إلى أي مدى غيّرت الثورات العربية الشارع العربي وخاصة قواه الحيّة ؟؟
الشباب طاقة المجتمع وركيزته الأولى التي يقوم عليها ، يمتاز بفاعلية وحركية خاصة إذا كان شبابا منفتحا على واقعه ومدركا له ، وقد عمد الإستبداد لعقود لتهميشم وقتل روح الإبداع في نفسه ، وزرع اليأس فيه وأشغله بالأزمات ، وفتح أمامه كل قنوات الغزو حتى ينساق إليها ويسقط في شباكها ويتخبط في سلوكيات منحرفة ، كي تبعده عن همومه الحقيقة ودوره الفعال في قيادة وطنه وتغيير حاله ، خلق في نفوسهم الإحباط والعجز والقهر وأهدر طاقاته وأقصاه وعطّل قدراته وقتل كل إرادة وعزم فيه ..
وعندما لاحت رياح التغيير عاد الشباب لدوره الحقيقي وتنفس عبير الحرية غذاء الروح ، فأنطلق إلى العالم الفسيح ينشد الحرية ، والعدالة ، والكرامة ، ويسعى لنهضة وطنه وكسْر قيود الإقصاء ، فعندما لا نفتح للشباب أبوابا سهلة ليبرِز طاقاته ويوظفها في بناء وطنه ، حتما سيطرق أبوابا صعبة حتى يعبّر عن مكنون نفسه ، فالثورة غيّرت شعوبا ألفت الخنوع وركنت للإستبداد فسقلت معدنهم وأبانت عن جيل أهلً للريادة يستثمر جهده وطاقته ووعيه لإعادة كتابة التاريخ بمداد من فخر وعزة ، جيل لا مكان لليأس فيه أو الكسل أو العجز أو الخمول ، دائم الحركة أصبحت كلماته لها معنى وتلقى آذانا صاغية وتلقى تجاوبا من محيطه ،
جيل نفض عن كاهليه الخوف ، وواجه آلة القمع بثبات وإصرار أبان عن خطاب جديد لم يعهده الكلّ من قبل ، كان يُخطّط لهذا الشباب أن ينغمس في همومه ويبدّر وقته ، إذ به يستثمر طاقاته وتقنيات عصره ويغيّر بها واقعه وفكره ، بل ويبدى آراءه دون خوف أو وجل جُرأة مع إحساس بالمسؤولية ، ينشد الشراكة وينبذ القمع والتهميش ، لغة جديدة نطق بها عقله وتشربتها روحه ..
شكّلت الثورة منه قوة تغيير وفَتحت القنوات أسماعها له ، شباب طموح لا حدود لعطاءه المتجدد ، ضحى بروحه حتى يرى وطنه فجر الحرية ، يرجو أن تفتح أمامه كل المجالات حتى يفجّر مكنون طاقاته وإبداعاته ، أحبط خطط الإستبداد التي كان يريد أن يشُل فكره أو يجمد عقله ، صحيح مرّ بسنين سبات ما لبث أن إستيقظ منها وإستجمع قواه وأطلق العنان لطاقاته المكبّلة وفكّ قيد عقله ، سطّر أهدفا لثورته وأدخر كل جهده لها ، ولن يحيد عنها حتى يراها وقد رأت النور ..
كان من قبل طموحه مدود تفكيره سطحي ، أما اليوم يفكّر بعمق أعاد ترتيب أولوياته وأدرك دوره وسَيعيد صياغة تاريخه ، وحين تستقر الأوضاع إن شاء الله سنرى جيلا واع عرف حريته متى تبدأ ومتى تنتهي ، علم أن الخوف قاهر الهمم وقاتِل للعزيمة ، علم أن دوره كبير وأن زمن الركود قد ولّى ، عقول وكفاءات غادرت الوطن ليبقى آخرون يتجرعون الذل والتهميش لكنها كانت غشاة وإنزاحت ، ثورة أبانت عن خامات ومعادن ثمينة لو وُظفت في موقعها لرأينا نهضة شاملة ، شباب ينشد المشاركة في القرارات وينبذ الإستئثار بها فهو منارة وطنه ..
ثورة كسّرت حاجز الإقصاء وأكسبته ثقة في الخلاص وفي التغيير ، تخلّى عن أفكار الماضي التي علقت بذهنه وخلقت فيه النكوص والخوف ، وترسبت فيه لعقود زكّتها ثقافة شعبية تكرّس الضعف والهوان ، فبعد الثورات المباركة تلتها ثورة على النفس ، وثورة فكرية ، غَسلت الأفكار البالية وتغيّر الخطاب وكنس كل سلبياته وتحدى كل العقبات والمتاريس بحزم وإصرار ، إرتقى بفكره وصحح مفاهيمه ، ومحى ثقافة بائسة كبّلته وحلت مكانها ثقافة غابت عن شارعه لعقود ، حتى المصطلحات التي أطالت أمد الإستبداد غيّرها ، لا لإنتكاسات الماضي الكل إندثر والكل رحل حين رحل الإستبداد إلى غير رجعة إن شاء الله ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق