الأربعاء، 28 أغسطس 2019

نساء خالدات / تتمة ..







الشهيدة دارين أبو عيشة :

الاستشهادية دارين محمد توفيق أبو عيشة ، عُرفت الشهيدة بهمتها العالية ونشاطها في الجامعة وتألقت في صفوف الكتلة الاسلامية ، كانت شعلة نشاط في جامعتها جامعة النجاح ، امتازت الشهيدة بدماثة خلقها والتزامها الديني العالي ، هي أيضا وجدت بعض العراقيل وصدودا لثنيها عن مطلبها في نيل وسام الشهادة ، وهذا زادها اصرارا وحماسا وتحفيزا واستماتة على مطلبها ، دفعها هذا لطرق كل الابواب لتنال ما تتمناه ، حتى يزين جبينها نور الشهادة وتتقلد وسام الفخار والعزة والشرف ..

كانت كثيرة الحديث عن الشهادة والشهداء وكانت تشارك في تشييع جثامين الشهداء في مواكب مهيبة ، وأكيد أنها ترى الحفاوة التي يلقاها الشهيد بين الجميع والمحبة التي يزرعها في قلوب محبيه ، والافتخار بادائه المتميز والاشادة بعملياته البطولية التي تثلج الصدور ونور الشهادة الذي يشع من جبينه الوضاء وكيف كسر شوكة الاحتلال ، فتزداد همة ويزداد شوقها للشهادة ..

قبل استشهادها كتبت وصية بليغة ، تنم عن وعيها العالي بحقيقة الصراع ودور المرأة الفعال في مجابهة الاحتلال مشاركة لاخيها الرجل نضاله ، عبرت فيها بصدق عن انتمائها للارض المعطاءة والذي يجود ابناؤها لاجلها بالغالي والنفيس ، الاحتلال كان ينظر للمرأة على انها الحلقة الاضعف ، ودورها يقتصر على وداع قوافل الشهداء ودرف الدموع على فراق الاحبة ، توهم الاحتلال أن باجرامه سيغتال الفرحة في قلبها ويتركها نهبا للآلام وحتى تنهشها المعاناة وتغدو عليلة وقد تؤثر على محيطها ، إلا أنها وكما خطت الشهيدة في وصيتها ستغدو قنبلة تبدد وهم الاحتلال وتوقظه من سباته ، هذه قضية عادلة والحماة عنها اوفياء ومخلصين لها ..

المرأة الفلسطينية والتي تنجب لفلسطين مصابيح النصر وتدخرهم ليوم الانتصار ، تمنح الحياة لفلسطين ولن يستطيع الاحتلال قهرها أوالنيل منها ، هي من تودع فلذان اكبادها بالزغاريد وتتوعد قاتليهم بالرد الموجع ، وتقول للمحتل إن رحل صلاح ، ففلسطين ارض ولادة وسيأتي آلاف خالد وصلاح ليهزمون كيانكم الغاصب ويدخلون الرعب في قلوبكم ، ادركت الشهيدة بوعيها أن دور المرأة ورسالتها لا تقل شانا عن دور أخيها الرجل ، فقررت أن تقتفي أثر الشهيدة وفاء ادريس ، سيرا على درب الشهادة فهو درب العزة والكرامة والشرف ، درب عبدته الشهيدة بدمائها الزكية الطاهرة ووصت اخواتها من النساء على السير على نفس الدرب..

شاهدت الشهيد بأم عينيها كيف اغتال الاحتلال البراءة بدم بارد ، فانتفضت غضبا وتوعدت الاحتلال بالقصاص ، الغضب الذي كان يضطرم في داخلها وكاد يحرقها ، لن ينطفي إلا بالنيل من الاحتلال واحالة وهمهم لاشلاء وتمزيق جبروته ، وعدت ووفت بوعدها واقسمت وبرت بقسمها ، تقدمت بكل عزيمة واقدام ورباطة جأش لاحد الحواجز التي طالما نكل فيه الاحتلال بشعبها ، لم تتردد ولم يساوره الخوف ولم تفكر بالتراجع ولم يثنيها أي شيئ عن تحقيق هدفها المنشود ، تسير بهدوء واطمئنان حتى نالت مبتغاها ومرغت انف الاحتلال في التراب ، شعب فلسطين يستميت في طلب حقه ، ولا يهدأ له بال حتى يأخذ حقه ممن اغتصبه ويقتص منه ، شعب لا تهزمه الخطوب ولا تنال من ارادته الشدائد ولا المحن ..


الشهيدة آيات الاخرس :

عُرفت الشهيدة بتفوقها الدراسي وقد كانت مجتهدة في دراستها ونتائجها عالية ومع أنها كانت على موعد مع الشهادة وقد خططت لعمليتها البطولية، إلا أنها لم تتوقف عن الدراسة وواصلت التحصيل العلمي وذهبت لتعوض ما فاتها ، فالدراسة كانت تتوقف جراء اجتياحات الاحتلال المتكررة، كانت مواظبة على حضور كل ما فاتها وكأنها رسالة لرفيقاتها تذكرهن أن العلم سلاح في مجابهة الاحتلال، وبالمعرفة تفوت على الاحتلال مآربه من نسيان القضية أو تمرير خزعبلاته واساطيره ووهمه ومناهضة كي الوعي ومحو النكسات من قاموسهن وتحقيقهن لمجد يسطر بمداد من فخر في صفحات التاريخ، وحتى تبقى القضية حاضرة وبقوة وتٌحشذ لها الطاقة والهمة حتى التحرير، بإذن الله ..

وفيما كانت تودع صديقاتها قالت لهن أنها تريد أن تنجز عملا ولم تفصح عن طبيعة العمل، عمليتها البطولية كانت الثالثة بعد عملية وفاء ادريس ودارين أبو عيشة، جاءت لتشفي صدور الثكالى والحزانى وتقتص من الاحتلال الذي اغتال بسمة البراءة وكتم انفاسها بآلة حقده، كتبت وصيتها التي وجهت من خلالها ثلاث رسائل، الرسالة الأولى وجهتها للحكام ونددت بتخاذلهم وتقاعسهم عن دعم القضية دعما حقيقيا يرفع عنها الظلم ويعيد الحق لأصحابه، والرسالة الثانية وجهتها للجيوش العربية والتي تتفرج دون ان تحرك ساكنا وقد لاذت بالصمت المريب وهي ترى الاحتلال يستفرد بالشعب الفلسطيني ويستبيح دماء بناته وابنائه (لو قدر للشهيدة أن عاشت ليومنا هذا لوقفت على تفسير صمت هؤلاء، ورأت كيف تنكل هذه الجيوش بالشعوب المكلومة ولعلمت لماذا بقيت فلسطين لأكثر من سبعة عقود تئن تحت وطأة الاحتلال وبقيت مقدساتنا تجتر الآلام وقد أثرت على معصميها القيود ولا كيف يدنس قطعان المستوطنين طهرها، جيوش خلدت للدعة والترف والسبات العميق وعندما استفاقوا نكلوا بالشعوب).

والرسالة الاخيرة وجهتها للاحتلال، فهذه الدماء الزكية التي تسيل على مذبح الحرية لن تذهب هدرا وهي من ستؤجج جذوة الانتفاضة وتبعث روح المقاومة في جسد الشعب كله، وبها سيتحررالقدس الشريف، بإذن الله، كان مقررا أن يقام زفافها بعد شهور قليلة، وبدل أن ترتدي فستان العرس، فضلت أن ترتدي ثوب الحرية والكرامة وأن تزف لجنان الخلد، وبدل أن تغمر قلبها الفرحة وهي تزف لبيت زوجها، كانت تفكر كيف تدخل السرور على قلوب الثكالى والمكلومين وتشفي الصدور وتضمد الجراح ..

كان من المفترض أن تعيش حياتها كأي فتاة في عمرها وتحلم بموعد العرس وترتيباته وتتباهى كالبعض بملابس العرس وتتنافس مع قريناتها في حفل العرس وتكاليفه وتنسج الاحلام الوردية عن حياتها المستقلبية رفقة زوجها، إلا أن الاحتلال يجهض الفرحة، كيف تفرح ومخيمها خيم عليه الحزن جراء ممارسات الاحتلال واجرامه وجراحه تنزف واوجاعه لم تلتئم بعد، كيف تفرح والاحتلال يئد الفرحة في القلوب ويغتال براءة الاطفال، كيف تفرح في ظل احتلال نغص على الجميع حياتهم، وكيف تنجب اطفالا في ظل احتلال يهدد حياتهم ووطن محتل ولا أمن ولا أمان لهم فيه، حتما الفرحة ستكون ناقصة ولن تكتمل إلا بدحر الاحتلال وبزواله ..

اعتزت العائلة بعمليتها البطولية واعتبرتها ردا طبيعيا على اجرام وارهاب الاحتلال وزفتها الجماهير في عرس الشهادة المهيب وقد عمت الفرحة كامل المخيم وعلت الزغاريد اشادة بعمليتها البطولية واقاموا لها زفة تليق بعروس فلسطين ..



الاستشهادية : عندليب طقطاقة :

الاحتلال عندما يعتقل المعيل أو يغتاله أبا كان أو أخا أو زوجا أو ابنا، كل الاعباء تحمل مسؤوليتها المرأة فيزداد حملها، إلا أن المرأة الفلسطينية كانت اهلا لهذا التحدي، حملت الامانة على عاتقها بكفاءة وجدارة، حافظت على تماسك الاسرة وقهرت التحديات بصبرها وصمودها وزرعت حبّ فلسطين في قلوب ابنائها، فتنافسوا على نيل وسام الشهادة ولم تركن للواقع المر الذي يحاول الاحتلال فرضه، بل تحدت كل المنغصات وتمسكت بحقوقها ولم تفرط في توابثها، وبذلك ساهمت في استمرار شعلة الانتفاضة واسندتها، ولم تكتفِ بهذه التضحيات التي قدمت، بل جادت بروحها في سبيل تحرير الوطن، ادركت بوعيها دورها الفعال في مقاومة الاحتلال وبذلك شاركت أخاها الرجل النضال ومجابهته لصلف الاحتلال.

ولأن المرأة هي أيضا مستهدفة من الاحتلال الذي ادرك دورها الحيوي والهام في استمرار جذوة الانتفاضة، نكل بها على الحواجز واعتقلها ونكل بها في مقابر الاحياء واغتالها بدم بارد، واستهدفها في زهراتها وسرق البسمة من الشفاه، فقد كانت الشهيدة الرضيعة ايمان حجو والتي اختطفتها آله الحقد الصهيوني من بين احضان أمها، شاهدة على ارهاب الاحتلال وبشاعته، هذه المشاهد القاسية أثرت في عندليب ووعدت أن تقتص من الاحتلال، هي مستهدفة في كل الاحوال، لذلك حملت هموم الوطن ونفذت عمليتها البطولية التي نزلت على الاحتلال كالصاعقة.

جاءت عملية الشهيدة عندليب ردا على جرائم الاحتلال بحق الابرياء في مخيم جنين وردا على استشهاد الرضيعة ايمان حجو، عندليب التي لم يكن يفصلها عن عيد ميلادها سوى ايام قليلة، إلا أنها آثرت أن تحتفل به في مكان آخر، حيث لا حواجز تمزق اوصال الوطن، ولا سحنة احتلال بغيض تؤرقها ولا رائحة دم ولا اوجاع ولا آلة حقد تحصد ارواح الابرياء ولا دموع الثكالى ولا قلوب تحترق الما ووجعا على فراق احبتها ولا احتلال يغتال بسمة البراءة. وبدل أن تطفئ شمعة عيد ميلادها، فضلت أن تطفئ نار غضبها على الاحتلال الذي يفتك بزهرات فلسطين وبدل أن تفرح بهدية رفيقاتها في عيد ميلادها، فضلت أن تكون روحها هدية لفلسطين، وعندما كانت تهم بعملياتها البطولية طلبت من امها أن تحضر نفسها لأن خبرا سعيدا في انتظارها، كانت تدرك أنها على موعد مع عرس الشهادة وقريبا ستزف اليه، هي الاستشهادية الخامسة ..

احلامها وطموحاتها وامنياتها كانت تختلف عن فتاة في مثل سنها، بل كان حلمها كبيرا، كانت تحلم بوطن محرر يفرح فيه الكل، وكانت تفكر كيف تذيق الاحتلال الويلات وكيف توقف شلال الدم النازف وتقتص من الجلاد، كان جسدها النحيل الذي تفجر رسالة للزعامات العربية ولكل من يرى المأساة ولا يحرك ساكنا، أنها قامت بما عجزت عنه الجيوش وزعاماتها، عمليتها البطولية كانت بمثابة رد على نكوص هؤلاء عن قول الحق وانصاف المظلوم والدفاع عن حقه وصمتهم المريب على جرائم الاحتلال، واليوم اتضحت الرؤية، فحتى بيانات الشجب والتنديد والذي أدمن عليها البعض غابت وتجلت الحقائق ووقف الكل على التفسير الحقيقي لتلك المواقف المخزية والنكوص عن نصرة فلسطين واهلها ومقدسات المسلمين ..

الشهيد هبة سعيد دراغمة :

جاءت عمليتها البطلوية لتقول للجميع أن مقاومة الاحتلال هو الخيار الانجع وهو من يهز اركان الاحتلال ويوجعه ، ولأن المقاومة لا يتفرد بها الرجل دون المرأة ومجابهة صلف الاحتلال لا يختص به وحده دونها ، فكما هما متساويان في حب الوطن ، أيضا متساويان في الدفاع عنه وحمايته ، فالمقاومة ليست حكرا على هذا دون تلك ، لذلك تقدمت بكل حماسة للمقاومة ولتلبية نداء الوطن ، ..

عُرفت الشهيد بنشاطها وهمتها وتفوقها واجتهادها ، كانت محبوبة من الجميع ، وامتازت بخلقها الطيب وبساطتها وشمائلها الرفيعة وكانت لها مكانة خاصة في قلوب رفيقاتها ، نشأت الشهيدة في بيت متدين ، يولى اهتماما كبيرا لكتاب الله ويسكن حنايا قلوبهم ، أسرة متواضعة ومتماسكة ومتحابة تلك التي ضمت الشهيدة هبة بين احضانها ، اتسمت بالتزامها الديني والخلقي ، وكانت تربطها علاقة متينة بكل أفراد الاسرة ، كانت تتألم لحال وطنها ويؤرقها  ومعاناة شعبها ، كانت تتطلع دوما لنيل ارقى وأعلى الشهادات ، شهادة يتسابق إليها الصالحون حتى نالتها وبجدارة واقتدار وهي الشهادة في سبيل الله   ..

كانت دوما تعِد اباهها بأنها ستهديه شهادة متميزة عن تلك التي احرزتها من قبل ، يومها لم يدرك ما كانت ترمي إليه   حتى بلغه نبأ استشهادها ففهم مقصدها ، تعرضت للتنكيل على احد الحواجز كما كل الحرائر في فلسطين ، مما زاد في حنقها على الاحتلال وتوعدته بالرد الذي يفهمه ، صبيحة يوم العملية اقتنت هبة اغراضا وملابس بغرض التمويه على الاحتلال وتصرفت بشكل عادي حتى لا تثير الشكوك حولها ..

وقبل أن تغادر البيت طلبت من والديها الدعاء لها بالنجاح والتوفيق  في الامتحان ، الامتحان الذي كانت ترجو النجاح فيه ، هو عمليتها البطولية التي كانت على موعد معها ، والتي ذهبت إليها بكل هدوء اعصاب وسكينة ورباطة جأش وجرأة واصرار ، وهذا ما اتسمت به الشهيدة وكانت عناية الله ورعايته تحفها وبالفعل استجاب الله دعاء والديها وتكللت العملية بالنجاح ، تزامنت عمليتها بذكرى الاليمة للنكبة ، وطبعا التزامن ليس اعثباطا بل له رمزية ، فهذا الجيل الذي توهم الاحتلال أنه نسي قضيته وسيتعايش مع المحتل الذي يحاول أن يلمع وجهه القميئ بعد أن  سرق الارض وبلغ تنكيله الحجر والشجر، وطال جوره كل شيئ ، وأن هذا الجيل لم يكابد معاناة النكبة ولم يعش فصولها الدامية وويلاتها ومآسيها ، خاب مسعاه ورأى بأم عينيه كيف يفدي شباب وفتيات في عمر الزهور موطنهم بالمهج والارواح ، فكيف ينسى النكبة وهو يعيش فصولها كل يوم ولا زالت النكبة مستمرة وبأشكال مختلفة ..

جاءت عمليتها البطولية لتقول للأحتلال لن تهنأ على ارضنا مادام فينا عرق ينبض ، ولتقول له أيضا أن هذا الجيل لازال وفيا لارضه ولم يسلم ولن يستسلم ولن يرفع الراية البيضاء ويسير على خطى الاجداد في مقارعة الاحتلال ، وأن فلسطين أرض تفيض عطاءََ ، ولم ينضب عطاؤها ولازال يتدفق وقوافل الشهداء هي من تصنع النصر ، ولتقول له أيضا أن هذا الشعب لازال متمسك بأرضه وبحقوقه ولن يفرط فيها ..

وكما وعدت والدها بأن تقدم له أجمل وأروع واعلى الشهادات وفّت بوعدها ، بعد استشهادها جلس الاب يتحدث عن كريمته بكل اجلالا واحترام واعتزاز وفخار وتقدير ، وثمن تضحياتها ووفائها لموطنها ، احتجز الاحتلال جثمانها الطاهر لتسع سنين وبعدها سلمه له ، لتسكن أخيرا أوجاع وآلام العائلة ،  سلام لروحك الطاهرة في الخالدين ..  

الخميس، 22 أغسطس 2019

نساء خالدات ..



نســــاء خــــالدات

المرأة الفلسطينية لا تحرس العرين وتربي الأشبال وتتعهدهم حتى يشتد عودهم ويغدوا فرسان الميادين، وتزرع في نفوسهم معاني العزة والأنفة والشموخ والكبرياء وتعدهم ليوم النزال فحسب، بل تخوض غمار التحدي والصمود وتجابه صلف الاحتلال بصلابة وقوة ورباطة جأش، وتجود بنفسها فداء لله ثم للوطن، وتسطر بدمائها الزكية الطاهرة أروع الملاحم، بطولاتها حُجة على المتقاعسين والمتخاذلين، من يبحثون عن الأعذار 
حتى لا يدعموا القضية وينصروها.




الاستشهادية: الحاجة فاطمة النجار، هي الحرة الأبية التي عايشت فصول النكبة وشاهدت ما كابده شعبها من محن اللجوء ومعاناة التشرد،

رفضت عيشة الذل والهوان وتطلعت لوطن محرر تسعد في كنفه ويرفل بين أفيائه أبناؤها وأحفادها، مع أن عمرها قارب على 70 سنة، إلا أنها امتازت بإرادة فولاذية وعزيمة قوية وهمة عالية يفتقر إليها غيرها، طلبت الشهادة بكل اصرار وتصميم ونالت ما تمنته، تقدمت للشهادة بروح جسور وبشجاعة قل نظيرها.

قمة في الوفاء والتضحية، بشهادتها تجلت صور التضحية والفداء والصمود والتحدى في أبهى وأرقى صورها، إذا كان هذا حال حرائر فلسطين، فكيف بحال الابطال الأشاوس من يذودون عن الحمى؟ 

شعب تجود حرائره بالغالي والنفيس وهمته عالية، لا بد أن يكون النصر 
بعون الله حليفه.






أم نضال : خنساء فلسطين:

سجل حافل بالنضال والصبر والوفاء والفداء، مصنع الرجال وعرين الابطال، دائمة الابتسامة في الشدة والرخاء، قدمت ثلاثة من أبنائها شهداء، عندما تودعهم توصيهم بأن يثخنوا في العدو، فإما نصر أو شهادة، منبع الحنان وعطاء لا ينضب، لم تستسلم ولم تيأس أمام صلف الاحتلال، في كل مرة تودع فيها فلذة كبده، شامخة دوما، عجز الاحتلال عن كسر إرادتها، مهما توالت عليها الخطوب من فقد الاحبة بين شهيد وأسير وهدم للبيت، تجلدت بالصبر.

كان بيتها عرينا للأسود، يأوي المجاهدين وكانت أما حنونة على الجميع، صبورة وصامدة رغم المحن. لم تفت في عضدها الشدائد. انجبت لفلسطين قناديل النصر ومصابيح النور ومشاعل الخير، تعلم أن الولد غال والوطن أغلى، ارضعت بنيها العزة والكرامة وفي حضنها الدافئ تنسموا عبير الحرية والشهامة ولوسام الشهادة اشرأبت اعناقهم وتطلعت نفوسهم، تودعهم بالزغاريد، تضمد الجراح بكلماتها الطيبة، وفي بيتها تتنسم عبق الشهادة






الشهيدة ريم الرياشي :

الأم الفلسطينية تختلف عن غيرها من الامهات إضافة لحبها الكبير لفلذات أكبادها وسعيها لإسعادهم، همتها عالية، فهي تتطلع لأن تهب لهم وطنا محررا يسعدون في كنفه وينعمون بالحرية في حضنه، تحب أن يكبر أبناؤها في وطن يفخر بأبطاله، جادت بأغلى ما منحها الله إياه لتصنع نصرا مؤزرا لأبنائها وشعبها وأمتها، الحت على طلب الشهادة ودللت كل الصعاب بإصرارها واستماتتها حتى نيلها .

شابة في مقتبل العمر لم تتجاوز الثانية والعشرين من عمرها، من اسرة غنية ولها زوج وأم لطفلين، مع ذلك لم تركن للاحتلال وقد نغص عليها حياتها وتاقت روحها للشهادة، نشأت نشأة صالحة وترعرعت في كنف اسرة اتسمت بالاخلاق الرفيعة وقد وجدت في المسجد مبتغاها. فيه نهلت القيم والمبادئ والمثل العليا وقد امتازت بالتدين والالتزام منذ صباها.

هو اصطفاء من الله لها لحمل لواء الجهاد والفداء والتضحية، إن اشترط غيرها من النساء عند الخطبة المال أو الجاه أو شيئا من لعاعة الدنيا، فهي اشترطت أن تنخرط في العمل الجهادي، بل وتجود بروحها فداءََ لله ثم الوطن، نساء من طراز رفيع، تطلعت للشهادة منذ صباها وهي في الصف الاعدادي، ولم تنجح محاولاتها ومع ذلك لم تفتر همتها وكررت المحاولة، ولم تكل ولم تمل واستماتت على مطلبها حتى تحقق مناها ونالت ما تتمناه، تقدمت للشهادة بكل سكينة وطمأنينة، رسالتها للاحتلال كانت بليغة، نساء فلسطين لا يلدن الاشبال فتتعهدها حتى تغدو فرسان الميدان وتحث على الصمود والثبات فقط بل تتطلع للشهادة ولا تثنيها الصعاب ولا المتاريس في بلوغ مبتغاها. ..






الفدائية دلال المغربي :

كل الناس لهم وطن يعيشون فيه وينعمون بخيراته ويسعدون تحت ظله، إلا الفلسطيني الذي هاجر موطنه قسرا، والذي شرده الاحتلال عن مهجة فؤاده، حب فلسطين تربع على عرش قلبه، فبذل له الغالي والنفيس وتفانى في الدفاع عنه، فدائية لم تتجاوز العشرين ربيعا، تنحدر من مدينة يافا، لجأت إلى لبنان ابان نكبة 1984، عُرفت دلال منذ صباها بجرأتها وحماسها الثوري والوطني، والتحقت بالحركة الفدائية الفلسطينية وهي على مقاعد الدراسة، ومع أن العملية البطولية التي نفذتها الفدائية دلال لها عقود من الزمن إلا أن وقعها كان ولازال وسيبقى شديدا على الاحتلال، لا زالت تؤرقهم وتقض مضجعهم، فقد اوعز نتنياهو لسفير بلاده لدى الامم المتحدة لتقديم شكوى ضد السلطة لاحتفائها بذكرى استشهادها ..

عملية نوعية هزت أركان الاحتلال حتى كلف فرقة خاصة للتعرض للحافلة ومن فيها من الثوار والتي كانت دلال في مقدمتهم وهي من كانت تقود العملية، العملية البطولية هشمت مقولة الكبار يموتون والصغار ينسون، الكبار لم يفرطوا والصغار لا ولن ينسوا، الصغار كبروا واصبحوا ثوارا، وبددت وهم أن الشتات والبعد عن الوطن سينسي الفلسطيني ارضه وقضيته وجرحه ولوعته وحبه لوطنه، إلا أن عملية دلال البطولية عبرت عن وجدان كل فلسطين في الشتات وما يكنه من حب ووجد وحنين وشوق لوطنه، من يحمل هم وطنه أينما حل أو ارتحل، ويسعى بكل جهده لفك قيوده وتحريره من براثن الاحتلال ومجابهته بقوة حتى دحره عنه، تركت دلال وصية بليغة تكتب بماء من ذهب وتحفظ عن ظهر قلب، دعت فيها لتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات وتوجيه البوصلة نحو وجهتها الصحيحة، نحو محتل غاشم، وحثت على استقلالية القرار والذي تحميه بنادق الثوار ودعت للسير على هذا الدرب، درب التضحية والفداء، فهذا هو الخيار الذي اثبت نجاعته، وهذا ما يوجع الاحتلال ويؤرقه ويعجل بزواله بإذن الله





الاستشهادية : هنادي جردات 

ارهاب الاحتلال لم يسلم منه أحد، رجلا كان أو امرأة، طفلا كان أو مسنا، بل حتى الشجر والحجر لم يسلم من بطش الصهاينة، وبهذا زادت التحديات وزاد حجم المعاناة وثار الشعب بكل شرائحه فالكل مستهدف والكل اكتوى بنيران الاحتلال وبات على كل غيور رجلا كان أو امرأة خوض غمار التحدي ومقارعة الاحتلال، فحجم القهر والمعاناة دفع الجميع للتسابق للجنان والاثخان في العدو ..

ادركت الشهيدة هنادي أن الكل مطلوب أن يلبي نداء الوطن ويشارك في صنع الانتصار ويكبد الاحتلال الخسائر للجم شره ووقف صلفه، وأدركت أن زوال الاحتلال والخلاص من شره وبطشه لن يتحقق إلا بالبذل والعطاء والفداء والتضحية، ويبقى الجود بالنفس أرقى واعلى مراتب الجود، لم تتأخر عن تلبية نداء الواجب، فسارعت إليه واثقة الخطى موقنة بالنصر والفوز والنجاح، عازمة على تنفيذ عمليتها على اكمل وجه، لم ترتبك ولم تثر الانتباه حتى لا يثنيها أحد أو يعرقلها شيء عن اداء واجبها، ولم تثر الشكوك حولها حتى تتكلل عمليتها بالنجاح، الشهيدة هنادي كانت ستمارس مهنة المحاماة، غير أنها أدت مهمة المحاماة في أرقى صورها، فقد دافعت عن حق شعبها في العيش بكرامة وحرية ودافعت عن حقها المسلوب بدمائها الزكية بكل قوة وصلابة، فهي صاحبة حق وذادت عنه كما المطلوب، وجهت للاحتلال ضربة في الصميم اهتزت لها اركانه، فقد احزنها وحرمها أحبتها واغتال كل فرحة في قلبها وكدر صفوها وشاهدت غطرسته وشره وارهابه بأم عينيه، اسفرت عمليتها البطولية عن مصرع العشرات من شذاذ الآفاق عدا عن الجرحى ..

نالت وسام الشهادة الذي تمنته بجدارة والذي تاقت إليه ورسمت ابتسامة الرضا على محيا اهلها رغم مرارة الفراق، افتخروا بشهادتها واثلجت صدورهم عمليتها البطولية، فقد ردت للاحتلال الصاع صاعين وهزت عرش الجبناء من يستقوون على العزل والابرياء، بدمائها الطاهرة، عبدت طريق الحرية والكرامة والاباء، زرعت الامل في النفوس التي اغتمت لفراق الاحبة فلن يتسلل إليها اليأس وقد أخذت بثأر كل المكلومين وشفت صدور المؤمنين.

نساء فلسطين قبل رجالها سيبقين شوكة في حلق الاحتلال، هن فخر الامة وعنوان العزة والكرامة، وحق على الأمة أن تحتفي بهن وأن تعتز وتفخر بهن. بأدائهن المتميز رفعن قدر الامة وأعلين شأنها، هن تاج على الرؤوس وهن من علمن العالم أجمع كيف يكون حب الوطن: فلسطين






الاستشهادية وفاء ادريس :

حكاية الألم والوجع لشعب شرده الاحتلال عن موطنه تتشابه، تختلف فقط في الاسماء ولكن الجرح واحد، تعددت فصول الحكاية والمعاناة واحدة، وقصة الشهيدة وفاء ادريس واحدة من تلك القصص المؤلمة.

هجر المحتل عائلتها من مدينة الرملة التي احتلها عام 1948، ليستقر بهم المقام في مخيم الامعري. كانت الظروف الاجتماعية للعائلة جد صعبة، الاحتلال نكل بها واعتقل معيلها وضيق عليها سبل الحياة، إلا أن الشهيدة تحدت كل تلك الظروف القاسية وكل المنغصات ولم تكسر ارادتها ولم تهزمها ولم تنل من عزيمتها.

تطوعت كمسعفة في الهلال الاحمر الفلسطيني لتكون قريبة من هموم شعبها، وتخفف عنهم آلامهم وتداوي جراحاتهم وجرحاهم، وفاء كانت للاخلاص والتفاني في عملها الانساني قمة في الوفاء، وكانت محبوبة من الجميع..

عملها كمسعفة جعلها تقف على حجم ارهاب الاحتلال ووحشيته وفظاعته وبشاعته، تأثرت بمشاهد الموت والدم والاشلاء وآهات الضحايا ودموع الاحبة على فراق فلذات اكبادها، كانت ترجو أن يأتي يوم وتوقف فيه هذا الصلف وتنتقم من الاحتلال الذي اوجع قلوب الاحبة وادمع عيونهم وأرق حالهم وفرق شملهم.

كانت ترى بأم عينيها كيف يستبيح الاحتلال دماء الابرياء وكان قلبها يتمزق ويحترق ويعتصره الألم وهي تودع كل مرة مواكب الشهداء، تداوي جرحى الانتفاضة وتئن لاناتهم وتضمد جراحهم ومع كل قطرة دم زكية تسقط من جريح أو شهيد ينفطر قلبها وتكتوي بنيران الآلام. أدركت أن هذا الاحتلال لا يفهم سوى لغة القوة وما اخذ بالقوة أو بالأحرى ما أخذه بالوحشية والاجرام لا يسترد إلا بالقوة.. فهذا الاحتلال البغيض الذي هجرها قسرا عن موطنها هو من اوعزها لعيشة الهوان وضيق عليها معيشتها ونكل بشعبها وأهدر دماءهم الزكية.

هذه المشاهد المؤلمة دفعتها لأن يكون لها هي أيضا دور في الدفاع عن موطنها والنضال لاجله، ردت على اجرام الاحتلال باللغة التي يفهمها، بعملية بطولية. ودّعت صديقاتها يومها وقالت لهن: سأقوم بعمل يرفع رؤوسكن. وقالت لأهلها بأن الوضع صعب ورمبا يستشهد الانسان في أية لحظة، يبدو أنهم وقتها لم يلتفتوا لتلميحاتها ولم يفهموا كنه عباراتها وما ترمي إليه، حتى اُعلن عن العملية ومنفذتها، عندها فهموا مقصدها.

لقنت وفاء الاحتلال درسا لن ينساه، فهذا الشعب الذي ينبض بالحياة وتسكن فلسطين حنايا قلبه ويفديها بروحه لا ولن يرضى الذل والهوان، كل شرائحه ستقتص منه، هذا شعب لا ينام على ضيم ولا يقبل الظلم ويرفضه ويجتهد لرفع الجور عنه، عمليتها البطلوية اصابت الاحتلال بالذهول والصدمة. تجلت فيها معاني البطولة والتضحية والشجاعة في ابهى صورها. فتاة في مقتبل العمر تجود بنفسها، ليتحرر الوطن من براثن الاحتلال ولتسكن جراحات القلوب المكلومة ولتوقف إجرام الاحتلال بحق الأبرياء. وبهذه اللغة التي لا يفهم الاحتلال سواها، قالت له: لن يطول مقامك على ارضنا وأنتم حتما إلى زوال.
بإذن الله ..