الجمعة، 8 مارس 2019

حبّ خلف القضبان ..




كل فتاة غالبا ما ترسم ملامح معينة لفارس أحلامها حسب وعيها وونضجها وطريقة تفكيرها وواقعها وبيئتها التي ترعرعت فيها (وعندما فُرط في تربيتها التربية الصالحة وتُركت نهبا لكل مستورد وللغثاء الذي تعج به الفضائيات والسموم التي تبثها، غدا فارس احلامها بعيدا كل البعد عن قيم ومبادئ واعراف وتقاليد درجت عليها الامهات ومن قبل الجدات أو لا تمت بصلة للقدوات الصالحة، صاحب الدين والخلق) وتنصب اهتماماتها على الكماليات وتنسج احلاما وردية عن حياة مرفهة وتتمنى أن تكون خطوبتها أحلى وأزهى من مثيلاتها من بنات الجيران والصديقات والقريبات، وتتباهى بزفافها وعريسها أمام قريناتها، إلا هي كانت مختلفة عنهن تماما، اصطفت من الرجال من عشق الأرض، أسد خلف القضبان، تفانى في حب فلسطين وضحى بزهرة شبابه فداءََ لها..

أحبت فيه جسارته وبطولته ونضاله وبسالته وابتسامة النصر التي قهرت سجانه، قرأت ما كُتب عنه وما كتبه هو عن نفسه، أدهشها نهجه المقاوم ووقفت على صفحات وضاءة من حياته الحافلة بالإنجاز والعطاء والمقاومة، انبهرت بمشواره الجهادي، وأسرتها ابتسامته التي واجه بها صلف الإحتلال، كيف لأسير يواجه أقسى الأحكام ومحاط بعشرات الجنود المدججين بالسلاح، يواجه كل هذا بثبات وصلابة وقوة، لم يهتز ولم يلن أمام غطرسة الاحتلال ولم ينهزم ولم يضعف وواجهه بكل كبرياء وأنفة وشهامة، هذا هو فارس أحلامها الذي كانت تنشد الارتباط به..

أدركت أن هذه الخطوة التي اقدمت عليها ليست بالسهلة أو الهينة ودونها مشاق ومصاعب وتحديات، لم تلتفت للأحاديث المثبطة للعزائم، وواجهت موجة الرفض التي حاصرتها بالثقة والإصرار والاستماتة على القرار والذي اتخذته بإمعان وروية وبعقلانية ، تحدت كل ما كان يحول دون تحقيق حلمها، علمت أن الخطوبة لن تكون عادية نظرا لخصوصية الأسير، فرفيق دربها خلف الأسوار وأهله يفصل بينهم وبينها حواجز وموانع، واحتلال بغيض مزق أوصال الوطن وأعد السجون لتكون مقابر للأحياء، في عتمتها تذبل أجسادهم الطاهرة ويكسرهم البعد والحنين والشوق لأحبتهم ويثقل كاهلهم سنيّ الإنتظار، إلا أن عزيمة الأسير وعدالة قضيته، تشحن روحه وتعلي همته وتقوي إرادته، فقد حول سجنه بصبره وصموده لساحة عطاء وعمل ونهل للمعرفة والتحصيل العلمي والدراسة وتأليف الكتب ونظم الشعر وتفتقت في المواهب والاعتكاف على حفظ كتاب الله، وبدد ظلمة السجن بيقين الفرج ..
أختارته لأنها أحبت أن تشاركه شرف الجهاد ووسام الكفاح ، وتضحي معه حبا لوطن ترنو لأن تراه محررا، لم تلتقِ به إلا عبر الصور وعبر الرسائل المفعمة بروح التحدي والمحبة والصبر والألفة، رسائل وطدت علاقتهما ووثقت أواصر المحبة بينهما، من خلالها تعرفت عليه أكثر، وقفت على طيبة قلبه وعلى عشقه للأرض وسمته العالي، أعادت لقلبه حيويته ونشاطه ورونقه وبهاءه وسكينته ، فهناك من تنتظر شوقا للقياه، ولتكمل معه مشوار الكفاح والنضال الذي بدأه، كلها يقين أن صبرها سيزهر وسيكلل بالنجاح وأن شمس الحرية ستشرق من جديد، وأن قلبيهما سيجتمعان تحت سقف واحد كما اجتمعت روحهما في رحاب من المحبة والصفاء والإخلاص، وكما وعدت المقاومة وأوفت بوعدها وكسرت القيود في صفقة مشرفة، بإذن الله سيتكرر الحدث وسيتنسم أسرى الحرية عبيرها، وستدخل الفرحة بيوت الأسرى، فرحة طالما انتظروها وغابت عنهم لعقود ويلتم شملهم بأحبتهم، وستتلاشى عذابات الانتظار، وسترتسم البهجة على محياهم هم وأحبابهم وسيصبح الحلم حقيقة وستتنفس الأرواح المنهكة الصعداء وسينكسر القيد وستنجلي ظلمة السجن بإذن الله.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق