عندما يحيد القطار عن مساره الصحيح وينتشر الظلم وتهدر الحقوق وتعبد الاصنام بشتى أنواها ويحل التيه وتهوي البشرية لمستنقع آسن من الطغيان ، يبعت الله من يعيد القطار لسكته الصحيحة ، ويرفع الظلم ويعيد للنفوس صفاءها وينقي القلوب مما علق بها من الشوائب وما ران عليها من صدأ حتى افقدها بهاءها ، تأتي الرسلات لتصلح الواقع وتزرع الخير في النفوس ليثمر رحمة وطمأنينة وعدلا وانصافا ومحبة وإيخاءا وترسو بالسفينة لبر الامان ، فيختار الله عز وجل من عباده ذوي الامانة والصدق والاخلاق ليرشدوا الناس لطريق الهداية ويحررونهم من الجور والظلم ..
والمستضعفين هم أول من يفتح الله قلوبهم للنور ، فقد وجدوا فيه البلسم لجراحهم ، ويرون فيه المنقذ لهم من براثن الظلم ، يساندون الدعوة وينضمون للصفوف ، بيد أن أصحاب الجاه وذوي الامتيازات والسلطان تجدهم في مقدمة من يتصدى للدعوة مع أنهم يعرفون مسبقا صاحب الرسالة ، يعرفون أصله وفصله وصدقه وأمانته ونقاء سريرته ، ومع هذا يتصدون له لان الحق الذي معه هو من سيرسخ دعائم العدل ، ويرد الحق لاصحابه ويبسط رداء الخير ليعم كل الارجاء..
وبذلك سينتفي الجور وتنتفي الفروق ، وهذا سيهز أركان البغي وسيغير الموازين ، وسيغير المصطلحات ليصبح سيد القوم خادمهم ، وما إن تجد الرسالة مكانها في القلوب العطشى ، حتى ينتفض رؤوس البغي فينكلون بالمستضعفين ويشوهون صورة أصحاب الرسالة وحُماتها ويلصقون بهم كل التهم ، ويشكلون من أساليبهم لتقويض الدعوة تارة بالترهيب وتار بالترغيب وأخرى بالمساومة ولا يقف شرهم عند هذا الحد ، بل يشوهون صورتهم خارج الحدود خوفا أن تجد الدعوة امتداد فيشتد عودها وتجد نصرة ومؤازرة ، ويقابلونهم بالسخرية والاستهزاء والتضييق وينعثونهم بأوصاف ذميمة للنيل منهم ويلصقون بهم كل النقائص .
ومهما علا جبروت الظلم فالدعوة لها عين ساهرة وعناية تحميها وتشد من عضددها ، وما إن تجود الانفس بالتضحيات وتقف على أرضية صلبة وتتحدى المنغصات وتدافع عن الحق وتستميت عليه ، حتى تزداد قوة ويزداد الاتباع ومن كل الطبقات والأطياف ، نادرا ما تفتح قلوب رؤوس البغي للنور فهؤلاء طبع الله على قلوبهم بل الجيل الجديد من يفتح الله قلبه للنور ، وطبعا ليست قاعدة عامة ، فقد أسلم زعماء كبار وكانوا نعم الدعم للدعوة وساندوها ..
قد يكون للظالم قوة باطشة يستقوي بها على الشعب ، ومع هذا فكل قوة غاشمة ستصطدم بصخرة الصمود وقوة الارادة والتحدي ، وتجد أمامها مخلصين ثابتين أقوياء متمسكين بالحق ومهما تكالب البغي فلن تقوم له قائمة بإذن الله مادامت النفوس حددت بوصلتها وحررت نفسها من عقالها ومستعدة لتقديم التضحيات ، الثورات كما الرسالات جاءت لتعيد القطار لمساره الصحيح ، وتحقق العدل وترسخ دعائم الخير وبتضحيات السلف ينعم الخلف تحت ظلال العدل ، والتغيير يتطلب وقتا وجهدا ، فلن تغير ما تكدس لعقود من الزمن على أرض الواقع وفي الأذهان بين عشية وضحاها ، سيتطلب الامر وقتا ، الاستبداد يكتسب قوته من عدة أذرع هي من تمده بالقوة الغاشمة وتغذيه وتطيل أمده وإن تفتتت ذاب وتلاشى وسقط .
وقبل أن تنطلق الدعوة للجهر بها ، تكون فترة اعداد النفوس لحمل لواء الحق ، حتى تتهيأ للمهام الجسام التي تنتظرها ، حتى حين يأتي النصر تتمسك به بقوة ولا تفرط فيه ، الفساد عم الجسد كله ونخره وعاث فيه واتلف نسيجه ودمر كل القيم وأوصد رؤوس البغي عقولهم وقلوبهم بالاقفال دون بلوغ نور الحق للقلوب وتمادت في غيها ، ولن تذعن للحق بسهولة ، مقارعتها إن آجلا أو عاجلا ستحل ، ولا مناص من اجثتاتها من جذورها ..
وعندما ترسي الدولة قواعدها والتي بنيت على أساس العدل يعم خيرها كل البقاع وتسعى لتحرير العالم من الظلم الذي يعج فيه ، وتعيد للبشرية طمأنينتها التي افتقدتها لعقود ، فلن تحرر العالم وأنت مكبل ومقيد ، وبذلك يبلغ شعاع النور أوسع مدى ، فالاستبداد يسعى لمحاصرة النور في الاقبية والسجون وتشويه صورة اتباعه وجنده ، وما إن ينفك المخلصون من القيود حتى يحققوا الغاية من خلقنا وهي ارساء اسس العدل وعمارة الارض بالخير ، وتنظيم حياتنا تحت مظلة العدل ، وعودة القيم التي غيبها الاستبداد والتي اندثرت عبر العصور بفعل الجور والظلم ويتعافى جسد الامة بعد أن نكون قد استئصلنا الداء الذي نخر في الجسد وبذلك تعود للجسد عافيته ،إن شاء الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق