القرآن الكريم نزل للمسلمين وليس لبني اسرائيل ، ومع ذلك تضم آياته الكثيرة من التفصيل لسيرتهم ، بل والشرح المستفيض لحالهم ومسارهم ومآلم ومصيرهم ، ومعلوم أن الله عز وجل لا يحابي بين عباده ، أية أمة حادت عن النهج القويم وتعدت على الحدود وبدلت وغيرت ، وتاهت عن جادة الحق مصيرها ماثل للعيان ، خزي وطرد من رحمة الله ومذلة واستكانة وهزائم متتالية وضعف وهوان وو..
هذه أمة كانت في القمة ولها قدر وقيمة في زمانها ، وكان فيهم انبياء وصالحون ، ونتيجة افعالها الذميمة وما أتت من منكرات هوت للقاع ، واستحقت غضب الله عليها ، سرد حال ومآل بني اسرائيل عبرة ودرس لأمة الإسلام حتى تتفادى مآلهم ، وتحذيرا لها حتى لا تلقى نفس المصير ..
ومن يقرأ القرآن سيقف على صفاتهم الذميمة وأفعالهم المشينة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهي أيضا ميزات أمة الإسلام مع الإيمان بالله والتي بموجبها كان الإصطفاء والأختيار : فكانت خير أمة أخرجت للناس
بتعميم الخير والحث عليه ونشر الفضائل وأيضا النهي عن المنكر ، حتى تعافه الفطرة السليمة وتقاومه ، وحتى لا يغدو مستساغا ، ويتجرأ على فعله ، ويستشري في المجتمع وبذلك تهوي النفوس لمستنقع الرذيلة وتنفصهم عراه وتنخره الآفات ، وتتآكل دعائمه ويسهل على الأعداء الإنقضاض عليه ويغدو لقمة سائغة بين يديه..
ومعلوم أن للنهي عن المنكر درجات ، المهم ألا يفتر المسلم وأن لا يتعايش مع المعاصي ويستسيغها ويألفها ، قال عليه الصلاة والسلام : من رأى منكرا فليغريه بيده ، فإن لم يستطيع فبلسانه ، وإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )
وكذا حديث السفينة :
عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا "..فإن لم يحثوهم على الخير ويكافحوا فسادهم وينهون عن المنكر غرقوا جميعا ، وأي قوم فشى فيهم المنكر وكل أنواع الفساد ، استحقوا اللعنة والطرد من رحمة الله ، ومعلوم ما يترتب على ذلك..
فالأمر يعنيك أنت أيضا مادام الكل في مركب واحد ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى أخاه فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض. ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ..
ومثال آخر : عندما جحدوا انعم الله عليهم ولم يمتثلوا لأوامره وعصوا أوامر نبيهم ، حل بهم التيه ، وأي أمة سلكت نفس المسلك إلا وتاهت بوصلتها وحل بها الضعف مكان القوة وتغول عدوها عليها وحل بها الوهن وتفتت وذهب عزها وفقدت مكانتها ..
هذه فقط أمثلة وإلا القرآن الكريم يستعرض صفات بني اسرائيل بشكل مستفيض ، ما على المرء إلا أن يقارنها بحال الأمة اليوم المزري ، من كتم للحق والتعامل بالربا فهو إعلان حرب مع الله واكل السحت وحب للحياة حتى ولو كانت حياة مهانة ومذلة وصغار وتفتقد للكرامة والعزة وكذا الخيانة بكل أشكالها وأخذ من الدين ما يوافق هواها ونكث ما يعارض هواها والجبن والخور وقلب الأية : أشداء على الكفار رحماء بينهم ، فقد غدا بأسهم بينهم شديد وانهكتهم الصراعات والخلافات ، بل طفا على السطح كل حزازات الجاهلية والتي دفنها الإسلام والتي تحول دون وحدتها والتي هي سر قوتها وو..
وإذا أرادا أمتنا أن تعود لعزتها ومكانتها أن تستعيد ميزاتها : الإخلاص في العبادة والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، لهذا اختارها الله عز وجل واصطفاها على باقي الأمم..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق