ثقافة الثورة ..
مقولة تتردد دوما : العدل أساس الحكم ، ففي ظلال العدل تصفو النفوس وتجود بالعطاء وترقى تطلعاتها ، لأنها لا تحس أن أحدا سيهضم حقها حقها مكفول ، عندها تتكامل كل الجهود وتفضي لنهضة الوطن ، وعندما يبسط العدل رداءه وينعكس مردوده على كل فئات المجتمع فتنعم في كنفه ، الكل يتقن عمله في أي حقل كان ، لكن حين يحل الظلم والجور ويكتم الإستبداد على الأنفاس جيل بعد جيل تتوقف عجلة التطور ويتوقف العطاء ، وتكبل الحركة ، لأن استبداد يساوي بين الصالح والطالح فتفتر الهمم ، وتختل الموازين وينتشر الفقر والجور وتغدو الحياة رتيبة لا طعم لها ، وتنطفئ جذوة العطاء ، وتخلد الأمة لسبات عميق يعطل الطاقات ، وتستسلم لواقع مرير .
وحين تكسر الشعوب جدار الخوف ينبعث الأمل من جديد فتنطلق من عقالها تبغي الإنصاف وتنشد الحرية والعدل ، وتتطلع لعالم عادل لا يحابي أحدا ، يلبي طموحها ويغير من حالها ويعيد لها نبض الحياة ، وحين يبلغ الوعي حسها تنتفض ، مهما كانت التضحيات الجسام مادامت حددت هدفها ، إلا أن من المهم أن تعي الشعوب أن الثورة هي أيضا لها ثقافة ، حتى تقف على حجم العراقيل لترسم لثورتها مسارا يقودها نحو التحرر ، الثورة المصرية والتونسية كان الجيش بعيدا عن مسرح الأحداث له دور منوط به لم يتخندق مع أحد وبقي يحمي الكل ، لكن في سوريا تغير المشهد ، ففي الوقت الذي نلمس تجاوبا بين الجيش والشعب في بلدان أخرى ، في سوريا الامر يختلف ، لذلك أخذت منحى آخر فقد حولها المستبد لمسلحة بعدما كانت سلمية رفعت فيها الآيادي الزهور وخطت أنامل الاطفال عبارات الحرية على الجدران ..
الثورة قد تكون عفوية وقد تثمر بعد جهد وقد تمر بخطوات ومشوار طويل لحتى تنضج وتينع ثمارها ، تخطيط مسبق والعمل على نشر ثقافة الثورة بين كل مكونات المجتمع حتى حين تكون النفوس مهيأة وتبلغ ساعة الإنطلاقة عندها تعلن انطلاقتها ، بل تمتد خطواتهم لما بعد الثورة ، ومن تم تشكيل قيادة تقود الثورة وتقسم الأدوار ، منسجمة مع الكل حتى تتفادى الإصطدام ، فالإستبداد له أوجه وما يُنجح الثورة هنا قد يفشلها في بقعة أخرى لذلك مطلوب دراسة لكل خطوة قبل الأقدام عليها ، الثوار وطّنوا أنفسهم لكل خطب ، لكن عند التخطيط تتفادى كثير عراقيل وتتضح الرؤيا وتحدد الهدف ..
الإستبداد أطلق جذوره ، ليس من السهل أن تقتلعه إلا إذا نشرت ثقافة الثورة ، وتعمل لتكون الأجواء قابلة للإنطلاقة ، ولا تقف أمامها أية حواجز بل قد تكون لك خطة لأقتلاع الإستبداد من الجذور ، حتى تنتفي ما يسمى بالدولة العميقة ، لأنك حين تسعى لأمر دون دراسة أو لم ترسم له الهدف قد تقف أمامك منغصات عدة وقد يشكل الآخر ثورة مضادة لأفشال ما تحقق ، أو يربك حساباتك ، قد ينتعش الفساد من جديد حين يجد تربة لم تُستخلص بعد من بقاياه ، ولم تبلغها ثقافة الثورة ..
الثورة تحتاج لقيادة ترشدها وتعمل لحمايتها من أي فشل أو تشويه وتحتاج لتخطيط للمستقبل ، لأن العمل الغير المدروس يؤثر على السير وما إن ينزاح الإستبداد حتى تبرز الخلافات ، ويخلق الآخر جو عدم الإستقرار ويزعزع الامن فالقيادة تحرص على توحيد الهدف ونقاء الثورة ، وخلق جو تقارب بين كل مكونات المجتمع ، وتبنى جسور حوار لتحمي ثورتها من أي انزلاقات تهوي بالجهود ، والمهم أن يبقى الوعي متنامي ولا يخلد البعض لسبات يقتل الهمة ويجمد الفكر ، وتنشر ثقافة الثورة حتى تنضج ألأفكار ليكون المردود نافعا وتكون النفوس قد تشربت معانيها ووفرت لها كل جهد لنجاحها ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق