كان لأحد الرعاة قطيع كبير من الغنم وكان له حارس أمين يحمي القطيع من الذئاب ويمنعه من أن يقترب منها ، أثناء انشغال الراعي ، وحتى حين يجن الليل تراه يقظا منتبها لأي خطب قد يحل ، كلما أحس بالخطر نبه الراعي فجاء هذا الاخير مسرعا يذود عن حياضة ويتفقد قطيعه ويعيد له طأمنينته ويسهر على راحته ..
ازعج هذا جماعة الذئاب فعقدوا مجلس مشاورة ، وخططوا كيف ينالوا من الحارس فهو الحائل دون بلوغهم الهدف ، وكلما رأوا القطيع يتهادى في الوديان كلما زاد حنقهم على الراعي وحارسه ، بحيث لا تجسر على الاقتراب من الغدير لتشرب مخافة أن يفتك بها الراعي ، فخططوا كيف يمكروا بالحارس الامين حتى يتسنى لهم بلوغ غايتهم الدنيئة ، أما القطيع هو أيضا فطن يسمع لنصائح الراعي ولا يبتعد عن الحمى وقد خبر قصص الذئاب وفظائعهم ، اطلع على مبتغاهم ويعلم مكرههم ودهاءهم ، فلم تُمكنه منها ، حتى حين تلبس الذئاب جلود الضأن لا تخدع القطيع ،و لا تركن لمعسول كلامها الذي يقطر غدرا ، لم تعد تخفى حاكايا الذئاب عنها ..
المهم اتفقوا على الخطة ولم يبقى إلا التنفيذ ، وفي ليلة وفي غفلة من الراعي بلغوا إناء الحارس دسوا له سما وما إن أكل الطعام حتى بدأ يتلوى ألما ثم فاضت روحه ، حزن الراعي على الحارس الامين حزنا شديدا وقد آلمه رحيله، وتذكر إخلاصه له ووفاءه وكيف كان يقوم بواجبه على أكمل وجه ، ففكر في أن يختار له حارسا أمينا يعينه على حراسة القطيع ، والذئاب من بعيد مختبئة وتتابع الوضع عن كثب ..
وقام الراعي تلك الليلة حارسا على القطيع مخافة أن تأخذه الذئاب غيلة ، في غياب الحامي والحارس الامين ، قد يصبح القطيع لقمة سائغة تستفرد بها الذئاب ، هذه الاخيرة كانت ترمق المكان ، وتنتظر الفرصة للانقضاض على الفريسة ، وفي وقت غاب فيه الحارس وغفى فيه الراعي ، تسللت الذئاب في جنح الليل البهيم وهجمت على القطيع ونهشت جسده بأنيابها وقطعته إربا إربا ، فاستيقظ الراعي على صيحات قطيعه وهي تستغيث وقد خطفتِ الذئاب بعضه وقتلت بعضه ومن نجى من المجزرة سرد للراعي فصول الابادة ، وعندما بزغ الصبح انكشفت معالم الجريمة النكراء وكانت جثث الضحايا تملأ المكان ورائحة الدم انتشرت في كل مكان تزكم الانوف ، ومنذ ذلك اليوم والراعي لا يغمض له جفن ولا ينعم براحة خوفا على ما تبقى من قطيعه ، وهو يعلم أن الذئاب ستعاود الكرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق