مع إشراقة كل صباح يستيقظ الصحفي ياسر بكل نشاط وهمة متحمسا لعمله الذي يعشقه ويتفانى في حبه ، يتناول فطوره صحبه العائلة ويرتدي خوذته وسترته الواقية ، يقبل يد أمه ويطبع على خد ابنه قبلة حنان ويودع زوجته بإبتسامته المعهودة وبشاشته ، ترافقه دعوات أمه بأن يحفظه الله ويعود لها سالما غانما ، منذ أن بدأت فعاليات مسيرة العودة الكبرى وياسر يحرص بإهتمام على متابعتها وتغطية أنشطتها ويوثف بكاميرته فصولها يؤدي عمله على أكمل وجه ، تراه دوما في الصفوف الأولى لا يثنيه بطش الإحتلال وتعنته عن أداء واجبه ، ومع توالي سقوط الشهداء يهتز قلب أمه وتخشى على إبنها وتنتظر عودته على أحر من الجمر وتتابع الأخبار بتوجس ، فهذا العدو الذي لا يتورع عن قتل العزل ، حتما سيكن الحقد ويضمر الشر لمن يوثق جرائمه بحقهم ..
الصحفي الفلسطيني يفند رواية الإحتلال الذي طالما خدع بها العالم ، لذلك الإحتلال يستهدفه فهو من يجلي الحقائق وينشر الرواية الفلسطينية الحقيقة التي تبرز مظلومية شعب يرزح تحت نير الإحتلال واحتلال غاشم يغتال البراءة وينكل بالعزل ، يدرك ياسر جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه ومع ذلك يمتطي عباب التحدي لينقل للعالم الحقيقة التي طالما غيبها الإعلام الصهيوني والإعلام المضلل والمنحاز للرواية الصهيونية ،..
تسجل كاميرا ياسر قصص الفداء والتضحية وعشق الأرض ، تتحدث الصور عن شباب يتحدون غطرسة المحتل ، يتفانى في حبه لموطنه ، يتنافس في التضحية ويسطر أروع الملاحم والبطولة ، متمسك بأرضه ، الإحتلال يستهدف الصحفي ليثنيه عن رسالته وعن مواصلة مشواره الصحفي وعرقلته عن نقل الحقيقة للعالم ، والصحفي بدوره يدرك حجم المخاطر المحدقة به ومع ذلك يقتحم ميدان البطولة بإقدام وبسالة ، لصور الأحداث ويكشف جرائم الإحتلال بحق المدنيين العزل ..
ياسر أحب مهنته وأخلص فيه وترك خلفه عطاءََ زاخرا يخلد ذكره ، فكما التقط صور المعاناة وصبر في ظل حصار جائر دام لأكثر من عقد ، ولم ينل من عزيمة الشعب ، اليوم توثق عدسته صور التحدي والأنفة والعزة والكبرياء والشوق لمعانقة ثرى الوطن الغالي ، لا يهمه الكم بل الكيف ، لذلك يجتهد لإلتقاط صور معبرة مؤثرة عميقة في معناه ، تشد انتباه المشاهد وتبقى عالقة في ذهنه ومستحيل أن ينساها ، يتقن عمله ويتفانى حبا فيه ، عدسته خلدت في أعماق محبيه صورة ياسر الإنسان المحب للحياة المبتسم دوما رغم مرارة الحصار الذي حرمه من تحقيق العديد من أحلامه ، ياسر الذي يحفل قلبه بالآمال والآلام لحصار ضيق عليه في حريته وحرمه تطوير مهاراته ، يتطلع لرؤية موطنه وقد فُكت قيوده وتحرر من براثن الإحتلال ..
مع أن لباسه الذي يرتديه يوحي بعمله الصحفي ومع ذلك الإحتلال تعمد استهدافه حتى يطمس معالم الحقيقة ، وفي المقابل ياسر كان يدرك أن الإحتلال يستهدف الصحفيين لدورهم الفعال في نقل الحقيقة للعالم وتصحيح الصورة التي شوش عليها الإحتلال ، ويكشف قمع ووحشيته ، معنى أن تكون صحفي في وطن محتل ، وشعب يعشق أرضه ويفديها بالأرواج والمهج ووطن يحتله عدو متغطرس وغير مؤثمن ، هنا تبرز بجلاء مهنة المتاعب وفي وطن محتل هي مهنة تحفها المخاطر ، كم سجلت عدسه حماسة الشباب وبطولات الصغار الذين لم ينسوا موطنهم وكشفت أيضا وجه الإحتلال البغيض ، يستهدف مظاهرات سلمية ولا يريد أن تُوثق جرائمه ، لأن صورته سيهتز لها الداخل والخارج ، لذلك يغتال الصحفي ليئد الحقيقة ..
كاميرته في نظر الإحتلال "عدو" لأنها تفضح كيانه وتدحض روايته المشروخة ، كان ياسر فارس الصورة يكشف جرائم الإحتلال ويبرز للعالم حقيقته ، لذلك استهدفه الإحتلال حتى يدفن الحقيقة ويعدم الكلمة وحتى يرتكب جرائمه في صمت ، حتى لا يطلع عليها العالم ، لذلك الإحتلال يتعمد اغتيال الصحفي حتى لا يقف العالم على انتهاكاته الصارخة و قمعه وجرائمه بحق المدنيين السلميين العزل ، الذين لا يشكلون أي خطر على الإحتلال ، إلا أن وجودهم ومطالبتهم بحقهم في أرضهم ، هو ما يخشاه الإحتلال ، ففيه نسفا للرواية الصهيونية المزعومة والتي بنى عليها كيانه ..
وفي لحظة توثق عدسة ياسر سقوط الشهداء بعد استهداف الإحتلال المتعمد لهم وقتلهم بدم بارد واستهداف مناطق في اجسادهم بغرض القتل ، ترجل الفارس عن جواده بعد ان امتدت له رصاصة الغدر ، فاصابته في بطنه ، كاميرا رفقائه سجلت لحظة الإعتداء السافر عليه ، الإحتلال ومن خلال لباس ياسر يعرف أنه صحفي ، لكن يسعى لتكميم صوت الحقيقة ويعدم الكلمة ويغيب الصورة التي تكشف حقيقته للعالم ..
ترجل الفارس بعد أن قض مضجع الإحتلال بسلاح الصورة الحية وبعد مسيرة حافلة بالعطاء والإنجاز والتميز والإبداع ، حتما رفاقه في الدرب سيكملون المشوار وفاءََ لتضحياته ، وكشفا لعنصرية ودمويته الإحتلال ، رحمك الله ياياسر بكتك عيون عرفتك عن قرب وعيون سمعت عنك وقرأت عن دماثة خلقك وسمتك العالي وانسانيتك ، سبحان من زرع محبتك في قلوب خلقه ، ودعته الحشود في جنازة مهيبة ، وعاهدوك على مواصلة دربك حتى تحرير فلسطين ، بإذن الله .
تردد أسم شاليط الجندي الأسير لدى المقاومة كثيرا في وسائل الإعلام الغربية المنحازة للإحتلال والجميع بات يعرفه ، في حين لم يلقى آلاف الاسرى الفلسطينيين نفس الإهتمام كما يجب ولم يسلط الضوء على ملفهم كما المطلوب وابراز معاناتهم ، مع أن الأول جندي محتل وجاء ليقتل والفلسطيني صاحب الأرض وصاحب الحق يقبع خلف القضبان لأنه دافع عن حقه وحمى أرضه ، فقد غدت حماية الأوطان والدفاع عنها في عرف الإحتلال جريرة !! مع أن الفلسطين يصد العدوان الذي يشنه الإحتلال ويرد صلفه ويدافع عن أرضه وعرضه ومقدسات المسلمين ، مع البون الشاسع في المعاملة ، فالأسير لدى المقاومة يحضى بمعاملة حسنة والأسرى في سجون الإحتلال ينكل بهم ، المقاومة تقارع الإحتلال انطلاقا من أخلاق الإسلام التي تحث على حسن معاملة الأسير
محاكم صهيونية هي من تصدر الأحكام الجائرة بحق الفلسطيني صاحب الأرض ، المعتدي والمحتل هو من يحاكم صاحب الحق !! فكيف سينصفه أو يعيد له حقه أو كيف سيكون نزيها معه ؟ إن كان الحكم هو الخصم وهو العدو فعلى العدالة السلام ، جريرة الفلسطيني كونه فلسطيني ، تهمته أنه فلسطيني ، وجود الفلسطيني يذكر الإحتلال بجريمته التي اقترفها بحق فلسطين ، وجود الفلسطيني ينغص على الإحتلال حياته ، مادام الفلسطيني موجود فلا أمن ولا أمان له على أرض احتلها بالقوة ونكل بأهلها ، لذلك يعمد الإحتلال لإغتيال الفلسطيني أو تهجيره قسرا أو زج به في غياهب السجون ، الفلسطيني اللاجئ هو الشاهد على نكبة فلسطين وجوده يدحض مزاعم الإحتلال عن أرض بلا شعب !! ومادام ثمة احتلال مغتصب وجاثم على الأرض ومقدسات تدنس وحق مهضوم ، فهناك شعب مغوار يقارعه ويطالب بحقه ..
تجبر الإحتلال وغطرسته تُجابه بإستماتة من صاحب الحق وصموده ، وجود الفلسطين اعلان أن هناك أرض كانت تحفل بأهلها عامرة مأهولة ، وجاء هذا الحقد الأعمى واغتصب الأرض وشرد الشعب ، وجود فلسطيني متجذر على أرضه يطالب بحقه متشبت به حتى آخر رمق ، يجابه احتلال جار عليه ونهب خيراته وضيق عليه واختطف وطنه وعات فيه فسادا وسرق بيتا لا زالت مفاتيحه بحوزة الفلسطيني شاهدة على ظلم الاحتلال ، مفاتيحه تذكره بالعودة الحتمية ، والحديث عن الأسرى البواسل يفضي للحديث عن الوطن المسلوب ..
فمادام هناك وطن منهوب وحق مسلوب ، هناك من سيدافع عنه ويذود عنه ويصد عدوان الإحتلال ويدافع عن ثرى وطنه ، لذلك يأتي يوم الأسير الفلسطيني ليذكر العالم ، أن ثمة وطن محتل وأجساد يُراد لها أن تذبل وطاقات يُراد لها أن تخبو ، وهامات تفيض عطاءََ يسعى الإحتلال لتغييبها لما لها تأثير على الشارع الفلسطين وهي من أبلت البلاء الحسن في مواجته مع الفارق في القوة ..
الإحتلال يحرم الأسير من حقه في العلاج والتعليم ولذلك خاض لأجله اضرابات عدة لتحصيله وحتى حقه في الزيارة يحرم منه بدواعي واهية ، يخوض بأمعائه الخاوية معركة الصمود لينال حقه ، وليعرف بقضيته العادلة وأقسى ما يكابده الأسير وفاة أحبتهم وهو في سجون الإحتلال ، يحرم من القاء نظرة الوداع عليهم ، أو تشييع جنازتهم وكذا غيابه عن الأفراح والأعياد والمناسبات الجميلة ، تبقى الفرحة ناقصة في ظل غيابه ، قد يؤسر وزوجته حامل ، يترك فلذة كبده جنين في أحشاء أمه ، وتمضي السنين ويكبر طفله بعيدا عنه ولا يحضر فرحة نجاحه ولا عيد ميلاده أو تخرجه من الجامعة بل وحتى زفافه ..
حتى الزيارة يضن بها عليه مع أنها لا تطفئ لوعة الشوق فقط تخففها ومع ذلك يمنع عنه الزيارات ، فيناضل لأجل احراز هذا الحق ، وكأنه لا يكفي تقييد حريته بل القيود تمتد لأسرته وأهله وأحبائه ، وأهل الاسرى هو الأدرى بمعاناتهم في رحلة الذهاب للزيارة ، المشوار الطويل من البيت للسجون الإحتلال ، مع ما يكابدونه من مشاق وارهاق وتعب ، ورؤية ابنهم وحبيبهم هي من تخفف معاناتهم وتسكن لوعتهم وتنسيهم مرارة المشوار الطويل وما صادفوه في رحلتهم من متاعب وحواجز تنغص فرحتهم بلقيا أحبتهم ، وماذا يعني أن ينتظر الأسير الزيارة على أحر من الجمر لرؤية أحبتهم والأهل بدورهم يحدوهم الأمل في لقائه ويأتي حقد أعمى ليحول بينهما ..
هي لحظة صعبة على الأسير وأهلهم إلا أن كليهما يعرف أي عدو جاثم على الأرض يجابهونه ، حتى الفرحة التي تعلو محياهم والبسمة التي سترتسم على شفاه الصغار أثناء اللقاء يسعى لوأدها ، غير أن إيمان الأسير يشحن طاقته ويمده بالصبر وكذا العائلة من جانبها تحاول جاهدة تفويت على الإحتلال مراميه ، فلا يتركون للإحتلال المجال للتشفي أو الإنكسار أمامه ، فيرى الإحتلال رباطة الجأش والتصدي والتحدي والإصرار والصبر والإستماتة في طلب الحق ..
الإحتلال أراد أن يجعل من السجون مقابر للأحياء ، ينطفئ فيها عطاء الفلسطيني نحو وطنه ، وتخبو جذوته وتنكسر عزيمته ، إلا أن الفلسطيني عزيمته لا تلين ، حوّل المحنة لمنحة وجعل من السجون ساحة تحصيل العلم ومعرفة ، تفجر فيها ابداعاته من شعر وقصة ورواية ورسم ودراسة وحفظ قرآن ، فيها اكتشفت المواهب ونماها ، فقهر بذلك جبروت السجان ، والمقاومة بدورها لا تأل جهدا لتحريرهم والإهتمام بهم وملفهم من أولوياتها ، وكما تجسدت وفاء الأحرار الأولى وغدت واقعا على الأرض والتي تنسم من خلالها الأسرى عبير الحرية ، سيتكرر بإذن الله الحفل البهيج وستُفتح الزنازين من جديد وستنكسر الأغلال والقيود ، وسيعانق الأسرى شمس الحرية وينعموا بدفئها كما نعم بدفئها إخوة لهم جمعتهم به مرارة السجون ، وهاهم اليوم بين عوائلهم ..
سيعودون بعون الله لدفء العائلة ويحتضنون أبناءهم الذين طال شوقهم إليهم ..
ويوم لتذكير بمعاناتهم حتما لا يكفي ، فهم من ضحوا بزهرات شبابهم دفاعا عن الوطن ، ولا تقل معاناة الأسيرات في سجون الإحتلال عن معاناة إخوتهن ، والتي ارتفع اعدادهن مع بداية انتفاضة القدس ، في أشارة لمشاركة المرأة الفاعلة في الإنتفاضة ، في سجون الإحتلال تجد الأم والزوجة والفتاة والطفلة ، عدا عن ما يقاسينه من بعد عن الأهل والأحبة ، وما يكابدنه من تعسفات الإحتلال من اعتقال وتفتيش واقتحامات ومعاملة سيئة ونقل وطول مشوار مع ما يرافق ذلك من ارهاق ..
قد تكتب عن الاسرى ومعاناتهم التي تطال عوائلهم ومحبيهم وقد تحس بآلامهم وأوجاعهم ولوعتهم وحرمانهم ويبقى الاسير ومن يشاطره الألم هم من سيجيدوا التعبير عن مشاعرهم الجياشة وعن احساسهم المرهفة وعن أوجاعهم ..
هم شعب الجبارين الذي بقي صامدا وثابتا على أرضه ومتشبتا بحقه ، رغم الخطوب ورغم التهجير والتنكيل والقتل والأسر والحروب المتتالية والتي زادته صلابة وقوة ولم تنل من عزيمته ومن إيمانه ، ظل يقارع احتلالا بكل أشكال المقاومة ، احتلال مدجج بكل الأسلحة ومدعوم ، وظل وفيا لوطنه مستميتا في الدفاع عنه ..
اعتقد الإحتلال ومن يدور في فلكه أن أكثر من عقد من الزمن على الحصار الجائر على غزة ، أنه انهكها وصرفها عن التفكير والإهتمام بقضايا الوطن وهمومه وحق العودة ونصرة مقدساته ، وصون كرامة الوطن والدفاع عن حياضه ، أعتقد أن الحصار قهره ونال منه وأنساه بحثه عن لقمة العيش ويوميات الحصار المرير قضاياه الكبرى وأضعفت إرادته ، إلا أن مسيرة العودة الكبرى وزخمها كانت المفاجآة التي شلت تفكير الإحتلال ، وجد نفسه أمام شعب قوي الشكيمة لم تفت في عضده سنيّ الحصار بل غدا عالي الهمة ، قوي العزيمة لم ينال منه الحصار ، ولازالت إرادته فولاذية ..
ما ميز مسيرة العودة وحدة الصف ، ومشاركة كل الأطياف فيها ، وكل الفئات الصغير قبل الكبير ، الوهم الذي عشعش لعقود في ذهن الإحتلال ، من قبيل مقولة أن الكبار يموتون والصغار ينسون ! دحضتها مسيرة العودة وأبطلتها ، فرأى بأم عينيه كيف يتصدر الصغار المشهد ، حب الوطن يسري في أوصالهم ، يعبر عن عشقه لوطنه بكلمات قوية جداا ، هم أطفال في أعمارهم ، غير أنهم كبار في عشقهم لوطنهم وحنينهم لمدنهم وقراهم ، يشتاق تحرير وطنه واحتضانه وتنسم هواءه العليل ، تهفو قلوبهم لرؤية وطن هُجر منه قسرا ، ترعرع فيه جده وورثته لجيل بعد جيل وحمل أمانته وسكن حبه وجدانه ..
أشبال فلسطين هم أسود الميدان ، يتحدثون بشجاعة وبسالة وجسارة ، لا يخيفهم عدو مدجج بالسلاح ، لأنهم أصحاب حق لا يستكينوا في طلبه ، متمسك بحقه ، يدافع عنه بإستماتة ، يريد العودة لوطنه ، مهما تكن التضحيات ، هم جيل النصر والتحرير ، بإذن الله ، كلماتهم مؤثرة وتجسدت أكثر في حديث الطفل محمد بسام عياش ، الذي ذاع صيته وانتشرت صورته ، بإبتكاره طريقة يتفادى بها الغاز الذي يطلقه المحتل على العزل ، حتما كلماته سيكون لها صدى ، وستعكف عقلية الإحتلال الماكرة في التحليل ، ويتساءل كيف لجيل ثالث أو رابع يتحدث بهده الحماسة عن وطن لم يره ، ومع ذلك يحبه ويدافع عنه، وفيّ له و لن يفرط فيه ، من ربى هذا الجيل الذي ينبض قلبه حبا لوطنه ، رأى وطنه في الخرائط والصور فقط ، ومع ذلك تجذر حبه في وجدانه ..
في ظل حصار جائر ، سعى من خلال الإحتلال ومن يدور في فلكه ، أن يزيد القضية تقزيما ، أن يشغل المواطن بهمومه اليومية ، لينسى همه الأكبر : تحرير الأرض والمقدسات والإنسان حتى يعيش في موطنه بعزة وكرامه ، فشل الإحتلال في كي الوعي أو تحوير البوصلة ، وظلت نظرة الفلسطيني لمحتل مغتصب قائمة ، فاجأته الحشود والأعين التي ترنو للوطن ، جيل العودة يسير على درب الفداء والتضحية ، درب سطر ملاحمه الكبار ، فجاد هو أيضا بأغلى ما منحه إياه ربه : روحه التي بين جنبيه ، شوقا لرؤية موطنه وأملا ملأ روحه للعودة لقراه ..
الإحتلال منذ اليوم الأول للمسيرة استهدف المتظاهرين السلمييين ، امعانا منه لتخويف المشاركين وثنيهم عن مرادهم ، وحتى يتسلل لروحهم اليأس والإحباك وخاصة أن حصيلة الشهداء ارتفعت ، وحتى يتراجعوا عن تحقيق أهدافهم التي سطروها من خلال مسيرة العودة ، إلا الشعب امتاز برباطة الجأش وفوت على الإحلال مراميه ، بل زاد ارتقاء الشهداء من زخمها وجعل من بين أهدافها الوفاء لدماء الشهداء ونهجهم ودربهم الذي ساروا عليهم ورووا بدمائهم الزكية شجرة العطاء ، ووعد منهم بعدم خذلان دماءهم بالصمود والإصرار على مواصلة المسير وتحقيق حلمهم في العودة ..
لطالما حاول الإحتلال تلميع وجهه القبيح ، إلا أن جرائمه بحق المتظارين العزل كشفت وجهه القميئ ، ورصدت الكاميرات كيف استهدف عزل لا يشكلوا أي مصدر تهديد للإحتلال ، عزل إلا من إرادتهم في تحقيق حلمهم بالعودة ، حتى جبهته الداخلية لم تسلم من بطشه فقد سعى لتكميم أفواهمم ، عندما استهجنوا استعمال القوة في مواجهة عزل ، واهتزت صورته في الداخل والخراج وتجلت الحقائق ، فهذا الإحتلال ليس كما يزعم وكما يروج للعالم أنه يدافع عن نفسه!! فالعالم شاهد بأم عينيه كيف يسقط شهداء سلميون ، استهدفهم الإحتلال بالقوة الغاشمة ليثنيهم عن التظاهر السلمي والذي تكفله لهم القوانين الدولية ..
التقطت الكاميرات صور تشد المشاهد وتبهره بعظمتها ومعانيها ، إلا أن الصورة المتميزة ، تلك التي تزرع في النفوس معاني الفخر والإعتزاز ، مشهد رائع تجسد فيه حماية الأرض والعرض في أبهى صورها ، صورة لأربعة شباب يحمون فتاة بأرواحهم حتى لا تمتد لها يد الغدر الصهيونية ، فمن يصون ويحمي العرض لن يخذل الوطن ، وسيلبي نداءه ، وسيحميه ويفديه بروحه ، كما حمى عرضه ودافع عنه ، فمن كانت له غيرة على عرضه ، حتما ستكون له غيرة على وطنه ، ولن يتوانى في الدفاع عنه ، ولن يفرط فيه أو يسلمه أو يتخلى عنه ولو في أحلك الظروف ، فهو من عرض نفسه للخطر ليحمي عرضه من بطش الصهاينة ، صورة مشرفة تفتخر بها كل مسلمة وتتباهى بها..
حتى الصحفيون لم يسلموا من الإستهداف ، فالإحتلال أدرك قيمة الصورة في تجلي الحقائق التي طلما عمل على قلبها ، ليساوي الضحية بالجلاد ، الصورة الحية تكشف وجه الإحتلال البغيض ، ومن يستهدف الصحافة من تنقل الأخبار وتكشف جرائم الإحتلال هو يسعى لحجب الحقيقة وطمس معالمها ، فالصورة المعبرة تفند روايات الإحتلال وتبرز بجلاء مظلومية الشعب الفلسطيني الأعزل في مواجهة غطرسة احتلال ..
وتبقى الصورة أكبر تحدي يقض مضجع الإحتلال ، فيسعى لوأدها بإستهداف من ينقلها للعالم ، هاهو الشعب الذي هُجر عن موطنه ينظم قوافل العودة بعد سبعة عقود من التشريد ، يحدوهم الأمل في تقبيل ثرى الوطن ومناهم أن يعودوا إليه محررين ، بإذن الله ..