الأحد، 6 سبتمبر 2020

مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على حياتنا



مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، من استثمرها في الخير أفاد واستفاد والعكس صحيح، هي مثل السكين في البيت يمكن أن تستعمله المرأة في المطبخ، ويستعمله الرجل لذبح أضحيته، ويمكن أن يستغله المجرم في قتل الابرياء وفي أفعال الشر، إذن ليس الضير فيه بل في من يستعمله في غير محله، أما من استعمله بطريقة سليمة حتما سيعود عليه بالفائدة والنفع والخير

وهي شبيهة بالتلفاز إلى حد ما، يمكن أن تتابع فيه الأخبار من محطات تتسم بنوع من المصداقية وتشاهد برامج مفيدة تنمي وعيك ومسلسلات تقويك وتزرع في نفسك الحماسة والشجاعة والإقدام وتحثك على البسالة وحبّ الاوطان وتطلعك على أمجاد الأمة وتزيل أغلال اليأس والإحباط التي كبلتك وتتطلع لغد أفضل ومشرق. في يدك جهاز تحكم حدد ما تشاء أن تراه وانتقِ الثمين من الغث واختر ما يعود عليك بالخير والفائدة، وفي نفس الوقت تبتعد عن المسلسلات المستوردة والبعيدة عن ديننا وقيمنا واخلاقنا واعرافنا وتقاليدنا، التي تدجن الوعي وتسطحه، إبر تخدير ليس إلا، وتبتعد عن البرامج غير المفيدة وعن سموم تبثها بعض المحطات التي تقلب الحقائق وتزور التاريخ. وهكذا هي مواقع التواصل الاجتماعي لها إيجابيات جمة، لكن لا تخلو من سلبيات كثيرة

من إيجابياتها التواصل مع الاهل والأحباب رغم بعد المسافات والاطلاع على ما هو جديد ومعرفة الأخبار. وهي أيضا مفيدة لأصحاب الاعمال، لأنها منصة مهمة للتعريف بمنتجاتهم والترويج لها وحتى تسويقه

ومن مزاياها أيضا التفاعل مع مواضيع إخوتك والمناقشات المثمرة والحوارات البناءة والاطلاع على صفحات تنمي المعرفة وترفع منسوب الوعي وتزيد من رصيدك الثقافي والمعرفي. تتعرف فيها على عادات وتقاليد وثقافات شعوب أخر
 

كما يمكن استثمارها لإنشاء صفحات للدفاع عن الحقوق المسلوبة وحماية المقدسات والتوعية بما يضمره الاحتلال لها من شر ومكر، والتعريف بالقضايا الهامة من خلال المحتوى الهادف وتفنيد الروايات المزيفة للصهاينة ومناهضة سياسة كي الوعي، ودحض أساطير الاحتلال. كما أنها منصة مهمة لتبليغ رسالتك لأكبر شريحة ممكنة

هي إذن سلاح ذو حدين، خذ منها ما يفيدك واطرح ما يضرك وما يعكر صفوك وما ينغص حياتك

ومن سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي الإدمان عليها واهدار الوقت في سفاسف الأمور، وهذا له تأثير سلبي على العطاء والتحصيل العلمي للشباب، الانكباب عليها والجلوس الطويل لتصفحها يجعلك بعيدا عن الجو الأسري المفعم بالحب الحقيقي والحنان والسعادة الحقيقية

من مساوئها أيضا، الابتعاد عن اللقاءات الأسرية والاجتماعية التي تمتن الروابط وتقوي الأواصر، والتقصير في زيارة الأحباب واجتماعات العائلة. الإدمان عليها يؤدي للاكتئاب خاصة عند المقارنة بينك وبين الآخرين، الناس
 عادة يظهرون كل جميل ويضعون صورا للمناسبات وينتقون الكلمات في الحديث، هذا يتغزل بزوجته أو العكس وذاك أو تلك تقارن حالها المزري بهذا التنميق في الكلمات ورص الجمل والمجاملات، هنا تضطرب المشاعر والمقارنة تزيد من معاناته أو معاناتها، مع أنه لا تخلو الحياة من خلافات وإن قلت فهي ملح الطعام، وما تراه ليس كل الحقيقة، و" من راقب الناس مات هما" كما يقول المثل

ومن حبائلها، الإسقاط في وحل العمالة من خلال الحسابات الوهمية واستغلال الحاجة من خلال الاستدراج، أو الابتزاز وقصص الحب الوهمية التي تنتهي بالصدمات والأمراض النفسية وقد تؤدي إلى الانتحار. وهناك نصابون يستغلون بعض السذج للتحايل والنصب عليهم، كما أن هنالك من يستغلها لبث الإشاعات وترويج الأكاذيب

الافراط في الدخول إلى مواقع التواصل يؤدي للتعلق بها وصعوبة الإقلاع عن إدمانها، لأنه يتوهم أنها تعوضه عن واقع مرير يرهقه ويحاول الفرار منه بدل مواجهة الصعاب وإيجاد الحلول لها، يفر من واقع أحزنه، ليتلقفه عالم افتراضي بكل مساوئه دون تمحيص أو غربلة، فيقع المحظور. وهناك مواقع تنشر الرذيلة وغالبا ما تؤدي للانحرافات السلوكية والأمراض النفسية والانغماس في المحرمات، يستغلون قلة وعي الشباب مع غياب الوازع الديني ورقابة الضمير وعدم استحضار خشية الله عز وجل، وكذلك غياب رقابة الأهل لمن هم في سن صغير، فيكونون فريسة سهلة لهذه المواقع الفتاكة والكثير والكثير من سلبياتها

وفي زماننا هذا، انتشر الذباب الاكتروني الذي لوث هذا الفضاء ببذاءته وقذارته، يشوه الحسن ويلفق التهم للأبرياء جزافا ويلمع وجه الاستبداد ويجمل القبيح ويزرع بذور الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة. له تأثير خطير على سلامة وأمن الامة وتماسك نسيجها المجتمعي، يفكك العرى ويدق إسفين الفرقة في الجسد الواحد ويوغر الصدور ويؤجج النعرات ويمزق الأوشاج وينسف القيم وينشر الاكاذيب والافتراءات

تعج بعض الحسابات فيها بالغثاء، فينهمك الفرد في الرد والعتاب ويلفه الحزن وتثار الاعصاب ويعلو الانزعاج، ويهدر أوقاته وينهشه المرض : "لماذا هذا لم يرد، ولماذا الآخر لم يعزِّ أو لم يبارك؟ لماذا الغير لم يبالِ أو يهتم ولماذا تجاهل..." وهكذا تُسرق أجمل الأوقات منا ويغيب دفء العائلة الذي كان يظللنا بمحبته وكان حصنا لنا من كل الأخطار المحدقة بنا

وكما أن هناك ألعابا تنمي ذكاء طفلك، هناك ألعاب أخرى تشجعه على العنف، علاوة على الكلام البذيء الذي يتلفظ به عندما تلحق به الهزيمة مع انه عالم افتراضي ومع ذلك يتأثر بشدة به. ألعاب تغذي العنصرية وتقتل الاحساس والشعور بالغير. تلذذ بالقتل حتى يغدو القتل عنده سهلا ويتجرأ عليه دون تأنيب للضمير، يموت الشعور عنده بألم ومعاناة الغير ويزرع في نفسه الشعور بالأنانية وتعلو نبرة التنمر، تهدر الاوقات وتضيع الصلوات ويستغني به عن الأكل الصحي والمتوازن وعن الرياضة وعن النزهة وزيارة الاهل، يصبح غريبا عن واقعه الحقيقي.

ومن سلبيات مواقع التواصل التفكك الاسري، يزين الشيطان لهم المعصية، يكون الرجل أو المرأة محرومين في واقعهما من الكلمة الطيبة أو المعاملة الحسنة، فيبحثان عنها في عالم وهمي، فتبدأ رحلة الابتزاز ويقع أو تقع في شراك الخيانة، ويتهاوى البنيان ويزيد الشرخ ويحل الانفصال ويتمزق شمل الاسرة وتحل الاحقاد والضغائن وتستفحل الخلافات، ومن لم يستيقظ من غفلته غاص في وحل الخيانة، هذا بدل البحث عن مواطن الخلل ومحاولة إصلاحها

فهذه المواقع نحتاج معها دوما لوفقة تأمل مع النفس، وسؤال يتجدد عند كل دخول إليها: "لماذا أنا هنا؟ وماذا أستفيد؟ وكم أحتاج من الوقت لإنجاز ما أريد؟"