مر علينا قبل أيام اليوم العالمي للطفولة ، ليكشف عن واقع مرير تعيشه الطفولة المشردة والمعذبة والمقهورة وهي من تعاني الامرين ، إن تحت ويلات الاحتلال أو تحت نير الاستبداد ، وفي ظل الحروب والتي تؤثر على نفسية الاطفال وتحرمهم حقهم في العيش بأمن وأمان والتمتع بطفولتهم البريئة ، من جراء المشاهد المروعة التي عاينوها من قتل الاحبة والاهل وكذا الاصدقاء وما حل بعالمهم الصغير ، فقد عاينوا اندثار أحلامهم وآمالهم مع هدم للدور واستهداف للمدارس ، وما يرافق النزوح من تشريد وحرمان ، فقد حفرت الصورة الاليمة في نفوسهم أخاديد وجروح عميقة قد تحتاج وقتا طويلا لكي تنسى ، وقد يقعون في الاسر فيحرمون بذلك من مقاعد الدراسة وتتفشى فيهم الامية ، وللاسف عالم يكيل بمكيالين ، يستذكر الطفولة في يوم واحد وينساها الدهر كله !
الاطفال هم رجال الغد وهم أمل المستقبل ودعائمه ، الطفل قد لا يستطيع أن يعبر أو يبوح عما أرقه بالكلام ، غير أن دموعه في صمت تشي بالكثير ، وتعبر عن ما يختلج فؤاده الصغير ، وهذا الاخير قد يحمل جرحا دفينا لا يدرك كنهه الكبار ، يعتقد الكبار أنهم يحملون العبء الاكبر وأن الاطفال لا يدركون الوقائع والاحداث التي تمر أمام ناظريهم ، وهذا غير صحيح ، الطفل يفصح عن آلامه ومعاناة بطرق عدة غير الكلام ، قد تلجمه الصدمة فتفقده النطق أو التلعثم في الكلام ، أو قد يعبر عن مخلفات الحرب باللعب العنيف مع رفاقه أو العكس العزلة والانطواء أو التحدث مع نفسه ومع ألعابه ، وكأن الالعاب اضحت كاتم أسراره ، إليها يبث شكواه ، فتكون له السلوى ، وقد تبرز مخلفات الحرب على نفسيته بالتراجع في التحصيل العلمي ، فهذا الاخير يعتمد على التركيز ، والاحداث الدامية أفقدته عنصر التركيز ، ويتسلل لنفسه الخوف ، فيغدو مرهف الاحساس لأي صوت قد يذكره مرارة الحرب ويومياتها وقد يعبر بالرسم ومن خلاله تدرك آثار الحرب على نفسيته ..
لذلك الاعتناء بالطفل اليوم هو حماية للمجتمع مستقبلا ، فمن يستهدف الطفولة يدمر مستقبلها ، فإن فقْد الرعاية المطلوبة ، قد ينتج نوعين من الناس ، نوع يميل للعنف ، ويكفر بكل ما تغنى به العالم من شعارات رنانة ، افتقدها وحُرمها أثناء الحرب وبعدها ، من حقوق الطفل والعيش بكرامة وحرية وحماية ، أو قد ينتج عينة تهرب من واقعها وتمحي الماضي من ذاكرتها ، وترحل لتبحث عن واقع آخر يوفر لها الامن والامان وكل ما افتقدته ، فلا الهروب من الواقع ولا العيش في واقع مؤلم ينتج لنا مجتمعا سليما ومعافى ..
الطفولة التي عايشت الحرب تحتاج لتضميد جراحها النفسية ولملمتها ، والعناية بها ، حتى تعود لها ثقتها التي افتقدتها ، وتتجاوز الاحداث الدامية التي عاينتها ، وحتى يعود لعالم البراءة بروح متفائلة ، ليكمل المشوار ، يحتاج لصدر حنون يغدق عليه من عطفه وحنانه ورحمته ويحتويه ، لأن فاقد الشيئ لا يعطيه ، وثقل الماضي ومرارته سترافقهم وقد تعيق مسارهم في المستقبل ، لذلك مطلوب الاهتمام بهم وتخفيف عنهم المصاب ، وإحاطتهم بالمحبة والرعاية والدعم النفسي ، حتى يحس بالطمأنينة ونعطيهم الفرصة للحديث والكلام عما يدور في خلدهم ، فالتعبير عما أرقهم يخفف عنهم ما أثقل على نفسياتهم ..
وبعد هذا السرد الغير الكافي لما تعانيه الطفولة ، لو قيمنا واقع الطفولة في عام مضى ، لوقفنا على مآسيها وما تحتاجه منا من اهتمام ، وكيف أن واقعها زاد سوءا في ظل ما تمر به أمتنا من محن وشدائد ، فأين من يتشدقون بحقوق الطفل ، من هذا الواقع المرير والذي بات يهدد مستقبل الامة ..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق