هي قصة تحكي عن ثلاثة رجال قادتهم مشيئة الله ، إلى الغار ليحتموا فيه ، إذ بصخرة كبيرة تغلق باب الغار ، فاحتجزوا فيه ، فعمد كل واحد منهم على ذكر عمل صالح قام به إبتغاء وجه الله ، عله يكون سببا في نجاتهم من الكرب الذي ألم بهم ومخرجا لضيقهم ، فذكر الاول بره لأبيه وأمه ، والتماس رضاهما والعناية بهما والتفاني في خدمتهما ، وذكر الثاني مساعدته لأرملة إلتجأت إليه في وقت عصيب ، لتطعم عيالها ، وذكر الثالث عاملا كان يعمل عنده ، انصرف دون أخذ حقه ، فرعى له حقه وحفظه له ونماه ، حتى حين عاد ، سلمه له وقد تضاعف ..
وكل ما تناول أحدهم عمله الصالح إلا وأردفه بقوله : إن كان هذا العمل الصالح ابتغاء وجهك الكريم فافرج عنا ما نحن فيه من هم ..
الاخلاص في العمل مدعاة للقبول وسببا لنجاة صاحبه في الدنيا بتفريج الهم وفي الآخرة بثقل الميزان ، ما ميز أعمالهم صفة الاخلاص التي كستها ..
بالاضافة للأخلاص ، قد تكون دعوة للأم لولدها البار ، دعوة خالصة فتحت لها أبواب السماء ، واستجاب لها الحق في هذا الموقف الصعب والشاق ، أو دعوة للأرملة ، أن لا يخذل الله من أسندها في وقت الضيق ، وأن يكون له نعم العون في موقف يحتاج فيه للعون والسند ، عندما يلجأ إليك صاحب الحاجة ، فهو خير ساقة الله لك واختبار لك ، فإن لم تكن أهلا له ، حرمت الاجر ورسبت في الامتحان ، دروس عدة مستوحاة من هذه القصة ، أن لا تستصغر معروفا ما، فقد ترى مردوده في وقت تحتاجه فيه ، وقد يكون المعروف عملا كبيرا لكن يخلو من الاخلاص ، فيغيب الاجر ..
من الدروس المستقاة من القصة ، أن بر الوالدين والسعي لرضاهما ، سببا في النجاة ، والقرآن وصى الأبناء في آيات كثيرا على البر ، وحتى لا ينسوا تضحيات والديهم وسهرهم الليالي عليهم ، والاعتناء بهم في الصغر وخاصة ما تكابده الام من مشاق في الحمل والولادة والصبر والاناة في التربية ، أما الاباء لا يحتاجون لتوصية لأن حبهم لأبنائهم مغروس في حنايا قلوبهم ، التوصية تكون للتربية الصالحة ، ليمتد الاثر حتى بعد الممات ..
وقد نال أحد الصالحين رفقة موسى عليه السلام في الجنة ، إكراما له وجزاءا له على بر والديه ، وقد كانت للام دعوة دوما ترددها ، تقول فيها : اللهم اجعل ابني مع موسى بن عمران في الجنة ، فاستجاب الله دعاءها ، ونال ابنها تلك المنزلة القيمة ، فالوالدان هما منبع الحب والحنان والرحمة يغمرانك بالعطف والطيبة وأنت صغير ، فلا ترد الجميل بنكرانه ، وبر الوالدين سلف ، والرجل الذي ساعد الأرملة كانت سببا لتفريج همه ..
ويحز في النفس اليوم ، كيف نرى لاجئات في دول الأيواء في أوضاع مأساوية ، وكيف تُستغل ظروف المرأة القاهرة واحتياجها للعمل أبشع استغلال في غياب من يعول الاسرة ، فالعائل إما شهيد أو معتقل أو مخفي قسرا من لدن زبانية الاستبداد ، ومن اهتم للعامل وحفظ حقه ، لم ينسى تفانيه في العمل وإخلاصه فيه ، ولم يمنعه حقه ولم يحرمه أجره ، بل حرص على تنميته حتى زكا وفاض ونما ..
لم ينسوا الله في وقت الرخاء ووقت السراء ، فكانوا للخير عنوان ، فالله جزاهم أن فرج ضيقهم ، وتاج القصة أنها علمتنا ، ان التقرب إلى الله عز وجل بالاضافة للعبادة بإخلاص والتبحر في العلم وطرق كل أبواب الخير ، مد يد العون للناس ، وخدمتهم ومساعدتهم ، وتفريج كربهم ، الله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه، بمعنى أن تحمل الخير للغير..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق