على مرارة حلقة برنامج الإتجاه المعاكس ، إلا أنها وضعت اليد على أصل الداء ، وشخصت المرض ، ويبقى على الأمة أن تجتهد لإيجاد الدواء الناجع لإورامها ، كيف لأمة كانت في الصدارة وفي المقدمة أن تغدو في ذيل القافلة مهيضة الجناح ؟ ضعيفة عاجزة ، مهانة حتى تجرأ عليها عدوها ، كيف تستعيد مجدها وعزتها وكرامتها ، وتعلي صرحها من جديد ، فتعود لميزاتها التي أهلتها لتكون : خير أمة أخرجت للناس ..
قضية الأمة كشفت القناع عن من تاجر بها عقودا ليحموا كراسيهم ، وعندما طالبت الشعوب بحقوقها ، استأسدوا عليها وبددوا القوة وانهكوا الأمة ، تاجروا بالقضية قرونا ليثبتوا كراسيهم ونكلوا بالشعوب ، وبذلك تغول عدوهم الحقيقي عليهم جميعا ، واستباحها القاصي والداني ، كيف تنبذ الأمة خلافاتها ونزاعاتها التي انهكتها وترأب صدعها وتلملم شتاتها ؟ لأن عدوها هو المستفيد الأول من جراح الأمة ومن واقعها المرير ، ومن تمزيق أوصالها وتفتيتها ، الأمة تحمل بين طياتها مقومات الصمود والبقاء والوحدة والقوة والثبات والنهوض من كبواتها التي اعاقتها ، ولن تهزمها الشداشد والمحن مهمها اشتدت عليها ، فكيف ترص الامة صفها من جديد وتوحد كلمتها وتصحح بوصلتها ؟ فوحدتها سر قوتها..
كيف نفند روايات الإحتلال المشروخة وندحض زيفهم والتي خدعوا بها السذج ، وروجوا لها واعتمدوا عليها عليها ليطيلوا أمدهم على أرض الرباط ، وليخفوا مآربهم الحقيقة كما الصليبيون عندما تستروا خلف الصليب ، مع العلم أن الأمة صاحبة حق تاريخي وديني على مقدساتها تزكيه آيات قرآنية وتقره سنة نبوية وتعززه شواهد التاريخ ، كيف تستمر الفعاليات المساندة للقدس والمناصرة للحق الفلسطيني وكذا العربي والإسلامي ؟ ففلسطين قضية أمة ، والأحتلال أستخف بنَفس الشعوب في مواصلة الفعاليات مع أنها أبدت حبها العميق للمقدساتها ، وقد أحيت القضية نبضها ، كيف تُستثمر جيدا حتى توتي أكلها ولا تخبو جذوتها ، لا قدر الله، وحتى لا يتسلل إليها اليأس والإحباط ، وحتى لا ينفت المثبطون في جسدها سموم التقاعس أو الخذلان ، لاقدر الله ، وحتى تحقق أهدافها في نصرة مقدساتها وحمايتها والذود عنها وإعادة للقضة وهجها..
نقول أن القرآن دستورنا : ولماذا لا نلمس وقعه على واقعنا ، ولماذا لم يغير من أحوالنا وينفض عنها غبار الذل والإستكانة والمهانة ؟ ومتى يكون له صدى في واقع الأمة ، هل لأن الأمة لا تمتثل لأوامر الله ولا تجتنب نواهيه ؟ فيه أخبار من قبلنا ومن بعدنا ، وفيه تجلت عوامل النصر وكذا عوامل الهزيمة ، فلماذا لا نستخلص منها العبر ونستقي منها الدروس وتكون لنا نبرسا نهتدي بها ، تضم العديد من آياته الكريمة روح التفاؤل واليقين بنصر الله ، وتبدد ما قد يشوش على النفس من يأس عندما يتراءى لها الواقع المرير ، وعندما يؤرقها استبطاء النصر ، وفيه آيات تعزز في نفس المؤمن قوة الإرادة والعزيمة وتربيه على الصبر حتى تهون الصعاب وتدلل المعيقات وتزول المتاريس ، فكيف نستفيد من هذا الخير كله ، ويكون حاضرا في واقعنا ؟. .
مدونة الكوثر: مدونة فكرية تهتم بقضايا الأمة الإسلامية من أجل المساهمة برفعتها ورقيّها وسيجد فيها القارئ إن شاء الله مبتغاه
الجمعة، 15 ديسمبر 2017
الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017
الإستبداد والإحتلال وجهان لعملة واحدة ..
مذ استشرس الإستبداد ونكل بالشعب وزج بكل صوت مناهض له في غياهب السجون ، مع ما رافق الموت البطيئ في مقابر الأحياء من تعذيب وتجويع وانتهاكات صارخة بحق المعتقلين واهدار للكرامة ، واعتدى على الحرمات وشرد الشعب ودمر الأوطان وعصف بالسيادة حتى استباح حلفاؤه الأرض طولا وعرضا وو..والبعض يقارن شراسته بالصهاينة !! فبدأ ينظر للإحتلال على أنه حمل وديع أمام فظاعة الإستبداد !!
وتناسى هؤلاء أن الإحتلال بنى كيانه على أشلاء ودماء أصحاب الأرض ، دمر واغتصب وروع الآمنين واحرق وشرد وأباد وطمس قرى بأكملها ليخفي معالم جريمته ، جرائمه لا تقل فظاعة عن الإستبداد ، ومهما سعى عبثا لتلميع وجهه البغيض ، فحقيقة بادية للعيان ..
ينعت المقاومة التي تصد عدوانه ، بنعوت مجحفة كما الإستبداد ، عندما عسكر الثورة نعت المعارضة المعتدلة ب "الإرهاب" ومن قبل نعت الشعب بالمندسين أو البعض نعتهم بالجرذان ، وإن طالب بحقه فهو يخدم أجندة خارجية وو..مع أن مقاومة الإحتلال حق كفلته كل الشرائع والقوانين والاعراف الدولية لشعب يرزح تحت نير الإحتلال ، المقاومة حق مشروع ..
وجرائم الإحتلال ماثلة للعيان في ثلاثة حروب على غزة ، استهدف الإحتلال البشر والحجر ، كل موضع في غزة إلا وشاهد على بشاعة الإحتلال وتأتي حادثة السيدة التي تعرضت للإغتصاب لتعري الجيش الذي يزعم أنه الأكثر أخلاقا في العالم ، وطبعا من دنس المقدسات ليس غريبا عنه أن يدنس الحرمات وينال من الأعراض ..
الإستعمار الذي زرع هذا الورم السرطاني في جسد الأمة هو نفسه من نصب وكلاء يحفظون مصالحة وهو من يغض الطرف عن جرائمهم وهو من كان يدعمهم بالأمس القريب ، وإن عجز يوما في تأمين مصالح الغرب جاء بنفسه ليؤمنها حتى ولو أحرق الأخضر واليابس !! وهذا ما يُفسر كيف أن كل البلدان التي شهدت ثورات ، حالها بئيس إما ترميم للنظام الذي ثارت عليه الشعوب أو تغيير الوجوه وبقاء المنظومة القديمة ، أو احتراب لا نهاية له ، حتى تقترب الأمور للتهدئة وتعود لتشتعل من جديد والحوار لايكاد يكون إلا بلغة السلاح ، حواضر دمرت ودكت واعراض انتهكت وشعوب شردت ومآسي لا تنتهي ، وكأن هناك من لا يريد لهذه الأمة أن تشفى من أورامها وتستعيد عافيتها وتعود لمكانتها وتحقق نهضتها ..
البعض يحاول جاهدا اظهار إنسانية الإحتلال المزعومة والتي لا مكان لها في واقع الشعب الفلسطيني ، ولا يلمسها على أرض الواقع ، على الحواجز قتل بدم بارد موثق بالكاميرات ، وهدم للبيوت والعقاب الجماعي والتنكيل اليومي ، وإن أظهر انسانية مزعومة في المحنة السورية مثلا ، فمن باب عدو عدوه صديقه !! أو له مآربه أخرى يجنيها خلف ذلك ، أوخلط الأوراق فقد غدت الساحة السورية ساحة تجاذبات ، وبحث عن مصالحه ليس إلا..
البعض أيضا مفتتن بديمقراطيته المزعومة ولو كان حقا واحة الحرية والديمقراطية كما يدعي ، لما نكل بالصوت الفلسطيني وزج بالصحفيين في السجون ، ليغيب الحقائق ويطمس معالمها ويكمم الأفواه ، الدفاع عن المقدسات ولو بالكلمة غدا في عرف الإحتلال جريرة ينعتها ب "التحريض" إبداء الرأي يُحاسب عليه الإحتلال ، كما الإستبداد الرأي المخالف مقصي وصاحبه معرض لكل أصناف التنكيل ..
من يعارض رواياته المشروخة لا مكان له ، أغلق منصات اعلامية تدافع عن الحق الفلسطيني بالكلمة وتنقل الحقائق على الأرض من ممارسة الأحتلال التعسفية ، حرية التعبير مجرمة في عرفه ، من يعبر عن حبه للأقصى أو لوطنه فهو مدان !! فأين من يتشدق بحرية وديمقراطية الإحتلال ؟! ويبقى الإحتلال والإستبداد وجهان لعملة واحدة ..
الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017
أسرى الحرية ..
دقائق معدودة جمعت الاسرى البواسل بزوجاتهم بعد غياب دام سنين من الزمن أو لأكثر من عقد ، دقائق قد لا تطفئ لوعة الشوق والحنين ، إلا أنها تبعث الأمل في النفوس وترفع المعنويات وتحشد الهمم وتشد من الأزر ، مرارة الأسر لايتجرعها الأسير بمفرده ، بل يكتوي بنيرانها ذووه ومحبوه ..
لحظة جددت فيها الزوجة عهد الوفاء والإخلاص لزوجها وتضحياته ، ورسالة محبة من الأسير لزوجته على صبرها وتحملها أعباء الحياة ومرارة البعد وتثمين جهدها ، لحظة توطد العلاقة وتعمق اللأفة بينهما ، رغم توالي المحن وعناء البعد ، لم تفتر العلاقة بل زادت متانة وتماسكا ، كلاهما يتجمل بالصبر وينتظر ساعة الفرج ..
معاناة زوجة الاسير لا تقل معاناة عنه ، فالأسر يؤثر على الجميع وخاصة الام والزوجة ، للأم هو مهجة فؤادها وفلذه كبدها وللزوجة هو توأم روحها ، وكذا الأهل والأحبة وكافة العائلة ، بين صمت وابتسامة ارتسمت صورة تلخص آلاف الكلمات التي احتضنتها حنايا القلوب وعجزت الألسن في التعبير عنها ، مشهد مفعم بالمشاعر الجياشة ، شجون مكتومة في الصدور تنتظر بدورها ساعة الإفراج ..
إن كان السجان توهم أن يرى انكسارا أو عتابا أو لوما أو احساسا بالقهر أو صدمة أو ضعفا ، فقد رأى ما يفقع مرارته ، رأى شموخا وعزة النفس وهمة عالية من الأسير ورأى من الزوجة اصرارا على استثمار اللحظة بإبتسامة قهرت جبروت السجان ..
رغم طول المشوار ومتاعب الطريق وحواجز التفتيش ، هي رحلة عذاب مرهقة ، إلا أن كل التعب يتلاشى عند رؤية الاحباب والحديث إليهم والتملي في قسمات وجههم ، لحظة تنسيها كل المتاعب التي صادفتها في الطريق ، لحظة تخفف ما أرقها من متاعب ومشاق وتخفف عن الاسير عناء الاسر وقساوته وكل ما أثقل على الكاهل ، هذه اللحظات على قلتها تزرع في نفوسهم الأمل وتذكرها بلحظة التحرير ، هكذا هي لحظات اللقاء عند التحرير ، تُمحى كل الآلام وتنجلي كل الاحزان وتبقى فرحة اللقاء هي العالقة في الأذهان ..
الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017
سفراء الحرية ..
لم تصدق هناء نفسها وقد تحقق حلمها الذي طالما انتظرته طويلا، وهي تحتضن رضيعها مهند، بعد عدة محاولات للحمل عبر النطف المهربة والتي لم يحالفها الحظ، وأخيرا نجحت المحاولة وها هي تحمل وليدها بين ذراعيها، وابتسامته تملأ قلبها بهجة وسرورا وحبورا، وتجلس لجوارها ابنتها ذات الأربعة عشر ربيعا، عمرها يعادل غياب الوالد، فقد تركها في المهد حين اعتقله الاحتلال، تحدت هناء كل المخاطر التي صادفتها في رحلتها، منذ أن راودتها فكرة أن تنجب طفلا عبر تهريب النطف، طريقة ابتكرها الاسرى تحديا للاحتلال وعجز هذا الأخير في إيقافها رغم كل اجراءاته التعسفية والعقابية إلى أن وضعت هناء مولودها ..
وما إن أبصر مهند النور وغمرتها السعادة بمقدمه، تلاشت كل عذاباتها، وزالت كل أوجاعها وكل ما لاقته من آلام طوال هذه الرحلة العصيبة ..
من قبل كانت تعيش وحدة قاتلة في غياب الزوج وغياب من يؤنس وحشتها ويكون لها السلوى ويملأ حياتها بهجة، ورغم كل محاولات الاحتلال للحيلولة دون تهريب النطف، إلا أن اصرار الاسير وتحديه يفوت على الاحتلال مراميه، وتتحقق الفرحة الكبرى عندما يعانق زوجها شمس الحرية، لذلك تبقى الفرحة ناقصة في ظل غياب الزوج وكم كان يرنو لهذه اللحظة الفريدة، هذه اللحظة بالذات تحتاج الزوجة لشريك حياتها حتى يشاركها فرحتها، ويسعدا بقدوم ثمرة فؤادهما، ويريان أثرها وقد أبصر النور ..
بجانب هناء صورة زوجها، حتى يفتح مهند عينيه على طيف أبيه، وإن كان الجسد مغيبا، فالروح ترفل بأجنحتها حوله وتسكن آلامها، وإن كان يفصل بينهما أسوار وحواجز وأسلاك وسحنة سجان وصلف احتلال وهوان أمة تخلت عن نصرة مقدساتها كما يجب وتقاعست عن دعمها كما المطلوب، وبذلك بقي الفلسطيني بمفرده يقارع الإحتلال بصموده وصبره، ويمضي زهرة شبابه خلف القضبان، ويذبل جسده في زنازين القهر، قصة هناء تمثل معاناة حقيقية يحياها الأسرى وزوجاتهم خاصة ذوو الأحكام العالية ..
بالإحكام الجائرة على الفلسطيني بجريرة حبه لوطنه والدفاع عن ثراه الغالي، يسعى الإحتلال للقتل البطيء ، بل وقتل الفرحة في نفوس الأسرى حتى يتسلل لروحهم اليأس والإحباط والحرمان من أن يروا فلذات أكبادهم، إلا أن الفلسطيني بإبداعه يصنع الحياة، فيبرز الفجر من بين العتمة، وينتزعون حقوقهم من بين أنياب الاحتلال، ويتحدون الصعاب ويصنعون المستحيل، بإرادتهم القوية وعزيمتهم التي لا تلين ..
يُحرم الفلسطيني من لحظة ينتظرها بشغف كل أب على أحر من الجمر، حتى يحضن ابنه ويتعهده حتى يسمع كلمة تطرب لها مسامعه ويخفق لها قلبه وتسعد روحه: كلمة "بابا" "بابا"، الاحتلال يسعى دوما لتعكير صفو الاسير وتعميق أوجاعه وتكريس آلامه بإبعاده عن أحبته وعن ذويه، وفي هذه اللحظات المفعمة بالمشاعر الجياشة يقوم الجد بدور الأب، يسد فراغا أحدثه غياب الوالد قسرا، فيؤذن في أذن الصبي ويقيم الصلاة في أذنه الاخرى ويستقبل المهنئين ويضفي جوا من الفرحة والسعادة على كل العائلة ..
سفراء الحرية هم بلسم الجراح للاسرى وزوجاتهم ولذويهم، هم الفرحة التي تتسلل لقلب الاسير من خلف القضبان فتخفف عنه آلامه، هم شعاع النور الذي يبدد عتمة السجون، هم من يعزز صمود الأسير ويخفف عنه العناء ويسند ظهره، سفراء الحرية يزرعون الامل في النفوس ويرسمون البسمة على الشفاه ..
مع مقدمهم يكون للحياة معنى، فهم جزء من الغوالي، بمجيئهم ينبض البيت بالحياة، هم امتداد لآبائهم، هم أمل المستقبل المنشود، يخففون حرارة البعد ولوعة الشوق ويكسرون الجمود ويزيحون الوجوم الذي خيم على البيت ، بمقدمهم تعم الفرحة وتدب الحياة في كل الأرجاء، فعلى صخرة صمود الأسرى يتحطم صلف الإحتلال ويتبخر جبروته ..
السبت، 23 سبتمبر 2017
الهجرة النبوية : دروس وعبر
لماذا بدأ التأريخ الإسلامي من الهجرة ؟
مع أنها لم تكن رحلة للسياحة أوزهدا في الوطن أو للإستجمام والراحة ! بل كانت رحلة محفوفة بالمخاطر ، ومكابدة المشاق والتضحية وغصة تخنق الروح لفراق بقعة أحبوها وتعلقوا بها ، الهجرة كانت تعني التخلي عن الوطن وعن الجاه والمكانة والمنصب والمال والدور ..
في الحديث الصحيح أن عبدالله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه قال: رأيتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، وَهوَ على ناقتِهِ، واقفٌ بالحَزوَرَةِ يقولُ: واللَّهِ إنَّكِ، لخيرُ أرضِ اللَّهِ، وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ، واللَّهِ لولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ، ما خَرجتُ"
هذه العبارات الندية وهذا الينبوع المتدفق من المشاعر الجياشة تعكس لوعة وحنينا وحبا لوطن ترعرع فيه وتعلق قلبه به ، إلا أن قريش ضيقت عليهم الخناق وحالت دون انتشار الدعوة ، وآذتهم وألبت عليهم القبائل وحرضت عليهم زوار مكة من العرب حتى لا يُصغوا لكلام الله وحتى لا تلقى الدعوة استجابة أو حضنا لها ، البيئة في مكة لم توفر التربة الخصبة لنمو بذرة الدعوة ..
إلا أن المدينة كانت المحضن الحقيقي للدعوة وتجذرها وانطلاقتها لرحاب أوسع ، وجد فيها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام السند والحماية والمؤازرة والدعم ، فيها شع نور الإسلام وبدد ظلام الجاهلية ، بلغ شعاعه مدى أوسع ، فيها وجدت الدعوة البيئة الصالحة لتقويتها واسنادها حتى اشتد عودها ، وانطلقت تحرر البشرية من اغلال الجاهلية ، وتنقذها من التيه إلى طريق الهداية والرشاد وحتى تبلغها مرفأ الأمان والطمأنينة وسعادة الروح والتي لن تجدها إلا في رحاب الإسلام وتعاليمه السمحة..
في المدينة اجتمعت قلوب صافية طاهرة : بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر اليمني والعربي القرشي المسلم ، فيها وجدوا الحفاوة والإكرام والإحتضان وحسن المعاملة ، والتعاضد والألفة والمحبة والإخاء ، أول ماقام به سيد الخلق عندما طاب له المقام في المدينة بنى المسجد ، الذي كان يؤدي رسالته على أكمل وجه ، وبعدها آخى بين الأنصار والمهاجرين ، بين من ضحى بالغالي والنفيس ليحمي الدعوة ومن نصرها ووفر لها الاجواء لتنمو وتترعرع ..
في المدينة تم بناء المجتمع الجديد على أسس متينة ، جسد معنى الجسد الواحد في أرقى صوره ، كانت أصرة العقيدة أوثق من أصرة القرابة ، أُزيلت الفوارق الطبقية التي طالما شحنت النفوس بغضاء وحنقا وحقدا وعداوة وغلا ، هوت جدران الكراهية وحل محلها المحبة : الكل إخوة ، شكلت المدينة للدعوة الحصن المنيع ، الذي حرس الدعوة وتعهدها واستمات في الدفاع عنها وفداها بالأرواح ، ضرب الصحابة الكرام أروع الأمثلة في الصبر والتفاني والإخلاص والوفاء والتضحية والإخاء ، كانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ..
ذابت كل حزازات الجاهلية وكل العصبيات التي نخرتهم وبددت جهدهم ، شكلوا قوة لها وزن وثقل ، رسخوا لوحدة ابهرت العالم وكانت لهم قيمة وقدر بين الأمم وحققوا الإنتصارات تلو الإنتصارات وكانت لهم المنعة والعزة والسؤدد ..
وما إن يطفو كل ما دفنه الإسلام من وحْل الجاهلية إلا وحلّت الفرقة والتشرذم مكان الوحدة وعصفت بالمكانة والهيبة ، وحل التفكك مكان التماسك ، وضعُفت الأمة وانهكتها صراعاتها وتغول عدوها عليها ، ما أحوج الأمة اليوم أن تقرأ بتمعن معاني الهجرة النبوية وتقف عند دلالاتها وتستقي منها الدروس والعبر وتقارن حالها المزري الذي لا يسر الصديق وحالها يوم أن كانت أمة موحدة وجسد واحد حيث بلغ عزها مشارق الأرض ومغاربها ودانت لها الامم..
الجمعة، 25 أغسطس 2017
في رحاب آية ..
طغى فرعون وتجبر وتسلط على الرقاب واستعبد الخلق ومزق النسيج ليحمي سلطانه انتهج سياسة فرق تسد ، فئة يغدق عليها من كل النعم وتحضى بكل الإمتيازات وتتمتع بالراحة والدعة وفئة أخرى يذلها وينكل بها ويستغل جهدها ويبخس حقها ويستخدمها في مهن تذيب قوتها ، مهن يأنف منها الغير وينظر إليها بإحتقار وازدراء ودونية وو..
إلى أن جاء يوم رأى فيه فرعون مناما قض مضجعه وأقلقه حتى جافى النوم عينيه ، فتملكته الهواجس وأرقه الكابوس الذي رآه وازعجه ، وتأكدت شكوكه عندما فسره المعبرون ، فاحس بالفزع وعلم أن لمنامه مغزى وقصد ومعنى ..
لقد اقترب مجيئ المخلص وأهلّ زمانه ، من سينتصر للمظلوم ويرفع عنه صلف فرعون وينصفه ويأخذ بحقه ممن ظلمه ويكسر اغلاله ويحرره من براثن العبودية ، فحرص فرعون أن يحول دون مجيئه ، يغتاله في المهد حتى لا يرى هذا الوليد النور ، ليحمي سطوته مستعد لإقتراف أبشع الجرائم ، فأمر بقتل الصبية ، وبعد هذا القرار الجائر ولدواعي ساقتها حاشيته وتخدم مصلحتها وليس مصلحة الشعب المغلوب على أمره ، أمر بقرار أيضا مجحف ولا يقل اجراما عن الأول ، يُقتل الصبية الذكور عاما ويعفون من القتل عاما آخر ، في عام العفو ولد هارون عليه السلام ، ولو ولد موسى عليه السلام في عام العفو لمَنّ عليه فرعون بعفوه ، وأن بقاءه حيا كان منة منه ، كما عيره بتربيته له في القصر انتقاصا منه وتكبرا وتعاليا عليه ، إلا أن رد موسى عليه افحمه ، لاقيمة للإحسان والتفضل على فرد واحد في مقابل اذلال شعب بأكمله واستعباده وإهدار كرامته ..
ولد موسى عليه السلام في هذا الجو المشحون بالقلق والهواجس وبتربص من فرعون ، فأحاطته عناية الله عز وجل ، وبددت مكر فرعون وزبانيته وحمته حتى ابلغته قصر فرعون ، ساقته الأقدار لقصر ألد اعدائه من يضمر له كل شر ، وكأن القدر يقول لفرعون : هذا الذي بالأمس القريب تبحث عنه لتنكل به سيأتي يوم تحرص على بقائه ! ما إن فتحت زوجة فرعون الثابوت حتى وقع حبه في قلبها ، تعلقت به وأحبته وتمسكت به ، ولم تعد تطيق فراقه ، وتغلغل حبه في حنايا قلبها ، اجتهدت مع من حولها لجلب له المراضع ، رفض كل المراضع وعلا صوت بكائه ولم يعد لسكونه وهدوئه إلا عندما احتضنته أمه بحنان وعطف وارضعته ، عندها أحس بالامن والأمان والطمأنينة ..
موسى عليه السلام في عرف الطغاة ، طفل رضيع مجرد من كل قوة ، ما اسهل الفتك به ، إلا أن قوة الله تسنده ورعايته تحيط به ، وفرعون في عرف العامة من يقيسون الأمور بمقاييس البشر وفي عرف الجبابرة ، قوي وقوته ظاهرة للعيان ، إلا انه مجرد من قوة الله ، فرعون غرق في البحر مع كل سطوته ولم ينفعه جبروته ولاحاشيته ولا جنوده أوبطانة السوء التي كانت تحيط به وتزين أفعاله المشينة وتصفق له ، وموسى الرضيع نجى من الغرق لحفظ الله له ، وقد شملته رعايته وعنايته ، وكما حماه الله عز وجل من الغرق حماه من بطش فرعون ، فكان قصر فرعون الملاذ الآمن لبقائه حيا ، في بيت أبويه مع كل حرص أمه قد ينكشف أمره وتمتد له يد الغدر وتفتك به ..
وكأن القدر يقوله له : هذا الذي حرصت دون مجيئة وازقت الارواح البريئة لتطفئ نوره ، سينشأ في قصرك ويتغذى على مائدته ويكون هلاك ملكك وزوال سطوتك وغرورك على يديه ، بإذن الله تعالى ، ذهب كل احترازه هباءََ ، لا بطش فرعون ولا صلفه ولا جبروته حال دون مجيئة وبزوغ فجر الحق والعدل ، وحلّ ما كان يتوجس منه فرعون ، وإذا أراد الله شيئا أن يتحقق قدره وتكفل به ويسر له السبل ، وأزال كل العقبات ودلل له الصعاب وهيأ له الظروف والأجواء وحققه ، لاقيمة لأية قوة على الأرض أمام قوة الله جل وعلا ..
الاثنين، 21 أغسطس 2017
عائدون ..
ومادام هناك شعب ينبض بالحياة متمسك بحقه يستميت في الدفاع عنه ، يفدي الأرض بروحه ، أبدع في وسال الدفاع عن حقه ، واستثمر وسائل العصر الحديثة والجديدة لتحقيق مناه وبلوغ هدفه ، فالعودة قريبة بإذن الله ، وفي ذكرى النكبة يتجسد ذاك الحنين للوطن ، لم يعد الفلسطيني يحيي ذكرى النكبة بحسرة وغصة تخنق الروح ، أو بالرضا بالأمر الواقع والإحساس بالعجز أوبالإكتفاء فقط بالعتب عن خذلان القريب والبعيد أو اجترار الألم والبكاء على الأطلال ، بل ترجم حبه لفلسطين وشوقه لحضنها الدافئ ، واحياء للذكرى بكشف جرائم الإحتلال ونصرة القضية واعادتها للواجهة والدفاع عنها والإستماتة على الحقوق ، بل والإصرار على استعادة حقه المسلوب ..
لا تتناول ذكرى النكبة إلا وتستحضر تداعياتها وما خلفته من معاناة ولجوء وشتات وتمزيق لأوصال العائلات وتشريد للشعب ..
أحمد شاب لاجئ يجسد مرارة وتداعيات النكبة ، عندما يتحدث عن فلسطين والذي لم يرها ولم يزرها من قبل ، إلا أن قصص جده عنها لازالت ترن في مسامعه ، فيتحدث عنها بحنين وشوق واعتزاز وفخر ، وكلما حلت الذكرى إلا وتجلت أمام ناظريه فصولها الدامية ، وكأنه عايش الأحداث عن قرب ، يتحدث عن بطولات الفدائيين وعن مقارعتهم للإحتلال تفنيدا لرواياته الإحتلال التي سوقها عن شعب باع أرضه وعن أرض بلا شعب ، يروي أحمد ماكابده الشعب المكلوم من محن ومشاق وعن ألم اللجوء ، فالعاناة لم تنتهي ولازالت مستمرة ، دول اللجوء بدورها شهدت محن وأزمات ، فتكررت نكبة الفلسطيني في أقسى صورها ، وتجددت فصول المعاناة وتعمقت الجراح ..
يروي أحمد ما قصه جده عليه ، عن عصابات الإجرام الصهيونية والتي سعت بكل صلف ووحشية لإقتلاع شعب عن أرضه ، ترهيب وترويع وطرد وتهجير وارتكاب أفظع الجرائم ، وطمس قرى بأكملها لإخفاء معالم الجريمة ، لازال أحمد يسترسل في حديثه ، عن كيف نشأ في مخيم ، يحمل إسما يزرع الأمل في النفوس وعن مخيمات تحمل أسم الصمود وتذكر بملاحم السلف ، أما المدارس وأحياء المخيم فتحمل أسماء المدن والقرى الفلسطينية التي سعى الإحتلال لمحوها من الذاكرة ومحو الوجود الفلسطيني عليها ، إن لم يعيش أحمد في فلسطين فهي تعيش في وجدانه وقد رسم لها أجمل الصور ، حملها معها أينما رحل أو ارتحل ، حتى تبقى حية في الوجدان وأمانة تتناقلها الأجيال ، يحمونها ولا يفرطوا فيها ، ويوطدوا كل قوة وكل الإمكانيات وكل الطاقات لتحريرها وكسر قيدها ..
جد أحمد كبقية الفلسطينيين لم يفرطوا في الحق الفلسطيني وزرعوا حب فلسطين في قلوب الصغار ، وحب الإنتماء لأرض العطاء ، أرض البطولات والملاحم والإنتصارات ، حتى سكن هواها في أوصالهم وسرى حبها في شرايينهم ، وبدورهم الآباء ساروا على نهج الاجداد ، ورثوا للإحفاد حب فلسطين وتمسكوا بمفاتيح العودة ولازالوا يحتفظون بها ، لم يفقد أحمد ولا عائلته كبقية العائلات الفلسطينية الامل في العودة لقراهم وبياراتهم ومزارعهم ، ومرارة اللجوء تذكرهم دوما بموطنهم الأصلي وأن وجودهم مؤقت ومهما طالت غربتهم قريبا سيعودوا لفلسطين ، بإذن الله ..
كل ما حلت الذكرى يُسيّر أحمد وبقية شباب المخيم مسيرات العودة ، حتى يبلغوا لأقرب نقطة تفصلهم عن فلسطين ، فيتراءى لهم جمالها الآخاذ من بعيد ، يتنسم عبيرها الفواح ، يسرح في بهائها وسنائها وزرقة سمائها وعليل هوائها وشمسها الدافئة ومروجها الخضراء ، يغبط الطيور التي تعود لموطنها ولأعشاشها بعد غياب طويل ، يستذكر كلمات جده عن قريته الوادعة وعن بيتهم الواسع وبياراتهم وحقولهم واحلام الطفولة البريئة وابتساماتهم التي اغتالتها ألة الحقد الصهيونية وحولتها لأشلاء ، يجدد العهد للوطن ، يدرك أن اللاجئ هو الشاهد على جرم الإحتلال بفلسطين وأهلها والقصص المروعة عن شعب هُجر قسرا عن موطنه شهادة تدين الإحتلال وتبرز فداحة جرمه وحقده وتحمله مسؤولية عما جرى وما يعانيه الشعب المكلوم..
أحمد وكل الشباب في مثل سنه فندوا مقولة الصهاينة ، أن الكبار يموتوا والصغار ينسوا ، صغار الامس هم ثوار اليوم ، مقاومة في فلسطين تقض مضجع الإحتلال وتفقده أمنه وهبات تولد لتجدد العهد بمقاومة متأصلة ومتجذرة ، شعب أبيّ يرفض العيش تحت بساطير الإحتلال ويقاومه ببسالة وفي الشتات تمسك بالحق والذود عنه واحياء القضية ، وماضاع حق وراءه مطالب ..
الخميس، 10 أغسطس 2017
القدس تنتصر ..
يا أيها الملك الذي لمعالم الطغيان نكس ::
جاءت اليك ظلامة تدعو من البيت المقدس
كل المساجد طهرت :: و أنا على شرفي أدنس
بهذه الأبيات الشعرية استصرخ الأقصى نخوة الناصر صلاح الدين لنصرته ، أبيات أوقدت الغيرة في النفوس العزيزة ، وحشدت الهمم ، فهب لنصرته ولم يكل ولم يمل ولم يهدأ له بالا ، حتى انتصر له وكسر قيده وحرره من براثن الظلم ، وطهره من أردان الحقد ، وأعاد له بسمته التي غابت عنه قرابة المئة سنة ، ورسم الفرحة على محياه ، فاستعاد بهجته وألقه ووهجه وهيبته وأنفته ..
واليوم عاد الوجوم يخيم على ساحاته وسحنة الحسن بادية على محياه ، وأبناؤه بين مهتم ويؤرقه حاله ، إلا أنه عاجز عن نصرته نصرة حقيقية ، ترفع عنه العناء وتعيده لحمى الأمة ، يقوم بما في وسعه حتى يبقي على جذوة الصراع متقدة ، وبين عاق بدل جلدته وتنكر لقدسيته وصافح مغتصبه وسلم له بسكوته المريب عن مصابه الجلل ، وبغضه الطرف عن جرائم الإحتلال بحقه ، وتآمر على مقاومته ونكص عن نصرته وآخر غير مكترث لحاله وغير مبالِِ لما يُحاك له من شر وما يُضمر له من مكر..
إلا أن هناك ثلة مؤمنة صابرة وصامدة وثابتة ، تحمي الأقصى بصدرها العاري وتذود عنه وتستميت في الدفاع عنه ، لا يضرها من خذلها ومن تقاعس عن نصرتها ، لازالت على العهد وفيّة للأقصى ، لم تخن الأمانة ولم تفرض ولم تبيع ولم تضيع ، منها خرج آل الجبارين إسم على مسمى ، قديما ارتعدت فرائس اليهود خوفا وخشية من الدخول للمدينة المقدسة لأن فيها قوما جبارين ..
كانوا جبارين وهم على الكفر ، فكيف إن كانوا على ورع وتقوى وإيمان ونخوة وعلى أرض مقدسة تبارك ملاحمهم ، بإذن الله سيكون النصر حليفهم ..
أراد الإحتلال استغلال عملية الأقصى والتي جاءت ردا على تنديسه اليومي واجحافه بحقه ، اعتقد أن الفرصة قد حانت وأن الجو قد خلا له ، للإستفراد بالأقصى وفرض سيادته عليه وتمرير مخططاته بحقه ، فالأمة في وضع مزري ومهترئ ، وقد نخرتها صراعاتها وقد حورت بوصلتها ، وفي خضم جراحاتها وما تعانيه من أوجاع ارهقتها لن تهتم لمقدساتها وأن المقدسيين باتوا بلا ظهير ولا سند ولا معين ، وسيستسلموا للأمر الواقع الذي حاول المحتل فرضه عليهم ، فقام بإجراءاته التعسفية بحق الاقصى ، فكانت النقطة التي أفاضت الكأس ..
العكس هو الذي حصل ، لم يرضخ المقدسيون للأمر الواقع ووقفوا سدا منيعا في وجه الإحتلال للحيلولة دون تمرير مراميه ، ولسان حالهم يقول ، أن نصبر على بعده وهو مهجة القلوب وسكن الروح وبلسم للجروح أياما و أسابيع ، أفضل من أن نذعن للمحتل ونضيعه للأبد ، لا قدر الله ، وعلى صخرة صمودهم تحطمت كل المؤامرات وفشلت مخططات المحتل ، بسالة المقدسيين وصمودهم على حقوقهم رفع المعنويات واستنهض الهمم واستنفرت كل فلسطين قواها لنصرته وتفاعلت جموع الامة مع الأحدات وإن لم ترقى في مجملها لتضحيات المقدسيين ، إلا أنه كان لها تأثيرا ، حتى بقاعا تنزف جروحها لم تنسَ مقدساتها وكانت لها الكلمة في الدفاع عنها ونظمت المسيرات نصرة لها ..
عزيمة المقدسين التي لا تلين وإرادتهم القوية فوتت على المحتل مآربه وأعادت الأمل للأمة واحيت القضية ، وأعادتها للواجهة وصححت بوصلة الأمة التي تاهت ، انتصار المقدسيين ودخولهم لباحات الاقصى المبارك مكبرين ومهللين وساجدين شكرا لله ، ذكرانا بأمجاد الامة التليدة ، ستبقى تلك الحظات المشرقة خالدة تروي ملاحم وبطولات المقدسيين ..
نصر دونه تضحيات جليلة ، وكله يهون فداء للأقصى ، اسرجوا قناديل الأقصى دما ، فأينع النصر ، كيف ينطفئ من أسرج بالدم ، مشاهد عزة ومنعة وكرامة لا تنسى ، خلدوا للعالم أروع وأبهى صورة في التعاضد والتآزر والتلاحم والاخوة والتكافل بوحدتهم خلقوا النصر ..
الجمعة، 7 يوليو 2017
في الذكرى الثالثة لمعركة العصف المأكول ..
شن الإحتلال على غزة ثلاثة حروب ، كان الهدف منها استئصال المقاومة ، وفي كل عدوان يشنه على غزة يفشل في مسعاه ، في المقابل تستفيد المقاومة من التجارب وتقوي جبهتها وتقف على مواطن الخلل وتصححها وتزداد رسوخا وثباتا وصمودا وقوة ، استطاعت المقاومة أن تهشم مقولة : جيش لا يقهر ، التي عشعشت في الأذهان لعقود ، وكان الإحتلال يقتات منها دهرا بعد أن هُزمت جيوش عربية أمامه مجتمعة ، ومعلوم الأسباب الذي أدت لنكستها ، المقاومة نزعت ذرائع كانت الانظمة تتذرع بها ، لتستكين للأمر الواقع الذي حاول الإحتلال فرضه ، وحتى لا تواجه غطرسة المحتل ، مقاومة مُحاصرة ولاتمتلك عدة وعتاد كالذي تمتلكه دول وبإمكاناتها الذاتية ، حققت ما أخفقت فيه جيوش ، وخلقت توازن الردع وفوتت على المحتل مآربه ، ولم تركن لإملاءاته أو تقبل أن يفرض عليها الأمر الواقع أو تستسلم ، وغدت غزة محرمة عليه دخولها ..
وعندما فشل المحتل في تحقيقه مراميه من شن عدوانه ، استأسد على المدنيين ، وفرد عضلاته على العزل ، وارتكب أفظع الجرائم ، واستهدف المنشآت الحيوية من مدارس ومستشفيات وبنية تحتية وو..جرائمه بحق العزل والمدنيين لن تسقط بالتقادم ..
لذلك من المجحف أن يحمل أحد غزة تداعيات الحصار الجائر أو مخلفات العدوان ، فالإحتلال عندما اغتصب فلسطين ارتكب المجازر بحق أصحاب الأرض وخلف الآلام والأوجاع وشرد الفلسطيني ، فهل نلوم الشعب المكلوم ومن كان يدافع وقتها عن الحق الفلسطيني ، أم نحمل المسؤولية للإحتلال البغيض ومن يغض الطرف على جرائمه ، ومن زرع هذا الورم الخبيث في قلب الأمة ، ومجتمع دولي يساوي بين الضحية والجلاد ولا ينصف المظلوم ويهدر حقه ، ونلوم أنظمة كان همها تثبيت أركان حكمها ، لم تستعد للحرب واستسهلتها ، ونخرتها صراعاتها وكانت تُحاسب البعض على ولائه للحاكم ، تقرب هذا وتبعد ذاك ، وبذلك اضعفت جبهتها وبعدها تاجرت بالقضية حماية لكراسيها..
الإحتلال في كل حروبه عندما يفشل في تحقيق مآربه ، يستهدف الحاضنة الشعبية بغية تأليبها على المقاومة ، إلا أن وعي الشعب فوت ويفوت وسيفوت عليه مآربه ، فهو يدرك أن المقاومة هي من تصد العدوان ، وتحمي حياض الوطن ، وتبقي جذوة الصراع متقدة لتستيقظ الأمة من سباتها وتلحق بالركب ، وتحفظ الحق الفلسطيني ، وتمنع تمدد المشروع الصهيوني ..
اعتقد الإحتلال أن شن عدوانه المتكرر على غزة ، سيدفعه لفرض الأمر الواقع في كل فلسطين ، وللإستكانة وعدم النهوض لمواجهة الإحتلال ورفع حيفه ، إلا أن بسالة المقاومة وجسارتها وروحها القتالية وإيمانها العميق بعدالة القضية ، وفرت البيئة الخصبة للعمل المقاوم ، وزاد تمسك الفلسطيني بحقه والإستماتة عليه والدفاع عنه بقوة ، بل شجع هذا الإبداع في الأداء المقاوم ، الفلسطيني في كل ربوع فلسطين ومن كل الفئات للإنتفاضة على جور الإحتلال ، وبذل الغالي والنفيس فداءا لله ثم للوطن ورفضا للإحتلال ، وحماية للأعراض والمقدسات والوقوف بحزم أمام كل مكر يضمره الإحتلال للأقصى المبارك ..
نوع الفلسطيني المنتفض في وسائل المواجهة حماية لحقه في العيش بكرامة وحرية في وطنه ، صحيح أن السلطة حالت دون تطويرها وتمددها ، إلا أن النفس المقاوم لازال قائما ولم يخبو ، مادام هناك احتلال جاثم على الأرض ومقدسات تدنس ، وحيف وظلم وتضييق بحق صاحب الأرض ، فهذا هو الدافع والمحفز للفلسطيني في الإستمرار في المنافحة عن حقه ..
كما عملت السلطة في تحجيم الدور الجماهيري المناصر للأنتفاضة ، من مسيرات ومظاهرات تلتف حول العمل الفدائي والمقاوم وترفع وتيرته وتزيده زخما ، إلا أن تشييع جنازات الشهداء ، تظهر التحام الشعب والتفافه حول خيار المقاومة ، ودعم الإنتفاضة والسير على درب الشهداء والإقتداء بهم ، ورفض خزي التنسيق الأمني الذي يُقوض العمل المقاوم ويطيل أمد الإحتلال ، وإن لم تستفيد السلطة من الدروس وتصغي لصوت الشعب ، حتما سيتجاوزها وتجد نفسها معزولة ومحشورة في الزاوية ..
الثلاثاء، 4 يوليو 2017
كنتم خير أمة أخرجت للناس..
القرآن الكريم نزل للمسلمين وليس لبني اسرائيل ، ومع ذلك تضم آياته الكثيرة من التفصيل لسيرتهم ، بل والشرح المستفيض لحالهم ومسارهم ومآلم ومصيرهم ، ومعلوم أن الله عز وجل لا يحابي بين عباده ، أية أمة حادت عن النهج القويم وتعدت على الحدود وبدلت وغيرت ، وتاهت عن جادة الحق مصيرها ماثل للعيان ، خزي وطرد من رحمة الله ومذلة واستكانة وهزائم متتالية وضعف وهوان وو..
هذه أمة كانت في القمة ولها قدر وقيمة في زمانها ، وكان فيهم انبياء وصالحون ، ونتيجة افعالها الذميمة وما أتت من منكرات هوت للقاع ، واستحقت غضب الله عليها ، سرد حال ومآل بني اسرائيل عبرة ودرس لأمة الإسلام حتى تتفادى مآلهم ، وتحذيرا لها حتى لا تلقى نفس المصير ..
ومن يقرأ القرآن سيقف على صفاتهم الذميمة وأفعالهم المشينة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهي أيضا ميزات أمة الإسلام مع الإيمان بالله والتي بموجبها كان الإصطفاء والأختيار : فكانت خير أمة أخرجت للناس
بتعميم الخير والحث عليه ونشر الفضائل وأيضا النهي عن المنكر ، حتى تعافه الفطرة السليمة وتقاومه ، وحتى لا يغدو مستساغا ، ويتجرأ على فعله ، ويستشري في المجتمع وبذلك تهوي النفوس لمستنقع الرذيلة وتنفصهم عراه وتنخره الآفات ، وتتآكل دعائمه ويسهل على الأعداء الإنقضاض عليه ويغدو لقمة سائغة بين يديه..
ومعلوم أن للنهي عن المنكر درجات ، المهم ألا يفتر المسلم وأن لا يتعايش مع المعاصي ويستسيغها ويألفها ، قال عليه الصلاة والسلام : من رأى منكرا فليغريه بيده ، فإن لم يستطيع فبلسانه ، وإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )
وكذا حديث السفينة :
عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا "..فإن لم يحثوهم على الخير ويكافحوا فسادهم وينهون عن المنكر غرقوا جميعا ، وأي قوم فشى فيهم المنكر وكل أنواع الفساد ، استحقوا اللعنة والطرد من رحمة الله ، ومعلوم ما يترتب على ذلك..
فالأمر يعنيك أنت أيضا مادام الكل في مركب واحد ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى أخاه فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض. ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ..
ومثال آخر : عندما جحدوا انعم الله عليهم ولم يمتثلوا لأوامره وعصوا أوامر نبيهم ، حل بهم التيه ، وأي أمة سلكت نفس المسلك إلا وتاهت بوصلتها وحل بها الضعف مكان القوة وتغول عدوها عليها وحل بها الوهن وتفتت وذهب عزها وفقدت مكانتها ..
هذه فقط أمثلة وإلا القرآن الكريم يستعرض صفات بني اسرائيل بشكل مستفيض ، ما على المرء إلا أن يقارنها بحال الأمة اليوم المزري ، من كتم للحق والتعامل بالربا فهو إعلان حرب مع الله واكل السحت وحب للحياة حتى ولو كانت حياة مهانة ومذلة وصغار وتفتقد للكرامة والعزة وكذا الخيانة بكل أشكالها وأخذ من الدين ما يوافق هواها ونكث ما يعارض هواها والجبن والخور وقلب الأية : أشداء على الكفار رحماء بينهم ، فقد غدا بأسهم بينهم شديد وانهكتهم الصراعات والخلافات ، بل طفا على السطح كل حزازات الجاهلية والتي دفنها الإسلام والتي تحول دون وحدتها والتي هي سر قوتها وو..
وإذا أرادا أمتنا أن تعود لعزتها ومكانتها أن تستعيد ميزاتها : الإخلاص في العبادة والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، لهذا اختارها الله عز وجل واصطفاها على باقي الأمم..
الأحد، 25 يونيو 2017
مسلسل بوابة السماء..
على مدار 29 يوما تابع المشاهد الفلسطيني والعربي فصول مسلسل بوابة السماء في جزئه الأول ، والذي يحاكي الواقع الأليم للمدينة المقدسة ومعاناة المقدسيين في ظل احتلال بغيض يسعى بكل السبل الخبيثة لأجتثاثهم من أرضهم ، جمعت حلقات المسلسل بين الألم والأمل ، ألم تجسد في ما تعانيه المدينة وأهلها من قهر وحيف وصلف الإحتلال ، معاناة يومية الغرض منها التضييق عليهم لإخلاء المدينة ..
وأمل تجسد في شبابها المغوار ، من يدافع عن حقه في أرضه ومقدساته ، من يحمي الأقصى المبارك ، من يقف سدا منيعا أمام كل محاولات التقسيم والتهويد ، من يصد كيد الإحتلال بكل ما توفر له من أسباب القوة وامكاناته الذاتية ، من يُبقي القضية حية ، من يستميت في الذود عن المقدسات ، المتسمك ببيته وأرضه ، مرابطا في القدس لم تزده اجراءات الإحتلال إلا رسوخا وثباتا وصمودا ، والذي يفوت على الإحتلال مآربه ، من محاولاته لإخلاء المدينة من أهلها ، وطمس معالمها العربية والإسلامية واضفاء الطابع اليهودي عليها ، أوسعيه لتمرير روايته المزعومة ..
بين هذا وذاك تظهر فئة باعت ذممها وعطلت عقلها ومات ضميرها ، لا يستفيق إلا بعد فوات الأوان وعندها لا ينفعها الندم ، هم سبب المآسي والآلام ، العملاء : من يتبادلون الأدوار بينهم وبين الإحتلال ، هو يضيق ويحاصر ويحرم ويهدد ويتوعد وو..والعميل يغري ويوهم بتسهيلات من المحتل هو من عسرها أصلا ، وفي الحقيقة ليست تسهيلات من المحتل بل حق سلبه الإحتلال من صاحب الأرض ليبتزه به ..
حياة العميل خوف وهواجس وانحدار في الأخلاق وقلقل من أن ينكشف أمره ، وإن لم يُعر قذارة فعله ولم يتسجد جرمه أمام ناظريه ، فلا أقل من أن يعير أهله ومحبيه اهتماما ، ويقيهم من نار لن تحرقه وحده ، سيمتد لهيبها إليهم وهم ابرياء ، لو فكر فيهم لحظة واحدة لأدرك نفسه ولما غاص في وحل العمالة ، العميل لا يأمن حتى مكر الإحتلال ، حياته دوما محفوفة بالأخطار ، وحتى من يُوفر له حماية في كيانه ، لا وزن له ولا قدر، وحياته مهددة ..
مع أن الإحتلال وكما أظهرت حلقات المسلسل أنه لا يعيرهم وزنا ، بل ينظر إليهم نظرة احتقار ومهانة ، لأنه غدر بأهله وعشيرته وفرط في أرضه : اعتقل أو مات أو قُتل سيان عنده ، ومن استنفذ منه اغراضه غدر به ، يتناسى العميل من حوله من أم وأب وزوجة وأولاد وأهل ، فالعار سيلحقهم ، وسينبذهم المجتمع وينظر إليهم نظره احتقار ومهانة ، ما إن تفوح رائحة الخيانة حتى تصبح سيرتهم على كل لسان ..
تتفقت عقلية الإحتلال الماكرة على حبائل جمة للإيقاع في مستنقع العمالة ، الجشع وجمع المال ، الإستغلال البشع للحاجات ، الإيقاع به في شراك الإدمان ، ومن ثمة يساومه على كل حبة مخدر يسلمها له مقابل معلومة ، وكلما أوغل في الخيانة ، كلما زادت مطالب الإحتلال وزاد الإبتزاز ، خوف العميل من اكتشاف أمره يدفعه أن يزهق الأرواح ..
العملاء خنجر مسموم تُطعن به القضية من الظهر ، أدوارهم القذرة تضر بالقضية وتعرقل مسارها وتُضعفها هم من يطيل أمد الإحتلال..
الثلاثاء، 25 أبريل 2017
في ذكرى الإسراء والمعراج..
قال تعالى : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) سورة الإسراء
ابتدأت السورة الكريمة بذكر حادثة الإسراء والمعراج ، في آيات قليلة ، إلا أنها تحمل بين طياتها معاني جليلة ، جاءت الحادثة تكريما لسيد الخلق عليه الصلاة والسلام ، وتشريفا لأمة الإسلام ، حيث صلى عليه الصلاة والسلام إماما لكل الأنبياء بمن فيهم انبياء بني اسرائيل ، في إشارة أن الريادة ألت لهذه الأمة الكريمة ..
فهي المنوط بها أن تحمل مشاعل النور لهداية الخلق ، وانقاذ البشرية من التيه ، والأخذ بيدها حنى تبلغ بها مرفأ الطمأينة والسعادة والتي لن تجدها إلا في رحاب الإسلام وحماه الآمن وظلاله الفسيح ، وإشارة أخرى لقدر وقيمة الأقصى المبارك ، وعلو منزلته ورمزيته العالية ، بقعة طاهرة تضم بين جوانحها مقدسات هي جزء من عقيدتنا ومعقل عزتنا ..
ومعلوم أن الأقصى المبارك بني بعد بناء الكعبة المشرفة بأربعين سنة ، بمعنى بني قبل مجيئ يعقوب عليه السلام بحقب طويلة ، وتلت هذه الآية الكريمة ، آيات تناولت بني اسرائيل ، علوهم المقرون بفسادهم والمفضي لزوالهم ، وكأن المكانة التي تمتعت بها أمتهم ، ولم تحفظها وخانت العهد وقتلت الأنبياء وكتمت الحق وعاتت في الأرض الفساد ، وقابلت النعم بالجحود وعصت الرسل وو..وكل الصفات الذميمة التي ذكرها القرآن الكريم ، انتزعت منها الريادة وسلمت لأمة الإسلام ، وتقلدت الامة هذه المسؤولية ، ونبهنا الحق جل وعلا لما آل إليه بنو اسرائيل عندما صدوا عن الحق والله لا يحابي بين عباده ، حتى أمة الإسلام إن هي عدلت عن جادة الحق وفرطت في الأمانة ولم تقدر حجم المسؤولية : فقدت ميزاتها..
لذلك مكرهم وحقدهم ومؤامراتهم ودسائسهم ، لإستئصال شأفة الإسلام لم تفتر قط ، منذ مجيئ الإسلام ليومنا هذا ، وفي آخر الأيات ألاولى من مطلع السورة الكريمة ، ذكر لوعد الآخرة ، حين تستيقظ الأمة من سباتها العميق ، وتنفض عن كاهليها غبار الذل والهوان والإستكانة ، وتصحح بوصلتها التي تاهت ، وتعود لعزتها ومنعتها ، عندها ستطهر الأرض المقدسة من درن الصهاينة ، ويزول دنسهم وجورهم وبغيهم ، بإذن الله تعالى..
علو الصهاينة اليوم يعكس حال الأمة المزري ، تشرذم وترهل وتفكك ،أمة تنخرها الصراعات والخلافات وتضعفها النزاعات ، نحت الراية التي وحدت صفها وقوتها ، والتي مكنتها من مجابهة العتاه بصلابة وجسارة وبسالة ، وبذلك طفا على السطح كل ما أذابه الإسلام ودفنه من حزازات وولاءات للقبيلة وغيرها ، وما إن تعود الأمة لسؤددها ومنعتها وقوتها ، حتى تستعيد مكانتها وتعيد مقدساتها لحماها وتعمم الخير على كل البشرية ، بإذن الله..
الجمعة، 24 فبراير 2017
بين العدل والظلم..
في ظل العدل يتدفق العطاء وتخرج الأنفس مكنونها ، فالعدل يوفر البيئة الخصبة للإبداع ، بيئة تحتضن المبدعين ، وتنمي قدراتهم ، فيها يشعر المبدع أن جهده مثمن وحقه محفوظ ، فيها تُفتح الآفاق ، وتحشذ الهمم ، ويفيض البدل والعطاء وتتفتق الأفكار ويتميز الأداء ، فالمبدع ينبوع عطاء لا ينضب ، إن احتضنته بيئة عادلة ..
البيئة العادلة تحفزك على العطاء وعلى الإبداع ، فجهدك مقدر وله قيمة ووزن ، مع اهتمام وتكريم يرفع معنوياتك ويشجعك على الإستمرار ، وتدلل أمامك الصعاب حتى تشق طريق النجاح بهمة عالية ، وتسقل مواهبك ، ويزداد التنافس في الخير ، حتى تبلغ قمة الإبداع ، البيئة العادلة جالبة للمبدعين ، ومحضنا لهم ، فيها يثمر العمل الجاد ويزهر الإبداء ، وتنمو القدرات ..
أما البيئة الغير العادلة ، فهي بيئة طاردة للمبدعين ، ومدعاة للإحباط وهجرة عقول المبدعين ، فيها يجذب العطاء ويتوقف الإبداع ، ويتسلل للأنفس اليأس ، فتحس أن لا جدوى من العمل ، مادام حقك مهضوم وغير مصان..
البيئة الغير العادلة تقتل في نفسك الإبداع ، وفيها تخبو جذوة العطاء وتفتر الهمم ، وينضب البذل ، وتتكبل الروح وتتكدر النفس! وتحسسك بالغبن !
فما أحوج أمتنا لبيئة عادلة تعتز بعقولها النيرة وترفع قدرهم وتثمن عطاءهم وتستفيد من طاقاتهم ، لتستعيد وهجها ومجدها وتعلو مكانتها بين الأمم ..
الثلاثاء، 14 فبراير 2017
المرأة بين التفريط والإفراط ..
فهي إما محرومة من اكمال دراستها ، أو التصرف في حر مالها ، أو حتى اختيار شريك حياتها ، وهناك من يتسلط على مهرها فينهبه وكذلك إرثها ، فتتنازل عنها إما استحياء لتبقى روابط الأخوة قائمة أو بالغصب ، وداخل الأسرة مهضومة من حقوقها إلا من رحم الله ، فإن هي سكتت على ظلم زوجها زاد تسلطه وإن هي اختارت "مجبرة" الإنفصال ، عاقبها المجتمع !!
ينظر إليها نظرة دونية ، واستغل جهدها ، حتى ولو كانت هي الضحية ، أو افراط ، يتحدث البعض لجسدها وليس لعقلها ! ويستغل أنوثتها في المسلسلات الهابطة ، والإشهارات وإلا ماذا يعني إشهار سيارة وبجانبها امرأة شبه عارية !! أما دعاة التغريب من تبنوا قضيتها لا لإنصافها ورفع الحيف عنها ، بل الصقوا تهمة تخلفها ومعاناتها واميتها للإسلام ! وبذريعة تحررها ينالون من الإسلام وتعاليمه السمحة ، في حين أن الإسلام هو من أكرمها وأعلى قدرها ..
في صدر الإسلام فقد اعتنى بها وصانها وحماها وحفظ حقوقها ، فكانت أم الشهداء تفتخر بشهادة أبنائها ، تزفهم للحور العين بنفس رضية ، متطلعة لما أعده الله لهم من نعم وما أكرمهم به من فضائل ، وكانت سندا للدعوة و مجاهدة بمالها ونفسها ، وبلسما للجراح ، كالسيدة فاطمة في غزوة أحد عندما داوت جراح أبيها النفسية وواسته وكذا ضمدت جراحه الجسدية ، حتما من عطل جهدها وأعاق مسارها ، لا يدرك قيمتها ووزنها في نهضة الأمة ، والإستفادة من مجهودها وعطائها عودة الأمة للريادة ، بإذن الله..
والبعض يستخف بها عندما يلوك مقولة : شاوروهن ولا تأخذوا برأيهن ! وما جدوى مشاورتهن إن لم يُوخذ برأيهن ! وهل النبي صلى الله عليه وسلم عندما استشار السيدة أم سلمة استخف برأيها وبمشروتها ؟! أم أخذ بها وكانت فاتحة خير على المسلمين ، واليوم ينكل بها الإحتلال كما الإستبداد ، تعتقل مع صغارها ويُضغط على زوجها من خلال التنكيل بها ، ويستقوي عليها ويفرقها عن فلذة كبدها ، وهناك من يفسر عوج الضلع الذي جاء في الحديث حسن هواه ، وأنه عوج في طبيعتها! بيد أن أحد الدعاء فسره تفسيرا غاية في الروعة ، عوج الضلع وجد حتى يحمي القلب من أي خطر خارجي ، وإن ذهب ليقيمه أي يريد امرأة تشبهه ! كسره وكسرها طلاقها ، والمرأة ليس مخلوقا غريبا عن الرجل فهي خلقت من ضلعه ، فحين يتزوجها وكأنه يسترد أو يعيد جزءا منه إليه..
وآخر عندما يريد أن ينتقص منها يورد حديث : ناقصات عقل ودين ويقف عنده وحتى مدلوله فاته ، ويقف عند هذا الجزء ولا يكمل بقية الحديث ، وقد أفاض العلماء في تفسير ناقصات عقل ودين ، ولو أكمل بقية الحديث لوقف على مدلولها القيم ، ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن)) فالنبي صلى الله عليه وسلم يلفت نظر المرأة أن تستعمل عقلها وكل ما منحها الله عز وجل من هبات وملكات ومنح فيما يعود على أسرتها الصغيرة وكذا الكبيرة بل والأمة بالخير والنفع ، ويبين قدرها في إنشاء جيل قادر على أن يحمل الأمانة ويجابه الصعاب ، جيل قوي قادر على تحمل المسؤولية لا تهزه أعباء الحياة ، يتحدى العقبات ويدلل المصاعب..
ولا تنشغل بسفاسف الأمور أو تهدر وقتها في مشاهدة المسلسلات المستوردة والبعيدة عن قيمنا الإسلامية وتقاليدنا واعرافنا ، أو تعدل عن وظيفتها الأساسية ..
من غير المعقول أن يخلق الله خلقا ويستخف به أو يحتقره أو يهينه ، قال تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فالإستقامة والخير لا يستفرد به الرجل دون المرأة ، كما أن الشر ليس محصور على هذا دون ذلك ، والله عز وجل خلقنا لنتكامل وليس لنتصادم ..
وقد أورد القرآن الكريم قصة السيدة بلقيس ، ليس من باب المدح والثناء على صنيعها الطيب أو الإعتزاز بحكمتها ، بل لتكون لنا القدوة ، فقد كانت فأل خير على قومها ، بحكمتها وروتها ، أبلغتهم مرفأ الأمان ، وفتح الله مغالق قلوبهم للحق ، وجنبتهم مرارة الحرب وخراب الديار، بل وقالت مقولة : أقرها القرآن وستتلى أبد الدهر :(( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ..))
