في الذكرى الاليمة لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين ، نستحضر سيرته العطرة والحافلة بالدروس والعبر والانجازات والعطاء والصبر والثبات على الحق ، لم تثنيه كل المعوقات التي اعترضت مساره عن مواصلة التحصيل العلمي والتميز وشق طريق النجاح والتفوق ، تحدى كل العراقيل والمنغصات ، لم يترك عذرا لمثبطي الهمم ولا للعاجزين من يختلقوا الذرائع ، ليخفوا تقصيرهم وخذلانهم وتقاعسهم عن نصرة القضية وحمل همّ التحرير ، مقعد بنى مجد أمة وحرر القلوب والعقول مما ران عليها ودلنا على الطريق السليم وعلمنا كيف تنتزع الحقوق .
فارس الكلمة الصادقة ، لا يشق له غبار ، يحفز من حوله على العطاء والثبات ، وعدم الركون لاملاءات الاحتلال ومقارعته ، يبث في خلدهم اليقين بزوال الاحتلال ، بالإعتماد على الله عز وجل ، ثم اعداد السواعد المخلصة لمواصلة المشوار ، ترجم كلماته الملتهبة على أرض الواقع ، فكان الاصرار والثبات والاستماتة على حفظ الحقوق ..
نشأ الشيخ الشهيد يتيما محروما عانى مرارة الهجرة من قريته ، لم يركن لهذا الواقع المرير ،بل كان حافزا له لشحن همته وهمة من حوله فكان نبراسا أنار لهم درب الحق ، ودرب المقاومة ، أعاد للقضية وهجها بعد أن ضيعها من تبناها ، رفض الظلم وقاوم الاحتلال بما زرعه من حماسة وقوة العزيمة في نفوس الشعب ، تاق لحرية الوطن وأعد العدة لمقارعة غطرسة المحتل ، فكانت المقاومة حاضرة في الميدان ، قضت مضجع الاحتلال، أحيت القضية وأعادت لها نبض الحياة..
سطر هدفه ووفر له كل طاقة وعمل له بتفان واخلاص ، فأينعت المقاومة الباسلة ، فكان التميز والابداع حاضرا ، رحل فجرا بعد أن أينع غرسه وأثمر سواعد مخلصة لا تهاب الموت على درب الحق ماضون وعلى العهد باقون ، علم العالم كيف يجود الفلسطيني بروحه ليروي بدمائه الطاهرة شجرة الصمود ، علمنا كيف تُسترد الكرامة وكيف يعود الحق لاصحابه ، بالمقاومة وبذل الغالي والنفيس والاصرار على طلب الحقوق ..
أدب السجون هو ما تجود به قريحة الاسير ، معبرا عما يختلج صدره من أوجاع وما يثقل كاهليه من آلام وما تتوق له نفسه من آمال ، آلام الاسر وما يكابده من عناء ، وآماله في غد مشرق يحمل بين طياته تباشير الخير ، يتطلع ليوم يتنسم فيه عبير الحرية ، بعيدا عن هموم وأوجاع الاسر وسحنة السجان السوداء ..
ابتسامة الاسير والتي لا تفارقه ، تقهر جبروت السجان ، هي رسالة بليغة للسجان أنه لن يأسر روح الاسير ولن ينال من عزته وصلابته ولن يكسر قوة الاصرار في نفسه ، وسيواصل درب المقاومة والنضال حتى دحر الاحتلال ، بإذن الله
أدب السجون حروف نسجتها مرارة التجربة ، تعكس ما يقاسيه الاسير من آلام الاسر والبعد عن الاهل والاحبة وما يعانيه في أقبية التحقيق من تنكيل ولوعة الفراق ، وتطلعه لشمس الحرية وكسر القيود ..
أراد السجان أن يجعل من الاسر مقبرة للاحياء ، يكتم أنفاس الطاقات ويخنق الملكات وينهك الجسد والروح معا ، أشبه بالموت البطيء ،غير أن الاسير فوت على المحتل مبتغاه ، فجعلها ساحات تحصيل علم وتفجير طاقات ابداعية ، فدبت الحياة في الاجساد المنهوكة وأمدتها بطاقة زادتها قوة وصلابة وتحدي ، فتخطت الالام بعزيمة تهتز لها الجبال وإرادة قوية تقهر جبروت المحتل ، فخطت الانامل في براعة كلمات الوفاء للقضية العادلة وكل معاني الصبر والثبات والحنين للحضن الدافئ ، وتفتق الابداع وجرى القلم على الصفحات بسلاسة يدوّن الاحاسيس والمشاعر والاشواق والآمال ويبوح بجروح النفس ،جروح لن تلتئم إلاعندما يحتضن الاسير ثرى الوطن ويعانق شمس الحرية ويعود لدفء العائلة ويمتع ناظريه بجمال موطنه .
يقطع الاسير رحلة الاسر الطويلة والمريرة ، بكل ما يفيده وكل ما يقوي صموده ويعلي يقينه ويشحذ همته ، حولوا عتمة السجن لنور المعرفة ، بددوا جو الاسر الكئيب بإضاءة شمعة الامل في النفوس ، عدالة القضية تقوي عزيمتهم وتسند ظهرهم ، وعون الله لهم يجبر كسرهم والرفقة الصالحة تشد من أزرهم وتسكن أوجاعهم ، وتخفف من لوعة بعد الاهل والاحبة ..
ومن رحم الآلام يولد الامل ، في الاسر ينمي الاسير مواهبه ويرقى بملكاته ويصقلها بكثرة القراءة والكتابة ، لا يركن للهموم بل يقهرها بالصبر والاناة والمثابرة ، حولوا السجون لساحات تنافس في الابداع ، اكتشفوا مواهبهم المكنونة ،أخلصوا في تعبيرهم عن معانتهم ، فكان الابداع حاضرا ، إبداع لا يشوبه تصنع أو تكلف ، عنوانه الوفاء والاخلاص ، عاش التجربة وعبر بصدق عن كل ما أرقه وكل ما يختلج فؤاده ،فأجاد التعبير وانسكبت الحروف من محبرته وانسابت الكلمات الحارة ، لتسرد فصول الحكايا ولازالت المعاناة مستمرة ...
تخلد المرأة العربية مناسبة مايسمى باليوم العالمي للمرأة ، بالمزيد من الصمود والثبات في شتى الساحات الملتهبة ، فهي الثكلى والارملة ، هي من فقدتِ المعين والسند ، هي من حرمتها الحروب كل الغوالي ، هي المعتقلة في سجون الاحتلال ، تعاني مرارة البعد عن الاهل والاحباب ، واحتضان فلذات أكبادها ودفء العائلة ، أو حرمها أحبة لها لعقود لتجتر آلام فراقهم ، هي من جادت بروحها وهي تمني النفس بلقيا مهجة القلوب ، أحبة غيبهم الاحتلال عن ناظريها ، واغتصب البهجة من قلبها ، ونغص عليها فرحة الاعياد وأدمع مقلتيها شوقا وحنينا لاحبتها ..
هي من زج بها الاستبداد في مقابر الاحياء ، فقط لانها عبرت عن رأيها الرافض للانقلاب ، هي الشهيدة من روت شجرة البذل والعطاء والصمود بدمائها الزكية الطاهرة ، هي من تحملت مرارة النزوح والتشريد في مخيمات الموت البطيئ . بعد أن دمر الاستبداد منزلها ، وروع أمنها وأمن صغارها، وأحال موطنها الجميل لخراب ، هي من حملت لواء التحدي في غياب الزوج والاب والابن والاخ ، تحملت من الصعاب ما تنوء بحمله الجبال ، لترى حلمها في وطن يسوده العدل وتغمره السكينة والطمأنينة قد تحقق ، وطن يحقق لها ما تصبو إليه من عدالة وحرية وكرامة ، هي من كابدت المشاق لتسند ظهر أحبتها وتخفف عنهم العناء ، تماسكها وصبرها يرفع معنوياتهم ويقوي ظهرهم ، هي من صبرت على استشهاد فلذات أكبادها محتسبة الاجر عند الله ، هي من جادت بروحها في الساحات والميادين ، وهي تدافع عن حقها في العيش بكرامة ، من الحيف أن يُرصد لها يوم واحد وننساها الدهر كله..
هي معول خير إن تلقت التربية السليمة ، هي شريكة الرجل في بناء نهضة وطنها ، هي من تحرس وتصون العرين وتربت على الكتف ، وتزرع بذور الامل في نفوس صغارها ، هي من تقابل ظلم الواقع بثبات وجلد وصبر ، حقوق المرأة لازالت شعارات رنانة ، ولم تحس المرأة بوقعها ولم تغير من واقعها المرير ، عالم يبخس حقها في أن تنعم بالحرية ، إن صدحت بصوتها ، كممه ونال منها ، أو نكل بها الاستبداد لكسر إرادة من يناهضه من أهلها وو...
غير أن المحن لم تنال منها ، بل زادت من عزيمتها ، ولم تفت في عضدها الشدائد ، تكافح كل أشكال الظلم ، تدرك أن الحقوق تنزع ولا توهب ، حتما يوم واحد لايكفي ولن نوفي حقها فيه، ولن نحيط بكل معاناتها في شتى الساحات ..
عام مضى اغتالت آلة الحقد الصهيونية بسمتها المشرقة ويتمت صغارها ومزقت شمل العائلة ، ولا تقِل معانتها في ساحات أخرى عما سبق ذكره ، فهي في ساحات أخرى بين نارين إما إفراط وتفريط ، تعاني التهميش وتكبلها أغلال التقاليد وتعطل ملكاتها ، وتتفشى في أوساطها الامية أو يتبنى قضيتها دعاة التغريب ، فيلصقوا كل حيف طالها للاسلام ، مع أن الاسلام هو من صان حقها وحفظها وأعلى قدرها ، فيبتذلونها ويمسخوا شخصيتها ويهينوا أنوثتها ، وبذلك يبعدونها عن رسالتها السامية ، مشاركتها الفعالة في النهوض بأمتها واستثمار قدراتها وملكاتها خدمة لمجتمعها ، وتربية لجيل تفخر به أمتها ..
كلما تناولت موضوع المرأة ،إلا واستحضرت كلمات سيد الخلق عليه الصلاة والسلام وهو من تعامل بخلق راقِِ مع المرأة ، يكن لها كل احترام واجلال وتقدير ، كان الاب الحنون والزوج الطيب العطوف والمعلم الهمام والفارس المقدام ، كلمات كتبت من نور : استوصوا بالنساء خيرا ...
عذرا رسول الله ضاعت الامانة في زمن ماتت فيه المروءة والشهامة..