اعتدنا على خلق شماعة نعلق عليها كل سلوك شائن أو غير سوي ، بل يفند البشر بها كل سياسات مجحفة في حق من استرعوهم ، مثلا عندما نتطرق للسلطة أوالجاه أوالمكانة المرموقة نتسائل دوما هل هي من تغير سلوك البشر وتحولهم من حمائم وديعة لكواسر ؟! وهل يكمن الخلل فيها حتى يعتزلها الناس خوفا من شرورها وبلاءها !!
أم أن هناك عاهات مخفية كامنة في قرارة الأنفس وما إن يبلغ البشر للسلطة حتى ينكشف الغطاء عن غرور غير مسبوق وعن نظرة دونية للغير ، وعن استبداد وعن ظلم للرعية ، إذن العلة ليست في السلطة بل في من يتقلدها ولا يكون جديرا بها ..
وبالأمثلة نقف على الحقائق وتستبين الصورة أكثر، تقلد النبي عليه الصلاة والسلام المسؤولية وتقلدها الخلفاء الراشدون من بعده فكانوا لها نعم القادة الأكفاء ، وانصب اهتمامهم على توفير راحة للرعية ، بل لم يزدهم علو المكانة إلا تواضعا لله وخدمة للرعيته توددا لها وحل همومها وتحقيق لها العزة والكرامة ، حفظوا الأمانة وكانوا أهلا لها ، وصفحات التاريخ تزخر بعطاءهم الطيب وعدلهم العالي ..
وفي المقابل نأخذ نموذج هتلر مثلا نشأ فقيرا معدما كانت أمنيته أن يلج معهد الفنون الجميلة لكن حالت ظروف دون تحقيق أمنيته ، وبعدها التحق بحزب نازي وارتقى في سلمه وما إن بلغ شهرة عالية حتى خاض حروبا مدمرة طاحنة ، أودت بحياة الملايين من البشر ، إذن الخلل لا يكمن في السلطة بل في نفوس من يتقلدها نفوس تقصي كل من عارضها وتستعبد الناس وتستمرئ السلطة وتذعن لها حتى يصبح عبدا لها ، تسلبه لبّه وتسيطر عليه ، ويزهو بمدح بطانة السوء وتزين له أفعاله ..
وهذا أيضا ينطبق على النظم البائدة التي لفظتها الشعوب كيف أهملت الوطن وعاتت فسادا ، فقد عدوا السلطة تشريفا وليس تكليفا ، واستأثروا بها وكمموا كل صوت مناهض لسياستهم حتى ولو كان من المقربين وتناسوا أنها أمانة على عاتقهم مسائلون عنها إن ضيعوها أو فرطوا في حق الرعية ..
لكن هذا ليس حال كل من اسندت له مسؤولية على ممر الزمن هناك نفوس تجدرت من الانانية وأزالت حظ النفس وأقبلت على الأمنة تنشد الإصلاح والرقي بوطنها ، انكبت على تحقيق مصالح الوطن وعكفت على خدمته ورغم السهام التي تسدد لهم من هناوهناك من مناوئيهم لم تزدهم إلا تشبتا بالنهج القويم والأمثلة على ذلك كثيرة ..
ومن هؤلاء رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد ، ستشهد له صفحات التاريخ على خدماته الجليلة في سعيه الحثيث للرقي بماليزيا ، نقل ماليزيا نقلة نوعية ، حقق لها طفرة وازدهار رغم تباين اعراقها وجههم لخدمة الوطن فأضحوا جميعا معاول خير تشق طريق النجاح لبلوغ القمة ، فتكاثفت الجهود وبلغ بماليزيا أوج نموها وازدهارها وتقدمها ..
والشعب هو رصيد أي حاكم عادل فإن التف حوله فكل الخطط التي تحاك لهذا الوطن حتما ستفشل مادام الشعب هو الحاضن وهو الحامي ، أما حين يخلق الحاكم المستبد هوة سحيقة بينه وبين الشعب ، ويخلق بطانة تحميه وتزين سياستة الرعناء ويستعين بالغرب ليحفظ مكانته وجاهه ويغيّب صوت الشعب حتما سيفقد هذا الكنز الكبير : شعبه ، ولن يطول الأمر فما إن يكسر الشعب قيود الاستكانة وجدار الصمت حتى يتخلى الغرب عن حليفه ، حين يهوي ..
ونموذج آخر لمسؤول لم تنال منه السلطة بل زادته تواضعا والتفتِ الرعية حوله كلها ثقة بنهجه السديد وسياسته الصائبة في تطهير مصر من المفسدين البغاة ، يوسف عليه الصلاة والسلام هو من طلب المسؤولية وسعى لها وكان جديرا بها ، تقلدها خوفا من أن يتقلدها غيره ولا يكون أهلا لها خاصة مصر كانت تمر بمرحلة عويصة وكانت المسؤولية يومها مغرما ، كانت مصر على موعد مع سنوات عجاف لولا فضل الله ، ثم سياسة سنها القائد الملهم الفذ والذي زكاها العلم اليوم لحلت الفواجع ، تَمّ تسيير الامور بحنكة وبرقابة عالية وبدقة متناهية ، سهر على مصالح الرعية وتم ابعاد وتحييد كل من سولت له نفسه العبث بمصير مصر واجتث الفساد من جذوره لأن هذا الأخير عقبة أمام أي اصلاح ، تبنى سياسة اتسمت بالحكمة والرزانة سياسة موفقة ، جنب بذلك مصر المجاعة ولولاها لحلت الكوارث وهوت مصر لا قدر الله لمصير رهيب ..
وهناك من تولى السلطة في وقت عصيب ، مرحلة عويصة ، ينشد الرقي بوطنه ، ينشد نهضة شاملة ورغم السهام المسمومة التي يوجهها له المغرضون بُغية افشال التجربة وليس التصحيح أو التقييم لم يُثنيه ذلك على مواصلة درب الإصلاح ، يشق عباب البحر المتلاطم بالأمواج بسفينته ، متسلحا بمجداف الإصرار لتحدي الصعاب ، ويحاول أن يسير بمصر لبلوغ مرفأ الامان ، نسأل الله لهم التوفيق والسداد ..
لكن هل السلطة فقط ما ذكرناه ؟ كلا ، فأي مسؤولية تقلدها الإنسان ولم يرعها حق الرعاية وتعسف فيها أو ألحق الضرر بمن استرعاهم أو ظلمهم أو ولم يحكم بالعدل فهذه أيضا مسؤولية وأمانة سيحاسب عنها إن فرط أو تعسف فيها ، وسيكون بذلك ضيع من استرعاهم وتقلد مسؤوليتهم ، فأي مسؤولية توليتها حاسب نفسك خوفا من تقصيرك و قيم خطواتك وصحح أخطاءك ونعلم أن دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق