لا تستغرب ولا تندهش في سر شجاعتها أو تسأل عن كبريائها أو عن نظرة عينيها التي تشي بالكثير ، فهي من فتحت عينيها لترى وطنا مغتصبا ، يعربد فيه المستوطنين ، هي من عايشت فصول مآساة شعب احتلت أرضه منذ نعومة أظفارها ، اقتحامات واعتقالات لأحبتها ومصادرة الأرض وتزوير تاريخها ، واستشهاد أفراد من عائلتها ، حرمها الإحتلال أن تنعم بالأمن والأمان في موطنها ، وأن تتمتع بطفولتها كباقي أطفال العالم ، وأن تحلم وتتطلع للمستقبل كما فتيات في سنها ، ومرات عدة حرمها حنان وحضن الأم والأب عند اعتقاله لهما وأمام ناظريها ! ولا حس ولا اكتراث لسنها ولا لنفسيتها ، فالمحن والشدائد هي من صقلت شخصيتها ..
نظرة تأمل في نظرة عينيها الثاقبتين ، تحس أنها تحمل هما أكبر من سنها ، شخصية فريدة ، في إحدى المقابلات سألتها اعلامية عن احتمال أن ينزاح الإحتلال عبر وهم السلام أو كيف ممكن تسترد الحقوق ، فكان جوابها بليغا ، هذا احتلال ولن ينزاح إلا بالمقاومة بكل أشكالها ، قالت ببراءتها المعهودة : عبثا انتظار مخلص والقعود بالبيت ومشاهدة الأخبار دون أن نحرك ساكن ، وقالت : لماذا لا نصنع من حالنا صلاح الدين ونحرر فلسطين ، وعي وفهم كبير بلغته طفلة في سنها ..
أثناء تواجدها في تركيا احتفاءََ بها وتقديم وسام الشجاعة عربون ووفاء لها وتثمين لموقفها الرافض للاحتلال ، طُلب منها زيارة اللاجئين السوريين الفارين من لهيب الحرب ، فاعتذرت لكونها تعيش نفس فصول المآساة ، فعلا فنكبة سوريا لا تختلف عن نكبة فلسطين ، معاناتهم حتما ستذكرها بمعاناتها التي تحياها يوميا في ظل احتلال يغتصب البسمة من شفاه الصغار ، يزج بالبراءة خلف القضبان ، أطفال في عمر الزهور يعاملهم بقسوة وعنف ، ويغتالهم بكل حقد ، ويحكم على البعض منهم بالحبس المنزلي ويحرمهم اللعب رفقة أصدقائهم والجلوس على مقاعد الدراسة ، ويحاول أن يزرع الرعب في قلوبهم الصغيرة ، يُغيب ابتساماتهم ويكتم ضحكاتهم ويحرمهم دفء العائلة ..
هذا الواقع المرير حتما سيرسخ في أذهان الجيل الصاعد ، معاني الصمود والثبات في مواجهة احتلال ينغص عليهم عيشتهم ، كما حال الطفلة عهد وغيرها من أطفال فلسطين ، أطفال يدركون رغم حداثة سنهم أن لا معنى للحياة أو الاحساس بالكرامة في ظل احتلال يخطف أعز أحبتهم ، وأغلى أوقاتهم ، ويحرمهم رفقة أصدقائهم ، أطفال فلسطين إما خلف القضبان محرومون من حقوقهم ويُنكل بهم ، أو أبناء أسير يكتوون بنار بعد أبيهم عنهم واشتياقهم له ، وحرمانهم من حضنه الدافئ وحنانه وعطفه ، في كلتا الحالتين يعاني الأمرين ، فماذا ينتظر منهم الإحتلال ؟
ذريعة واهية تلك التي ساقها الإحتلال في اعتقاله للطفلة عهد ، هو من تلسط على أرضها وضيق عليها وهضم حقها في موطنها ، لم تذهب إليه هي في موطنه الأصلي بل هو من جاء إليها ، وعبرت عن غضبها ببراءتها المعهودة ، في وجه احتلال يتربص بطفولة فلسطين ، ويغتال براءتهم ، وأمام عدسات الكاميرات التي توثق جرائمه ..
الاحتلال اغتال الطفل محمد الدرة وهو يحتمي بأبيه ، واغتال الطفلة إيمان حجو وهي بين ذراعي أمها تنام بهدوء وسلام، فأخمد أنفاسها ، وقتل الطفل فارس عودة ، وأحرق عائلة الدوابشة بأكلمها ، سلم الطفل أحمد من المحرقة ، ماذا ينتظر الأحتلال من طفلة شبت على أنين ووجع وطن يجود يوميا بدماء شعبه ليحمي ثراه الطيب ، تربته تحتضن فلذاته أكباده ، من ضحوا بالغالي والنفيس حماية له ، ومن حصدت آلة حقده أرواحهم البريئة ، وآلام شعب يتوق للحرية وأن يفك قيد مقدساته ، ويتمتع بخيرات بلاده ، ويعبر بحرية عن حبه لوطنه ومقدساته دون أن يتعرض لكيد ومكر احتلال واعتقال وتعسف بذرائع مختلقة من قبيل "التحريض"، ويتنسم عبيره الفواح ، الاحتلال بعنصرية المقيتة وممارساته التعسفية هو من شكل شخصية الطفل الفلسطيني الصلب ..
الجرأة والصلابة من مميزات الطفل الفلسطيني الذي كسر حاجز الخوف في داخله ، فهو صاحب حق وهذا ما يعزز صموده ويرفع معنوياته ، يدافع عن وطنه ببراءة ويستميت في حمايته والذود عنه ، فالطفلة عهد تجسد وطن بأكمله ، وطن يرفض الركوع والخنوع والذل ، ويقاوم صلف احتلال بكل جسارة وبسالة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق