العيد هدية من الله عز وجل لعبادة المؤمنين على طاعاتهم ، فبعد صوم رمضان ، بعد الجهد والبذل والعطاء ، واعمال البر ، والدعاء والصبر والقيام والصدقة والإقبال على تلاوة القرآن ، بعد أجواء ربانية ساحرة شحنت الأرواح إيمانا لتسمو بها وتعلي همتها ، تأتي المكافأة ، بعد مدرسة رمضان التي نتعلم من خلالها الصبر وقوة الإرادة ، يأتي عيد الفطر ، فرحة للعبد على أدائه الطاعات ورجاء من الله عز وجل أن تقبل الأعمال الصالحة وأن تكون فيها النية خالصة لوجهه تعالى ، فرحة تغمر قلب المؤمن ، وشعور رائع أن تكلل طاعاته بالقبول وتنعكس على حاله خيرا وصلاحا ..
وبعد الركن الخامس من الإسلام بعد طاعة وعبادة تجردت فيها الأنفس من كل لعاعات الدنيا وأزالت كل الشوائب عنها حتى غدت صافية رقراقة ، أقبلت على ربها طائعة ترجو عفوه ورحمته ومغفرته ، قلوب نقية تجمعت من كل حدب وصوب راجية أن تمحى الذنوب و تقبل الدعوات وتقضى الحاجات وتعلو الدرجات ، يأتي عيد الأضحى هدية للمؤمن تغمر روحه فرحة وتبهج فؤاده ، فرحة تضفي جو حبور وسروره على كل الأهل والأحباب ..
في الأعياد يلتم شمل العائلة وتتبادل الزيارات فيما بينها ، ويرتدي الأطفال أزهى الحلل والهدية في العيد لها طعم خاص ، فهي عربون محبة وإخلاص لمن تهديها ، لا تكمن قيمتها في ثمنها الباهض ، بل قيمتها تكمن في مكانة وقدر من سيهديها في قلوب أحبته ، فقد تكون عبارة عن كلمة طيبة تدخل السروروالبهجة على قلوب من حولك ، فالهدية تمتن الروابط وتسعد قلوب الأحبة وتقوي اواصر المحبة ، إلا أن الفرحة لا تكتمل في غياب أحبة إما غيبهم الأسر أو الشهادة ، ومع ذلك تتسامى النفوس على الجراح وتقتنص فرحة العيد من بين ركام الأحزان ، وتفوت على الإحتلال مراميه ، فلا يُفلح في تنغيص الفرحة في قلوب الأسرى واهاليهم ..
وزيارات العائلة وتكاتفها وتضامنها والتفافها تخفف من لوعة الفراق ، وتشعرك بالمعنى الحقيقي للجسد الواحد ، كلماتهم الطيبة بلسم لجراح أحبتهم ترفع معنويات أهالي الشهداء وتمسح عن أرواحهم سحنة الحزن ، مواساة تخفف مصابهم ، فقد اختار الله أحبتهم والغوالي على قلبهم لينالوا المنزلة الرفيعة ، فضائل الشهيد لا تعد ولا تحصى ، وتتعدى الشهيد لتشمل أهله وذويه ، وسام جليل يتسابق عليه الكثيرون ولا يناله إلا من اصطفاه الله ، يستقبلون العيد بالصبر والإحتساب والسلوى فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وعزاء أهليهم لقاؤهم بالفردوس الأعلى ..
وهناك أسر زينت جدران بيتها بصور الاسرى ، أحبة افتقدتهم في جو العيد ، مشاعر أهليهم تمتزج بين الصبر والحنين والشوق والأمل ، إلا أن أروع ملاحم الصبر تتجسد في أسر غاب عنها أحبتها ولم يشاركوها فرحة العيد ، ومع ذلك تتجمل بالصبر مع أن القلب يتوجع لكن تخفي ألمها وتتسامى عن أوجاعها ، وتضرب أروع الأمثلة في الصبر والتفاؤل بالخير ، بل تسدي النصح وتجبر الخاطر وتضمد جراح قلوب مكلومة ، وتواسيها وتظهر فرحة العيد ، قلوب يملأها الرضا والتسليم بقضاء الله وقضائه ، كلها أمل أن يلتم شملها بأحبتها ..
يقينهم عالِِ بأن الفرج قريب وأن الهموم لا تدوم والقيود ستنكسر وشمس الحرية ستسطع من جديد ويعود الأسرى لدفء العائلة ، يفوتون على الأحتلال مآربه ، لن يكسر إرادتهم ولن يعكر صفوهم ، لا يغرقون في بحور من الحزن فيوجعون قلوب أحبتهم ، فمعنويات الأسير ترتفع بصبر وصمود أهله ، يقدمون النصح لمن غاب عنه أحبته ويوصونه بالصبر والإحتساب واظهار فرحة العيد ، يرسمون البسمة على شفاه الصغار ، لامكان لإستكانة أو القهر أو الوجع في قاموسهم ..
وأحبتهم بدورهم في سجون الإحتلال يرسمون بسمة العيد على محياهم ، يصنعون كعك العيد ، يخلقون جو الفرحة بقدوم العيد ، يدركون أن أحبتهم يستلهمون دروس الصبر والثبات منهم ، صبر أحبتهم يرفع معنوياتهم ويعزز ثباتهم ، لا يركنون لليأس فتخور قواهم ، فهم من ضحوا بزهرات شبابهم فداء لله ثم للوطن ، عدالة قضيتهم تعزز صمودهم ، يدركون بإيمانهم القوي أن صبحهم قريبا سيبزغ وأن شمس حريتهم عن قريب ستسطع ، بإذن الله ، لتبدد عتمة السجون ، ينتظرون بشوق وحنين العيد القادم وقد تحرروا من القيود والاغلال والتم شملهم بعائلاتهم ، وتلاشت كل احزانهم ، وعمت الفرحة أكناف بيتهم ، بإذن الله ..
يوم الجمعة الفائت ودعت غزة ابنتها البارة الشهيدة المسعفة رزان النجار ، ودعتها بحرقة وقد آلمها فراقها ، قلوب اعتصرها الوجع وعيون اكتوت بالدمع على رحيلها وألسن تلهج بالدعاء لها وتشيد بإنسانيتها ، أوجع رحيلها كل الأحرار ونعاها بكلمات مؤثرة من عرفها ومن وقف على نبل رسالتها وسمتها وثباتها ، شيعتها جماهير غفيرة في عرس مهيب ، قلوب وفية أحبت فيها انسانيتها ووطنيتها وعشقها لأرضها وتفانيها وإخلاصها في عملها الإنساني ..
لازالت كلماتها المفعمة بالتحدي والإصرار والتفاني في حب الأرض ، ترن في الآذان وتعلي الهمم ، رحل الجسد الطاهر وبقي الأثر الطيب حاضرا ، ومكانة كبيرة في قلوب من حولها ، رزان التي عشقت ثرى وطنها الطيب ، لم يهدأ لها بال ،عندما رأته يتألم ، فهبت للتخفيف عنه أوجاعه وتوقف نزف دمائه الطاهرة ، وتضمد جراحه ، آمنت بعدالة قضيتها واعتزت برسالتها النبيلة وضحت بروحها لأجلها ، بعد أن بذلت كل جهد ولم تبخل بوقتها عنه ، استثمر كل لحظة لدعم نضاله..
ساعدت شعبها في مسيرته وقدمت له الدعم وشدت من الأزر وساندت وطنها في نضاله ، منذ انطلاق مسيرة العودة ، كانت هناك .. مرابطة تسعف الجرحى وتتقدم الصفوف وتسكن الآلام وتؤدي عملها الإنساني على أكمل وجه ، بإبتسامتها المعهودة أدخلت السرور والبهجة على القلوب النابضة بحب الوطن ، كانت البلسم للجروح ، كان كل سلاحها سترة الإسعاف ولوازمه ، تلك السترة الشاهدة على وحشية الإحتلال ، لم تكن تشكل أي خطر على الصهاينة ، كانت تسعف العزل والمتظاهرين السلميين ، الذين يستهدفهم الإحتلال ومع ذلك نال منها الحقد الصهيوني ..
عشقها لأرضها وحنينها لقريتها التي هجرت منها قسرا وحبها لعملها الإنساني قوى عزيمتها، فتحدت بذلك كل المخاطر التي صادفتها في طريقها ، بقيت صامدة ومرابطة وجسورة في الميدان ولم تغادره حتى لقيت ربها شهيدة ، كلماتها الصادقة والنابعة من قلب مفعم بحب الوطن لها صدى في قلوب ووجدان كل من عرفها وكل مؤمن بعدالة القضية ، عانت مرارة الحصار كما كل شعب غزة ، ومع ذلك لم يكسر إرادتها ولم ينل منها بل حشذ همتها ، فساهمت في التخفيف عن معاناته بكل جهدها ..
عملت بوفاء واخلاص ، كانت سعيدة مع كل تعبها ، ترجو من الله الأجر ، أٍرادت أن تشارك في مسيرة العودة بطريقتها الخاصة لتترك بصمتها ، فأختارت اسعاف الجرحى مهمة نبيلة وانسانية ، لمساتها الحانية واشراقة وجهها وصفاء قلبها وبساطتها وعفويتها ووعيها ونضجها وعلو همتها ترك الاثر الطيب في قلوب من حولها ، لذلك أوجعت قلوبهم برحيلها ..
رفضت التخلي عن رسالتها النبيلة أو الإستكانة مع كل ما تعرضت له من صلف الصهاينة ، الذي يستهدف الصحفيين والمسعفين وصممت أن تكمل المشوار ولم تثنيها ، غطرسة الإحتلال وتحدت كل المنغصات ، كانت تعلم أن مهامها ليست بالسهلة في ظل احتلال يتعامل مع المسيرات السلمية بوحشية ومع ذلك تحلت بروح عالية واقدمت على مهامها الإنسانية بكل همة ونشاط ، ولبت نداء وطنها وجادت بروحها لأجله ، ورخصت له كل غالي ونفيس ، تفانت في عملها الإنساني وخطت رسالتها النبيلة بدمائها الزكية..
رفيقات دربها آلمهن فراقها وأقسمت أن يكمل المشوار وأن يسرن على دربها درب التضحية والفداء ، يتحدين بذلك غطرسة المحتل ، سيرابطن في الميدان وفاءََ لتضحايات ، رفيقتهن وتثمينا لجهودها الطيبة واخلاصا لرساتها النبيلة ، فلسطين في كل يوم على موعد مع أيقونة جديدة تعلي نضالها وترسم ملامح النصر وتقوي الصف وتحشد الهمم وتعلي صرح الشموخ والصمود والإباء ..
ابدعت مسيرة العودة وكسر الحصار في أشكال نضالها وبذلك تشكلت وتنوعت وطورت ، فتميزت وازدادت زخما وشدّت الأنظار وانتبه العالم للقضية من جديد من أن طغت عليها أحدات مستجدة ، حجبت عنها الإهتمام الذي تستحقه ، غير أن المسيرة أعادت لها وهجها ، وفي كل مرة تتفتق عقلية الإبتكار والإبداع لدى المشاركين فيها ، فإزدادت تألقا وابداعا ، ومفاجآتها تبهر الكل وينتظرها المشارك وكذا المتابع والمهتم لها بحماسة وشغف ، حتى الإحتلال بات ينتظر كل جمعة مفجآت الشباب الثائر ، التي قضت مضجعه ويتكهن كيف ستكون ويعتقد أنه استعد لها ويفشل مع كل مرة في عرقلتها ..
وبذلك خنقت الإحتلال واربكت حساباته واظهرت حقيقته للعالم ووقف الكل على مظلومية الشعب الفلسطيني ، الذي يدافع عن أرضه بصدره العاري ، والأعزل إلا من إرادته وتصميمه العالي وصبره وصموده وثباته وتصميمه القزي على تحقيق اهدافه ، يواجه احتلال متغطرس ومدجج في كل أشكال الأسلحة يهضم حقه وينكل به ، لكن مع كل جبروته يقف عاجزا في إيقاف هذا المد الهادر ، أو أن يحد من طاقة شباب يرنو لوطنه ويسعى لتحريره ويشتاق للعودة لقراه ..
سطرت مسيرة العودة أشكالا بهية للنضال ، تنوعت اشكالها فزادتها تماسكا واصرارا وابداعا، بدءََ من الطائرات الورقية التي كبدت الإحتلال خسائر جسيمة ، إلى تحدي الحدود الوهمية التي خطها الإحتلال بحقده وحال بين الفلسطيني وأرضه ، إلى احراق اعلام الإحتلال في رسالة لرفض الإحتلال ووحدة الكوتشوك واهدافها في التشويش على قناصة الاحتلال ، وتثمين جهود الشباب الثائر الذي أبان عن بسالة وشهامة واقدام ، شباب تربوا على حب الأرض وضحى بروحه فداء لله ثم للوطن ، جاد بروحه وهو يتحدى السياج الفاصل الذي غرزه الإحتلال في أرضه بعد ان اغتصبه عنوة وحرمه منها وفرق بينه وبين موطنه ، تم وفاء لدماء الشهداء والتصميم على مواصلة النضال حتى تحقيق الأهداف المرجوة من مسيرة العودة ، بإذن الله
فتوالى الإبداع حتى بلغت تسيير سفينة الحرية لكسر الحصار الجائر ، ليبلغ رسالة للعالم أجمع ، أن هناك شعب يعاني مرارة الحصار ، حصار نال من الأجساد ، التي انهكها المرض ، ضمت سفينة الحرية مرضى وجرحى وطلاب ، رحلة رمزية تضم عينة تعكس حالة غزة في ظل الحصار الجائر ، فكم من مريض مات وهو ينتظر تحويلة للعلاج وكم من طالب ضاع عليه العام أو أكثر وحرم اكمال دراسته وضاعت عليه المنحة ، وكم من جريح تفاقم وضعه الصحي وهو ينتظر السفر للإكمال العلاج وكم من عائل اغلقت أبواب الرزق في وجهه بسبب الحصار وعندما طرق أبواب الهجرة حال الإحتلال بين وبين ذلك ...
سفينة الحرية هي لسان حال غزة الذي يعبر عن معاناته جراء حصار تجاوز العقد ، حصار نغص على أهالي غزة حياتهم ، وحرمهم تحقيق أحلامهم ، مع أن غزة مخيم للأجئين ، الإحتلال لا يكتفي بإحتلال الأرض ، بل يحرمهم العودة إليها ويحيل مخيمهم الكبير لسجن خانق ، يكتم فيه ألأنفاس ويحيل حياتهم لجحيم لا يطاق في ظل الحصار الجائر ..
الكل يشاهد بأم عينيه كيف لعالم يكيل بآلاف المكاييل ، فشل في حل قضية اللاجئين وعودتهم لقراهم التي هجروا منها قسرا من خلال الضغط على الأحتلال لتنفيد القرارات والقوانين التي كفلت للشعب المهجر من العودة لقراه ، في الوقت نفسه لا يحرك ساكنا أمام جرائم الإحتلال بحق شعب قرر العودة لموطنه ، فلاهو اعاد الشعب لوطنه ولا هو وفر له الحماية من بطش الإحتلال ، فالشعب الذي يعاني مرارة الحصار يواجه وحشية الاحتلال للعودة لوطنه ، ومصر على حقه في العودة ، وكأن الشعب المهجر قسرا لا يكفيه أنه محروم من موطنه ليزيده الإحتلال حصارا فوق تهجيره له قسرا ليضيق عليه حتى في أماكن لجوئه !!
ومع مرارة المشهد الذي يحاول الاحتلال رسمه وترسيخه ، إلا أن جسد الفلسطيني المنهك بفعل الحصار الجائر وجرائمه المتواصلة ، ذاك الجسد الذي يسري في أوصاله حب وطنه ويبذل لأجله روحه ، مشهد الشباب واستماتتهم تشد المشاهد ، فقد هشموا مقولة الصغار ينسون ، هذا الشعب واعي ويعمل لقضية كبيرة وموطنه أرض مقدسة ، مباركة وعاصمتها القدس التي تضم بين جوانحها أولى القبلتين وثاني المسجدين ومسرى المصطفى عليه الصلاة والسلام ، أرض طاهرة مباركة تستحق الفداء والتضحية ..
سفينة الحرية بآلامها وآمالها في التحرر من براثن الحصار الجائر ، والتي تحمل على متنها حالات انسانية وتعرف العالم بمرارة الحصار وطريقة تعامل الإحتلال الوحشي معها ، تكشف وجه الإحتلال البغيض ، العالم أجمع وقف على رسالة سفينة الحرية ، الإحتلال يطبق حصارا جائرا على الشعب المكلوم في غزة وإن أراد العودة لقراه المحتلة ليعيش فيها عزيزا كريما في مظاهرات سلمية سدد له الإحتلال سهام حقده ، فيستشهدون على اعتاب ارضهم وعيونهم ترنو لربى فلسطين وارواحهم تتطلع لأرض حرموا منها عقودا ، إن قرروا كسر الحصار قرصن سفينتهم وعاملهم بوحشية ، وإن أراد الشعب العودة لوطنه نكل به !!
ومع أن الرحلة في السفينة محفوفة بالمخاطر في ظل احتلال لم يتورع من استهداف الأبرياء ومصيرها مجهول وممكن يتعرض للآفات ومع أن الاحتلال ارسل رسائل تحذير ليحول دون تسيير السفينة بإستهداف سفن من قبلٌ راسية في الميناء ، إلا أن الراغبين في خوض التجرية كان مذهلا ، لم يمنعم غطرسة احتلال ولم تهزمهم تحذيراته ولم تنال من عزيمتهم تهديداته على ركوب المخاطر والتحدي وبلوغ رساتهم الإنسانية للعام اجمع ، ومازالت في جعبة الشعب التواق للحرية وكسر الحصار المزيد من المفاجآت التي ستدهش العالم أجمع بإبداعاتها ، بإذن الله ، فالشباب يحملون أملا كبير في القلوب ولن يغفو لهم جفن حتى تحقيقه ، بعون الله ..