هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس
ملخص الباب الثاني بعنوان :
أثار اضطرابات الحياة الفكرية في المجتمعات الإسلامية
لم تقتصر الآفات والأمراض والإنقسامات على المذاهب بل امتدت للصوفية فأصابتها بالإنحراف والإنقسام هي بدورها وابعدتها عن مقاصدها التي وٌجدت من أجلها ، فقد كانت أهداف مدارس الصوفية التربوية : تزكية النفس وصقل الأخلاق والزهد والحذر من العجب والرياء وتنقية النفس من كل الشوائب ومن حظوظها وتطهيرها من كل أمراض القلوب ، إلا أنهم أوّلوا ونقصوا وزادوا حسب هواهم حتى حادوا عن جادة الحق ، اهتموا بالشكل وتركوا الجوهر وأخذوا بالقشور ولفظوا اللب ، وغالوا وتشددوا وابتعدوا عن تعاليم الشريعة السمحة ، بل وفرطوا وأباحوا المحرمات واسقطوا التكاليف وابتدعوا في الدين ماليس فيه ..
تصدى لهذه الإنحرافات التصوف السني ليطهر الساحة من آفات وقعت فيها إلا أن الأمراض استفحلت فيها ، وانتشر الفكر الباطني الذي أول النصوص حسب هواه وبث بذلك الفتن والقلاقل ، بروز هذا الفكر كان نتيجة للجمود الفكري والظلم المستشري ، عاملان مهمان ساهما في انتشاره ، وبإسم هذا الفكر المنحرف ارتكبوا المجازر ونشروا الرعب بين الناس ، زيادة على الفلسفة ، بتعقيداتها وتشعباتها ، لم تستطيع المذاهبة أن تصحح الأخطاء أو تقف في وجهها ، فقد انهكها الإنقسام والتردي ، مما أربك الساحة وانتشر القلقل العقائدي ، وفٌتح الباب على مصراعيه على عقائد فكرية واتجاهات ثقافية تهاوت أمام الفتح الإسلام ، إلا أنهاعادت لتنتشر من جديد نتيجة الجمود الذي حل بالحياة الفكرية ..
وانعكست هذه الإضطرابات في فترة سبقت الهجمات الصليبية وأثرت في المجتمع الإسلامي وانعكست عليه سلبا في كل الميادين ، فأفسدتها وأضعفتها وجعلته عرضة للهزائم والنكسات
، فساد الحياة الإقتصادية : انتهجت المجتمعات الكسب الغير المشروع وعمت الأزمات وتفشى الإحتكاروالغش والرشوة والإبتزاز وو..واتسعت الفوارق الطبقية ، الغني زاد فحشا وزاد الفقير جواعا ، وغاص الأغنياء في حياة الترف والدعة واللهو في مقابل فقر مدقع وحلت الأمراض والأوبئة وحل القحط ، أمة انهكها الجوع والمرض والحرمان وحل بها الضعف في مقابل أغنياء لا هم لهم إلا ارواء نزواتهم وتلبية رغباتهم .. ..
فساد الحياة الإجتماعية : انهار مفهوم الأمة الإسلامية وحل محلها العشائرية والعصبية والمذهبية ، بل حلت الفرقة حتى في أحياء المدينة الواحدة ، وحلت النزاعات والفتن والتناحر والتنافر ، وغدت الإضطرابات سمة المجتمع ، تمزقت الأمة وغدا التحدث عن الأخلاق من المثاليات ، لما حل بالمجتمع من انحلال وانهيار فظيع في الأخلاق ،
الإنقسام السياسي والصراع السني الشيعي :
احتدم الصراع بينهم وحلت الصراعات والنزاعات والحروب ، وهذا عادة ما يستغله أعداء الأمة للإنقضاض عليها ، فالحروب أنهكت الجميع ، وخارت قوة الكل ويقتات أعداء الأمة من هذا التمزق والشرذمة ، يستعين بعضهم على بعضهم ليقضوا على المخالف لهم ، وشكل هذا ضعف ووهن أمام الهجمات الصليبية ، ووجد الصليبيون الفرصة سانحة لبدء هجومهم ..
فالمجتمعات الإسلامية انهارت من الداخل ونخرتها كل الأمراض وفقدت مناعتها ، وانهكتها الصراعات والخصومات والنزاعات في الوقت الذي بدأ الهجوم الصليبي يستعر ، ويمارس أبشع الجرائم بحق المسلمين ، ويحتاجون للنجدة ويطلوبن فيه العون من إخوتهم ويستنجدون بهم ليرفعوا عنهم الظلم ، إلا أنه لا حياة لمن تنادي ، الخليفة لا همه سوى سفاسف الأمور ووهنت رابطت الأخوة ولم يعد يكترث لمصائب إخوته ، ومثال على ذلك : كان الخليفة حزين على غياب حمامته التي لم يرها ثلاث ليالي ولم يقض مضجعه صيحات المسلمين واستغاثاتهم ، حمامة أولى لها كل اهتمام ورق لها واحزنه غيابها في وقت تعلو فيه صيحات المسلمين المكلومين ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق