لم يركز القرآن على الأسباب التي أوغرت قلب قابيل على أخيه هابيل وجعلته يضمر الشر لأخيه ، مهما صغر حجمها أو كبر بل ركز على ما تلاها من أحداث ، فهي صميم الموضوع وهي الحقيقة التي شكلت لنا نموذجين من البشر ، النموذج الأول من استطاع أن يكبح جماح نفسه ويضع حدا لنوازع الشيطان ويبقي على صفاء روحه ، والثاني من سيطرت عليه نوازع الشرفي نفسه وغلبت عليه ألأنانية وقادته للخسران المبين ..
أحتدم الخلاف بين الأخوين فشكيا أمرهما لأبيهما ليحل المعضلة التي ألمت بهما ، فرفع أمرهما إلى لله عز وجل ليأتي الحسم في أمرهما وليكون هذا مدخلا لرضى نفسيهما ، والحسم أن يقدم كل واحد منهما قربانا ومن تُقبل قربانه فهو على الحق المبين ، قدم هابيل أجود ما لديه من الغنم وقد كان راعيا في حين قدم قابيل أسوء حفنة من زرع وقد كان مزارعا ، تقبل الله من صاحب القلب الطيب من الذي علم أن القربان ما هو إلا انعكاس للنفس الطيبة ولم يتقبل من قابيل ، بدل الأوبة والتصحيح ووقفة مع النفس ، اشتط قابيل غضبا واستحكمت في نفسه نوازع الشر ، رفض حكم الله ولم يتقبله ولم يرض به ، يريد أن يستأثر بالامر حتى ولو لم يكن له حق فيه ..
وجد الشيطان في نفسه ثغرة فنفذ منها ، فسولت له نفسه قتل أخيه ، كان هابيل مثال للأخ الصالح الطيب حفظ ود أخيه ولم يهم بقتله رغم أنه أدرك مسعى أخيه ، راعى لصلة الرحم وأبقى على أواصر القرابة ولم تمتد يده لأخيه بسوء ، بل قال له : ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين )
لن اقطع أواصر الاخوة ولن أُلحق بك الأذى ، لم تؤثر النصيحة في قلب أخاه ولم تجد الكلمات في قلبه أي صدى فيراجع نفسه ويبعدها عن أي حقد دفين ، وظل يردد لماذا يتقبل الله منك ولم يتقبل مني ؟! رغم أن الجواب لا يحتاج لبديهية أو إثبات ، الحقيقة جلية واضحة سلفا ، فكل واحد قدم ما عبر به عن مكنون نفسه ..
لم يكن هابيل أقل قوة من أخيه لكن رفض أن يلوث يداه بدم أخيه ولم يكن خائفا منه لكن راعى لرابط الأخوة فهو من دمه ولحمه وهو سنده كيف يقتله ويفصم عرى الأخوة ؟!
رانت غشاوة الحقد على قلب قابيل فحاد عن جادة الصواب ، فقتل أخاه ، عندما تستحكم آفة الحسد والغل والحقد على النفس ، تخلق بذلك جدارا سميكا وغشاوة تعمي البصر ، وسدا وحائلا دون بلوغ الحق والإهتداء له ، يغيب العقل فتهوي النفس لمستنقع آسن ، قتل قابيل أخاه وتلطخت يديه بدماء أخيه البريئة ، قصة قابيل وأخاه هابيل مرت علينا في القرآن ودوما نقرءها ونقف عندها وتكررت في الواقع وستتكرروإن بأسماء مختلفة ، نموذجين مختلفين ، تجسد النموذج الأول في أخلاق عالية لهابيل ، رمز التضحية ، صاحب السمت العالي ، رمز التعالي عن الأحقاد ، نموذج طيب للإمتثال لأوامر الله وقبول بحكمه ، حب للخير يتسامى بأخلاقه لا تمتد يده بسوء لأخيه ، صافي النفس مستمسك بزمام نفسه عند الغضب ، قوي الشكيمة ، صان الأخوة ولم يفرط فيها ، نقي الروح ، سليم السريرة ..
النموذج الثاني تجسد في فعل قابيل ، رفض حكم الله وتمرد عليه ، تستحكم في نفسه نوازع الشر والإستغلال والأنانية والحسد والحقد ، تهاوت أخلاقه للحضيض وسيطر عليه الغضب ، فأعمى بصره وبصيرته ومزق عرى الأخوة وعاند وكابر ، وأغلق أذنيه عن سماع صدى أخيه ونصائحه
رغم أنهما من أب واحد وأم واحدة رضعا من نفس اللبن وتربيا في نفس الحضن ورفلا في نفس البيئة إلا أن الحادثة نفضت الغبار عن معدنيهما فأظهر الخير البار الذي حفظ رباط الأخوة ومن هوت أخلاقه لمستنقع آسن ، أغضب ربه ورفض حكمه وقتل أخاه وأغاض قلب والدين وأوغر صدريهما عليه ..
موضوع قيم وجميل
ردحذفوله ابعاده
تحياتي اخت ام كوثر
موضوع قيم وجميل
ردحذفوله ابعاده
تحياتي اخت ام كوثر
جزكم الله خيرا على المرور الكريم
ردحذفمقارعة الحق للباطل ماضية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
من الصعب أن تحضى بأخوة تحمل نفس الهدف وتتطلع لنفس الغاية ، تتكامل الجهود لبناء صرح عالي لكن من السهل أن تقطع عراها وتفصم رباطها ، بكلمات تنال من أخيك وتجرحه ، جراحات السنان لها التئام ، لكن لا يلتئم ما جرح اللسان ..