الأحد، 23 يونيو 2019

وترجل الفارس ..



 عندما تعود الشعوب للحياة السياسية لتمارس حقها في اختيار من يحمل همها ، ومن ينظر للمسؤولية على أنها تكليف وليست تشريف ، ومن تتوسم فيه الخير ، ومن سيرسي دعائم العدل ويرفع قدر الأوطان ويعلي عزها ويعيد كرامه الشعوب المهدورة ويحمي مقدراتها ويذود عن ثرواتها بعد أن عصف بها الإستبداد وو..، بعد عزوف طويل عن المعترك السياسي ، والذي غادرته لأن اختيارها لا قدر له ولا قيمة أو لأن صوتها يلقى في سلة المهملات ، أما عندما تدرك أن لصوتها صدى ولاختيارها وقع وتقدير وأن الإنتخابات ستمر في جو نزيه وشفاف ، تختار الأصلح والأمين والمخلص 


اختارت مصر ابنها البار الشهيد محمد مرسي ، الذي بدأ مشواره المشرف بأن شرف
 بلده بعطائه وتميزه وبعلمه وبدماثة خلقه واخلاصه لقضايا أمته ورفع اسمه وطنه في الداخل والخارج ، وكلله بالشهادة ولن ينتهي نهجه برحيله بل سيستمر على دربه كل الأحرار التي صلته عليه وآلمها رحيله .. 

اختاره الشعب عن طواعية فكان أهلا لهذه الأمانة حملها بشرف وتقدير وأولاها كل اهتمام ، ومع كل هموم المسؤولية الملقاة على عاتقه واعبائها كان يواكب ما يجري في الاقصى المبارك ويخصص له وقته وجهده وقد أرقه واقعه الأليم وما يعانيه من تدنيس وحيف في ظل الإحتلال البغيض ، كان يسعى لتعبئة الشارع المصري ومعه الأمة جمعاء لنصرة المقدسات ودعم صمود أهلها المرابطين وكان يذود عن الحرمات ، ويسعى لفك قيود الأقصى التي أرقته ..

كان يسعى لأخذ مصر نحو الريادة حتى تقود الأمة لنهضة شاملة وتنفض عن كاهليها سنيّ الذل وغبار الهوان وتعود لمكانتها بين الأمم ، وضع حجر الأساس لمشاريع عملاقة بدأت ترى النور ، وبدأه المواطن يلمسها في واقعه رغم التشويش عليها من أذرع الإنقلاب ، فما كان من الإنقلاب إلا أن أقبرها في مهدها حتى لا تقوى ويشتد عودها وتعود على مصر واهلها بالخير ..

لن تنسى غزة غيرته على ثرى فلسطين الغالي ولن تنسى مواقفه المشرفة والنبيلة وتتثمن وقفته الرجولية معها ، فقد آزرها في محنتها وثمن مطالب مقاومتها ولم يضغط عليها، في العام الذي تقلد فيه المسؤولية تنفست غزة الصعداء ، واستشعر الشعب الفلسطيني دفء الأخوة وعمق العلاقة ومتانة الروابط ، فُتحت الأبواب وكان التلاحم والتآزر في أوجه والتعاطف في عنفوانه وجسد بكلماته الخالدة مع مواقفه المشرفة معنى الجسد الواحد في أبهى وأزهى وأرقى صوره وأبدى تأييدا للشعب الذي يدافع عن حقه ولمقاومته التي تصد العدوان وتحمي الحياض ..

هذا هو الرئيس الشهيد النبيل صاحب القلب الكبير الحافظ لكتاب الله والذي لم تنل منه الخطوب ولا عذابات السجن ولا المعاملة السيئة ولا الإهمال الطبي ولا حرمانه من زيارة الأهل والأحباب ، تعرض لكل هذا الحيف وظل صامدا ثابتا على الحق راسخا رسوخ الجبال ولم تعصف به الرياح أوتهز كيانه الاهوال ، ولم يركن للإنقلاب ولم يستسلم لإملاءاته بل بقي يقارع بغيه بصلابة ورباطة جأش حتى لقي الله شهيدا ..

توهم البغي أن بموته سيتسلل اليأس والإحباط للنفوس فتركن للواقع المر ، إلا أن موت القائد لا يعني موت القضية ، بل يزيدها زخما ويلتف حولها بنوها الأبرار ، فالقيم والمبادئ التي نافح لأجلها الشهيد لن تموت بل ستزهر وستبقى خالدة في قلوب ووجدان الاحرار من أرقهم رحيله وأوجعهم فراقه ، وسيحملون المشعل وسيكملون المشوار ، بإذن الله ..

حتى بعد أن ارتقى للعلياء شهيدا يشكو لله ظلم القريب والبعيد منعوا عنه الصلاة وتوعدوا كل من ابدى حزنه على فراقه أو نعاه ، وحرموا محبيه من وداعه وخالفوا وصيته في دفنه ، إلا أن أمته التي حمل همها وتبنى قضاياها صلت عليه صلاة الغائب وبكت عليه العيون وحزنت عليه القلوب ودعت له بالرحمة والمغفرة ولهجت الألسن في كل مكان بطيب الدعاء له ، وواست عائلته الصغيرة والكبيرة ، فقد فقدت علما من اعلام الأمة وقائدا ملهما ، والأقصى الذي تاقت روحه للصلاة فيه ، صلى عليه كل من في الأقصى المبارك ، وثمنوا مواقفه البطولية وغيرته وأصالته نحو مقدسات الأمة  ..

وكل القيم والمبادي والمعاني السامية التي دافع عنها الشهيد وحمل لواءها ودفع حياته ثمنا لها ، ستبقى حاضرة في الوجدان وفي الضمائر والأذهان وستُترجم لواقع يكنس ادران الإستبداد ويعيد للأمة صفاءها ويعيد البوصلة لوجهتها الصحيحة ، وهاهي كلماته الخالدة تتردد في كل محفل عزاء أقيم له وبلغت اصقاعا شتى ، فالأمة التي أقامت له مجالس تأبين وحزنت لفراقه وأوجعها رحيله ، حتما ستتطلع لأن يتكرر نموذجه الفذ وستقاوم جبروت الإستبداد بقوة حتى تستعيد مجدها وتشيد صرحها من جديد..