاء ، وتعلم أن طريق الحرية ليس سهلا هينا بل دونه تضحيات جسام ..
مهم أن تقوم بثورة مجيدة تبهر العالم والأهم أن تعرف كيف تحافظ عليها ، لأن الإستبداد عندما يعود سيكون أكثر شراسة ويشدد الخناق ويكون أكثر دموية ويغلق عليك كل المنافذ والثغرات حتى لا تستنهض الهمم من جديد أو يعود التفاف الناس من حولك ، ومعلوم أن السكوت على الظلم عقودا يرفع تكلفة إزاحته ، ومع هذا فهدفك الذي سطرته هو الوقود الذي يشحن همتك ، فلا يتنيك قهر وتجبر الإستبداد فالحق في النهاية هو من سينتصر ، بإذن الله ، وتكون لمن حولك القدوة ، صلابتك وصمودك وثباتك ومجابهتك للتحديات هو من يشحذ همتهم ويقوي عزيمتهم وسيزيد الملتفين حولك..
أما النكوص أو التراجع أو التوقف في منتصف الطريق هو خذلان لدماء سالت وضياع لتضحيات بذلت ، وضعفك لن يزيدك إلا هوانا ، لذلك من أسباب ضياع الثورة عندما تغيب الأهداف ،فلا يعرف الإنسان إلى أين يسير أو ما المطلوب منه ،يسير على غير هدى ..
وهذه الأهداف التي سطرتها سلفا وعملت لها زمنا وهيأت لها الطاقات لتعمل بحماسة وتفانِِ ، وأهلتها لتخطي المعيقات وتتحدى المنغصات التي ستصادفها في طريقها ، هي من تمهد الطريق للنجاح ، مع بث الوعي بين الصفوف بأهداف الثورة حتى توفر لها الدعم ، وتكون قد خططت لكل مرحلة كيف تتعامل معها وكيف تعالجها وكيف تجابهها ، مثلا الدولة العميقة لن تسلم بسهولة لإرادة الشعوب ،فهل خططت كيف تفشل مآربها ؟! كما خططت هي كيف تفشل تجرتك!..
فالبناء الشاهق لم يبنى بين ليلة وضحاها ، هناك مهندس ومخطط ترى بصماته بادية للعيان وهناك أيادي تعبت في تشيده واتقنت بناءه وهناك عيون سهرت عليه حتى غدا في أبهى منظر ، النفوس التي لم تتشرب ثقافة الثورة وتؤمن بإهدافها ، ستفرط فيها في أكلح الظروف ولن تحميها ، لذلك رسم الأهداف يوفر الطاقات ويصونها من الضياع وفي كل محطة تقيم مسارك حتى تقف على ماتحقق وما ينتظر وفي أي نقطة أنت ، العمل العشوائي والغير المنظم يضيع الوقت والجهد..
وتدرك كيف ترص الصفوف من جديد لتعود روح الثورة للجسد ، وتزرع بذور الأمل والتفاؤل في النفوس ،فالإستبداد بممارساته الشنيعة يحاور أن يبث في خلد الشعب اليأس والإحباط واستحالة التغيير ، ليعيده لحظيرة الإستبداد ، ومهم أن يدرك الثوار أن الشعب ركن للإستبداد عقودا ، وعندما يتشرب معاني الثورة ويقف على أهدافها النبيلة ، ويرى استماتتك حتى تحقيق مطالب الثورة ، سيتحلى بالصبر حتى تنضج ثمار ها ، بل سيكون مشاركا في بناء صرحها، بإذن الله ..