بما أن الدنيا دار تمحيص وإمتحان فالواهم من يعتقد أنه سينعم بالراحة والسعادة الكاملة لأن السعيد هو من زحزح عن النار وأدخل الجنة والدنيا دار كدّ وجدّ وجهد صحيح قد يتسلل لنفسك بعض الراحة والإنشراح كونك حققت جزء مما كنت تصبو إليه ويبقى أمامك رحلة طويلة لأعمال تنتظرك أن تنجزها ..
فالطالب النابغة حتى وإن بلغ مقاما كان يعمل له فهذا ليس نهاية الطريق بل هي البداية في تأسيس البناء لبنة لبنة وقد يعمل لمشروع لن يكتمل وقد تكتمله أجيالا أخرى من بعده والعمل لا يقف عند لحظة الإنتصار فالثورة حين إنتصرت وضعت حجر الأساس والآتي أعظم فالآن بدأت ساعة الإجتهاد والمثابرة حتى لا يضيع نصرنا ...
لأن النصر مهم ولكن ليس هو كل ما نصبو إليه بل غايتنا أن نكون أهلا لحمل ألأمانة ورقي ونهضة وطننا فبعد النصر يأتي العمل المتواصل فلا يكفي النصر ثم يعقبه التراخي والتهاون بل من واجبنا المحافظة على مكتسباته لأنه لم يأتي على طبق من ذهب وهو ليس نهاية المعركة بل بدايتها فالثبات على النصر والعمل له هو منزلة لا تقل أهمية عن منزلة النصر فالنصر لم يأتي هيّنا بل بذلت له تضحيات جسام فالمتابعة والإستمرارية في العطاء والعمل الجاد والسهر على مكتسبات هذا النجاح هو تكملة للنصر..
ولنعلم أن النفس تزهو أحيانا عند النجاح وهذا ينسيها مواطن الخلل والعمل على إصلاحها وتقييم أداءها وإصلاح أغلاطها فلو كنت تملك سيارة ولم تعدّها جيّدها لسفر طويل حتما ستقف بك في منتصف الطريق ولن تبلّغك هدفك ومسعاك والأولى أن تهتم بها وبصيانتها وتحافظ عليها حتى تبلغ مقصودك ..
النفس إن لم تعوّدها على البدل والعطاء والتضحية والعمل ستركن من جديد للراحة وتستكين للخمول وتترهّل وعندها لن يجدي فيها أي خطاب ..
فالشعوب اليوم والتي كانت ترزح تحت نير الإستبداد ونالت حريتها فلتعلم أن الإستبداد لا يموت والمعركة مستمرة قد يخفق في جولة وقد يتربص بك أحيانا وقد ينال منك ولن تخمد نيرانه وسيبحث عن جذور تغذّيه وقد ينمو من جديد فسد كل الثغرات أمامه هو من يجعلك تتفاداه وتكون له بالمرصاد ..
وما لم نحصن أنفسنا ونبقى على يقظة مستمرة وعمل دؤوب ونحرص على تحصين أوطاننا والإهتمام بها وتفجير طاقاتنا ولنعمل على رقيها ولنحافظ على مكتسبات الثورة ولنحقق لأوطاننا كل عدالة وحرية وكرامة سعت لها فقد يضيع نصرنالا قدّر الله ..
فلأجل هذه القيم وغيرها ثار المواطن العربي ولتبدأ معاول البناء تشقّ طريقها ولنركّز أولا على بناء أنفسنا وجهاد النفس أعظم جهاد حتى نزيل منها أي شوائب علقت بها وقد تنال منها حتى تضحى طائعة لله ولا نستهين بكفاءاتنا ومقدّراتنا ونصهرها للعمل حتى تعطي كل طاقاتها ونعمل على تنظيف أوطاننا من كل الآفات التي تفشت فيها وخرّبتها من غش ومحسوبية وفساد وو..ونعقّمها ونزرع فيها قيما عليا وأخلاقا حميدة ومحبة للكل ..
والثورة ليست نهاية المطاف بل تعقبها ثورة على أنفسنا حتى تتحلى بكل خلق عظيم من هنا يأتي البناء فالدروس والعبر ممن سبقونا خير دليل على ما نقوله فكم من أقوام غرّهم النصر وحاد بهم عن جادة الصواب وأخذهم الزهو فبعد النصر بدل أن يشكروا الله الذي منّ عليهم به ويلتحموا فيما بينهم ويحفظوا وطنهم للأسف وجّهوا بنادقهم لصدور بعضهم البعض وضاع نصرهم وهم الآن يتجرعون المرارة لأنهم فرطوا في نصر مؤزر وحولوه لهزائم متتالية نالت منهم ..
فمن الآن لنحافظ على النصر ونرفع شعار خدمة وطننا ولتبدأ مسيرة الإصلاح والبناء تشقّ طريقها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق