إن كان المغزى من إحياء الذكرى ، أن يستذكر الفلسطيني فترة عصيبة تجرع فيها المرارة ، فهو لازال يعيش تداعياتها وفصولها الاليمة ، ولم يلتئم جرحه النازف بعد ، فصول النكبة لم تغب عن ناظريه يجدها بادية في كل ربوع فلسطين ، الفلسطيني يعيش النكبة يوميا إن كان في الداخل أو في الشتات ، حيث يعاني اللاجئ الفلسطيني الامرين ، في دول الجوار وفي دول الايواء بعد المحن التي ألمت بدول الجوار ، والتي جددت نكبته وأعادت لذهنه فصولها المريرة ..
الفلسطيني يعيش فصول النكبة يوميا ، يتجرع مرارة التنكيل على الحواجز التي شتت شمل العوائل ، وعند تصديه لاقتحامات المستوطنين للاقصى المبارك وعند الاعتقال ظلما ، جريرته أنه فلسطيني دافع عن وطنه ، يراها في جدار الفصل العنصري ، الذي يتلوى كالافعى ينشب أنيابه في الارض وينفث سمه الدفين ، جدار فرق الطالب عن مدرسته والفلاح عن حقله ، يعيشها في مستوطنات تقضم الارض ،وفي عدوان متكرر على غزة وفي الحصار المرير..
الذكرى هي رسالة من الفلسطيني للعالم أجمع ، أن هذا الذي تآمر عليه القريب والبعيد ، لازال متمسكا بحقه ومستميتا عليه ، مزروع في أرضه ، يأبى الركوع أو الاستسلام للامر الواقع ، يواجه صلف المحتل بكل الوسائل المتاحة لديه ، الذكرى هي تذكير لأرض عربية مسلوبة والتي لازالت تئن وترزح تحت نير الاحتلال وتعاني وطأته ، رسالة للضمائر الحية ولجموع الامة أن مقدساتنا ومسرى الحبيب المصطفى يستغيث نخوتكم ، فهو يدنس يوميا من طرف المستوطنين وبحماية قوات الاحتلال ، الذكرى استشعار لامة المليار من حملت على عاتقها شرف الامانة ، صون وحفظ الاقصى المبارك وفرطت فيه وضيعت الامانة ..
أما الفلسطيني فنكبته مستمرة منذ أن حل الاحتلال ، إلى يومنا هذا وهو يمارس نحوه كل أشكال الحيف والظلم ، لا يحييها لينكأ جراحا لم تندمل بعد ، بل هي مناسبة ليصدح بصوته عاليا ، علّ وعسى أن تصحو الامة النائمة من سباتها ، وتلملم شملها وتصحح بوصلتها نحو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، كي تستعيد مجدها الغابر ، وتعيد حقها المسلوب ، أما الفلسطيني حافظ ويحافظ على جذوة الصراع متقدة بصموده وبثباته وبتجذره في أرضه ، لتعود الامة لعافيتها وتوحد كلمتها ، وتعيد فلسطين لحماها..
الذكرى استشعار للاجئ الفلسطيني لحق العودة ، حق كالشمس ، كي يمهد لها الطريق ، كل ما تحت الارض وما فوق الارض يشهد لصاحب الارض بحقه فيها ، لازال يحتفظ بالمفاتيح والذكريات والوثائق التي تثبت ملكيته لارضه ، يحملها أينما حل أو ارتحل ويورثها لاحفاده من بعده ، الذكرى هي دعوة للامة لدعم المرابطين في القدس من يحفطون الحق العربي والاسلامي فيها ، لتدعم صمودهم وتعزز وجودهم في القدس ، واجب وليس منّة نحو من يحمي حقنا هناك ويذود عنه ، ولتقوي ثباتهم على الارض وتسندهم .
هي حث للامة حتى لا تنسى فلسطين في خضم ما تعانيه من محن ، لان الاحتلال يستغل وضع الامة المفكك والمتشرذم ، للمزيد من التنكيل وإيقاع الظلم ، دعوة للعالم أجمع أن هناك شعب صامد على أرضه يتطلع ليوم يُنصف فيه ويستعيد فيه حقوقه ، ومادام هناك من يصدح بصوته عاليا مطالبا بحقه في العيش الكريم والآمن على أرضه ، بإذن الله ستبقى فلسطين حية في الضمائر والوجدان ، ولن يطالها النسيان ، مع واقع مرير لازال قائما وينتظر رفع الحيف والظلم عنه..
ويبقى الاهم كيف يبلغ الفلسطيني كل هذه الرسائل للعالمين العربي والغربي ، أولا معرفة العوامل التي أدت للنكبة ، لتفاديها مستقبلا ، ثم التجديد في الخطاب ، وكيفية استثمار ما تفرد به عالمنا من تقنيات وثورة معلوماتية سهلت التواصل ،حتى تبلغ الرسالة لمدى أوسع ، الآخر سوق لروايته الزائفة ، والفلسطيني يملك قوة الحق بين يديه ، يعرّف بالقضية ، فقد بلغ الفلسطيني أقاصي البقاع ، مهم أن يسأل نفسه ماذا قدم للقضية ؟ وكيف يستثمر تواجده هناك خدمة لها ، لن يهتم أحد لمعاناتك إلا إذا خالطت الناس هناك وتقربت منهم وشرحت لهم معنى النكبة واهتممت بقضاياهم ، خلق لوبي ضاغط في الغرب من خلال المشاركة في الانتخابات أو انتخاب من يهتم بقضايا المسلمين ، ليكون لصوتك صدى ووزن ..
يوم واحد لا يكفي ، تحييها ليوم واحد وتنسى المعاناة طيلة العام ، العمل الجاد والمتواصل ، حتى حين تأتي الذكرى يُتوج الجهد المتراكم ، وتقيم انجازات عام مضى وتستعد لعام مقبل ، استثمار وعي الشعوب العربية والتي ثارت على الاستبداد وترفض العودة لحظيرته ، وتبذل كل غالي ونفيس ، لاجل أن تنعم بالحرية والكرامة ، عقول عربية تحررت من عقالها ، رغم تعثر الربيع العربي وتغول الثورات المضادة ،غير أن النفوس تواقة للحرية ترفض الاستكانة أو الخضوع للامر الواقع ، حتى لا تغدو الفاعليات فقط إحياء المحنة ، بل تمهد الطريق للعودة ولتمحي ظلما طال عقودا ، تضع حجر الاساس لمشاريع ملموسة على الارض وتتابعها باستمرار ، تأكد أن غرسك سيزهر بإذن الله ، وأن الشجرة العظيمة ، أصلها فسيلة صغيرة تعهدها صاحبها ، حتى غدت شجرة وافرة الظلال ضاربة جذورة في الارض..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق