السبت، 30 مارس 2019

مليونية الأرض والعودة ..




عام من الصمود والثبات، عام من الجسارة والإقدام، عام من الإصرار والتصميم، عام من الصبر والتحدي، عام من البذل والعطاء والتضحيات، عام من الشموخ والعزة والإباء، عام من الملاحم والبطولات، عام من الشجاعة والبسالة تكلل بمليونية الأرض والعودة، ولا زال في جعبة هذا الشعب الأبيّ العديد من المفاجآت التي تثلج الصدور وتبهج الروح، شباب ثائر ابهر العالم بصموده، لم تفتر همته ولم تلن عزائمه ولم يثنِهم بطش الاحتلال وصلفه عن مواصلة المشوار، ولم يلتفت لأبواق الصهاينة التي تسعى لتحوير البوصلة ولم تعر اهتماما لأبواق التخذيل والتثبيط ..

وزادتها دماء الشهداء الأبرار اصرارا وتصميما في طلب الحقوق، فكانت وقودا أجج همم الشباب الثائر واشعل حماستهم وحلّ التألق والإبتكار والإبداع والتوهج وكان الوفاء والإخلاص للدماء الطاهرة وتثمين تضحياتهم الجسيمة في أرقى صوره، وبمواصلة المسير والسير على دربهم، درب التضحية والفداء ونصرة للحق والتمسك بالثوابت، مسيرة خالدة، مظفرة وحدت الصفوف على كل الأصعدة، فجسدت اللحمة في أبهى صورها، عجز الاحتلال عن فصم عراها، مليونية ذكرت العالم بالحصار الجائر الذي لم ينل من عزيمة الشعب المعطاء وفاقمت المعاناة عقوبات جائرة شاركت المحتل حيفه، ورغم مرارة الحصار ظل الشعب الأبيّ وفيا لمقاومته، ملتفا حولها، يحتضنها فهي ذرعه الحصين ..

مليونية اظهر فيها الشعب للعالم تشبته بثوابته وحقوقه والسعي لاستعادتها وبذل في سبيل استردادها الغالي والنفيس، حقوق تأبى النسيان، بصبره وصموده بإذن الله سيكسر الحصار فما ضاع حق وراءه مطالب، في كل جمعة يجدد الشعب البطل العهد للأرض التي عشقها والتي ترنو العيون لرؤيتها وتهفو القلوب للقياها، فيها ترفع الشعارات وتحيى الذكريات وتترسخ الهوية ويتجلى الثرات في أجمل حلة، والكل يصب في حفظ وصون الحق الفلسطيني، وفي عامها الثاني تنير المسيرة شمعة الأمل في النفوس التي لم يفت في عضدها الحصار رغم مرارته ولم تثنِها الشدائد والمحن، لا مكان لليأس في قاموسهم، ابداعاتهم المتجددة وابتكاراتهم وتطويرها تعكس نفسهم الطويل وهمتهم العالية، همة تناطح السحاب، مسيرة بعثت الروح في جسد القضية الذي كاد أن يطويها النسيان واعادتها للواجهة، وذكرت العالم بمعاناة شعب يئن تحت نير الاحتلال لأكثر من سبعة عقود وبحصار جائر، حقوق مسلوبة وأرض مغتصبة ومقدسات أمة يتم تدنيسها، مسيرة ذكرت الأمتين بواجبهما نحو القضية الجوهرية وواجبهما نحو القبلة الأولى وثاني المسجدين ومسرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ..

شعب أبيّ رغم ما يعانيه من مرارة الحصار تجده في المقدمة يواسي أمته ويهتم بقضاياها ويتفاعل معها، لم تنسِه همومه معاناة إخوته، شعب انتفض مطالبا بحقوقه، مستميتا عليها، مليونية تفاعل معها الفلسطيني أينما حل أو ارتحل حاملا همّ وطنه وآلامه وأوجاعه، يتوق للعودة لأرضه وبيارته وقراه ومسجده، يتطلع ليوم تُفك فيه أغلال الاحتلال، مليونية تفاعل معها كل غيور وكل مؤمن بالقضية العادلة وكل احرار العالم، يوم مشهود أعلن فيه الشعب بقوة مواصلة المسير حتى تحقيق كل الأهداف، المشاركة المكثفة والفاعلة والحضور القوي رسالة للعالم أجمع، أن هذا شعب لن يلين ولن يستسلم ولن يرفع الراية البيضاء ومتشبت بحقوقه وملتف حول مقاومته الباسلة ..

الأحد، 17 مارس 2019

اكتبي عن حبّ الوطن !!


 اختطفوا الأم من بين فلذات أكبادها بكل صلف وجور وروعوا الآمنين في كل أرجاء البيت ليزرعوا فيه الخوف  ، لا يستندون لقانون إلا لقانون الغاب ، وحرموا طفلتها من حضن أمها وحنانها وعطفها ومن دفء العائلة وقالوا لها في المدرسة اكتبي عن حب الوطن !!
 تناسوا أن حب الوطن هو جريرة أمها ، في ظل استبداد صادر ارادتها وعصف بصوتها ، فعن أي وطن ستكتب عنه ؟! ذاك الذي كمم الافواه ، وقد غدا فيه التعبير عن الرأي جريمة يحاسب عليها وينزل بحق صاحبها أقسى العقوبات وغدا فيه الدفاع عن المظلومين مستهجن ومتابع صاحبه ، أم ذاك الذي تُعتقل فيه الحرائر ويُنكل بهن في غياهب السجون وتداس فيه الكرامة في أقبية التحقيق وتُهدر فيه الآدمية ، وتشتت في شمل العوائل وهُضمت فيه الحقوق وسرق الإستبداد البسمة من شفاه البراءة ..

وطن لم تجد فيه حريتك ، كل كلمة فيه مرصودة ، والإنفاس فيه محسوبة ، وطن تحول بأفعال الشنيعة للإستبداد لسجن كبير كئيب ، الداخل فيه مفقود والخارج منه مولود ، وطن صودرت فيه إرادتك وخيم عليه الخوف وغاب فيه العدل وتفشى فيه الظلم وطفا فيه القهر وطن يتربص فيه شبح الموت بالشباب ليفتك بهم فيضيع مستقبل الوطن ، ويجع بمحاكمات صورية واعترافات تُنتزع تحت التعذيب واعمار لشباب في عمر الزهور تُهدر خلف القضبان ، احرار خلف الأسوار تفانوا في حب وطنهم ، وعبروا عن حبهم للوطن برفضهم للإذعان لأملاءات الإستبداد وناهضوه ولم يستكينوا لإرادته ، وجادوا بروحهم حبا في وطنهم ، وطن مثقل بالجراح ومثخت بالأوجاع والهموم والآهات ، وطن شرفاؤه خلف الأسوار تلهتم سنيّ عمره الزنازن الموحشة وشعب هدّه الفقر والعوز والحاجة ، وطن بات في ذيل القافلة على كل الأصعدة..

أم هل تكتب عن وطن ثار الشعب فيه على الظلم ، الذي عانى من وطأته لعقود وفساد استشرى أوعز البلد فيه للتخلف والأمية والفقروالتقهقر ، كان كل أمله أن يرى وطنا يسود فيه العدل وينعم في أفيائه بالحرية والكرامة والعدالة ، ويسعد بطاقاته وثرواته ومقدراته ، فكاد له الإستبداد بمكر، فكان مصيره السحل والقتل والحرق والإعدامات بدم بارد في الميادين والساحات والنفي والإعتقال ، وهل تكتب عن وطن مزق الإستبداد نسيجه وفرق فيه الشمل ودق أسفين الفرقة في جسده ، أم هل تطلق لخيالها العنان فتكتب عن وطن رسمت ملامحه في مخيلتها ، وطن تنشده لتسعد في كنفه ، وطن يحتضن عطاء شعبه ويعلي قدره ويستثمر طاقاته ليشيد بها صرحه ، ويبنى بها مجده ويولي اهتماما لعطائه وانجازاته وينمي مواهبه ويستفيد من ابداعاته فيتميز به ، وطن يسوده الأمن والأماه في ارجائه وطن يحقق نهضته ويقود الأمة نحو الريادة .

وطن تطهر من رجس الفساد والمفسدين ، وعادت له عافيته وطن عاد لمجده ومكانته وريادته ، إلا أن الإستبداد أفشل جهده واجهض حلمه ووأد أمله ونسف ثورته وحول أحلامه لكوابيس تؤرقه ، أم هل تكتب عن عقول هاجرت وطنا لم يهيئ لها التربية الخصبة لتتميز وتطور من ابداعاتها ولم تجد من يقدر مواهبها ، في المقابل وجد غربا يفتح له الأبواب على مصراعيها ليستفيد منه ويوظف عطاءه خدمة لمصالحه ، وبعد هجرة العقول هاجرت الأجساد الذي انهكها الفقر والجوع والعوز ، أو غادرته خوفا من تلفيق التهم واستصدار الأحكام الجائرة ، فأذرع الأنقلاب جاهزة لكل حيف وجور بحق كل المنهاضيه له ، أو مر بتجربة مريرة في سجون الإنقلاب ، فتركت في نفسه ندوبا لن تندمل ، فترك وطنا لم يجد فيه من ينصفه وفر من استبداد جار عليه..

قد يجد بعض السلوى في الغربة ، وإلا فكيف لمن أحب وطنه أن يهاجر منه إلا مكرها ، بحثا عن ملاذ يعبر فيه بحرية عن رأيه ، أوبحثا عن مجال فسيح يكشف فيه جرائم الإنقلاب بلا خوف أو وجل ويوصل صوت المكلومين للعالم ، ومن أحب الوطن يغادره بالجسد وتبقى الروح مكبلة فيه تئن لفراقه وتتوق لعودته ، من أحب وطنه يشق عليه فراقه ، حتى في الغربة يتطلع لوطنه ويرنو لفك أغلاله ، ويبحث له عن الدواء الناجع لأورامه حتى يتعافى منها ليعود إليه ويسعد في كنفه ، رحلة المنفى لا تعني نسيان الوطن ، فالمحب للوطن ، يحمل همه حتى في منفاه وتشغله أوجاع وطنه ..

هم يريدونها أن تكتب عن من يتدشق بحبه للوطن وهو يشرح فيه ويمزق أوصاله وقد باعه مقابل الحفاظ على امتيازاته وتأمين مصالحه ومصالح من يحمي كرسيه ، ويفرط في ثراه الغالي ويعصف بمصالحه العليا ، ويجعله لقمة سائغة لعدو يتربص به ، همه مصالحه لا غير ، ينظر للوطن على أنه كعكة مستعد للتفريط في سيادته حتى يجثم على كرسيه ويطيل أمده ، لأن من يحب الوطن يحميه ويذود عنه ويقويه ويبعد عنه الشر ومكر المترصبن به ويُفوت عنه مآرب وخطط أعداءه الحقيقيون ويصونه ، ويكرم شعبه ويعلي مقداره ويحافظ عليه ويثمن تضحيات المخلصين والشرفاء فيه ويكون شعبه هو رصيده ويسعى لتقدمه وازدهاره وليس من يقامر به ويساوم عليه ، ثم يدعي بهتانا وزورا محبته !!.. 

     

الجمعة، 8 مارس 2019

حبّ خلف القضبان ..




كل فتاة غالبا ما ترسم ملامح معينة لفارس أحلامها حسب وعيها وونضجها وطريقة تفكيرها وواقعها وبيئتها التي ترعرعت فيها (وعندما فُرط في تربيتها التربية الصالحة وتُركت نهبا لكل مستورد وللغثاء الذي تعج به الفضائيات والسموم التي تبثها، غدا فارس احلامها بعيدا كل البعد عن قيم ومبادئ واعراف وتقاليد درجت عليها الامهات ومن قبل الجدات أو لا تمت بصلة للقدوات الصالحة، صاحب الدين والخلق) وتنصب اهتماماتها على الكماليات وتنسج احلاما وردية عن حياة مرفهة وتتمنى أن تكون خطوبتها أحلى وأزهى من مثيلاتها من بنات الجيران والصديقات والقريبات، وتتباهى بزفافها وعريسها أمام قريناتها، إلا هي كانت مختلفة عنهن تماما، اصطفت من الرجال من عشق الأرض، أسد خلف القضبان، تفانى في حب فلسطين وضحى بزهرة شبابه فداءََ لها..

