عندما نتناول مسألة الإختلاف غالبا ما يتبادر لذهننا الإختلاف الذي هو من سنن الكون والذي يضفي عليه رونقا وجمالا متناسقا وتكاملا يبهج العين ويسعد الروح ، أما الخلاف فهو ينسف البناء من أساسه ولو اختلت قوانين الكون قيد أنملة لاندثر الكون ، هذا الاخير أبدعه الله عز وجل وجعل له نواميس تنظم سيره ويسير وفقها وإن اختلفت ففي اختلافها تكامل وابداع ، إذن الاختلاف غالبا ما يكون ايجابي ، كل منا يكمل نقص الآخر أما الخلاف فهو يفضي للتناحر ويضعف الأمة ويجعلها لقمة سائغة ينال منها عدوها ويزيد من تفتيتها ..
عندما دبّ داء الخلاف في جسد أمتنا نخرها من الداخل فخارت قوتها وبذلك نال منها عدوها ، وهذا حال كل الأمم التي تاهت في مهاوي الخلاف وسراديبه ، الخلاف يذهب بعز الأمة ويُمزق عراها ويضحى للكل سبيله ويتفرق الشمل ، رغم كل المقومات التي تجمعنا من قِبلة واحدة ونبي واحد ودين واحد ، لكن لم ننجح في إيجاد نقاط تقربنا فزادت الهوة اتساعا وتأججت الصراعات وتناسينا عدونا الحقيقي الذي يتربص بالكل .
الإختلاف الممدوح والذي فيه رحمة هو الذي ينبع من شتى سبل متنوعة لكن مصبه واحد : خدمة مصالح أمتنا وحفظها أما الخلاف يُحدث في الأمة الشرخ والشقوق وبذلك يخلق منافذ وثغرات ينفذ منها المتربصين بها فينخرها من الداخل فيتهاوى البنيان ، خلقنا الله مختلفين لا لنتصادم بل لنتكامل ، تحت مظلة الاختلاف والتنوع كل يدلي برأيه وإن تباينت الآراء ، لنا هدف واحد يوحدنا : نهضة الأمة والعمل على عودة عزها وسؤددها ومجدها ، أما الخلاف غالبا ما يهوي للغة التناحر والتنافر ..
الخلاف يضعف الأمة ويخلق الأحقاد والضغائن ولا يوحد الأهداف بل يشتتها وتغدو كل فئة ولها هدف فتتصارع لتثبته ، وعندها يحل بأمتنا البوار والخسران ، أما الإختلاف يفضي دوما للتكامل كل منا يبدع في مجال ما ، لبلوغ القمة ، نخلق حوارا جادا هادفا وإن تشكلت الآراء ، فكلها تفضي لهدف واحد الرقي بأمتنا ، نخلق بذلك أرضية خصبة فتثمر الجهود في سد الثغرات والبحث عن الخلل الذي يعتري أمتنا ومن تم نبلغ الدواء الناجع ، وإن تباينت الطرق الموصلة للهدف ، خط الإنطلاقة واحد وإن تشعبت المسالك التي اختارها كل منا لبلوغ الهدف المنشود ، كما أن خط الوصول واحد : عزة أمتنا ..
أما الخلاف الحاد مدعاة لتشرذم الامة وخلق اعداء والإنشغال بهم ومن تم اضعاف الجهود الرامية للنهوض بأمتنا ، الإختلاف في الآراء وطرحها في قالب طيب وفي حوار هادف لا ضير فيه ،لانه غالبا ما نصل لمبتغانا ، خاصة إذا كان الهدف واحد خدمة مصالح أمتنا ، الإصغاء للرأي المخالف يفضي دوما لتطوير أفكارك وعدم جمودها ، لا تصنف آراءك دوما على أنها صحيحة وآراء أخيك على أنها دوما خاطئة ، ابني حوارك مع أخيك على هذه القاعدة : قد يكون رأيي صواب وقد يحتمل الخطأ وقد يكون رأيك خطأ وقد يحتمل الصواب ، وعند معارضة أفكار أخيك لا تشخصن الموضوع وتسفه آراءه وتكيل له التهم جزافا ، فقط لأنك خالفته ، ناقش الأفكار ، الحكمة ضالة المؤمن لا يهمه من قالها المهم الإستفادة منها وتوظيفها في طريق الخير ..
ما أروع البناء السامق الشاهق ، الذي ساهمت في بناءه عدة أيدي رغم تنوعها ، خاصة إذا كل منا أبدى رأيه فيه كيف سيكون شكل البناء وطريقة تشكيله فنحن لم نختلف على البناء من أصله بل فقط تنوعت الآراء على طريقة تزيينه والابداع فيه حتى يغدو بناءا طيبا وإن اختلفنا فهذا جيد وتنوع الآراء سيفضي لبناء متنوع قوي متماسك فالكل ساهم بآراءه السديدة في بناءه ، لكن لو اختلفنا على البناء أصلا هذا يريده هنا والآخر نسفه وشكله على مقاسه هو ، دون أن يصغي لآراء أخيه ولم يراعي مشورته والثالث لا يريده في هذا المكان أصلا ، فاحتدم الخلاف فنشب الشقاق وضاع الجهد ..
وحين الكل يرى في رأيه أنه صائب ولا يصغي لأرشادات أخيه ونصائحه ،فلن يتشيد البناء من أصله ..
وإن اختلفنا والكل جاء بحجج وأدلة يفند بها آراءه مثلا يريد أن يكون البناء وبهذا الشكل وفي هذا المكان ، حتى يتجنب الزلازل أو يكون قويا لا تهزه ريح أو تكون أساساته على هذا الشكل ليكون متينا فهذا لا ضير فيه ، هذا ممدوح لأنه يزيد من جمال البناء ويقوي دعائمه فيبدو متماسكا وجميلا ، أما الخلاف المذموم غالب ما ينسف البناء من أصله ويذهب بالجهود أدراج الرياح ..
جميل و روعة و مفيد بارك الله فيكم
ردحذف