حين أضحى إلإعلام الرسمي بعيدا عن قضايا الأمة الساخنة ولم يعد يلبي طموحات المشاهد العربي وأصبح بعيدا عن همومه ، يخفي المساوئ ويغيبها ولا يشخص الأمراض ففي تشخيص الأمراض الوقوف على العلل ومن تم البحث عن الدواء الناجع وفي ظل إعلام وُجد لإشغال المشاهد العربي وإهدار وقته وإبعاده عن هموم وقضايا أمته انطلقت الجزيرة فنالت الحضوة وسدت فراغا قاتلا كان يعيشه المشاهد العربي ونمّت وعيه وسلطت الضوء على قضايا أرقته في تحليل عالي وبكوادر وطاقات مهمة وبما تقدمه من خطاب فاحتلت بذلك الصدارة..
صحيح أن الجزيرة لها دور في استيقاظ الأمة وتفاعلها مع الأحداث لكن أي إعلام له إيجابات وسلبيات ، وأي إعلام إن لم يخضع للتقييم وتصحيح الأخطاء فلن يرقى لجودة عطاءه وقد ينتابه الجمود ، إلا أن برنامج الإتجاه المعاكس ورغم ما يحضى به من قبول واسع ، ومشاهدة مهمة إلا أن لغته المزرية وحواراته التي تتسم بالحدة أحيانا وتهوي للغة بديئة أحيانا أخرى ، بل يهوي للغة متدنية فيغدو بذلك حلبة صراع ، أضحى بعيدا عن مقصده ، لغة تفتقد للموضوعية أو الإنصاف في الطرح ، حوار الطرشان ، تكاد لا تفهم ما يقال كل واحد يريد أن يفرض رأيه على الآخر ، كل واحد مشحون بأفكار مسبقة عن خصمه ما إن تبدأ الحلقة حتى يبدأ مسلسل القدح والسب والشتم ..
يتحول النقاش للشخصنة وينهال السباب ، لغة تكرس تناحر الامة وتمزقها ، مادام لك حق يكفي أن تورده مع ما لديك من دلائل وشواهد وتطرحه على طاولة النقاش وطالما أنك صاحب حق فصاحب الحق لا يحتاج لخطاب حاد كي يقنع خصمه أو ضجيج أو إعلاء صوت ، قدم ما تؤمن به بعيدا عن لغة التجريح أو التطاول في قالب طيب وفي حوار رزين ، ضع ما بحوزتك أمام المشاهد فهو الحكم وهو الفيصل ، مهما نمق خصمك في الطرح فالناس تتابع المشاهد ولها وعي ، للاسف الحوارات غير جدية كل واحد يسعى لإقصاء الآخر ويسعى لفرض رأيه عليه ، أنت لك وجة نظرك والآخر له وجهة نظر تختلفات تتفقان ليس مشكلة فلكل قناعاته ينطلق منها، طرح كل واحد وجهات نظره وترك المشاهد يحكم ..
عندما ناظر إبراهيم عليه السلام النمرود لم تكن الغاية إقناعه بل إقناع الناس أن النمرود يدعي الربوبية وأنه يسفه عقول الناس لإستعبادهم وخدمة مشروعه ، قدم النبي عليه الصلاة والسلام كل حجج دامغة وكل حقائق وتوابث ، فافحم مزاعم الآخر وأظهر دجله أمام الناس ، هل أقنع النبي النمرود ؟! كلا ، لكن الهدف هو أقناع الناس وتبليغ الحق لمسامعهم وقد يقتنعوا بطرحه في لغة بعيدة من الذم والقدح ، طرح اتسم بالرزانة والهدوء وثقة بأن الحق بحوزته وفنده الخصم بما يملك من دلائل وحقائق وكثير من ألأنبياء نجحوا في مسعاهم لم يقتنع الخصم بهم لكن كان الهدف إقناع الناس ورفع الغشاوة عن أعينهم حتى يقفوا على جادة الحق ، أما الحوار الحاد والذي يهوي للشجار وتشحن النفوس غيظا عندها الكل يريد أن يثبت للآخر أنه على حق وأنه صادق وإن عجزوا هوت النفوس للصراع في منظر غير لائق يحز في النفس يكرس واقع ألأمة المتشرذم ، وتغيب الفائدة المرجوة من هكذا برنامج ..
إذا كنت مثلا في مزاد علني ولك ومنافسين كثر ممكن تجمل بضاعتك وتروج لها دون أن تنتقص أو تقلل من بضاعة الآخر كاسدة كانت أو رائجة ليكن همك منصب على الجمهور وتبلغ لغة الإقناع ، مهما نمق صاحب البضاعة الكاسدة بضاعته فلن يقنع الناس بها فالواقع سيضحده ، إذن ما على المرء إلا أن يعرض ما لديه من شواهد في جو يتسم بالعقلانية ويبلغ خطابه للناس ، للاسف أضحى البرنامج يروج لثقافة مقيتة ، لغة الصدام ، تمنينا لو كان غير مباشر حتى يتم غربلة المشاهد التي تؤسس لثقافة شاذة بعيدة عن قيمنا في الحوار البناء الذي يقرب وجهات النظر ويبحث عن نقاط التقاء ويجتهد ليجد لجروح الامة دواء ناجع ، مثل هكذا برامج حقيقة لا تبلغ المقصود ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق