هدم البيوت سياسة مجحفة وظالمة يتبعها المحتل في حق أصحاب الارض ، والغرض من ذلك إخلاء فلسطين من أهلها ، والهدم واحد وإن تعددت ذرائع المحتل ، في غزة تُهدم الدور بالطائرات والمدفعية ، وتوقع ضحايا أبرياء ، بنك الاهداف الذي يتبجح به المحتل ويتبتاهى به، في صلف ، وفي القدس والضفة يهدم منازل الاستشهاديين ، شكل من أشكال العقاب جماعي ، وأقسى أنواع الهدم ، أن تهدم بيتك بيدك ، حتى لا يغرمك الاحتلال ثمن الهدم ..
وبعد الهدم تنصب خيمة على أرض الوطن ، تظل مستمسك بالارض ، ثابت لا تتزعزع ، راسخ لا تهزمك غطرسة المحتل ، مزروع في أرضك ، غير أن الضرر النفسي يكون أقوى وأشد من الاضرار المادية ، هذه الاخيرة تعوض ، لكن الايلام النفسي موجع ، فهو أمر وأقسى على النفس ، بيتك هو مملكتك ، هو سكن الروح والجسد ، فيه تخلد للراحة والطمأنينة ، فيه ذكرياتك الجميلة ، أحلامك آمالك هو عالمك الخاص ، يضم بين جدرانه أحبتك ، من يخففون ما أثقل على كاهلك ، يربتون على كتفك ، تعود إليه بعد يوم مضني شاق لتجد فيه السلوى ، حتما سينتابك شعور بالمرارة وأنت تهدم بيتك ، مشهد يُدمي القلب قبل أن يُدمع العين ..
طفلة آلمها أن ترى غرفتها وعالمها البريئ يُهدم فأجهشت بالبكاء
أمر الهدم صادر من محتل غريب ،هذا ما يحسسك بالضيم ، يُقال : أن الهدم أسهل من البناء ، هنا الامر يختلف ، ينهار حلمك في لحظة مع أول ضربة بشاكوش أو مطرقة تنغرس في جدران بيتك ، غصة تعتصر فؤادك ، شيدت بيتك بيدك ، رأيت حلمك يتحقق ، بيت يأويه ، يضمك بين جوانحه ، تحس بين أحضانه بالامن والامان ..
الاحتلال يبغي من خلال هذه السياسة الظالمة ،كسر الارادة وقهر صمودك ، ليحسسك باليأس ، تبني وتشيد وتهدم ما شيدته ، يدفعك للتفكير في الرحيل عن موطنك ، غير أن صاحب الحق لا تنال منه المواجع ولا يفقد الامل ولا ينتابه اليأس ،ولا مكان للاحباط في قاموسه ، يتجاوز اللحظات الاليمة بقوة إرادة وعزيمة راسخة ، ينصب خيمة ولا يرحل ، يلامس الارض الطيبة ، هي الام الرؤوم ، يحس بدفئ حضنها، هي من تغدق عليك من حنانها الفياض ، خيمة فوق ثرى وطني خير من بيت في الغربة.
هذا البيت الذي بنيته بعرق جبينك ، وانفقت عليه من مالك ، وبنيته طوبة طوبة ، ليأتي قرار ظالم من محتل وينسفه في رمشة عين ، فتحس أنك أنت الغريب في وطنك ، مع أول ضربة تذرف العيون الدموع، تحس وكأن القلب قد انخلع من مكانه ،نظرات الطفولة البريئة للحضن الدافئ وهو يتلاشى ، تشي بالكثير من المعاني ، وإن عجز اللسان عن البوح بها ، تترجمها الدموع الساخنة وهي تسيل على الخد ، قد يستشهد أحد أفراد العائلة وتحس بمرارة فقده ، لكن هدم البيت يترك نتوءا في القلب والوجدان يصعب محوها وأو نسيانها ، خاصة في نفوس الصغار ، والجروح النفسية لا تندمل بسرعة ،غير أن الترابط والتكافل بين الاسر ،يسد الفجوة ويسند العضد ويعين على نوائب الدهر ، ويعزز العرى ، وإن انهدم البيت ستبني السواعد المخلصة بيتا اجمل وأبهى من ذي قبل ، بإذن الله ، روح الامل لن تخبو جذوتها والصراع مستمر ، صراع صاحب الحق في مواجهة غطرسة محتل ..
بصبره وصموده وثباته سيظل شامخا متحديا كل المنغصات التي تصادفه في طريقه ، يُهدم البيت والذريعة أنه غير مرخص وإن طلبت الرخصة عراقيل جمة تحول دون ذلك ، اجراءات تعجيزية تقف أمامك ، بدل الرفض الصريح يضعون أمامك متاريس ليمنعونك من البناء ، محتل مغتب يمنحك الحق في البناء على أرضك أو يمنعك بإسم القانون !! قانون سنه محتل !! بغية التضييق عليك ، وتناسى أنه احتلال بغيض وجوده باطل على الارض ، كل ما فوق الارض وكل ما تحتها يشهد أن الارض لصاحب الحق وليس للغاصب فيها أي حق ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق