قال تعالى على لسان السيدة مريم : (( يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيا منسيا )) ، تعبيرات موجعة تعكس حجم القهر والضيم الذي انتاب السيدة مريم وقتها ، بل حجم المعاناة وما ستتعرض له من آلام وما ستكابده من شدائد ومحن ، عبارات شديدة نطقت بها السيدة مريم تعبر عن ما يختلج صدرها من هواجس وما كانت تنتظر من أهوال يشيب لها الولدان ، وما ستصادفه من آهات وهي الوحيدة المجردة من كل قوة إلا من قوة الله جل وعلا ، لا معين لها ولا سند ولا من سيخفف عنها ما ستلاقيه في طريقها ، عبارات تنم عن حزن عميق تملكها..

فهي العفيفة الطاهرة ، سليلة بيت صالح ، عرف بالطيبة والطهارة والشرف ، هي الأبية التي نذرت وقتها وجهدها للتبتل والعبادة والطاعة واليوم نظيرتها المقدسية تتعرض لكل أصناف التنكيل في ظل احتلال بغيض ، إن كانت السيدة مريم البارحة تعرضت لكم من السخرية والتهكم ولفقت لها التهم جزافا وصبرت في وجه الباطل ، فاليوم مريم المقدسية تعاني الأمرين وتستمد من سيرتها العطرة ملاحم الصبر والصمود ، إن عبرت عن حبها لمقدساتها في مواقع التواصل الإجتماعي ، اعتقلها الإحتلال ونكل بها ولفق لها تهمة "التحريض" وإن دافعت على حياض مسجدها نكل بها وحاول اذلالها وامعن في التنكيل بها..

فلا تترك مريم المقدسية تواجه صلف الإحتلال بمفردها ، ادعم صبرها ، عزز صمودها ، ارفع معنوياتها ، شد من أزرها ، خفف من آلامها ، ادعم حقها في أرضها ومقدساتها ، هي المقدسية الباسلة ، تدرك بوعيها أن المعركة ضد الإحتلال يشارك فيها الجميع ، الرجل والمرأة على السواء ، هي من تتصدى لغطرسة الإحتلال بكل جسارة ، توصل رسالتها للعالم أجمع وتكشف جرائم الإحتلال بحقها وبحق مقدساتها ، هي من تدافع عن جزء من عقيدتك يا مسلم ، لترفع عنه الذل والهوان تنتصر له ، فهو اليوم يتعرض لأبشع تنكيل ، حملة شرسة تستهدف طهارته وعفته وقدسيته ، يعربد في باحاته قطعان المستوطنين ويدنسون ويعصفون بجلاله وقدره ومنزلته ..

يمنعها الإحتلال من الصلاة في مسجدها وهي لا تبتعد عنه إلا خطوات وإن أصرت على حقها فيه ابعدها عن مهجة قلبها وحرمها منه تعسفا وجورا ، لا تدع مريم المقدسية تعاني صلف الإحتلال وحدها ، عرّف بقضيتها انتصر لحقها ..
وفي خضم المعاناة وفي احلك الظروف ، جاء المدد والسند والثبات للسيدة مريم عبر كلمات وليدها ، فتبددت هواجسها واراحت قلبها وعمت الطمأنينة والسكينة فؤادها ، ومهما سخروا منها ولفقوا لها التهم لم تبالي ، فالحق الذي صدح به وليدها عزز قوتها وضمد جراحها واسكن أوجاعها ..

ومريم المقدسية اليوم تستمد قوتها من الله عز وجل ، ثم من عدالة القضية ومن مساندتك لها ، لا تلتف لإفتراءاتهم ، صبرها وصمودها يفند رواياته الإحتلال المشروخة ، سخرت جهدها ونذرت وقتها للدفاع عن مسرى الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ، ثاني المسجدين والقبلة الأولى ، بصمودها تفوت على الإحتلال مكره ، دعمك لها تخفيف لما أثقل كاهلها ، اسند نضالها وشاركها الأجر والرباط ، هي من أخلصت في حبّ الأقصى المبارك ، وصانت الأمانة ولم تفرط فيها وذادت عن حياضه ، وورثت حبّ الأقصى لفلذات أكبادها ، فكانوا فرسان الميدان ، جابهت الظلم والجور والقهر والضيم بالصبر والثبات ، هي عنوان العزة والكرامة على أرض الرباط ..

نظيرات مريم اليوم ضربن المثل الأرقى في الصبر والصمود ومنها يستقين أبلغ الدروس في الإباء والشموخ ، هي واحدة في رمزيتها ودلالتها ومنزلتها ورفعتها وإن تعددت فصول معاناتهن وتشكلت قصص آلامهن ، هي من تحمي حقك في مقدساتك ، لم تشغلها سفاسف الأمور عن جوهرها كما عادة البعض ، فلا تبخل عليها بدعمك ، ولا تتركها فريسة للإحتلال يستفرد بها ..