في ذكرى مولد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام نستحضر سيرته العطرة الحافلة بالبذل والعطاء والمواقف المشرفة والنبيلة والمليئة بالانتصارات والبطولات والملاحم ، وكان أروعها مؤاخاة الانصار والمهاجرين وهو ما أقدم عليه النبي عليه الصلاة والسلام بعد بناء المسجد ، أخوة أذابت كل حزازات وعصبيات الجاهلية وقوّت اللحمة ، اعقبت أخوة عقدها بين الاوس والخزرج ومعلوم من كان يؤجج نيرات الحرب ويذكي النعرات ويبث الفتن ليضعف النسيج وينهك قوة الجميع ويوغر الصور ويزرع بذور الاضغان والاحقاد ويبث سموم الفرقة بينهما : سياسة فرق تسد ..
مؤاخاة بين من ضحى بالمكانة والجاه والمنصب وعانى مشاق الهجرة والغربة عن الوطن ، بُعد عن بقعة طاهرة تعلقت القلوب بها وعانت آلام الفراق والأنصار من احتضنوا إخوتهم وفتحوا لهم قلوبهم وبيوتهم وآزروهم وخففوا عنهم لوعة الفراق ودعموا الدعوة وأوجدوا لها التربة الخصبة والحضن الدافء ليحميها حتى تنمو وتترعرع حتى يشتد عودها ..
غدوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، انسابت مشاهد الاخوة في أروع صورها ، ساد الوئام والالفة والمحبة والإيثار والوفاء والاخلاص في أبهى حلّة ، الكل التف حول لواء الاسلام وذابت كل العصبيات التي كانت تمزق الوشائج ، ضربوا اروع الامثلة في الجود وحسن الوفادة و كرم الاستقبال ، وماكان من المهاجرين إلا أن ثمنوا هذا الكرم وقدروا هذه الحفاوة وكانوا أوفياء لهذه المواقف النبيلة والمشرفة ، لم تكن معاني الاخاء عبارات جوفاء بل جسدوه واقعا على الارض وكان حاضرا في واقعهم تُرجم دفاعا ومساندة وحماية وذودا وو..فعمت المدينة اجواء من المحبة والالفة والتم الشمل وحققوا مفهوم ومعنى الجسد الواحد فكانت الانتصارات وكان التمكين ..
هذا درس بليغ للامة فعندما تنبذ خلافاتها وتنهي صراعاتها وتلملم شعتها ، جسدها سيقوى وسيكسب مناعة فتجابه التحديات بصلابة ولن تهزمها الصعاب ولن تفت في عضدها الخطوب ، صف واحد في مواجهة كل الاخطار ، البنيان الذي ينخر السوس دعائمه ، يتهاوى ويكون آيل للسقوط وما يلبث أن ينهار ، أما البناء الذي تكون دعائمه قوية ومتينة وبنيانه صلب يتحدى الصعاب ولا تهزمه المخاطر ، ولا تعصف به الرياح ولا تزحزحه وسيظل راسخا وثابتا ..
لقد ثمن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام مواقف الانصار وفضلهم ودعمهم للدعوة واحتضانهم لها ، فكان الوفاء منه والاخلاص في أروع صورة منه ، مع أن قلبه تعلق بمكة المكرمة ولم يغادرها إلا مكرها ومضطرا وقد عانى وجع الفقد وألم البعد ، وتجشم عناء ومشقة البعاد ، إلا أن جسده الطاهر لم يُدفن في مسقط رأسه وهاهي المدينة المنورة تحتضن جسده الطاهر ، إنه العرفان والوفاء للانصار ، إنه الاخلاص لمن تفانوا في حبه وأووه ونصروه ، ولم ينسى فضلهم وقال لهم : ..لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الانصار شعبا ، لسلكت شعب الانصار ، اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء وأبناء الانصار ..
عندما كان للحجاب وزن وقدر وحس في واقع الفتاة وينعكس على سلوكها فيهذبه ويرتقي بها، كانت تتمسك به وتعتز به، فهو عنوان كرامتها وعزتها وانفتها وعفتها وطهارتها، كانت تستميت عليه وترفض نزعه مهما تعرضت لكل اسفاف وتنكيل وانتقاص، ترفض أن تزيله مهما كانت العقبات والمتاريس التي يضعها امامها دعاة التغريب وتتحدى كل المضايقات التي تصادفها.
أما اليوم فقد افرغوه من مضمونه وغدا خرقة توضع فوق الرأس ولا تنعكس على السلوك ولا تُهذب الاخلاق وقد جاءها سهلا هينا دون تضحيات ولا معاناة، لذلك تستهين به ولا تعيره اهتماما وممكن أن تزيله بسهولة عند أول اختبار، لانها لم تبلغ قيمته وشرفه وقدره ومكانته ولم تتعرض لما تعرضت له اختها سالفا، غالبا النصر الهين والسهل ما اسهل التفريط فيه والعصف به والتخلي عنه، أما النصر الذي بُذلت لأجله التضحيات الجسام تتمسك به وتأبى أن تفرط فيه.
اوهموا المرأة أن الحرية تكمن في نزع لباس العفة والطهارة، وأن الحجاب والامتثال لاوامر الله اغلال وقيود!! فرضيت أن تكون مستعبدة لكل الحثالات بدل أن تمتثل للطاعة، وإلا ماذا تعني الحرية الفردية بنهجها المنحرف ومفهومها السلبي المستورد من الغرب الغارق في مهاوي الرذيلة، أوهموها أن الحرية تكمن في التبرج والعري والسفور، يتهمون الاسلام بأنه اساء للمرأة والاساءة الحقيقية هي أن تقبل أن تكون سلعة مبتذلة لكل الحثالات، ويتم استغلالها ابشع استغلال.
هل تريد للعالم أن يتحدث لجسدها بدل أن يتحدث لعقلها ويستفيد من عطائها، وكل ما منحها الله عز وجل من ملكات وهبات ومنح؟
جسدك ليس ملكك بل هو ملك لخالقه وإليه سيعود.
دعاة التغريب هم ادوات بيد أعداء الامة ينفذون مخططاتهم الجهنمية بحق الاوطان، يستوردون كل ما هو غريب عن قيمنا وبعيد عن اسلامنا ويعارض أعرافنا ومبادئنا وتقاليدنا، شوهوا مفهوم الحرية وحرفوه عن مقصده وحصروه في كل ما خالف الشرع، قزموا مفهوم الحرية وهو الاوسع رحابا وأولوه حسب هواهم، بينما الحرية الحقيقية تكمن في التعبير بحرية دون خوف عن رأيك في قضايا وطنك وقضايا أمتك بلا وجل من التبعات، وأن يكون صوتك مجلجلا في الحق وله وزن ولا يُصادره أو يضيق عليه أحد، الحرية في أن تشاركي في نهضة أمتك وبناء صرحها وإعداد جيل التحرير والتمكين بإذن الله..
الحجاب يصون كرامتك ويحفظ مكانتك ويحميك من كل الشرور، علاوة على أنه مظهر من مظاهر هويتك الاسلامية وبه تتميز المرأة المسلمة وهو تاج على رأسك، فأنت جوهرة ثمينة، لذلك صانك الاسلام واعتنى بك واعلى قدرك والحجاب يزيدك هيبة ووقارا ويرفع قدرك. الامتثال للطاعة يعني حفظ المجتمع من الانحراف، حتى لا تبتعد المرأة عن رسالتها النبيلة في اعلاء صرح الامة وتشييد مجدها، فالمرأة المسلمة التي تلقت التربية الصالحة، المتمسكة بحجابها وبأخلاق الاسلام، ينعكس أداؤها المتميز على سلوك واخلاق اطفالها وبذلك تنجب للأمة جيلا تعتز به وتفخر به والعكس صحيح، ومن يستهدف المرأة ولباسها الشرعي وحجابها شعار عفتها ورمز طهارتها، يستهدف نواة المجتمع وهي الأسرة ويقوض بنيانها ويعصف بتماسكها ويعرضها للانهيار، لا قدر الله.