أحبت فيه جسارته وبطولته ونضاله وبسالته وابتسامة النصر التي قهرت سجانه، قرأت ما كُتب عنه وما كتبه هو عن نفسه، أدهشها نهجه المقاوم ووقفت على صفحات وضاءة من حياته الحافلة بالإنجاز والعطاء والمقاومة، انبهرت بمشواره الجهادي، وأسرتها ابتسامته التي واجه بها صلف الإحتلال، كيف لأسير يواجه أقسى الأحكام ومحاط بعشرات الجنود المدججين بالسلاح، يواجه كل هذا بثبات وصلابة وقوة، لم يهتز ولم يلن أمام غطرسة الاحتلال ولم ينهزم ولم يضعف وواجهه بكل كبرياء وأنفة وشهامة، هذا هو فارس أحلامها الذي كانت تنشد الارتباط به..

أدركت أن هذه الخطوة التي اقدمت عليها ليست بالسهلة أو الهينة ودونها مشاق ومصاعب وتحديات، لم تلتفت للأحاديث المثبطة للعزائم، وواجهت موجة الرفض التي حاصرتها بالثقة والإصرار والاستماتة على القرار والذي اتخذته بإمعان وروية وبعقلانية ، تحدت كل ما كان يحول دون تحقيق حلمها، علمت أن الخطوبة لن تكون عادية نظرا لخصوصية الأسير، فرفيق دربها خلف الأسوار وأهله يفصل بينهم وبينها حواجز وموانع، واحتلال بغيض مزق أوصال الوطن وأعد السجون لتكون مقابر للأحياء، في عتمتها تذبل أجسادهم الطاهرة ويكسرهم البعد والحنين والشوق لأحبتهم ويثقل كاهلهم سنيّ الإنتظار، إلا أن عزيمة الأسير وعدالة قضيته، تشحن روحه وتعلي همته وتقوي إرادته، فقد حول سجنه بصبره وصموده لساحة عطاء وعمل ونهل للمعرفة والتحصيل العلمي والدراسة وتأليف الكتب ونظم الشعر وتفتقت في المواهب والاعتكاف على حفظ كتاب الله، وبدد ظلمة السجن بيقين الفرج ..
أختارته لأنها أحبت أن تشاركه شرف الجهاد ووسام الكفاح ، وتضحي معه حبا لوطن ترنو لأن تراه محررا، لم تلتقِ به إلا عبر الصور وعبر الرسائل المفعمة بروح التحدي والمحبة والصبر والألفة، رسائل وطدت علاقتهما ووثقت أواصر المحبة بينهما، من خلالها تعرفت عليه أكثر، وقفت على طيبة قلبه وعلى عشقه للأرض وسمته العالي، أعادت لقلبه حيويته ونشاطه ورونقه وبهاءه وسكينته ، فهناك من تنتظر شوقا للقياه، ولتكمل معه مشوار الكفاح والنضال الذي بدأه، كلها يقين أن صبرها سيزهر وسيكلل بالنجاح وأن شمس الحرية ستشرق من جديد، وأن قلبيهما سيجتمعان تحت سقف واحد كما اجتمعت روحهما في رحاب من المحبة والصفاء والإخلاص، وكما وعدت المقاومة وأوفت بوعدها وكسرت القيود في صفقة مشرفة، بإذن الله سيتكرر الحدث وسيتنسم أسرى الحرية عبيرها، وستدخل الفرحة بيوت الأسرى، فرحة طالما انتظروها وغابت عنهم لعقود ويلتم شملهم بأحبتهم، وستتلاشى عذابات الانتظار، وسترتسم البهجة على محياهم هم وأحبابهم وسيصبح الحلم حقيقة وستتنفس الأرواح المنهكة الصعداء وسينكسر القيد وستنجلي ظلمة السجن بإذن الله..