سئل أحد العلماء : متى تبدأ تربية الأبناء ، فقال : عند اختيار كلا الزوجين للآخر ، فمن لم يحسن الإختيار ، رسم معالم مستقبل أبنائه ، ومن اغفل الدين عند الإختيار وهو الأهم ، انتج أسرا عليلة ومن حرص أن يزوج بناته على صاحب الدين والخلق ، بإذن الله سينتج جيلا تفخر به الأمة ، ومن عاشت في بيت أهلها وفي بيت زوجها معززة مكرمة ، تركت بصماتها على شخصية ابنائها ، أما من عاشت ذليلة مهانة ، فستخرج جيلا خنوعا مستكينا غير مهيئ لمجابهة الصعاب ، النبي صلى الله عليه وسلم رأى يوما رجلا قبل ابنه الذكر واجلسه في حجره ولم يقبل بنته واجلسها بجواره ، فأنكر عليه فعله وأمره أن يعدل بين أولاده في المعاملة وحتى في القبلة ، فمن يؤثر ابنه الذكر على البنت يكدر صفوها ويئدها معنويا وتبقى الكلمة الطيب من الزوج لزوجته هي من تؤسر القلوب وتترك الأثر الطيب ، فيتدفق الحنان والمحبة ويُترجم لعطاء ولمسات حانية ، وتخلق جو من الصفاء والوئام على البيت والأولاد ..
وعندما نالت المرأة كل تقدير واحترام في صدر الإسلام وكانت لها مكانة ، انجبت للأمة رجالا أعزة ، عطاءهم الفياض وعزهم بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، ارضعتهم مع اللبن الكرامة والشهامة والإقدام والبسالة ، فعندما آمنت بالحق وذادت عنه وصمدت في وجه الطغيان ، تعرضت للإيذاء بل فاضت روحها ولم تغير دينها ، فكانت سمية الخياط أول شهيدة في الإسلام ، فالمرأة إن صلحت أصلحت من حولها ، وهي معول خير في المجتمع ، المرأة ينبوع عطاء لا ينضب وهي من نصف المجتمع وهي من تربي النصف الآخر وإن هي نجحت في وظيفتها الأولى في تربية جيل سليم معافى من العاهات ، واعتنت بهم وكان الرجل يساهم في تربيتهم ، وغرست في نفوسهم قيم الإسلام وأخلاقه ، حتما ستمد أمتها بثمار صالحة ، تعيد لهذه الأمة مجدها وسؤددها ، بإذن الله ..
الجمعة، 6 يناير 2017
إسأل الفلسطيني...؟!
قبل أن تفتح سفارة للكيان الصهيوني على أرضك أو مكتب اتصال أو تتواصل معه !!
إسأل الفلسطيني كيف بنى هذا المسخ كيانه على أشلاء أصحاب الأرض ودمائهم ؟
وكيف هجر الفلسطيني من قراه ومدنه وبياراته وكيف غيّر الأسماء وطمس معالم جرائمه ، وكيف أحرق المزارع ، وكيف ألجأه لبعض اللئام ، من أساء لكرم الضيافة ، من ضيع الحق الفلسطيني ، ومن خذل وقصر وخان الأمانة ..
إسأل الفلسطيني كيف يقتل الإحتلال أبناءه في معابر الموت بدم بارد ، وكيف حاصر غزة وحرمها مقومات الحياة ، غزة الصغيرة في مساحتها الكبيرة والشامخة بعزة شعبها الذي يحتضن مقاومته ، ومقاومة تذود عن حمى وحياض الوطن بل عن حمى الأمة ، وتصد العدوان وتخلق توازن الردع ..
إسأل الفلسطيني على ثلاثة حروب مدمرة على غزة الصامدة ، أودت بحياة الآلاف من المدنيين العزل ، بل عائلات بأكملها استشهدت ، لم تستثني آله الحقد الصهيوني حتى المرافق الحيوية من مدارس وجامعات ومستشفيات وكذا بنية تحية ، إسأله عن أحبة فرقهم الإحتلال بإغلال الأسر والإعتقال الإداري وغيبتهم سجونه لعقود ..
إسأل الفلسطيني كيف يُنكل به عند الحواجز والمعابر التي تمزق أوصال الوطن ، إسأله كيف يبتزه في قوته وقوت عياله ، بغرض تركيعه لاقدر الله ، وكيف يبتزه عند حاجته للعلاج بغية إسقاطه في براثن العمالة ، أو اعتقاله عند العبور ، إسأل جنوب لبنان أيضا عن قانا ، كيف احتمى المدنيون بمبنى الأمم المتحدة ، وكيف استهدفته آلة حقده وحصدت الأرواح البريئة ، فأحالت المبنى لركام ودمار ، وأحالت الأجساد الغضة لأشلاء..
إسأل الفلسطيني كيف يهان المسجد الأقصى ويدنس مسرى نبيك الكريم ، مع ما تضمره عقلية الإحتلال العنصرية من شر للأقصى الشريف وأنت تلوذ بالصمت المطبق ، وفي أغلب الأحيان تنديد وإدانة وشجب ، لا تغير من واقع الحال شيئا ..
هذا الشعب ينبض بالحياة ، ينشد حقك ، وكما قاومت الإستعمار الفرنسي حتى أخرجته من وطنك ، هو أيضا يتوق لحريته وحرية موطنه ..
ومن يقف عند كل هذه الجرائم وهذا الظلم والحيف وهذه المعاناة ويمضي في غيه ، فقد تبلد حسه وبات بلا ضمير حيّ ، فهناك من غير العرب أو المسلمين ومع ذلك يناصر القضية ويساند نضال شعبها أكثر من بعض العرب ، بل هناك يهود غير صهاينة يقرون بالحق الفلسطيني ويناهضون الصهيونية ودعاياتها المهترئة ، فأنظر في أي صف أنت تصطف أوتقف..!!!
الثلاثاء، 3 يناير 2017
بين الأسر والشهادة..
ليست المقارنة هنا على فلذة الكبد أو أي غالِِ وعزيز على نفسك فارقك ، فالفراق صعب في كل الأحوال ، إن كان الغالي على نفسك شهيدا أو أسيرا ، فالأمر واحد ويشق على المرء فراقه ، وما يخفف العناء ويضمد الجراح : عدالة القضية وطلب الأجر والثواب من الله عز وجل ، وفداء وطن يستحق البذل والعطاء والتضحية ..
المقارنة هنا بين حالة الأسر والشهادة ، في حالة الشهادة يضفي الله عز وجل على أهل الشهيد الرضا والصبر ، مع كل ما يتمتع به الشهيد من كرامات وفضائل ونعم ، تحدثت عنها آيات وأوردتها أحاديث جمة ، الشهيد حيّ يرزق في حمى آمن ، عند رب رحيم ودود كريم ، عطاؤه لا ينقطع ، تطمئن نفسك على أحواله ، فالشهيد في رحاب فسيحة في جنان فيحاء يرفل وعند رحيم رحمان يتنعم ، سكن قلوب أحبته ، التي ستظل ألسنتهم تلهج بذكره ، لن ينسوه أبدا مع ما للشهادة من شرف وعزة فهي عنوان الكرامة والإباء ، الشهادة وسام تشرف به الشهيد وأهله واكليل فخر وشهامة تزين به جبينه الوضاء وكذا أهله ..
أما الأسير مسلوب حقه ، محروم من العيش بحرية وكرامة في موطنه ، مقيد بالأصفاد ، بعيد عن دفء العائلة ولمة الأهل والأحباب والأصحاب ، في الأسر ذبل الجسد وانهك، يحس بالقهر عند وفاة أحبته دون أن يلقي عليهم نظرة وداع ، يفتقدهم ويفتقدونهم في المناسبات السعيدة ، سنين عدة اقتطعت من عمره ظلما وجورا ، يصبح ويمسي في عتمة السجن على سحنة السجان ، يحمل أثقالا من الأوجاع تنوء بحملها الجبال ، يخففها بصبره وصموده وثباته وإيمانه .
الأسير يقبع خلق القضبان ب"جريرة" حبه لوطنه والذود عنه ، جريرته أنه فلسطيني ينتمي لهذه الأرض الطيبة المعطاءة ، دافع عن أرضه وعرضه ومقدساته وحمى ثرى وطنه الغالي ، رفض ذل الإحتلال وتاقت روحه لحريته وحرية موطنه ، أسير في عتمة السجن يقبع ، بين يدي قلوب انتزعت منها الرحمة ، فغدت أشد وأقسى من الحجر ، الأسر موت بطيئ ومعاناة لا تقف عند الأسير بل تتعداه لتطال كل أحبته ، ولوعة الشوق والحنين لا تطفئها سويعات الزيارة خلف الحواجز مع ما يرافقها من حيف وصلف المحتل وتعسفاته ، بل تؤججها ، كم من زيارة تلتها حرقة وغصة في القلب وحزن مرير وأمراض بل وموت ، ولا يحس بمرارة الإنتظار إلا من تجرعها واكتوى بنارها..
هم جنرالات الصبر ، يحدوهم الأمل في لقاء أحبتهم ، لهم عزيمة قوية لا تلين ، ويقين عالِِ بفرج الله ومعانقة شمس الحرية ، بإذن الله ، وثقة في جهود المقاومة ، بأن تثمر خيرا ، بإذن الله ، فقد وعدت ووفت ، وحققت حلما طالما راود الأسرى لسنين فغدا حقيقة جلية ، وقريبا بحول الله سيتحقق الوعد وستدخل الفرحة والسرور والبهجة قلوب طالما انتظرتها ، بعون الله ..
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)