الشباب الذي ينبهر بحضارة الغرب وديمقراطيته وحرية الرأي السائدة فيه وتقدمه وازدهاره على كل الأصعدة وتجاوب حكوماته مع مطالبه وتبنيه لحقوق الإنسان وحتى حقوق الحيوان !! وقيمه الإنسانية التي تكاد تندثر بفعل الإستبداد في واقعنا العربي ، فالإستبداد ينهج سياسة فرق تسد الواقع المتشرذم يستفيد منه ويقتات منه لإطالة أمده ، وإلا فثورات الشعوب أبانت عن وعي ونضج عالي ووحدة ، وكيف حافظوا على الممتلكات وحموا الأعراض وتظاهروا بسلمية خلاف فرنسا التي تظاهر فيها الشعب بعنف ، وكذا تعاملهم برزانة وحكمة مع احتجاجات شعوبهم ، بعيدا عن لغة التخوين أو شق الصف أو تمزيق النسيج الوطني أو نعته بأبشع النعوت من مرتزقة ومندسين وجرذان وو...!! مما أدمن عليه الإستبداد وتكرر في أكثر من بلد ، كلما انتفض الشعب مطالبا بحقوقه ، ولا يسوقون مسوغات كالتي ساقها الإستبداد ليبيد شعبه أو يعيده لحظيرة الإستبداد ، ويقوم الشباب بمقارنة بين واقع يتوقون إليه وعيشة كريمة تماثله وبين واقع الأمة المزري ..
إلا أن هذا الشباب لا يدري أو فاته أو من يقوم بغسل دماغه له مآربه خلف هذه المقارنة ومايريد أن يحقق خلفها ، الغرب هو من يدعم الإستبداد وعندما تطالب الشعوب بحقوقها المشروعة وتنادي بالإصلاح وتتوق للحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية ، يغض الغرب الطرف عن جرائمه بحق الشعوب ، شعوب ثارت بسلمية وقوبلت بالرصاص الحيّ ونيران الدبابة وحملات الشيطنة والتنكيل، هي شعارات رنانة يتغنى بها الغرب ، لكن يمنعها من أن تصل لمرافئنا ، حتى تنعم بها الشعوب العربية ..
والأنكى أنه حتى عندما يرتكب الإستبداد أفظع الجرائم بحق شعبه ، يرممون نظامه المهترئ ويؤهلونه ليحكم من جديد ، وينعتون مفرزاته بالإرهاب وهو من أوجد لها البيئة لتنمو وتعشعش فيه ، بفعل جرائمه وشراسته وفظاعته وبشاعته ، فيرفع شعار محاربة الإرهاب في العلن وعلى الأرض يمارس ارهاب الدولة بحق شعبه ، من تنكيل وتشريد وقتل واغتصاب وتدمير للدول ، يتخذ من مفرزاته ذريعة ليبرر فظائعه ، والغرب الإستعماري هو من نصب وكلاءه ليحموا مصالحه ويؤمنوها له ، ويكملوا ما بدأه من تخلف وتقهقر وتبعية وإلا كيف لدول لها عقود من الإستقلال والوضع يسير من سيئ لأسوأ والفوارق الطبقية تزداد هوة والفقر يستفحل والبطالة تنهش في أوساط الشباب وتهاوي على كل الأصعدة ووو..!
الغرب يدرك أن الشعوب العربية ما إن تنعم بالحرية ويكون لصوتها صدى ووقع وحس ولا تُصادر الدبابة إرادتها أويُعصف بمكتسباتها ويُحترم خيارها ولا يُمارس عليها الوصاية وكأنها شعوب قاصرة ، حتما ستختار وتحسن الإختيار وستختار الأفضل والأصلح والأمين والمخلص في أول انتخابات نزيهة وشفافة تخوضها وهذا ما كان بالفعل ، وهذا المتنفس بدوره سيقود بجهود المخلصين وسواعد الأمناء لنهضة الأمة وهذا ما يرفضه أعداء الأمة ويحولون دون وقوعه ، نهضة أمة ستفضي لإستقلال قرارها ونفض عن كاهليها غبار الذل والهوان ويمحي من سجله سنيّ الإستكانة والرضوخ ، وتعود لمكانتها بين الأمم وتستعيد منعتها وعزتها وقوتها ووحدتها وهيبتها ..
وحتى الإحتلال الصهيوني لطالما لاك مقولة بزعمه : أنه الديمقراطية الوحيدة في وسط يعج بالدكتاتوريات ، وعندما ثارت الشعوب لتلفظها اهتزت اركانه على وقعها وقضت مضاجعه ، لأنه يدرك أنه لن يأتي من رحم الثورة إلا من ينبض قلبه حبا لمقدسات الأمة ، ويعبر بصدق عن نبض الشارع العربي ، الشعوب عصية على التدجين ولازالت تقاوم كل أشكال التطبيع ونظرتها لم تغيرها لمحتل الأرض الطاهرة ومدنس المقدسات ، واصابع الصهاينة لم تعد خافية على أحد في افشال ربيع الأمة واجهاضه ، فهو البوابة لنيل الرضا الأمريكي وهو من سوق للإنقلابات الدموية والتي أوغلت في دماء الأبرياء ، وكل التدمير الحاصل في المنطقة الصهاينة هم المستفيد الأول منه ..
وتكمن الخطورة في استعانة الإستبداد بأبواق السلاطين الذين يستغلون الدين أبشع استغلال ويطوعونه خدمة لمصالحهم ، وهذا ما يستغله من يغسل دماغ بعض الشباب ويوهمونهم أن الغرب ما تقدم حتى نحى الدين وتخلص من هيمنة الكنيسة ، مع أن الإسلام هو من يحض على سبر أغوار العلوم ويحث على اكتساب أسباب المنعة والعزة وفيه قوتها وبه تبلغ الرقي ومصاف عليا ، والإستبداد هو من يحول دون نهضة الأمة ، هو يحمي مصالح الغرب وهذا الأخير يحفظ كرسيه ، أبواق السلاطين تبجل الحاكم وتتزلف له ولا تقوّم اعوجاجه ولا تنتقد سياسة الرعناء ولا تسدي له النصح ولا تقيّم مساره وتزين له أفعله الشنيعة وفظائعه بحق الشعب ..
والأنكى عندما يلوون عنق النصوص لتوافق هوى الحاكم ويفسرون الأحاديث حسن هواه ومصلحته ، الشباب المغيب والتائه يعتقد أن هؤلاء يمثلون الإسلام ، وهم من يبرر سطوة المستبد وهيمنته وهم فقط أدوات في يد الإستبداد ورهن إشارته وفتاواهم حسب الطلب ، أما العلماء والدعاة الحقيقيون إما منفيون أو زُج بهم في غياهب السجون أو مقتولون ، قال الإمام الغزالي : إنما فسدت الرعية بفساد الملوك ، وفساد الملوك بفساد العلماء ، فلولا القضاة السوء والعلماء السوء لقل فساد الملوك خوفا من انكاره.
فينشأ بذلك جيل ملحد ينبهر بالغرب ويعتقد أنه تقدم وازدهر عندما انفك من الأغلال التي أوهمونهم أنها تكمن في الدين وأنه هو العقال الذي يمنعهم من بلوغ ركب التنمية ، ويقلد الغرب في سفاسفه ويغوص في ثقافته ويقلده في كل شيئ دون غربلة !!
الغرب قد يكون أخذ بأسباب قد تنفعه في الدنيا لا غير ومع ذلك يعانون من خواء روحي فظيع ، تنظم حياتهم قوانين اتفقوا عليها وما إن ينفكوا عنها حتى يعودوا لنزعتهم الإستعمارية وبشاعتهم ، قوانين يشذون عنها كلما تعلق الأمر بأمتنا ومصالحها وإلا فالمبادئ والقيم لا تتجزأ ، ومع كل ما بلغوه من أسباب الرفاهية تعساء ، ينتحرون لأتفه الأسباب ولا سعادة مكفولة لهم إلا تحت مظلة الإسلام ، أما المسلمين فهم أصحاب رسالة وأمانة وتكليف ولن تكون لهم المنعة والعزة والسؤدد والقوة ، إلا في رحاب الإسلام ، العودة للمنبع الصافي ، هو من سينفعهم في دنياهم وآخرتهم ، ويحقق لهم التمكين وينقذهم من التيه ، حتى ينقذوا بدورهم البشرية ويبلغوا بها بر الآمان ويحققوا لها الطمأنينة والسكينة التي افتقدتها في كل النظم الوضعية ، فهو نظام شامل ومتكامل وينظم حياة البشر ويجد فيه المسلم مبتغاه وحاجته ، ومن يسأل كيف وهل ممكن ؟ هناك نموذج رائع وراقي تحقق في صدر الإسلام وبلغ بعز الأمة مشارق الأرض ومغاربها ، العودة لأحضان الإسلام ، القدوة حاضرة ما على الأمة إلا الإقتداء بها . وصدق من قال : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق