الكتاب القيم : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس
ملخص الباب السادس : قوانين تارخية وتطبيقات معاصرة ..
تحدث فيه الكاتب كيف أوجد النبي صلى الله عليه وسلم مثل أعلى يضحون من أجله بعد أن بنى مجتمعا تسوده روابط الأخوة والإيواء والنصرة ، واحسن التعبئة واستفاد من جغرافية الموقع ، خلاف قريش التي تزعمها أبو جهل وغاص في عصبيات الجاهلية ، واتسمت سياسته بالتخبط واستنفار أهوج والخواء الروحي ، فأتم الله النصر للمسلمين بعد أن استنفدوا كل عوامله وجاءهم الدعم من الله عز وجل ، وهكذا تجني الأمم النصر والتفوق ، بإيجاد مثل أعلى للتضحية من أجله ، توحيد الصفوف ، الإعداد الجيد والإستفادة من جغرافية المعركة ، أما من يطغى عليه الإرتجال والعصبية والمصالح الشخصية مصيره الفشل ، ومن تمسك بهذه القوانين احرز النصر وقد حدد الكاتب إحدى عشر قانونا وفصل فيها للوقوف على عوامل النصر والتفوق..
القانون الأول :
حين يكون الولاء للأفكار ويدور الأشخاص والأشياء في فلك الأفكار ويتسلم الأذكياء القيادة تدور الإهتمامات في قضايا العامة الكبرى للأمة وعندما يكون الولاء للأشخاص ويتصدر المشهد ذوي النفوذ والجاه ، ويسخرون الأفكار خدمة لمصالحهم الشخصية أو لحزبهم أو لطائفتهم ، فيتنافسون في متاع الدنيا تهلكهم ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة ، فعندما كان الولاء لأفكار الرسالة ، ودارت حولها الأشياء والأشخاص ، بلغ عز الأمة مشارق الأرض ومغاربها ..
القانون الثاني :
عندما تفشل كل مقومات الإصلاح ، مطلوب القيام بمراجعات تربوية تشمل كل المناحي ، ويبدأ الأمر بالموجهين من تتوفر فيهم الإرادة والكفاءة والمروءة ، والإنعتاق من كل ما أعاق المسار من عادات بالية وثقافة بعيدة أن جوهر الرسالة وحادت عن المنبع الصافي ، الغربلة وإزاحة الشوائب وما علق بالأذهان مما شكل اغلالا أعاقت انطلاقة حركة الإصلاح ، واعطى مثالا رائعا ، قطع أوراق الأعشاب الضارة لا ينهيها ، إن لم تقطعها من جذورها ، معالجة الأمور التي أدت لإنتكاسة الأمة هو من سيعافيها ، وإلا سيستفحل المرض ..
القانون الثالث :
الإسلام هو العلاج الفعال المؤدي لصحة المجتمعات ، لكن إذا تولى أمور المسلمين اصحاب العقول النيرة ، والهمم العالية والنيات المخلصة والإرادات القوية ، فكما تصدر لحمل رسالة الإسلام من هم أهل لها ، انطلقت الأمة وتحدت العراقيل ، فهذا هو أصل أمراض الأمة ، ولتتعافى الأمة من أمراضها مطلوب معالجة أصل المرض وليس تناول اعراض المرض وترك المسببات ، فعندما يتقلد من هو أهلا لحمل المسؤولية يتم الإنجاز ، ولنا في يوسف عليه السلام أبلغ مثال ، تحمل المسؤولية بجدارة واقتدرا وأداها على الوجه الأكمل ، ولو تحملها من ليس لها بأهل ، لحلت الكوارث وعندما توسدت المسؤولية لحزبي أو طائفي أو قريب دون مراعاة الكفاءة تحل النكسات..
القانون الرابع :
كيف يكون الداعية داعية بسلوكه واخلاقه وهندامه وتعامله وجلده وصبره وزهده ، فعلا وليس قولا ، دوما النجاح الحقيقي يكمن في الإختبار ، فمن كان قوله يخالف سلوكه ومظهره فشل في الإختبار ، ولم يلقى تجاوبا معه ولن تتعدى كلماته المسامع ولن تبلغ حنايا القلوب ، عندما يلمس الجمهور قولك في كل مناحي حياتك يكون للكلمات وقع والعكس صحيح ، فلا تتحدث مثلا عن العدل وأنت غارق في الظلم أو عن الزهد وأنت غارق في ملذات الحياة وهكذا، وتطرق أيضا في هذا القانون الأهتمام بنشر حركة الإصلاح والتجديد في الأرياف ، فالظلمة يستغلون جهل هؤلاء وحاجاتهم ، ليخلقوا منهم معاول هدم وتصدي للدعاة واهدار كرامتهم ، الإهتمام بهم وتوعيتهم وتحصينهم ، يجنبهم الإستغلال ..
القانون الخامس :
تتحقق قوة المجتمع من خلال نضج وتكامل عناصر القوة فيه وهي : المعرفة والثروة والقدرة القتالية ، المعرفة تكمن في العلماء وذوي الخبرة والمتخصصين والثروة تكمن في رجال الأعمال والأقتصاد والأغنياء والقدرة القتالية تكمن في الجنود والقادة العسكريين ، عدم نضج عنصر من هذه العناصر يفضي للهزائم ، ومهم أن يدور العنصرين التاليين في فلك المعرفة ، لتكون السياسة حكيمة والقيادة ناجحة ، الخطورة تكمن في لحظة النصر ، فالثروة والقدرة القتالية تنسيهم نشوة النصر فعالية عنصر المعرفة ، فيترهلون بفعل الترف والدعة ، والأنكى عندما يتسلل المنهزمون لباقي العنصريين الثروة والقدرة القتالية ويتحالفون معهم وينكلون بعنصر المعرفة ، عندما يرفضون الإنسياق معهم ، وعندما يرى الأذكياء هذا المصير المفزع ينصرفوا عن عنصر المعرفة ويتسلقها من هم ليسوا أهلا لها ، الطامعين في رضا الحاكم ، من هنا يأتي علماء السلاطين أو بالأحرى أبواق السلاطين من يتزلفون للحاكم ويبررون له سياسته الرعناء ، والإنشقاق في عناصر القوة السالفة الذكر ، ينشئ عنها تدمير للقيادة الحكيمة وترك المجتمع فريسة للإهواء والإرتجال والإنفراد بالقرار والجهل..
القانون السادس :
اصلاح وتجديد المؤسسات التربوية تفضي لرشاد وصوابية التخطيط والتنفيذ ، وأي انفصام بينهم يؤدي إلى التيه والصراع والتفتيت وينتج أمه ضعيفة ممزقة ، لذلك تغريب المؤسات التربوية بعد جمود المؤسسات التي كان من مهامها القيام بالإصلاح والتربية ، انعكست بصمات المؤسسات التغريبية على مؤسسات التخطيط والتنفيذ ، مجتمع مسلم ويفصل عليه سياسات غربية لا تمت بصلة لتاريخه الإسلامي وقيمه ومبادئه ، فينتج سياسة تخدم الأجنبي ومصالحه وليس مصالح الأمة ، وإن خضعت المؤسسات التربوية لمعيار العصبيات الحزبية والطائفية والاسرية ، هي أيضا كارثة ،عدوا المسؤولية تشريف وليست تكليف وضيعوا الأمانة ..
القانون السابع :
أي حركة اصلاحية ليكتب لها النجاح مطلوب وقفة مع نفسها وعودة لماضي الأمة المجيد لتعرف كيف بنت مجدها وكيف بلغت مصاف عليا ، وما هي الحزازات التي كانت تؤجج صراعاتها لتتفاداها ، هذه المرحلة سماها الكاتب بمرحلة الحس الإجتماعي وانتقل منها لمرحلة الوعي الإجتماعي ، حيث تتضافر عناصر القوة الثلاثة السابقة الذكر ، وهذا ما فصل فيه الكاتب في أبواب سابقة عن تجربة نور الدين وصلاح الدين وما ترتب عنه من تمكين وانتصار ..
القانون الثامن :
كيفية تحويل أفكار الإصلاح إلى تطبيق ، فعندما تتناقض الأفعال مع الأقوال لا تجدي حركة الإصلاح ، مثلا تتحدث عن العدل وعلى الأرض ينتفي العدل أو تتناول الزهد ولا وقع له على أرض الواقع ، فقبل انطلاق حركة التجديد والإصلاح التي تزعمها الدعاة المخلصين ، كان المجتمع يغص بالمواعظ والتحدث عن المثل العليا ، وعلى ارض الواقع تذبح بل ويُمارس ضدها ، غثاء في المواعظ وعلى أرض الواقع قيظ وجدب ، وأعطى مثالا حيا كيف لم تستفيد الأمة مما كانت تزخر به ولم يجد له وقعا على ارض الواقع ولم تستفيد منه وكان مصير الرمي في نهر دجلة من قبل هولاكو!!
القانون التاسع :
لا تكون أفكار التجديد مؤثرة إلا إذا جسدتها في واقع الحياة مؤسسات تربوية والتي قسمها الكاتب لخمسة أقسام : التنشئة والتربية والتعليم والثقافة والإرشاد والأمن وكل مؤسسة لها تمثيل على أرض الواقع ، مثلا مؤسسة التنشئة تمثلها الأسرة ودور المرأة الكبير فيها والفاعل ، وأتى بنماذج متناقضة ، فإما امرأة مهمشة ، مستضعفة مقهورة أو امرأة متعالية فرطت في واجبها ورسالتها ، وهذه وتلك لا تعود بالخير على الأمة ، وأعطى النموذج الراقي ، في صدر الإسلام كيف كان للمرأة حضور ومشاركة في نشر الدعوة وحتى الجهاد ومن كان لهن الفضل في تربية جيل صلاح الدين ، جيل قادر على تحمل المسؤولية ومجابهة الأخطار وتحقيق النصر وطبعا تناول الكاتب كل مؤسسة على حدى وبين عوارها عند ترديها واسهامها في اضعاف الأمة وتخلفها وأتى بالنموذج الأرقى والأفضل والذي حقق للأمة الإنتصارات ، فصل في باقي المؤسات بشكل رائع جداا أرجو قراءتها والتمعن فيها ، وخاصة مؤسسة الأمن وتوابعها ..
القانون العاشر :
كما أن النجاح يعم كل الميادين ، كذلك الضعف والإنحطاك يشمل كل الميادين ، إن عم الفشل ميدانا ما أصاب كل الميادين الباقية بالشلل والإنتكاسة ، والناس كما قال ينسبون الفشل أو النجاح فقط للقادة وينسون عموم الأمة ، فعندما ذم الله عز وجل فرعون اتبعه حتى بقومه ، وذكر مع كل الإنجازات التي حققتها دول متقدمة ومع ذلك ظل باب الإنتقاد مفتوح ، فيعزل من فرط أو قصر أو أخطأ ..
القانون الحادي عشر :
استراتيجية الإصلاح والتجديد يتناسب مقدار النجاح بقدر مراعاة قوانين الأمن الجغرافي وقد بين الكاتب أهمية منطقة الشام ونعتها بمنطقة الثغور والرباط ، وإن حادت الجماعة التي ترابط فيها عن جادة الحق حلت الهزائم ، وبين كيف أن الغرب دوما يشكل التحدي للمسلمين ، فإن كانت الأمة في خير ومنعة وقوة هابوها وكانت لها منزلة عندهم وإن حلّ العكس استخفوا بهم ، يغني الضير فينا الآخر فقط يستغل ضعف الأمة ، ما إن يغيب العدل ويطفو في الأمة كل حزازات الجاهلية وتتمزق ، يسلط عليها من يهينها ويذلها ، وتفقد قوتها ومنعتها ، وما إن تعود لجادة الحق وترى تعاليم الإسلام واقعا ملموسا على أرض الواقع وليس قولا ، يهابها اعداؤها وتستعيد مكانتها بين الأمم ، وبين أهمية الشام استراتيجيا ، فهي الثغرة التي تنفذ إليها الأخطار وهذا ما فطن له صلاح الدين وعمل على نقاء تلك البقعة واصلاحها واحياء رسالة الإسلام على ثراها الطيب وتهييئها لمواجهة التحديات ، فالغرب الإستعماري عمد لتفتيتها وتمزيقها لدويلات ضعيفة تنهشها الطائفية والنعرات وكل ما أذابه الإسلام من حزازات الجاهلية وكل ما كان يدكي الصراعات والحروب طفا على السطح ، تمهيدا لزرع ورم الصهيوني بقلبها ، وحدتها وعودتها للمنبع الصافي وارساء دعائم العدل فيها هو الكفيل لتحقيق نصرتها ، بإذن الله ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق