الاثنين، 11 نوفمبر 2019

الرحمة المهداة ..





في ذكرى مولد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام نستحضر سيرته العطرة الحافلة بالبذل والعطاء والمواقف المشرفة والنبيلة والمليئة بالانتصارات والبطولات والملاحم ، وكان أروعها مؤاخاة الانصار والمهاجرين وهو ما أقدم عليه النبي عليه الصلاة والسلام بعد بناء المسجد ، أخوة أذابت كل حزازات وعصبيات الجاهلية وقوّت اللحمة ، اعقبت أخوة عقدها بين الاوس والخزرج ومعلوم من كان يؤجج نيرات الحرب ويذكي النعرات ويبث الفتن ليضعف النسيج وينهك قوة الجميع ويوغر الصور ويزرع بذور الاضغان والاحقاد ويبث سموم الفرقة بينهما : سياسة فرق تسد ..

مؤاخاة بين من ضحى بالمكانة والجاه والمنصب وعانى مشاق الهجرة والغربة عن الوطن ، بُعد عن بقعة طاهرة تعلقت القلوب بها وعانت آلام الفراق والأنصار من احتضنوا إخوتهم وفتحوا لهم قلوبهم وبيوتهم وآزروهم وخففوا عنهم لوعة الفراق ودعموا الدعوة وأوجدوا لها التربة الخصبة والحضن الدافء ليحميها حتى تنمو وتترعرع حتى يشتد عودها ..

غدوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، انسابت مشاهد الاخوة في أروع صورها ، ساد الوئام والالفة والمحبة والإيثار والوفاء والاخلاص في أبهى حلّة ، الكل التف حول لواء الاسلام وذابت كل العصبيات التي كانت تمزق الوشائج ، ضربوا اروع الامثلة في الجود وحسن الوفادة و كرم الاستقبال ، وماكان من المهاجرين إلا أن ثمنوا هذا الكرم وقدروا هذه الحفاوة وكانوا أوفياء لهذه المواقف النبيلة والمشرفة ، لم تكن معاني الاخاء عبارات جوفاء بل جسدوه واقعا على الارض وكان حاضرا في واقعهم تُرجم دفاعا ومساندة وحماية وذودا وو..فعمت المدينة اجواء من المحبة والالفة والتم الشمل وحققوا مفهوم ومعنى الجسد الواحد فكانت الانتصارات وكان التمكين ..

هذا درس بليغ للامة فعندما تنبذ خلافاتها وتنهي صراعاتها وتلملم شعتها ، جسدها سيقوى وسيكسب مناعة فتجابه التحديات بصلابة ولن تهزمها الصعاب ولن تفت في عضدها الخطوب ، صف واحد في مواجهة كل الاخطار ، البنيان الذي ينخر السوس دعائمه ، يتهاوى ويكون آيل للسقوط وما يلبث أن ينهار ، أما البناء الذي تكون دعائمه قوية ومتينة وبنيانه صلب يتحدى الصعاب ولا تهزمه المخاطر ، ولا تعصف به الرياح ولا تزحزحه وسيظل راسخا وثابتا ..

لقد ثمن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام مواقف الانصار وفضلهم ودعمهم للدعوة واحتضانهم لها ، فكان الوفاء منه والاخلاص في أروع صورة منه ، مع أن قلبه تعلق بمكة المكرمة ولم يغادرها إلا مكرها ومضطرا وقد عانى وجع الفقد وألم البعد ، وتجشم عناء ومشقة البعاد ، إلا أن جسده الطاهر لم يُدفن في مسقط رأسه وهاهي المدينة المنورة تحتضن جسده الطاهر ، إنه العرفان والوفاء للانصار ، إنه الاخلاص لمن تفانوا في حبه وأووه ونصروه ، ولم ينسى فضلهم وقال لهم : ..لولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الانصار شعبا ، لسلكت شعب الانصار ، اللهم ارحم الانصار وأبناء الانصار وأبناء وأبناء الانصار ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق