قد لا تكون عايشت فصول نكبة فلسطين ، إلا أنك قرأت عنها وشاهدت تداعياتها على المنطقة ، بل على الأمة جمعاء ، وقد تكون سمعت عن قصص تشيب لها الولدان على لسان من نجوا من المجازر الفظيعة ، وهالك ما بلغ مسامعك مما ارتكبته العصابات الصهيونية في فلسطين : من قتل وسلب ودمار وترويع وتهجير قسري وتشريد ونهب وأهوال يعجز اللسان عن سردها وو..
فلسطين والمنطقة بل والأمة كلها لازالت تتجرع مرارة النكبة ، ولازالت فصولها مستمرة ولازال الشعب الفلسطيني يتجرع مرارتها ، إن في دول اللجوء أو دول الإيواء ، بل تكررت نكبته وتجددت فصولها الدامية مع نكبة سورية ..
هاهي اليوم نكبة سوريا ماثلة أمام ناظريك ، تعيد للأذهان نكبة فلسطين بكل تفاصيلها المؤلمة ، شعب تمسك بأرضه واستماة على حقوقه وعانى مرارة الحصار لخمس سنوات ولم يستلم ولم يذعن ولم يرفع الراية البيضاء ، في ظل خذلان القريب والبعيد إلا مانزر، وظل يقاوم الجوع ومرارة الحرمان وعناء فقد الأحبة وشحّ الدعم ..
وعندما يئس النظام وعجز في تركيعه وفشل سلاح الحصار الخانق ، انهالت عليه كل الحمم ، استعمل النظام بحق المحاصرين كل الأسلحة المحرمة والفتاكة ، حتى غدا باطن الأرض أرحم من ظاهرها ، فيه يلتمسون أمنا وأمانا افتقدوه ، لأيام لا يرون أشعة الشمس ، نسمة هواء نقية غدت عزيزة ، يتجمعون في حيز ضيق ، لكل حكاية يرويها بصمت وتدمع لها الأعين ، فالحال يغني عن الكلام ، يحاولون التخفيف عن بعضهم البعض ما أثقل على الكاهل ، انضاف للجوع القتل والدمار ، حتى الهدنة المزعومة لجلب ما يسد رمقهم لا يتقيد بها النظام وحلفاؤه ويخرقونها ، بل غدت ساعات الهدنة مصيدة لحصد الأرواح ، غدا رغيف الخبز صعب المنال ..
ساعات الهدنة لا تكفي الشعب المكلوم حتى في دفن الضحايا الذي سقطوا جراء القصف المكتف ، أما المساعدات الإنسانية فهي أقرب للدعاية منها لملأ بطون الجوعى الذين لم يستسلموا للحصار إلا أن اشتداد القصف حال دون بلوغ ما يسد رمقهم ، استهدف القصف حتى الشاحنات التي تقل المساعدات ، حتى لا تصل للمكلومين ولا يستفيدوا منها ، وبذلك تعود ادراجها !! فالشعب يريد ما يرفع به الظلم عنه ويوقف القصف ، حتى يؤمن المساعدات الإنسانية وإلا ليس لها معنى ، إن جاءت واستهدفت وعادت ولم يستفيد منها أحد ، المساعدات ما هي إلا ذر الرماد في العيون ، ورسالة لشعوبهم التي باتت المشاهد المروعة تقض مضجعها وتستغرب من استفحال الظلم في ظل صمت مريب للمجتمع الدولي ، فتات المساعدات الإنسانية لا وزن له في ظل استشراس الظلم والقوة الغير المتكافئة ، وإلا فالشعب قاوم الحصار هو يريد ما يصد به العدوان ..
وفي ظل اختلال ميزان القوة ، تجد شعبا يقاوم ظلما مدججا بكل أصناف الأسلحة ، علاوة على دعم حلفائه ومشاركتهم له في بطشه ومن يغض الطرف عن جرائمه هو أيضا مشارك في الإجرام بصمته المريب ، وبذلك يُدفع الشعب للتهجير القسري ، وتتكرر أمام ناظريك مشاهد نكبة فلسطين في أقسى صورها ، شعب يلفه الحزن ويحس بمرارة القهر ، يودع أرضه وقراه وبيته وقد خط عبارة راجعين على الجدران ..
عزل إلا من إرادة لا تلين وصبر وثبات ، تساورهم الهواجس ويقلقل راحتهم التهجير ، تغص قلوبهم بالذكريات الموجعة عن وطنهم الجميل الذي اجبروا على مغادرته ، يؤرقهم مرارة الفراق ، وكأن روحهم انتزعت من أجسادهم ، هل سيُظلم هذا الشعب المكلوم والمظلوم كما ظُلم من قبل الشعب الفلسطيني ويأتي من يخترع الروايات الكاذبة عن شعب باع أرضه وتخلى عنها ، وهل سيكون ثمة سذج يصدقون هذه الإفتراءات وهذه الروايات الزائفة ؟
إلا أن الشعب السوري لن ينسى أرضه ، كما لم ينساها الفلسطيني من قبل وظل متشبتا بها ، ودافع عنها وحملها معه في قلبه أينما حلّ أو ارتحل واجتهد في حشد لها الدعم وعرف بها في المحافل وظل ينافح عنها ولازال ، يفديها بروحه ولم يبخل عنها بالغالي و النفيس ، استوطنت وجدانه وشغلت تفكيره وملأت كل وقته ، وحمل همها ووطن لها نفسه وشحن لها طاقاته ..
فكيف ينساها ؟ وحلمه في العودة كل يوم يكبر معه ، لإحتضان موطنه وتنسم عليله وتقبيل ثراه الطيب وتحريره من الغاصب، فما ضاع حق وراءه مطالب ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق