أدب السجون هو ما تجود به قريحة الاسير ، معبرا عما يختلج صدره من أوجاع وما يثقل كاهليه من آلام وما تتوق له نفسه من آمال ، آلام الاسر وما يكابده من عناء ، وآماله في غد مشرق يحمل بين طياته تباشير الخير ، يتطلع ليوم يتنسم فيه عبير الحرية ، بعيدا عن هموم وأوجاع الاسر وسحنة السجان السوداء ..
ابتسامة الاسير والتي لا تفارقه ، تقهر جبروت السجان ، هي رسالة بليغة للسجان أنه لن يأسر روح الاسير ولن ينال من عزته وصلابته ولن يكسر قوة الاصرار في نفسه ، وسيواصل درب المقاومة والنضال حتى دحر الاحتلال ، بإذن الله
أدب السجون حروف نسجتها مرارة التجربة ، تعكس ما يقاسيه الاسير من آلام الاسر والبعد عن الاهل والاحبة وما يعانيه في أقبية التحقيق من تنكيل ولوعة الفراق ، وتطلعه لشمس الحرية وكسر القيود ..
أراد السجان أن يجعل من الاسر مقبرة للاحياء ، يكتم أنفاس الطاقات ويخنق الملكات وينهك الجسد والروح معا ، أشبه بالموت البطيء ،غير أن الاسير فوت على المحتل مبتغاه ، فجعلها ساحات تحصيل علم وتفجير طاقات ابداعية ، فدبت الحياة في الاجساد المنهوكة وأمدتها بطاقة زادتها قوة وصلابة وتحدي ، فتخطت الالام بعزيمة تهتز لها الجبال وإرادة قوية تقهر جبروت المحتل ، فخطت الانامل في براعة كلمات الوفاء للقضية العادلة وكل معاني الصبر والثبات والحنين للحضن الدافئ ، وتفتق الابداع وجرى القلم على الصفحات بسلاسة يدوّن الاحاسيس والمشاعر والاشواق والآمال ويبوح بجروح النفس ،جروح لن تلتئم إلاعندما يحتضن الاسير ثرى الوطن ويعانق شمس الحرية ويعود لدفء العائلة ويمتع ناظريه بجمال موطنه .
يقطع الاسير رحلة الاسر الطويلة والمريرة ، بكل ما يفيده وكل ما يقوي صموده ويعلي يقينه ويشحذ همته ، حولوا عتمة السجن لنور المعرفة ، بددوا جو الاسر الكئيب بإضاءة شمعة الامل في النفوس ، عدالة القضية تقوي عزيمتهم وتسند ظهرهم ، وعون الله لهم يجبر كسرهم والرفقة الصالحة تشد من أزرهم وتسكن أوجاعهم ، وتخفف من لوعة بعد الاهل والاحبة ..
ومن رحم الآلام يولد الامل ، في الاسر ينمي الاسير مواهبه ويرقى بملكاته ويصقلها بكثرة القراءة والكتابة ، لا يركن للهموم بل يقهرها بالصبر والاناة والمثابرة ، حولوا السجون لساحات تنافس في الابداع ، اكتشفوا مواهبهم المكنونة ،أخلصوا في تعبيرهم عن معانتهم ، فكان الابداع حاضرا ، إبداع لا يشوبه تصنع أو تكلف ، عنوانه الوفاء والاخلاص ، عاش التجربة وعبر بصدق عن كل ما أرقه وكل ما يختلج فؤاده ،فأجاد التعبير وانسكبت الحروف من محبرته وانسابت الكلمات الحارة ، لتسرد فصول الحكايا ولازالت المعاناة مستمرة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق