الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

عرس الإنطلاقة ..


أحيت المقاومة الإسلامية حماس عرس انطلاقتها الواحد والثلاثون في جو مفعم بالعزة والكرامة والكبرياء والأنفة ، وقد غصت الكتيبة الخضراء وكانت إسما على مسمى ، فقد توشحت الكتيبة بالأخضر وغدا عنوانها ، وغصت بالمبايعين لنهج المقاومة ، لم يفت في عضدهم الحصار ولا المؤامرات ولا العقوبات ولا التضييق ، بل صقلت معدنهم و زادتهم إصرارا وثباتا وصمودا ، حاصنة شعبية وفية لمقاومة تبذل الغالي والنفيس لحمايتها وتصد عدوان الإحتلال عنها ..
وشعب مخلص لمقاومته الباسلة يسندها ويحتضنها ، فهي عنوان كرامته وعزته ، ومقاومة باسلة تحمي الشعب وتدافع عنه وتصد صلف الإحتلال وتبهج الروح بأدائها المميز ، مسيرة حافلة من الإبداع والإنجازات والبذل والعطاء ، استهدف الإحتلال قادته ليكسر شوكتها وليضعفها ، إلا أنها حركة ولادة ومعطاءة ومعينها لا ينضب ، تقيّم دوما مسارها وتطور من أدائها ومع كل إنجاز لها يشتد عودها وتقوى شكيمتها ، وتجتاز كل محنة اعترتها بثبات وقوة وصلابة ..
شكّل تصديها للمجموعة الخاصة الصهيونية صاعقة للإحتلال ، شلت تفكيره واربكت حساباته ، وأكيد ما أسفر عنه رئيس المكتب السياسي في عرس الإنطلاقة النزر القليل مما لدى المقاومة مما أنتهت إليه من مخزون غدا بحوزتها ، بلغة سيفهمها الإحتلال واكيد استوعبها : غزة غدت محرمة على الغزاة ، وعصية على الإنكسار ، غزة تحميها وتحرسها عناية الله ، وتذود عنها سواعد أمينة وقلوب مخلصة ، وعيون تسهر على ثغورها ، أراد الإحتلال من خلال إستهدافه للشهيدين أشرف علاونة وصالح البرغوثي ، خاصة قبيل الإنطلاقة ، تعكير الصفو وادخال الحزن على القلوب والنيل من صلابة المقاومة وكسر إرادتها ، تناسى أن من اختار درب الفداء ، يرنو دوما لإحدى الحسنيين : إما نصر أو شهادة ، وفي كلاهما نصر ، والمقاوم يدرك أن للحرية والكرامة ثمن ، والشهادة وسام شرف وعزة لا يناله إلا من اصطفاه الله عز وجل لهذه المنزلة الرفيعة ، ويدرك أن حرية الأوطان لا تتحقق إلا بالتضحية والفداء وقد وطّن نفسه لنيل الشهادة ..
ومع ذلك كانت له المقاومة بالمرصاد وردت له الصاع صاعين ، لم تترك له المقاومة الوقت ليتنفس أو لينتشي بما اعتقده نصرا احرزه ، حتى جاء رد المقاومة مزلزلا ، فالمقاومة لا تنام على ضيم ، وردها جاهز ، جاءت عملية فدائية أخرى ، أثلجت الصدور وأشفت القلوب وابهجت الروح وضمدت الجراح وزادت من زخم عرس الإنطلاقة ، وشهداؤنا في الجنة وقتلاهم في النار ، وبون شاسع بين المحتل للأرض المغتصب للحق ، وبين صاحب الحق ، هذا الأخير جسور في طلب حقه ، يجود بروحه ليحمي حقه ، يستميت في طلبه ، يقارع بأخلاق ، أما المغتصب للحق جبان ، حتى عندما يستهدف الشهيد ، يعاقب كل العائلة ، بهدم الدور أو اعتقال الأهل والتنكيل بهم ، هذا له تفسير واحد ، انعكاس للعقلية الإجرامية المتغلغة في داخله ولطبيعته النشاز واجرامه المتأصل في كيانه، هو عصابات اجرامية طلع لها كيان ..
رسالة الجماهير التي غصت بها الكتيبة الخضراء للمحتل : لن تشق صفنا ولن تفرق شملنا ، التحام تام بين المقاومة وشعبها ، بل ارتباط وثيق بينهما ، وعندما يكون الشعب واعي ، لن تنال منه الإشاعات المغرضة ولن يلتفت إليها ولن تفت في عضده المحن والخطوب ، فهو يدرك أن المحتل وزبانيته هم من يحاصرونه ويحرمونه مقومات الحياة لينفضّ عن مقاومته ، الحشود الغفيرة التي امتلأت بها الكتيبة تعلن التفافها حول المقاومة ، التفاف يزيد المقاومة قوة وتماسك وعنفوان ، وهذا ما بدا في عرس الإنطلاقة وقرّت به العيون ..
كل محب لنهج المقاومة كحل عينيه بمشاهد العزة والرفعة والفخار ، مشاهد عز ابتهجت لها قلوب المحبين وأغاظت الصهاينة وأذنابهم ، شعب لا ولن يخذل مقاومته ومقاومة لن تفرط في شعبها ، بإذن الله ، شعب يدرك بوعيه أن ضريبة الكرامة والعزة مهما علت هي أهون من ضريبة الركون والإستسلام والخنوع ، مقاومة تاج على رؤوس الأمة فهي من تقف بشموخ واعتزاز وقوة أمام المشروع الصهيوني وهي رأس الحرب في مقارعته ، ومقارعته بذكاء في إطار صراع الأدمغة لا تقل مقارعة في الميدان ، وقد تفوقها لتسد الفجوة لإختلال توزان القوة ، مقاومة في تطور مضطرد ومتواصل ودؤوب ولا تفتر همتها ، فكان لها الشعب نعم الظهير والوفي والمثمن لجهودها وفي عرس انطلاقتها جدد البيعة لها ، أراد الإحتلال أن يرتد الشعب عن المقاومة في عقر دارها ، بإستهدافه لحاضنتها في كل مرة وبكل السبل الخبيثة ، إذ بالضفة تلحق غزة وتهتز على وقع ضربات المقاومة أقدامه ..
ويبقى ما أفصح عنه رئيس المكتب السياسي في عرس الإنطلاقة مما أغاظ الإحتلال ، وما أبانت عنه المقاومة من ابداع وتميز يعد نقطة في بحر مما تذخره المقاومة ويقض مضجع الإحتلال ، ولا زال في جعبتها الكثير من المفاجآت مما يثلج قلوب محبيها ويغيظ الصهاينة ، ويزيد من رصيد المقاومة ، وماضاع حق وراءه مطالب .  

السبت، 8 ديسمبر 2018

النساء شقائق الرجال ..




النساء شقائق الرجال : هكذا ينظر الإسلام لكلاهما على السواء ، نظرة تكامل وتعاضد وتآلف وأنسجام ، وليس تصادم وتنافر وتباين ، وكفل لكليهما الحياة الطيبة ، قال تعالى :(( من عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً )) بهذا الفضل وهذا المنّ يثمن الله عز وجل عطاءهما وعملهما الصالح ويجزيهما أفضل الجزاء ، مساواة في الأجر والعكس صحيح ، فلا المعصية تتفرد بها المرأة دون الرجل كما يتوهم البعض ، ويبني عليها نظرته المجحفة ويعممها على كل بني جنسها ، وينظر لها نظرة دونية ويعتبرها مصدر الشرور !! ولا الصلاح والإستقامة حكر على الرجل دون المرأة ، فهي نظيرة له في الأجر والثواب والعكس صحيح ..
وعندما حضيت المرأة بتربية صالحة وامتازت بوعيها وهذب الإسلام خلقها ووجدت فيه بغيتها ، فهو من أكرمها وأعلى قدرها ، أنشأت جيلا تفتخر به الأمة وكانت معول خير في بناء المجتمع الإسلامي ، وساهمت في بناء صرح الأمة وشيدت مجدها مشاركة الرجل هذا الفضل ، فأول من آمنت كانت السيدة خديجة رضي الله عنها ، بل دعمت الدعوة في المهد بمالها وآوت النبي صلى الله عليه وأسلمت وانتصرت لنهجه القويم ، وكانت لزوجها نعم العون والسند ، ترفع معنوياته وتشد من أزره وتقوي عضده وتعزز ثباته وتخفف عنه ما يجده من عناء في تبليغ الرسالة ، وكانت له الصدر الحنون والملاذ الآمن والسكن للروح وبلسم للجروح ..
وهو أيضا قابل عطاءها وتفانيها بالإخلاص لها وثمن تضحياتها حتى بعد مماتها ظل يذكرها بخير ويثني عليها ويذكر مناقبها ، ولم يتزوج عليها حتى ماتت ، وكلما اشتدت غيرة السيدة عائشة نحوها ، لكثرة ذكره لها يرد عليها بذكر فضائلها على الدعوة وحتى عليه : فعَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى يَذْكُرُ خَدِيجَةَ ، فَيُحْسِنُ عَلَيْهَا الثَّنَاءَ ، فَذَكَرَهَا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ ، فَأَدْرَكَتْنِي الْغَيْرَةُ فَقُلْتُ : هَلْ كَانَتْ إِلا عَجُوزًا ، فَقَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا ، فَغَضِبَ حَتَّى اهْتَزَّ مُقَدَّمُ شَعْرِهِ مِنَ الْغَضَبِ ، ثُمَّ قَالَ : " لا وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، وَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي وَكَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي مِنْ مَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَوْلادَ مِنْهَا ، إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ " ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : فَقُلْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي : لا أَذْكُرُهَا بِسَيِّئَةٍ أَبَدًا "
وأول شهيدة في الإسلام كانت السيدة سمية أم عمار بن ياسر ، التي وقفت في وجه الباطل متحدية جبروته وصلفه وجادت بأغلى ما منحها الله إياها ، روحها قدمت رخيصة فداءََ لله ثم لدينها ، واستماتت على كلمة الحق ولم يرهبها بطش البغي ولم تستكين للباطل حتى فاضت روحها لبارئها ، نموذج من الصبر والتحدي ، وصورة من صور ما لاقته المرأة من عناء وابتلاء ومعاناة للتمسك بدينها والدفاع عن عقيدتها ونشرها للدعوة ، وبذلك شاركت أخاها الرجل هذا الفضل ، بل كان لها النصيب الأوفى في بناء مجد الأمة وسؤددها ، وغيرهن من النساء الخالدات من سجلن أسماءهن في صفحات التاريخ المجيد ، بمداد من فخر وعزة ، وانجبت للأمة قادة انبهر العالم بأنفتهم وعزتهم وبسالتهم وبطولاتهم وبلغوا بعز الأمة مشارق الأرض ومغاربها ..
أما عندما تعرضت للمهانة وأثروا عليها الذكر واهملوا تربيتها وتركوها لقمة سائغة بين يدي المسلسلات المستوردة والبعيدة عن قيمنا وثقافتها أو للغثاء الذي تجع به القنوات ، رأينا بصماتها على شخصيتها وتربيتها لأبنائها مستقبلا ، وبهذا سينشأ جيل مستهتر عاجز عن مواجهة التحديات لا يُعول عليه ، خانع ضعيف مهلهل ، فهِمت التحرر على غير حقيقته ، بأنه التعري والتبرج والإهتمام بسفاسف الأمور عن جوهرها ولبها ، وبذلك ابعدوا المرأة عن واجبها ورساتها وهي المشاركة في بناء مجد الأمة وتربية النشء التربية الصالحة ودورها الرئيسي في رفع راية الإسلام خفاقة ..
وغدت المرأة بين إفراط وتفريط ، بين من أعادها لزمن ما قبل الإسلام ، وعرضها لوأد أفظع وأنكى من الوأد المتعارف عليه ، مع أن الإسلام أعلى قدرها وصان حقوقها ، وحباها حق الحياة وحق التعليم وطلب العلم والحق في التملك والحق في التصرف في حرّ مالها ، وحق أختيار الزوج ولم يفرض عليها ابن القبيلة أو ابن عمها ، وكانت مستشارة و كان يُعتد برأيها ولرأيها وقع وحس ويُسمع له ، وتداوي الجرحى وتسقي الماء وتجاهد في سبيل الله ، فمن تحمل سيفا لتجاهد به ، حتما خضعت لتدريب مسبق وإلا كيف لها أن تحمل سيفا ثقيل الوزن ، اليوم بعض النساء يتعرض لوأد أشنع من الوأد الأول ، فإما طمس شخصيتها وحرمانها من كل حق صانه الإسلام لها ، وإما استغلالها أبشع استغلال في الإشهارات والمسلسلات الهابطة ، وإلا فما معنى اشهار ليسارة وبجانبها امرأة شبه عارية !!
والوأد الذي تحدثنا عنه سابقا هو من يستغله دعاة التغريب والتخريب ويوعزون وضعها المزري ويردون تخلفها وجهلها للدين !! ويلفقون للإسلام التهم جزافا ، وأوهموا المرأة أن الحرية تكمن في نزع حجابها والتخلي عن رسالتها في الوقت الذي حرموها من التعبيرعن رأيها بحرية في شؤون وطنها وكمموا فاهها وكذا التسلط وطلب المساواة فيما فصل فيه الشرع لخصوصية كلاهما ، حتى يحصل التكامل والإنسجام وليس انتقاصا منها ، فغدت بذلك سلعة مبتذلة والبعض اختلق قدوات بعيدات عن نبض الإسلام وعن نساء خالدات ، القدوات الصالحات ..
والأنكى عندما تُفسر نصور القرآن والأحاديث حسب الهوى !! أو يجزّأ الحديث فيخرجونه عن سياقه ، ليوهموا ضعاف النفوس أن الإسلام انتقص من المرأة !! كالحديث عن الضلع الأعوج وناقصات عقل ودين ولو فهموا معناهما الحقيقي لوقفوا على تكريم الإسلام للمرأة ، فالأول يتحدث عن طبيعتها التي جبلت عليها لتضفي على البيت لمسات حنونة وطيبة والثانية لو أكملوا الحديث لوقفوا على معناه الحقيقي ، فهو يثني على المرأة ويحثها على إعمال عقلها الراجح فيما ينفع الأمة ، وكذا الضجة التي أثير حول الإرث ، وكلها حروب مختلقة لإشغال المجتمع عن همومه الحقيقية وابعاد كلاهما عن رسالتهما الهادفة ، فرسالة المرأة في بناء مجتمع نظيف وقوي وإعادة مجد الأمة ، لا تقل أهمية عن رسالة الرجل وقد تفوقه أهمية ، لعظم رسالتها فهي نصف المجتمع وهي من تلد وتربي النصف الآخر ، فبيتها عرين الأبطال ومصنع الرجال إن هي أجادت في رسالتها حتى تعيد الأمة لمكانتها وحتى تحقق مميزات ومؤهلات الخيرية التي امتازت بها أمتنا لتعود خير أمة أخرجت للناس ..

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2018

كيف تتخيل مشهد يوم تحرير المسجد الأقصى المبارك؟





رؤية الأقصى المبارك وقد تحرر من براثن الإحتلال وفُكت قيوده وقد انزاح عنه رجس الإحتلال وتطهرت باحاته من ادرانهم وعادت له اشراقته وبهاءه وضياءه وعنفوانه ، هي فرحة لا توصف ، فرحة تبهج القلب وتفرح الروح ، يومها ستُفح كل أبواق الأقصى المبارك لتستقبل أفواج المحبين ، أبناؤه البررة وقد اشتاق رؤيتهم ، من سيجوه بحبهم في قلوبهم وتعهدوا لنصرته ودافعوا عنه ، من عانوا مرارة البعد وارقهم حاله وهو يرزح تحت نير الإحتلال من حملوا همّ تحريره ، ستعلو التكبيرات حتى تبلغ عنان السماء ، سيتأثرون بالمشهد المهيب ، وسيسجدون سجدة شكرا لله وامتنانا لفضله وكرمه واحسانه أن أحياهم حتى عايشوا هذه اللحظة المجيدة ، حتما ستتلاشى أحزانه وستزول أوجاعه ، فكل قلوب محبيه التي كانت تهفو شوقا رؤيته ، التقت في رحابه الطاهرة ، اليوم تعانق أولى القبلتين وثاني المسجدين ومسرى الحبين المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وأمانة الناصر صلاح الدين .

تتعهد جموع المسلمين أن تحفظ الأمانة وأن لا تفرط فيها وأن لا تخذلها وأن تحرسها وتصونها وتذود عنها ، عاد إلى حضن الأمة بعد غياب قسري ومعاناة مريرة ، اليوم يوم مشهود فلا سحنة مغتصب ولا نعيق صهاينة ولا تدنيس ولا ابعاد ولا عربدة ، مشهد أنساه كل همومه وخفف عنه ما أثقل على كاهليه ، جموع المسلمين يحييون المرابطين فيه ، من صمدوا وصبروا وثبتوا ولم يسلموا ولم يركنوا وحافظوا على حق الأمتين العربية والإسلامية في مقدساتها ، كانوا للأقصى المبارك الذرع الحصين والحصن المنيع ، حالوا دون مكر وشر الصهاينة وكل ما تضمره عقلياتهم الماكرة لمقدساتنا ..

كل شيئ سيعود لأصله ، ستُمحى آثار التهويد والتنكيل وستزول غربتها وستعود للمدينة المقدسة هويتها وألقها ، فما فوق الأرض وما تحتها ينبض بالحق لأصحاب الحق ، وستحتضن البيوت أصحابها فقد اشتاقت لهم ، فكل ركن من أركانها يهفو لهم ، بين جوانحها تضم ذكرياتهم وأمالهم وأحلامهم ، يومها سيفرح المسلمون بأن أكرمهم الله بسجدة فيه قبل المماة ، سجدة ينشرح لها القلب وتزيح الهموم وتخفف لوعة الشوق ، اليوم يرون الوعد وقد تحقق ، قلوب محبيه يتملون بهاءه وعيونهم مشدوهة لطهارته وجماله ، فكم تغنوا بحبه وكم أرقهم الشوق والحنين لطهره وقد آسر حبه قلوبهم وذابوا حنينا إليه ، اليوم يرونه بعيدا ونراه قريبا ، بإذن الله ..

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

ملخص الباب السادس للكتاب : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس..



الكتاب القيم : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس
ملخص الباب السادس : قوانين تارخية وتطبيقات معاصرة ..

تحدث فيه الكاتب كيف أوجد النبي صلى الله عليه وسلم مثل أعلى يضحون من أجله بعد أن بنى مجتمعا تسوده روابط الأخوة والإيواء والنصرة ، واحسن التعبئة واستفاد من جغرافية الموقع ، خلاف قريش التي تزعمها أبو جهل وغاص في عصبيات الجاهلية ، واتسمت سياسته بالتخبط واستنفار أهوج والخواء الروحي ، فأتم الله النصر للمسلمين بعد أن استنفدوا كل عوامله وجاءهم الدعم من الله عز وجل ، وهكذا تجني الأمم النصر والتفوق ، بإيجاد مثل أعلى للتضحية من أجله ، توحيد الصفوف ، الإعداد الجيد والإستفادة من جغرافية المعركة ، أما من يطغى عليه الإرتجال والعصبية والمصالح الشخصية مصيره الفشل ، ومن تمسك بهذه القوانين احرز النصر وقد حدد الكاتب إحدى عشر قانونا وفصل فيها للوقوف على عوامل النصر والتفوق..
القانون الأول :
حين يكون الولاء للأفكار ويدور الأشخاص والأشياء في فلك الأفكار ويتسلم الأذكياء القيادة تدور الإهتمامات في قضايا العامة الكبرى للأمة وعندما يكون الولاء للأشخاص ويتصدر المشهد ذوي النفوذ والجاه ، ويسخرون الأفكار خدمة لمصالحهم الشخصية أو لحزبهم أو لطائفتهم ، فيتنافسون في متاع الدنيا تهلكهم ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة ، فعندما كان الولاء لأفكار الرسالة ، ودارت حولها الأشياء والأشخاص ، بلغ عز الأمة مشارق الأرض ومغاربها ..
القانون الثاني :

عندما تفشل كل مقومات الإصلاح ، مطلوب القيام بمراجعات تربوية تشمل كل المناحي ، ويبدأ الأمر بالموجهين من تتوفر فيهم الإرادة والكفاءة والمروءة ، والإنعتاق من كل ما أعاق المسار من عادات بالية وثقافة بعيدة أن جوهر الرسالة وحادت عن المنبع الصافي ، الغربلة وإزاحة الشوائب وما علق بالأذهان مما شكل اغلالا أعاقت انطلاقة حركة الإصلاح ، واعطى مثالا رائعا ، قطع أوراق الأعشاب الضارة لا ينهيها ، إن لم تقطعها من جذورها ، معالجة الأمور التي أدت لإنتكاسة الأمة هو من سيعافيها ، وإلا سيستفحل المرض ..

القانون الثالث :

الإسلام هو العلاج الفعال المؤدي لصحة المجتمعات ، لكن إذا تولى أمور المسلمين اصحاب العقول النيرة ، والهمم العالية والنيات المخلصة والإرادات القوية ، فكما تصدر لحمل رسالة الإسلام من هم أهل لها ، انطلقت الأمة وتحدت العراقيل ، فهذا هو أصل أمراض الأمة ، ولتتعافى الأمة من أمراضها مطلوب معالجة أصل المرض وليس تناول اعراض المرض وترك المسببات ، فعندما يتقلد من هو أهلا لحمل المسؤولية يتم الإنجاز ، ولنا في يوسف عليه السلام أبلغ مثال ، تحمل المسؤولية بجدارة واقتدرا وأداها على الوجه الأكمل ، ولو تحملها من ليس لها بأهل ، لحلت الكوارث وعندما توسدت المسؤولية لحزبي أو طائفي أو قريب دون مراعاة الكفاءة تحل النكسات..

القانون الرابع :

كيف يكون الداعية داعية بسلوكه واخلاقه وهندامه وتعامله وجلده وصبره وزهده ، فعلا وليس قولا ، دوما النجاح الحقيقي يكمن في الإختبار ، فمن كان قوله يخالف سلوكه ومظهره فشل في الإختبار ، ولم يلقى تجاوبا معه ولن تتعدى كلماته المسامع ولن تبلغ حنايا القلوب ، عندما يلمس الجمهور قولك في كل مناحي حياتك يكون للكلمات وقع والعكس صحيح ، فلا تتحدث مثلا عن العدل وأنت غارق في الظلم أو عن الزهد وأنت غارق في ملذات الحياة وهكذا، وتطرق أيضا في هذا القانون الأهتمام بنشر حركة الإصلاح والتجديد في الأرياف ، فالظلمة يستغلون جهل هؤلاء وحاجاتهم ، ليخلقوا منهم معاول هدم وتصدي للدعاة واهدار كرامتهم ، الإهتمام بهم وتوعيتهم وتحصينهم ، يجنبهم الإستغلال ..
القانون الخامس :

تتحقق قوة المجتمع من خلال نضج وتكامل عناصر القوة فيه وهي : المعرفة والثروة والقدرة القتالية ، المعرفة تكمن في العلماء وذوي الخبرة والمتخصصين والثروة تكمن في رجال الأعمال والأقتصاد والأغنياء والقدرة القتالية تكمن في الجنود والقادة العسكريين ، عدم نضج عنصر من هذه العناصر يفضي للهزائم ، ومهم أن يدور العنصرين التاليين في فلك المعرفة ، لتكون السياسة حكيمة والقيادة ناجحة ، الخطورة تكمن في لحظة النصر ، فالثروة والقدرة القتالية تنسيهم نشوة النصر فعالية عنصر المعرفة ، فيترهلون بفعل الترف والدعة ، والأنكى عندما يتسلل المنهزمون لباقي العنصريين الثروة والقدرة القتالية ويتحالفون معهم وينكلون بعنصر المعرفة ، عندما يرفضون الإنسياق معهم ، وعندما يرى الأذكياء هذا المصير المفزع ينصرفوا عن عنصر المعرفة ويتسلقها من هم ليسوا أهلا لها ، الطامعين في رضا الحاكم ، من هنا يأتي علماء السلاطين أو بالأحرى أبواق السلاطين من يتزلفون للحاكم ويبررون له سياسته الرعناء ، والإنشقاق في عناصر القوة السالفة الذكر ، ينشئ عنها تدمير للقيادة الحكيمة وترك المجتمع فريسة للإهواء والإرتجال والإنفراد بالقرار والجهل..
القانون السادس :

اصلاح وتجديد المؤسسات التربوية تفضي لرشاد وصوابية التخطيط والتنفيذ ، وأي انفصام بينهم يؤدي إلى التيه والصراع والتفتيت وينتج أمه ضعيفة ممزقة ، لذلك تغريب المؤسات التربوية بعد جمود المؤسسات التي كان من مهامها القيام بالإصلاح والتربية ، انعكست بصمات المؤسسات التغريبية على مؤسسات التخطيط والتنفيذ ، مجتمع مسلم ويفصل عليه سياسات غربية لا تمت بصلة لتاريخه الإسلامي وقيمه ومبادئه ، فينتج سياسة تخدم الأجنبي ومصالحه وليس مصالح الأمة ، وإن خضعت المؤسسات التربوية لمعيار العصبيات الحزبية والطائفية والاسرية ، هي أيضا كارثة ،عدوا المسؤولية تشريف وليست تكليف وضيعوا الأمانة ..
القانون السابع :

أي حركة اصلاحية ليكتب لها النجاح مطلوب وقفة مع نفسها وعودة لماضي الأمة المجيد لتعرف كيف بنت مجدها وكيف بلغت مصاف عليا ، وما هي الحزازات التي كانت تؤجج صراعاتها لتتفاداها ، هذه المرحلة سماها الكاتب بمرحلة الحس الإجتماعي وانتقل منها لمرحلة الوعي الإجتماعي ، حيث تتضافر عناصر القوة الثلاثة السابقة الذكر ، وهذا ما فصل فيه الكاتب في أبواب سابقة عن تجربة نور الدين وصلاح الدين وما ترتب عنه من تمكين وانتصار ..
القانون الثامن :

كيفية تحويل أفكار الإصلاح إلى تطبيق ، فعندما تتناقض الأفعال مع الأقوال لا تجدي حركة الإصلاح ، مثلا تتحدث عن العدل وعلى الأرض ينتفي العدل أو تتناول الزهد ولا وقع له على أرض الواقع ، فقبل انطلاق حركة التجديد والإصلاح التي تزعمها الدعاة المخلصين ، كان المجتمع يغص بالمواعظ والتحدث عن المثل العليا ، وعلى ارض الواقع تذبح بل ويُمارس ضدها ، غثاء في المواعظ وعلى أرض الواقع قيظ وجدب ، وأعطى مثالا حيا كيف لم تستفيد الأمة مما كانت تزخر به ولم يجد له وقعا على ارض الواقع ولم تستفيد منه وكان مصير الرمي في نهر دجلة من قبل هولاكو!!
القانون التاسع :

لا تكون أفكار التجديد مؤثرة إلا إذا جسدتها في واقع الحياة مؤسسات تربوية والتي قسمها الكاتب لخمسة أقسام : التنشئة والتربية والتعليم والثقافة والإرشاد والأمن وكل مؤسسة لها تمثيل على أرض الواقع ، مثلا مؤسسة التنشئة تمثلها الأسرة ودور المرأة الكبير فيها والفاعل ، وأتى بنماذج متناقضة ، فإما امرأة مهمشة ، مستضعفة مقهورة أو امرأة متعالية فرطت في واجبها ورسالتها ، وهذه وتلك لا تعود بالخير على الأمة ، وأعطى النموذج الراقي ، في صدر الإسلام كيف كان للمرأة حضور ومشاركة في نشر الدعوة وحتى الجهاد ومن كان لهن الفضل في تربية جيل صلاح الدين ، جيل قادر على تحمل المسؤولية ومجابهة الأخطار وتحقيق النصر وطبعا تناول الكاتب كل مؤسسة على حدى وبين عوارها عند ترديها واسهامها في اضعاف الأمة وتخلفها وأتى بالنموذج الأرقى والأفضل والذي حقق للأمة الإنتصارات ، فصل في باقي المؤسات بشكل رائع جداا أرجو قراءتها والتمعن فيها ، وخاصة مؤسسة الأمن وتوابعها ..
القانون العاشر :

كما أن النجاح يعم كل الميادين ، كذلك الضعف والإنحطاك يشمل كل الميادين ، إن عم الفشل ميدانا ما أصاب كل الميادين الباقية بالشلل والإنتكاسة ، والناس كما قال ينسبون الفشل أو النجاح فقط للقادة وينسون عموم الأمة ، فعندما ذم الله عز وجل فرعون اتبعه حتى بقومه ، وذكر مع كل الإنجازات التي حققتها دول متقدمة ومع ذلك ظل باب الإنتقاد مفتوح ، فيعزل من فرط أو قصر أو أخطأ ..
القانون الحادي عشر :


استراتيجية الإصلاح والتجديد يتناسب مقدار النجاح بقدر مراعاة قوانين الأمن الجغرافي وقد بين الكاتب أهمية منطقة الشام ونعتها بمنطقة الثغور والرباط ، وإن حادت الجماعة التي ترابط فيها عن جادة الحق حلت الهزائم ، وبين كيف أن الغرب دوما يشكل التحدي للمسلمين ، فإن كانت الأمة في خير ومنعة وقوة هابوها وكانت لها منزلة عندهم وإن حلّ العكس استخفوا بهم ، يغني الضير فينا الآخر فقط يستغل ضعف الأمة ، ما إن يغيب العدل ويطفو في الأمة كل حزازات الجاهلية وتتمزق ، يسلط عليها من يهينها ويذلها ، وتفقد قوتها ومنعتها ، وما إن تعود لجادة الحق وترى تعاليم الإسلام واقعا ملموسا على أرض الواقع وليس قولا ، يهابها اعداؤها وتستعيد مكانتها بين الأمم ، وبين أهمية الشام استراتيجيا ، فهي الثغرة التي تنفذ إليها الأخطار وهذا ما فطن له صلاح الدين وعمل على نقاء تلك البقعة واصلاحها واحياء رسالة الإسلام على ثراها الطيب وتهييئها لمواجهة التحديات ، فالغرب الإستعماري عمد لتفتيتها وتمزيقها لدويلات ضعيفة تنهشها الطائفية والنعرات وكل ما أذابه الإسلام من حزازات الجاهلية وكل ما كان يدكي الصراعات والحروب طفا على السطح ، تمهيدا لزرع ورم الصهيوني بقلبها ، وحدتها وعودتها للمنبع الصافي وارساء دعائم العدل فيها هو الكفيل لتحقيق نصرتها ، بإذن الل
ه ..

الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

ملخص الباب الخامس للكتاب : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس..



الكتاب القيم : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس

ملخص الباب الخامس : 
الآثار العامة لحركة الإصلاح والتجديد ..

أسفرت الحركة الإصلاحية التي شملت ميادين عدة في إخراج دولة المهجر : الدولة الزنكية ، بعد أن ضرب اليأس أطنابه في ترميم أمة لفظت أنفاسها وأخذت تتحلل ، جاءت الدولة الفتية لتبعث الأمل في نفوس المخلصين وقد هرع إليها كل من يرغب في خدمة الدعوة والعمل في سبيل الله والإخلاص فيه وتصحيح المسار وعوة بالأمة لمكانتها ، والتي بدأ عماد الدين في توطيد أركانها وبعد أن مات شهيدا خلفه ابنه نور الدين ، فقد سبغها بالطابع الإسلامي ، فتحت الدولة الجديدة أبوابها لكل مخلص راغب في الإصلاح والتجديد ، قدم إليها كل الإتجاهات التجديدية وتلامذة المدارس الإصلاحية ، تابعت الدولة الفتية مهامها إصلاحية والتي شملت كل المجالات ، وبدأت توسع رقعتها ، لتخلق بذلك الوحدة الإسلامية ..

وأول ما بدأت الإهتمام به دور التعليم ومؤسساته وفتحت أبوابها خاصة لأولئك الذي تخرجوا من المدارس الإصلاحية ، استفادت الدولة الجديدة من جمهور المخلصين التي انتجتهم الحركات الإصلاحية والتي لم تترك مضمارا إلا وألمت به ، وأزالت كل الشوائب التي خلُصت إليه ، وأعادته لجادة الصواب ، فلا تعصب لمذهب ولا حساسية والكل فيها طالب علم حتى القادة ، فكانت الملاذ للعلماء والشيوخ وكل الطاقات المخلصة وتظافرت الجهود وترتب عن ذلك اسباغ البيئة بالطابع الإسلامي الخالص ، وإخراج جيل تجلت فيه الروح الإسلامية والإرادة الصلبة القوية ، جيل يُعول عليه في تحدي الصعاب ..

القيادات العلمية والسياسية والإدارية والفكرية تخرجت من المدارس الإصلاحية وتشبعت بالتربية الإسلامية ، مزجوا بين العلم والدراية والحنكة والذكاء والفطنة والأخلاق الرفيعة ، حنكة سياسية وحكمة وشجاعة وإقدام مع علمهم الديني وورعهم وحفظهم لكتاب الله عز وجل ، مع تواضعهم وحلمهم ، فبذأ التحشيد لمقدرات الأمة واعدادها وتوطيدها لمجابهة تحديات وأخطار الداخل والخارج ، كانت القيادات الفكرية والسياسية تجلس في مجالس العلماء الأكفاء ، حتى تنهل من علمهم العزير ، حتى لا يكون عملهم ارتجالي أو انفراد في اتخاذ القرارات وسادات الشوري ، فلا يقطع نور الدين أمرا إلا بعد مدارسته والمشاورة فيه مع أهل الإختصاص والمخلصين ودوما يتم تغليب المصلحة العليا للأمة ، ما ميز الدولة الحديثة : الزهد وبذل المال في أوجه البر والإحسان ، والتعفف وعزة النفس ، والقادة يضربون المثل والقدوة الحسنة لمن حوله من وزراء وقادة وجيش ومدراء ، فانعكس ذلك عليهم وعلى الأمة خيرا وصلاحا ..

مع أن الأموال كانت تفيض بين يدي نور الدين إلا أنها مرصودة خدمة لمصالح الأمة ، وبدل الأخذ انتشرت ثقافة العطاء ، رصد الأغنياء اموالهم في بناء المدارس لنشر الفكر الإسلامي ، مدارس تستقطب من تخرجوا من المدارس الإصلاحية لينشروا الخير ويعمموه في صفوف الرعية ، تدفق العطاء والبذل ، بنيت الجوامع والمستشفيات وكثرت الهبات والعطايا والإنفاق في سبيل الله ، وتنافست نساؤهم في هذا المضمار هن أيضا ، فكان العطاء هو السمة السائدة يومها ، وارسى القائد نور الدين دعائم العدل واحترام كرامة الإنسان وحفظ له حرية الرأي وحرص على تنمية روح العزة والأنفة في نفوس الرعية وكذا الشعور بالكرامة ، افسحت لهم الدولة الجديدة الباب على مصراعيه للنقد البناء ، حتى نقد القادة فيما يخدم الصالح العام ، حتى يقطع الطريق على المتزلفين للسلاطين والطامعين في قربه ..

وكما تقدم في الباب السابق اهتمت المدرسة القادرية بأبناء النازحين من المناطق التي تعرضت للهجزم الصليبي ، فكانت تنتشلهم من حياة الضياع والتشرد أو الإهتمام بالمصالح الشخصية حتى ينسون قضيتهم ويفرطوا في حقهم ، وتعدهم وتهتم بهم وتعيدهم لأرض الرباط ، وكانوا بذلك يحشدون الطاقات لمواجهة الإحتلال الصليبي ، المدارس الإصلاحية التي اهتمت بالجانب العسكري والجيش والجهاد هي من أولت الإهتمام لأسرة صلاح الدين ومنها تخرجوا وبذلك امتازوا بالحنكة السياسية واتخذ من تلك المدارس مستشارين له عرف عنهم ذكاءهم وحكمتهم ، فقد فوتوا على الإعداء محاولات فاشلة عدة للإطاحة بصلاح الدين وأفشلوا المآمرات التي حيكت له من اعادء الأمة ..

ازدهرت الحياة الإقتصادية في الدولة الجديدة واحسن الناس كيفية التعامل بمصادر الثروة وأزالت الدول كل ما كان يعيق أو يثقل كاهل التجار ، وأوجدت فرص العمل وحفز هذا الإنتعاش الإقتصادي لأفواج من العمال من كل الأقطار العربية للوفود إليها ، مع ما كان توفره الدولة من مسكن والإقبال على التعلم والمعرفة ، وأي مجال يختارء الوافد إلا ويجد تسهيلات وظروف متاحة ومحفزات حتى يتفوق فيه ، فتدفقت الكفاءات ووجدت المحضن الطيب ، أحسن وفادتهم وأجاد في استقبالهم وطور أداءهم ، اهتمت الدولة أيضا بإنشاء المرافق الحيوية من طرقات ومستشفيات وأماكن خضراء من بساتيت وكذا الحمامات وو.. 

اهتم صلاح الدين ونور الدين ببناء القوة العسكرية خاصة في ظل التهديدات الصليبية المحدقة ، من بناء التحصينات والمصانع الحربية وعتاد ، وخضع هذا أيضا للمدارس الإصلاحية والتي مهدت للفتوحات فيما بعد ، كان القائد نور الدين هو نفسه من يتفقد أحوال الجند حتى لا ينقصهم شيئ ، يوفر لهم كا ما يحتاجونه ، واهتم بالإعداد العقدي واسند لأولئك الذين تخرجوا من المدارس الإصلاحية لبلورة مفهوم الجهاد والحكمة منه واخلاص النية فيه ، حتى يقفوا على احكام الجهاد والغاية والمغزى الحقيقي منه ونبل رسالته ، وحتى يحفز الجندي للجهاد ويحثه على الرباط والبذل والتضحية والصمود والثبات ، تربية إيمانية لتوطد الأنفس لمجابهة الأعداء بروح عالية وبكل بسالة وشجاعة ، وانعكست مدارس الإصلاحية التي قادها جناح النساء لإخراج جيل من النساء ساهمن في حركة الجهاد وكن من كافة الطبقات من القيادات حتى للطبقات الشعبية وأولين الإهتمام للمدارس والمستشفيات التي تهتم بعلاج جرحى الجهاد وكذا اهتموا بالإعداد التربوي والإيماني كن منهن عالمات وواعظات وزاهدات وفقيهات وسرد الكاتب اسماء لامعة كانت لها بصمة جلية في تخريج جيل صلاح الدين والمساهمة في التحرير ..

ركز أيضا على الوحدة الإسلامية ، لما فيها من قوة ومنعة للمسلمين ، فهي السبيل لتحرير المقدسات ودفع الأخطار ، وخاصة أن البعض تحالف مع الصليبيين للقضاء على بعضهم البعض طمعا في السلطة وخدمة لمصالحهم الذاتية وانهكوا بذلك الأمة واضعفوها ، وبعد استتباب الوحدة استطاع نور الدين أن يواجه صلف الصليبيين ، وفي رحلته الجهادية أعد نور الدين منبرا جديدا للمسجد الأقصى المبارك إلا أن المنية وافته فأوكل الأمر لصلاح الدين ، ضم جيش صلاح الدين كل الفئات من العالم إلى الجندي ، أثرت فيهم الروح الجهادية التي تربوا في محاضنها وتشربتها أرواحهم ، فتدافعوا لنيل إحدى الحسنيين ، وتحققت على أيديهم المعجزات وكان لهم النصر والتمكين ، فٌتحت القدس وكانت أول جمعة أقيمت في المسجد الاقصى مؤثرة ، رقت لها القلوب وفاضت لها الأعين بالدمع ولهجت الألسن بالحمد والشكر على فضله العظيم ومنته ، لم يقف صلاح الدين عند ما احرزه من نصر وتمكبن فقد كانت همته عالية تناطح الصحاب ، فقد رأى استئناف الفتوحات الإسلامية ، إلا أن هذا الهدف العالي يتطلب حشد الطاقات وتظلفر الجهود وتوحيد الأمة من شرقها حتى غربها ..

نصف قرن من الزمن والأمة مرت عبرها بعملية تصحيح وتجديد وغربلة للصفوف ، حتى تخرج جيل تفخر به وتعتز به ، جيل قوي يجابه الصعاب بإرادة فولاذية وصلابة وشجاعة ، نصف قرن من تغيير ما بالأنفس حتى غير الله عز وجل أحوال الأمة ، وحل محل الضعف القوة ومحل الفرقة والتشرذم الوحدة ، وحلت محل الهزائم والنكسات الإنتصار والفتح والتمكين ..

الاثنين، 10 سبتمبر 2018

ملخص الباب الرابع للكتاب : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس ..


هكذا طهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس 

: ملخص الباب الرابع  

 ..انتشار حركة الإصلاح والتجديد والمدارس التي مثلتها 

كان من آثار مدرسة الإمام الغزالي ظهور نوع جديد من المدارس والمؤسسات التربوية التي استلهمت روح منهاجه التربوي الذي بلوره في علاج أمراض الأمة والتي عجت بها الساحة وكذا مفرزاتها وآثارها ، انقسمت هذه المدارس إلى قسمين ، قسم اهتم بالنابغين والنابهين ليكونوا مشايخ في التربية وقيادات سياسية واجتماعية وقسم اهتم بالعامة ، وهؤلاء هم من كان يعتمد عليهم السلاطين الظلمة ليكونوا عساكر وشرطة تحمي سلطانهم ..

ومن المدارس الرئيسية اللامعة مدرسة القادرية نسبة لمؤسسها الشيخ عبد القادر الكيلاني ، والتي ركزت نشاطها على القيادات اللازمة للعمل الإسلامي ونشر رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ووضع منهاج العمل التربوي والدعوي ورسم الخطط واعداد البرامج ، أفاض الكاتب في سرد سيرة الشيخ المؤسس ، فقد نشأ بيت صالح زاهد وينحدر من نسب شريف ، وعاش قرابة أل18 سنة في موطنه الأصلي ، ثم رحل للعراق ، وهذه الأخيرة كانت يومها تعج بالإضطرابات السياسية والإجتماعية والثقافية ، تأثر الشيخ القادري بالإمام الغزالي خاصة فيما سُمي بالإنسحاب الإيجابي ومجاهدة النفس ثم العودة ، وتأثرت أيضا كتاباته فترة من الزمن إلا أنه ما لبث أن استقل عنه وكانت له طريقته الخاصة في الفكر والتطبيق ..

آلت له أحدى المدارس بعد وفاة شيخه ، فما كان منه إلا أن زاد في بنائها وتوسعتها ، حيث جعلها مركزا لنشاطات عديدة ، منها التدريس والإفتاء والوعظ ، مدرسة تؤهل طلبتها لحمل رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد أن تعدهم روحيا وعلميا واجتماعيا ، بل ولعبت المدرسة دورا هاما في اعداد جيل المواجهة للخطر الصليبي ، وكان من بين طلابها الذين تخرجوا منها مستشارين لصلاح الدين سياسيين وعسكريين ..

اعتمد الشيخ القادري نفس نهج الغزالي ، فكان يرى إصلاح دين الفرد لا يتم إلا بإصلاح القلب وإزالة كل ماشابه من حب الدنيا وكل ما يشغله عن الله ، هذا وبعد أن شخص أمراض المجتمع الأساسية للفساد المطنب ، أول ما وضع اليد عليه فئة العلماء ، ابتعدوا عن واجبهم وتخلوا عن رسالتهم وبذلك عمت البلوى ميادين شتى ، الملاحظة المهمة أنه هو أيضا بدأ بالعلماء كما الإمام الغزالي ، وهو أيضا أفاض في وصفهم ، من بين اوصافهم أنهم يصفقون للعالم المتغلب حتى ولو كان ظالما ويفتون بفساد المنهزم وكما تصدر لهذه المنزلة الرفيعة علماء غير أكفاء ، فتصدى لهم الشيخ وكشف عاهاتهم من التزلف للحاكم والمتاجرة بالدين وحذر الناس من حضور مجالسهم ، فهم من يطيل أمد السلاطين الظلمة بعد أن يحكموا قبضتهم على العامة كما واجه التعصب المذهبي الذي يؤدي للمشاحنة والتناحر ..

كما شن حملة على السلاطين الظلمة وبين أخطارهم وابرز انحرافهم ومظالمهم ، هم ومن يدور في فلكهم وأن لا يطيعوهم في معصية ، كما تصدى لأمراض القلوب التي تفشت في المجتمع من رياء ونفاق وو..وزال الإخلاص ، حتى غدت مظاهر التدين لا روح فيها ولا نبض ، فإن تصدق المرء أو صلى أو صام فطلبا لحب الثناء ، كما انتقد الفوارق الطبيقة والهوة السحيقة بين الأغنياء والفقراء ، وترجم أقواله لواقع على الأرض فقد أفسح للفقراء مكانا كبيرا في قلبه ، يأويهم ويطعمهم ويحضرون دروسه وينهلوا من علمه الغزير ، حتى التفوا حوله وتعلقوا به ، بعدها تصدى للتطرف الشيعي الباطني والتيارات الفكرية المنحرفة ، بعد اطلاع واسع والإلمام بشرورها ، وكشف انحرافاتها ، فهناك من تدثر بالتشيع لأهداف سياسية واحكام قبضتهم على مقدرات الأمة وبث سموم الفرقة وو..

وانفتح على المذاهب وقلص الفجوة بينها وكان محمودا عند كل المذاهب واستفاد منها وأوقف الخصومات بينها ، وصحح مفهوم التصوف الحقيقي ، واعاده لجادة الصواب ، ولوظيفته الأصلية مدرسة للتربية وتعليم الزهد والتجرد لله وطهرها من البدع التي خَلصت أليها ، كما رسخت الحملة القادرية على التوحيد والإخلاص فيه ، التوحيد في منهاجه متصل بالحياة الإجتماعية ، حتى يطمع المرء بما عند الله وأنه النافع الضار والعاطي والمانع ، من خلال هذه التربية جرد السلاطين من مظاهر القوة المعنوية وحتى يدرك السلاطين أن المسؤولية تكليف وليست تشريف ، وصحح مفهوم القضاء والقدر ، عدم الإستسلام للهزائم وعدها قدرا محتوما ، بل النهوض لدفعها ومواجهتها وعدم الإستسلام لها ، ووصف كيف يكون الإيمان بالله ، وترجمه للعمل والإخلاص فيه ، فالتدين لا يكمن في العبادات والشعائر بل بالعمل والإخلاص فيه ، وبذلك رسخ للتكافل الإجتماعي ، كيف يصح إيمان عبد وجاره جائع ..

واحيى نشر رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي تصدرها العلماء الأكفاء وقد بين أوصافهم الجليلة ، هم من يدرك معنى ورثة الأنبياء ، سانده في حملته الإصلاحية أقرانه المخلصين وتلامذته من النابغين ، علاوة على مدارس انتشرت في الأرياف والبوادي والنواحي ، مهمتها نشر الدعوة وارشاد الناس للطريق السليم وتصحيح المفاهيم وخلق جيل يجابه الصعاب ومستعد للتضحية ويتحدى المخاطر ، ومن هؤلاء من شكل النصيب الأوفى من جيش صلاح الدين ، الذي حقق الإنتصارات وانجز الفتوحات ..

كما لم يغفل الكاتب دور المرأة المسلمة في اصلاح المجتمع ، وذكر اسماءََ لا معة تركت بصمات جلية في واقعها ، فقد كان منهن الصالحات ،الوارعات ، التقيات والواعظات ولعبن دورا متميزا في تخريج جيل صلاح الدين ، فقد كان منهن العالمات وقادة الإصلاح ، ساهمن بشكل فعال في تخريج جيل قوي ورع تقي يواجه التحديات ويحرر المقدسات ، واسفرت جهود التنسيق بين كل المدارس الإصلاح لتوحيد الجهود والتنظيم والتعاون ، وطرح المشاكل والبحث عن علاجها ، وإيجاد قياة موحدة حتى ينتظم العمل ويكلل بالنجاح ، وبذلك تظافرت الجهود وعكف الكل على الإصلاح المجتمعات ، حتى تخرجها من حالة الضعف والهوان ، وبدأ الإعداد والتوجيه بإخراج جيل ينفض عن كاهله الهوان ويواجه الأخطار المحدقة بكل بسالة واقدام وشجاعة ..

الخميس، 30 أغسطس 2018

ملخص الباب الثالث للكتاب ، هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس..
















هكذا طهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس 
ملخص الباب الثالث: 
المرحلة الأولى لحركة التجديد والإصلاح ..

في ظل هذا الهوان والترهل والضعف والفساد المستشري وألإنحرافات ، كانت الحاجة ماسة للتغيير لمجابهة التحديات ومواجهة الأخطار المحدقة وتبديد العتمة وظلالها القاتمة ، لإن الإستسلام لهكذا واقع ينذر بالإنهيار وبالكوارث والقابلية للإجهاز على جسد الأمة ، فالحل في أن تتخلص الأمة من كل ما اعترى طريقها وبدد قوتها وتزيح عن طريقها كل المتاريس وكل ما من شأنه أن يعيق نهوضها وعودته لمكانتها ، حتى تعود أمة اسلامية واحدة ويكون الولاء للحق وليس للعصبية وو..

أول ما أشتغل عليه دعاة الإصلاح تشخيص المرض لإمكانية علاجه ، فالذي كان يحول دون قيام قيادة قوية تأخذ بيد الأمة لمرفأ الأمان ، ظهور قيادات ضعيفة متعددة مترهلة مقيدة بأغلال العصبية وحب الهيمنة ، وما كان يحول دون عودة الأمة الإسلامية الموحدة والولاء لها ، عودة ما أذابه الإسلام من عصبيات تبث سموم الفرقة ، ونعرات ومذاهب منحرفة حادت عن جادة الحق ، وماكان يمنع من التضحية الحرص على المكاسب الدنيوية والمناصب العليا والجاه والنفوذ وو..وأي إصلاح كان يصطدم بأفكار مضادة تقيده ولا تجعله ينفك منها لينطلق إلى رحاب فسيحة من التجديد والإصلاح ، لتحقيق مصالح الأمة العليا بعد تقزيمها وتفتيت قوتها ..

ادرك المخلصون أن هذا التهاوي لا محالة يجر للهاوية وللهلاك ، لذلك ظهرت محاولات للإصلاح إلا أنها كانت محدودة الأهداف ، وما فتئت أن حادت عن جادة الحق ، وإزاء هذا الوضع القاتم انقسم المخلصون لقسمين ، قسم نهج العزلة السلبية وانتظار القضاء الإلاهي وقسم نهج العزلة الإجابية ، انسحب من الساحة وانشغب بخاصة نفسه للمراجعة وتجديد ما بها من أفكار ومناهج ، تم العودة ليشق طريقه نحو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد رحلة شاقة من البحث عن دواء لأمراض الأمة الفتاكة ..

وكان من بين هؤلاء الأمام أبو حامد الغزالي الذي أسس منهاجه في الإصلاح من الأصول الإسلامية ، أول خطوة اتبعها الإمام الإنشغال بخاصة نفسه حتى يراجع ماكان يعج به واقعه مما ذكر مسبقا وما كان يسبع الحياة برمتها وعلى كل الأصعدة وفي كل الميادين ، من اضطرابات وما ترتب عنها من آثار مدمرة ، حتى يقف على جادة الحق ، بعد رحلة دامت عشر سنوات ينقب فيها على الدواء الناجع لأمراض الأمة ، تفرغ أخيرا لعلاج ما غزا واقعه وما انعكس سلبا على كل الأصعدة وانذر بالخطر ، كان هدفه الهام بعد أن أفاض في آفات الساحة العلمية والتربوية أن يخرج جيل جديد من العلماء والمربين العاملين ..

بزوال أصل المرض ستتعافي الأمة من اورامها ، فالهزائم لم تقع إلا عندما ترهل جسد الأمة ، بالبحث عن أسباب الترهل وإيجاد الدواء ستزول كل المضاعفات وستتعافى الأمة ، بدأ الإمام مشوار رحلته الإصلاحية بالإصلاح الفكري والنفسي قبل الإنطلاق للإصلاح السياسي ، كان هدفه عاليا على قدر همته ، فقد بحث عن الأسباب الحقيقية التي أدت لهذا الهوان ، وكان في مقدمتها الأسباب التي جعلت الأمة تقعد عن واجبها في حمل رسالة الإسلام حتى تبلغها لكل الأصقاع ، فهذا هو أصل المرض فلو عادت لواجبها لغدت أمة قوية تبسط رداء العدل وتنقذ البشرية من التيه وتطهر الأرض من دنس الظلم والجور والفساد وو..، فأمراض الداخل هي من تنهك الجسد وتجعله عرضة للأفات التي تفتك به وتفقد منعته ، فكيف ستواجه الأمة الأخطار المحدقة بها وهي منخورة من الداخل ، فبهذا غدت الأمة لقمة سائغة بين يدي عدوها ..

إن ألأساس في وجود الأمة الإسلامية هو أن تحمل رسالة الإسلام وتبلغ أمانته ، نكوصها وقعودها عن واجبها ، جعل العالم يجع بالفساد ويغدو بؤرة للظلم والجور واصبح المسلمون ضحية لهذا القعود ، والخروج من هذا الواقع المزري هو البحث عن أسباب القعود ، معرفة أسباب المرض تفضي للعلاج ، بدل التلاوم وتبادل التهم ونذب التداعيات ركز الإمام على الأسباب التي أدت لهكذا نتيجة كارثية ، فهجوم الصليبيين والمغول على الأمة نتيجة سبقتها أسباب هيئت لها الأوضاع ، والنتيجة ما هي إلا انعكاس لواقع مزري مرير تغوص في أوحاله الأمة ، الضعف والترهل مدعاة لتغول الأعداء ، فالأمة عندما استكانت وضعفت غدت عندها قابلية للنكسات والهزائم ، زوال المرض حتما سيؤدي لزوال الهزائم ، والوقوف على عوامل المرض والضعف مدعاة للشفاء منه ..

وأول ما بدأ به رحلة الإصلاح كما ذكرنا سابقا هم فئة العلماء ، فقد أفرد لهم حيزا كبيرا ، فصل فيه آفات لحقت نهجهم ، عدّ هولاء هم أصل العلل ، وشبه العلماء بالأطباء ، فالطبيب مهمته علاج المريض ، وإن فٌقد الطبيب مات المريض ، فهم ورثة الأنبياء ، من علاتهم أنهم اهتموا بالقضايا الشكلية والفرعية والتي لا علاقة لها بحاجات العصر وتركوا القضايا الهامة ، كما استطرد الإمام في أحوالهم ومآلاتهم وقرع مسامعهم بتفريطهم في واجبهم ورسالتهم ، وعندما حادوا عن رسالتهم تسممت حياة المجتمعات وأدت للإنهيار ، ومن بين آفاتهم التي ذكرها أيضا كيف أنهم تنافسوا لكن ليس في الخير بل في طلب الجاه والسلطة والمباهاة والتزلف للسلاطين ، فحلت بهم كل الآفات وتخرتهم أمراض القلوب ، من عجب ورياء وسمعة وحب الثناء ووو..واطنب في اظهار ترديهم وتهاويهم ، وركز على احياء رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأفصح عن مراحله وبين الحكمة من كل مرحلة من مراحله..
و

أفاض الأمام في تحديد صفات الجيل الذي يبتغيه من العلماء والمربين العاملين والمخلصين ، صفات تؤهلهم لحمل الرسالة من جديد وانقاذ الأمة من الهلاك ، علماء تتوحد أفكارهم بدل أن تتنابذ وتتكامل جهودهم بدل أن تتصارع ، وتخلص نياتهم وغاياتهم لله عز وجل ، لأن فساد الرعية بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء ، فالعلماء التي اتسموا بالإخلاص والتجرد وصفاء العقيدة والفهم الصحيح انعكس صلاحهم على الرعية وعلى من يسوسهم فأصلحتهم وتنظمت الحياة ، وبعدها تصدى بحنكة ودراية ومعرفة وعلم للتيارات المنحرفة ، بعد ان اطلع على كل ما سبغ واقعه من آثار سلبية ، وفند خطأها وأستأصل فسادها من الجذور ، بعد أن كشف عاهاتها وعرى خدعها ، حتى انحسر فكرها الهدام وبار سوقها ..


السبت، 25 أغسطس 2018

ملخص الباب الثاني : آثار اضطرابات الحياة الفكرية في المجتمعات الإسلامية ..



هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس

ملخص الباب الثاني بعنوان  :

أثار اضطرابات الحياة الفكرية في المجتمعات الإسلامية 

لم تقتصر الآفات والأمراض والإنقسامات على المذاهب بل امتدت للصوفية فأصابتها بالإنحراف والإنقسام هي بدورها وابعدتها عن مقاصدها التي وٌجدت من أجلها ، فقد كانت أهداف مدارس الصوفية  التربوية : تزكية النفس وصقل الأخلاق والزهد والحذر من العجب والرياء وتنقية النفس من كل الشوائب ومن حظوظها وتطهيرها من كل أمراض القلوب ، إلا أنهم أوّلوا ونقصوا وزادوا حسب هواهم حتى حادوا عن جادة الحق ، اهتموا بالشكل وتركوا الجوهر وأخذوا بالقشور ولفظوا اللب ، وغالوا وتشددوا وابتعدوا عن تعاليم الشريعة السمحة ، بل وفرطوا وأباحوا المحرمات واسقطوا التكاليف وابتدعوا في الدين ماليس فيه ..

تصدى لهذه الإنحرافات التصوف السني ليطهر الساحة من آفات وقعت فيها إلا أن الأمراض استفحلت فيها ، وانتشر الفكر الباطني الذي أول النصوص حسب هواه وبث بذلك الفتن والقلاقل ، بروز هذا الفكر كان نتيجة للجمود الفكري والظلم المستشري ، عاملان مهمان ساهما في انتشاره ، وبإسم هذا الفكر المنحرف ارتكبوا المجازر ونشروا الرعب بين الناس ، زيادة على الفلسفة ، بتعقيداتها وتشعباتها ، لم تستطيع المذاهبة أن تصحح الأخطاء أو تقف في وجهها ، فقد انهكها الإنقسام والتردي ، مما أربك الساحة وانتشر القلقل العقائدي ، وفٌتح الباب على مصراعيه على عقائد فكرية واتجاهات ثقافية تهاوت أمام الفتح الإسلام ، إلا أنهاعادت لتنتشر من جديد نتيجة الجمود الذي حل بالحياة الفكرية ..

وانعكست هذه الإضطرابات في فترة سبقت الهجمات الصليبية وأثرت في المجتمع الإسلامي وانعكست عليه سلبا في كل الميادين ، فأفسدتها وأضعفتها وجعلته عرضة للهزائم والنكسات 
، فساد الحياة الإقتصادية : انتهجت المجتمعات الكسب الغير المشروع وعمت الأزمات وتفشى الإحتكاروالغش والرشوة والإبتزاز وو..واتسعت الفوارق الطبقية ، الغني زاد فحشا وزاد الفقير جواعا ، وغاص الأغنياء في حياة الترف والدعة واللهو في مقابل فقر مدقع وحلت الأمراض والأوبئة وحل القحط ، أمة انهكها الجوع والمرض والحرمان وحل بها الضعف في مقابل أغنياء لا هم لهم إلا ارواء نزواتهم وتلبية رغباتهم .. ..

فساد الحياة الإجتماعية : انهار مفهوم الأمة الإسلامية وحل محلها العشائرية والعصبية والمذهبية ، بل حلت الفرقة حتى في  أحياء المدينة الواحدة ، وحلت النزاعات والفتن والتناحر والتنافر ، وغدت الإضطرابات سمة المجتمع ، تمزقت الأمة وغدا التحدث عن الأخلاق من المثاليات ، لما حل بالمجتمع من انحلال وانهيار فظيع في الأخلاق ، 

 الإنقسام السياسي والصراع السني الشيعي : 
احتدم الصراع بينهم وحلت الصراعات والنزاعات والحروب ، وهذا عادة ما يستغله أعداء الأمة للإنقضاض عليها ، فالحروب أنهكت الجميع ، وخارت قوة الكل ويقتات أعداء الأمة من هذا التمزق والشرذمة ، يستعين بعضهم على بعضهم ليقضوا على المخالف لهم ، وشكل هذا ضعف ووهن أمام الهجمات الصليبية ، ووجد الصليبيون الفرصة سانحة لبدء هجومهم ..

 فالمجتمعات الإسلامية انهارت من الداخل ونخرتها كل الأمراض وفقدت مناعتها ، وانهكتها الصراعات والخصومات والنزاعات في الوقت الذي بدأ الهجوم الصليبي يستعر ، ويمارس أبشع الجرائم بحق المسلمين ، ويحتاجون للنجدة ويطلوبن فيه العون من إخوتهم ويستنجدون بهم ليرفعوا عنهم الظلم ، إلا أنه لا حياة لمن تنادي ، الخليفة لا همه سوى سفاسف الأمور ووهنت رابطت الأخوة ولم يعد يكترث لمصائب إخوته ، ومثال على ذلك : كان الخليفة حزين على غياب حمامته التي لم يرها ثلاث ليالي ولم يقض مضجعه صيحات المسلمين واستغاثاتهم ، حمامة أولى لها كل اهتمام ورق لها واحزنه غيابها في وقت تعلو فيه صيحات المسلمين المكلومين ..  

      

ماخص الباب الأول : التكوين الفكري للمجتمع الإسلامي قبيل الهجمات الصليبية

هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس
الباب الأول بعنوان :
التكوين الفكري للمجتمع الإسلامي قبيل الهجمات الصليبية 


  1. من بين الأسباب التي نتجت عنها الهزائم ، ماكان يسود المجتمع من افكار واتجاهات وقيم وعادات وو..مع أن تلك الفترة التي عاصرت الحملات الصليبية عرفت مخلصين ودعاة عاملين إلا أنها ابتليت بداء الإنقسام الذي بدد الجهد وعصف بالتضحيات ..
    لم يكن الولاء للفكرة التي ضحى من أجلها السلف وتعرض للإضطهاد والمحن ، بل للمذهب ومدى الإنتماء إليه ، التعصف لها حتى غدت المذاهب كالأحزاب والجماعات في زماننا ، الكل يرى أن الحق معه ودونه باطل ، لم يبحثوا أن أرضية مشتركة وينبذوا خلافاتهم أو العودة للجذور ولما يوحدهم ، كانوا ينظرون لأنفسهم أنهم هم المخولون بالدعوة وغيرهم من المذاهب لا تصلح لها ، وهم من يمتاز بالفهم الصحيح للكتاب والسنة وغيرهم ينقصهم الفهم ، وإن تواجد غيرهم في الساحة كالوا له التهم ونعتوه بكل نقيصة ، بل يحرضون عليه ليبقوا وحدهم في الساحة ، شغلهم حطام الدنيا عن بلوع الحق ودب فيهم داء الفرقة..

    يتغنون بأمجاد أسلافهم الصالحين حتى وإن حادوا عن نهجهم القويم ، في المقابل ينتقصون من غيرهم ، يستعلون عن الغير بأمجاد سلفهم الصالح ويرمون غيرهم بكل نقيصة ، والنتيجة صراعات مذهبية كان لها الأثر السلبي على ميادين شتى : الفكر والتربية والإجتماع والسياسة ، وحوصر الفكر في المذهب وغاب التفاعل مع المذاهب المخالفة والإنفتاح عليها ، والنتيجة لهذا العقم الفكري توقف التجديد والإبداع وحل الجدل والصراعات ومهاجمة المخالف حتى بلغ الأمر بالإقتتال لمجرد الإختلاف ، وكان التأثير الأخطر على الجانب الإجتماعي ، إذ يكفي انتماءك للمذهب لتكسب النفوذ والتسلق عبره لتتقلد المناصب العليا أما المخالف فدوما عرضة للإيذاء والإنتقاص ..

    بل بلغ الإنقسام للمذهب الواحد طلبا للمنصب وحتى يتصدر الأتباع ويملي سياسته ، أما آثاره السياسية تجلت في تصيد الأخطاء والتناحر والتقرب للسلاطين والقادة والتماس المنفعة من قربهم لهم ، حتى غدا مناهم ليس تحكيم الإسلام بل بلوغ المذهب وانصاره لتقلد المناصب العليا ونيل الحظوة والكيد لغيرهم من المذاهب ، ومن انتقد هذه السياسة المجحفة أو لم يتقيد بهذا التعصب المقيت ، تنهال عليه التهم ، فتحجر الفكر واغلق الباب ولم ينفتح على غيره من المذاهب ليستفيد منها ، والنتيجة تنافر وتناحر وتمزيق للأمة ..

    قدسوا رجال المذاهب وغدوا فوق النصيحة أو الإنتقاد ، احتكروا فهمهم للكتاب والسنة وصموا الآذان عن بقية المذاهب وفهمها ، وقاتلوا من يوجه لهم الإنتقاد أو يطالب بالتصحيح وتوجيه البوصلة لوجتها الصحيحة ، مع أن الفهم للكتاب والسنة اجتهاد ولكل فهمه الخاص ، إلا أن الكل يصب في خير الأمة ، لكن هذا التحجر أدى إلى تعطل الإبداع و توقف الإجتهاد وحل الجمود والركون وانعكس سلبا على الساحة ، حتى بلغت الآفة مبلغا خطيرا ، لم يعد الهدف خدمة الإسلام بل العمل على خدمة مصلحة المذهب ..

    بلغ هذا الداء حتى للعامة ، فأصبحوا ينتقلون من حزب لآخر ، حسب قدرة المذهب على تحقيق المنافع والأطماع ، لا يهتم بالمذهب بحد ذاته بل بما سيجنيه من منافع وعطايا من الإنتساب إليه ، وغدا المقياس والفيصل ليس مدى قربك للإسلام أو تحكيمه بل مدى قربك للمذهب ، فإن عادوا قاضيا وكالوا له التهم ليس كونه غير عادل بل كونه من مذهب مخالف حتى وإن كان عادلا وهكذا قس عليه في مجالات شتى ، تنافر وتناحر وشرذمة في الوقت التي بدأت تتأجج فيه الحملات الصليبية للإنقضاض على مقدرات الأمة وتفتيتها واغتصاب مقدساتها ..

ملخص للفصل التمهيدي : للكتاب هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس

ملخص للفصل التمهيدي :
الأمة تحتاج لأن تشخص أمراضها وتقف على مواطن الخلل فيها وما ينخر جسدها من أورام ، وما إن تتعافى من كل من أوجاعها إلا وأنتجت جيل صالح تفخر به ، فجيل صلاح الدين نتاج أمة وقفت على علاتها واجتهدت في إيجاد الدواء الناجع ، ووضعت اليد على مواطن الضعف فيها ، لأن الأمة التي نخرها المرض حتى انهكها ، كيف تنتظر مجيئ صلاح الدين !! و دون أن توجد له التربة الخصبة لينمو ويترعرع فيها ، فالأمة إن كانت تتطلع لجيل يحمل مشعل النصر ، عليها أن تخلق الأجواء المناسبة له ، وتهيئه وتعده مسبقا ، ولا يتأتى لها ذلك إلا بالإصلاح الشامل ، فهو الكفيل بأن يمهد الطريق ويؤهل الأمة لمجيئ جيل يحقق الإنتصارات ..

الأمة التي مرت بإصلاحات شاملة غيرت ما بنفسها سغير الله حالها ، أما الأمة المهانة والمترهلة والمنهكة والضعيفة ، يضيع وقتها عبثا وهي تنتظر المخلص !! ولم تعبد له الطريق ولم تخلق له البيئة الصالح لتحتضنه ، وعندما تصلح الأمة من شأنها وتتظافر الجهود ويتكامل البذل والعطاء يكلل بالنجاح ، فالقوة والمنعة في كل المناحى تفضي للقوة العسكرية ، والأمة عندما تقف على عوامل هزيمتها وتصحح مسارها وتصلح كل خلل اعتراها ، حتما سيتغير حالها ، من ضعف إلى قوة ، ومن استكانة إلا عزة وأنفة ومن تفكك إلى تماسك ومن فرقة إلى وحدة وتحقق ما تصبو إليه من خير وتعممه..

وتعود لمكانتها ولأمة يُهاب جانبها مقدرة محترمة لها منزلتها الرفيعة ، ويبقى صلاح الدين القائد خامة من خامات جيله وكأن الأمة وقتها كلها صلاح الدين وبذلك تم لها النصر والتمكين ، وهذا لا يتسنى لها إلا إن صلحت أحوالها ، الفصل التمهيدي يفسر قوله تعالى : لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) تفسيرا رائعا جداا ، يجعل القارئ يقف على مفهومها الحقيقي ، فصلاح ما بالأنفس يفضي لصلاح الحال ، اصلاح في كل الميادين وكل المناحي وكل المجالات ، صلاح ما أحدثته أزمنة التيه ، وإلا كيف لأمة ممزقة الأوصال ، فقدت مناعتها تنخرها الأورام والأمراض أن ترد الأخطار عن حياضها وتفرز قائدا ملهما كالناصر صلاح الدين ، يعيد لها مجدها ويعلي صرحها ، ومن يتطرق للقائد الفذ دون التطرق للبيئة التي شكلته وهيئته فقد جانب الصواب ، فالأمة أينعت صلاح الدين عندما خضعت لحركة اصلاح شاملة ، أثمرت جيل صلاح الدين قاد الأمة للنصر ، نصر تزعمه الناصر صلاح الدين ..

الأربعاء، 8 أغسطس 2018

تلخيص مقدمة الكتاب : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس ..




العنوان : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس
المؤلف : د.ماجد عرسان الكيلاني
النشر : دار القلم للنشر والتوزيع 

تلخيص مقدمة الكتاب : صدر الكتاب والعالم يعيش في نفس الحقبة التي سبقت الهجوم الصليبي على القدس وأثناءه ، أمة مفككة مفتة ومقدراتها تُنهب وطاقاتها تُهدر وأرواحها تُزهق ، وحق مضيع في الأروقة والمحافل وقد انقلبت الحقائق ، عالم يساوي بين الجلاد والضحية ، لا مظلوم ينصف ولا ظالم يُقتص منه ، تعيش الأمة تداعيات سايس بيكو المريرة ، وقد هوت لحروب طاحنة ستأتي على الأخضر واليابس ، بل الأمة تعيش انكى من الحقبة السابقة ، وكل المرارة التي يتجرعها العالم الإسلامي وكل عدوان يشن عليه بذرائع اختلقها أعداء الأمة ، ذرائع وتبريرات ومسوغات الهدف منها النيل من الإسلام وأهله وتقويض جداره ، الحيلولة دون نهضة حقيقية ترفع عنه الحيف وتعيده لمكانتها ،  يرفعون شعار مكافحة الإرهاب وعلى الأرض تدمير للأوطان وتشريد للشعوب واهدار للكرامة وهدر للمقدرات وتجزيئ المقسم ، وشق الصف وتشتيت الأمة واضعافها وانهاكها في حروب لا تنتهي ، فقد طفا على السطح كل ما أذابه الإسلام وكل ما من شأنه شرذمة الأمة وتأجيج الصراعات وادكاء النعرات وبث الفتن ..

محاربة الإرهاب في العلن والحقيقة تشويه الإسلام والصاق به كل نقيصة لبعض المحسوبين عليه ، اتهام الإسلام تهما جزافا بغية النيل منه ومن بنيه المخلصين ، وبعد توصيف الحال المزري ، يحمل الكتاب بين طياته بذور الأمل رغم قتامة الواقع ، فالهزائم ليست قدرا محتوم ولا تدوم ، وما إن تخلق الأمة عوامل النصر حتى تحققه ، والتاريخ يزخر بالنماذج الرائعة والملاحم المشرقة والصفحات المضيئة ، ما إن تخضع الأمة لحركة الإصلاح ، اصلاح حقيقي يشمل كل الفئات وفي مقدمتهم العلماء ، اصلاح كما فهمه علماء تلك الحقبة ودعاتها وعملوا به ، حتى تكلل جهدهم بالنجاح واثمر صبرهم خيرا ، وانبعث جيل صلاح الدين ..

فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وهذه الأمة قد تغفو لكن لا تنام وقد تمرض لكن لا تموت ، وما إن تصحو من غفوتها حتى تعيد أمجادها وتسترد ما سلب منها ، وحين تتمتع الأمة بإستقلال حقيقي وتعود لدينها ولجذورها وانتمائها وهويتها ، حتما سيؤهلها ذلك للإنتصار على من يتربص بها شرا ، بل وتعود لرسالتها لتؤدي الأمانة التي تشرفت بحملها ولعمارة الأرض بالخير وتفتح مغالق القلوب والقلاع ، حتى يبلغ الإسلام ما بلغ الليل والنهار ، بحول الله ..

اصلاح يعم كل الجوانب وكل مفاصل الأمة ، حتما سيتغير الحال ، ويدرك الكل مسؤوليته ودوره في بناء أمة متماسكة وقوية ، ويزين جهده بالإخلاص وصفاء النية وعندما تتكامل كل الجهود وتحيي الأمة السنة الغائبة : وحدتها التي هي سر قوتها وتنبذ أسباب الخلافات وما يثير النزاعات ، وتحقق معنى الإستخلاف ، وتبسط رداء العدل وترمم ما أحدثه الإستعمار من شرخ وتفتيت وتقسيم وتهتم بالبحث العلمي وتسخره خدمة للإنسانية وتقود البشرية لبر الأمان ، وتنقذها من التيه وتحقق لها سكينتها وطمأنينتها والتي لن تجدها إلا في رحاب الإسلام وتحت مظلته ، حتما ستعود لمكانتها كخير أمة أخرجت للناس ..

الثلاثاء، 31 يوليو 2018

حين يحرم الأطفال وتُحاصر الكلمة ..






كعادة خفافيش الظلام لا يحلو لها أن تتحرك إلا ليلا !! لتفرق الشمل وتعكر الصفو وتغتال البسمة وتمزق أوصال العائلة ، تُحرم أماََ من فلذة كبدها ومن دفء العائلة وتحرم طفلا من حضن أمه وتنغص على كل أفراد العائلة حياتهم ، وتحرمهم فرحة نجاح كريمتهم : بيسان ، كاتبة متميزة سلاحها الكلمة لا تحمل رشاشا ولا بندقية ، أرقت الإحتلال بمداد كلمات قلمها الذي ينساب صدقا وجرأة وعطاءََ ولم يُحور بوصلته يوما ما ، يكشفت جرائم الإحتلال فأوجعته فسعى لتكميم الأفواه ، تكرر اعتقال الزوج لأكثر من مرة ، زوج متفاني في حب وطنه وأهله ، في محاولة منه للضغط عليها حتى تتوقف عن الكتابة ، وعن التعبير عن حبها لوطنها وكرهها لمحتل دنس طهره ...

وكذا فعلت السلطة من قبل بإعتقال نجلها ومحاولة ليّ ذراعها ، ليتكمم النفس المقاوم ولو بالكلمة الحرة ، كل المحاولات باءت بالفشل ، وخاب مسعاهم وعجزوا في ثنيها عن الصدح بكلمة الحق ، ولم تتوقف عن التعبير عن حبها لوطنها والإشادة بمن يدافع عنه والإحساس بمعاناته ، هل بات الإحتلال هشا لتؤثر فيه الكلمة الحرة ويخشى صداها !! هو حال السارق الذي انكشف زيفه ، يخشى أن ينطق كل ما حوله بأحقيته لأصحابه ، وغدا بحول الله سيلفظه الحجر والشجر ويكون لهما النصيب الأوفى في دحر الظلم والجور ويشاركا في الملحمة الكبرى جنبا لجنب مع قوم أولي بأس شديد يجثتوا الفساد من جذوره ، ويطهروا الأرض المبارك من ألأدران ، ويتغنيا بالنداء الخالد : يا مسلم يا عبد الله ..

لن تنال منها ازمنة التهويد ولا التزوير سيعود كل شيئ لسابق عهده ويعود الأقصى المبارك لحمى الأمة فهو معقل عزتها وميزان حرارة إيمانها ومعيار قوتها.. 
واحة الحرية والديمقراطية كما يدعي يضيق ذرعا بالكلمة الصادقة ، ولا يستسيغ حرية التعبير و إبداء الرأي ، في المقابل يطلق العنان لقطعان مستوطنيه لينفثوا حقدهم بحق أصحاب الأرض ، بل وينشؤوا حسابات تحمل اسم : الموت للعرب ، وعندما يعبر الفلسطيني عن رأيه في حبه لوطنه وأمله في أن يراه محررا من القيود ويعبر عن كرهه لمحتل أرضه ، سالب حقه تُلفق له التهم جزافا ..


قبيل الفجر اقتحموا بيتها وروعوا من فيه ، يحاولون زرع الرعب في القلوب !! وأنّى لهم ذلك ، صاحب الحق لا يهاب بطش الإحتلال ، وقد وطد نفسه لمجابهة الصعاب ، فقد تهزه الصدمة لوهلة إلا أن التماسك هو السائد والثبات سيد الموقف ، والصبر زاده ، وقد هيمن على المشهد عزة النفس والشموخ وقوة الإرادة ..

مشهد السيدة الفاضلة لمى خاطر وهي تُودع صغيرها ، تهتز له الضمائر الحية ، احتضنته لتودعه طبعت على خده قبلة حنان ، يعتقد الصغير أن امه ذاهبة لمشوار قصير ولن تتأخر عنه ، يتصفح صورتها على الهاتف وينتظر مجيئها ..

مشهد يقطع القلوب إلا أن الكل تجاوز المحنة ويؤازر الأم والزوجة والقريبة والزميلة والصحفية وصاحبة الكلمة الحرة ، عادت السكينة وعادت الثقة للنفس وهي محنة وستزول ، والوطن يزدان بالتضحية والوفاء ، شامخة كما عهدناها في المواقف الصعبة ، فهي صاحبة حق والحق قوي ولا ينكسر أمام باطل هش ، ترتعد فرائسة لمجرد الكلمة ، احتلال يدعي الأخلاق وهو من يختطف أم من فلذات أكبادها ويترك أسرة بأكملها نهبا للقلق والخوف على مصير أمهم الحنون، كما افتقدتهم افتقدوها .. 

حتما هي لحظات أليمة تلك التي عايشتها الأسرة عند أعتقال الأم ، كل جريرتها أنها فلسطينية تدافع عن حقها في موطنها ، الإحتلال والإستبداد يتساويان ، فكلاهما يسطوان على الدور ويختطفان الأبرياء من حضن عائلاتهم ، وبعدها يلفقان لهم التهم جزافا ، تهما من قبيل : التحريض ، والحقيقة ما يدعيه الإحتلال تحريضا ، هو حب الأوطان والذود عنها وحمايتها والدفاع عنها بسلاح الكلمة والتعبير بصدق عن عشق الأوطان ، يحدوهم الأمل في رأيتها محررة من براثن الأحتلال والعيش بين أحضانه بحرية وكرامة ..

لم يكتف الأحتلال بهذا الصلف ليزيد من معاناة العائلة ، فقد حرم صغيرها من رؤيتها أو الإلتقاء بها في قاعة المحكمة ، بدل أن يكون الصغير في حضنها وتغدق عليه من حنانها وحبها ، يجول بين أسوار السجن باحثا عن أمه يبكي فراقها وقد حن لضمته لصدرها ، إن كان الكبير يدرك كنه الأمور ويتجمل بالصبر ، فما ذنب طفل اشتاق لأمه وحرمه الإحتلال منها وهل هناك جرم أفظع من أن يروع قلب طفل ويفرق بينه وبين أمه !!

الأحد، 15 يوليو 2018

مئة يوم من التحدي والصمود ..




مئة يوم على انطلاق مسيرة العودة وكسر الحصار ، ولازالت المسيرة في عنفوانها ولازالت جذوتها متقدة ، ولازالت معنويات المشاركين فيها عالية ، كيف لا والحافز الذي يشحن طاقاتهم هو حب الوطن وكره الإحتلال والشوق لقراهم التي هجروا منه ، وكسر الحصار الجائر ، فكيف بحب الوطن أن يخبو في قلوب عشقته ، وزادتها تضحيات الأبطال توهجا واستماتة على  الحق ، حتى تحقيق أهدافها في انهاء الحصار الجائر وأفشال المؤامرة التي تحاك للقضية وحفظ حق العودة وعدم التفريط فيه   ..

وكما ابدعت غزة في المقاومة المسلحة ، أبهرت العالم في المقاومة الشعبية ، مئة يوم والشعب يتظاهر بسلمية ، لم يمل ولم يكل ولازال البذل والعطاء يتدفق ، فعاليات المسيرة ونشاطاتها تبعث برسالة للعالم مفادها ، أن شعب غزة تواق لحريته ، شعب يحب الحياة وعلى غزة ما يستحق الحياة ، شعب ينبض قلبه حبا لوطنه المسلوب ، في المقابل احتلال ينغص عليه يومياته في أرضه ويضيق عليه ويواجه سلميته بإجرام وصلف وعنجهية وجرائم ، وليس آخرها استهدافه لاطفال يلهون في المتنزه بعد أن ضيق عليه الحصار في بيوت تفتقر للكثير من مقومات الحياة ، وخرجوا لمتنفس يعبرون فيه عن طفولتهم التي اهدرها الإحتلال بفعل الحصار الجائر ، فلا كهرباء ولا ماء صالح للشرب حتى البحر ضيقه عليهم وغدا ملوث بفعل الحصار ، فما كان منه إلا أن اغتال براءتهم وكتم أنفاسهم وأحال المكان لدمار وخراب   ، 

مئة يوم من الإبداع الفلسطيني المتنوع ، وكان في مقدمة الإبداع : الطائرات الورقية أو البالونات الحارقة التي كانت أشد إيلاما على الإحتلال ، فهي أيضا شكل من أشكال المقاومة السلمية التي قضت مضجع الإحتلال ، وإذا أراد أن يغير قواعد الإشتباك فالمقاومة له بالمرصاد ،  لذلك صب جام حقده على أطفال عزل في متنزه ، وبذلك يكشف عن وجهه القميئ ، ووصف  ، سيغدو لصيقا به ينضاف لوحشيته المتأصلة فيه : قاتل الأطفال ، هو الإحتلال لا يفرد عضلاته إلا على الأطفال والعزل والنساء ، في المقابل سمعنا صرخاته وأنينه عند مواجهة أبطال الميدان  ، 

 مسيرة العودة عززت اللحمة وشارك فيها كل الأطياف ، يؤازرون أخوتهم في الخان الأحمر ، مع كل ما تعانيه غزة من حصار وقهر وصلف الإحتلال ، لم تنسى هموم إخوتها وثارت غضبا للحرة التي نزع الصهاينة حجابها وأبانت عن غيرتها عليها ، شهامة ومروءة من غزة ، لم يستسيغوا العدوان على أخوتهم ، وشكلوا بذلك معنى الجسد الواحد في أبهى صوره ، يدعمون نضالهم حتى يفوتوا على الإحتلال مراميه  ..

والضفة أيضا انفجرت غضبها على الإجراءات التعسفية التي تثقل كاهل غزة ، وتزيد من معاناتها ، تعالت الأصوات وصدحت الحناجر مطالبة بإنهاء الظلم الذي طال غزة ، بدل تثمين تضحياتها وصبرها وانجازاتها ، تشارك السلطة  الإحتلال في ظلم غزة ، وتفاقم معاناتها ، يعرف الفلسطيني أن المحتل ينكل بالفلسطيني في كل فلسطين ، لأن في عرفه جريرة الفلسطيني أنه فلسطيني ، يُذكّر المحتل بالجريمة التي اقترفها بحقه ، يذكره  بحقه الذي سلبه منه وبيته التي سرقها وبياراته التي نهبها وتاريخه الذي يحاول بكل خبث 
 تزويره ، ويذكره بأرضه الذي قضمها بفعل الإستيطان منذ أن وطـأت قدماه الآثمتين ثرى فلسطين الطاهر ،
  وكذا مائه وحتى هوائه الذي لوثته بحقده الذي ينفثه  ،  وحتما 
سيأتي يوم ويلفظه ما فوق الأرض وما تحتها ، بإذن الله   ..

لذلك عندما ينكل المحتل بجزء من فلسطين يهب الكل الفلسطيني ولا يترك إخوته فريسة سائغة بين يدي المحتل ، وحتى لا يستفرد المحتل بهم ، وبذلك يساند نضال إخوته ويشد من أزرهم ، وهذا ما فهمته الضفة فكانت المسيرات المناهضة  للإجراءات الظالمة التي فرضتها السلطة على شعب يكفيه معاناته من احتلال جائر وحصار انهكه ، شعب بذل روحه ليكحل عيونه برؤية تربة وطنه ويتنسم هواها ، كان الأولى مكافأته وليس معاقبته   ..

مسيرة العودة لم يقتصر فيها حب فلسطين بالتغني بالكلمات بل جسدته على الأرض ، احياء لثراته ، كسر الحاجز الوهمي الذي خطته آله الحقد الصهوني على أرضه ، وكللها بالشهادة على ثراها الطيب ، مسيرات الضفة تدرك أن رفع العقوبات يعزز صمود الشعب الذي يواجه صلف المحتل ، الشعب على الأرض كله موحد بكل أطيافه على خيار مقاومة في مواجهة عنجهية الإحتلال وبكل أشكالها ، وكم تثلج صدره رد المقاومة على غطرسة المحتل  وأداءها الطيب ، حتى يدرك الإحتلال أن المسيرة لها من يدافع عنها ويحميها ويذود عنها ..

وحدة الشارع رسالة للجميع أن توحدوا ، فالوحدة تقوي الصفوف وتعزز الصمود وتفوت على الإحتلال مآربه ، غزة لها نخوة وكبرياء ولم يفت في عضدها الحصار ، ولم تستسلم ولم ترفع الراية البيضاء ، لذلك تثمين جهودها لا يتأتى إلا برفع العقوبات الجائرة عنها ، الاجراءات العقابية بخس لتضحياتها ، لازالت غزة ملتفة حول مقاومتها وقد عجز الإحتلال في فصم عرى الأخوة بين أبنائها ، بل وبين كل أبناء فلسطين ، روابط شتى تجمع كل الوطن ، ومسيرة العودة عززت الوحدة وأعادت للشارع الفلسطيني ألقه ، والعالم بدأ يصغي لصوت غزة ويبقى السؤال : متى يتحرك لرفع الحيف عنها ، 

على الأرض تبخر مصطلح الإنقسام البغيض ، كل الأطياف في المسيرة تعبر عن حبها للوطن وحنينها للعودة والدم واحد والكل يتألم  لقطرة عزيزة تسقط من جسد طاهر والعَلم واحد والحلم واحد والهدف واحد والعودة حق كالشمس والعودة حق لا عودة عنه ،