الخميس، 21 مايو 2015

في رحاب آية..



قصص الانبياء حافلة بالدروس والعبر والدلالات والمعاني ، تحمل بين طياتها الخير العميم ، تنير الدرب وتحثك على عمل الخير والتنافس فيه وكسب الاجر وتسند ضعفك وتواسيك وتخفف مصابك وتغرس في نفسك قوة الارادة وتحدي الصعاب ومقاومة الظلم والصبر في مواجهة المحن وو..
 هذا لمن سبر أغوارها وبلغ دررها واستفاد مما تزخر به من نصائح وارشادات وتأمل عظاتها ووقف على أسرارها وبلغ كنهها، مشهد رائع من قصة موسى عليه السلام ، نتعرف من خلاله على انسانية راقية ، يحمل بين جوانحه قلبا طيبا يحس بآلام الناس بل ويهب لمساعدتهم وانصافهم ونصرتهم..

جاءه رجل من أقصى المدينة يحذره من مكر يضمره له فرعون وجنوده ويحثه على الخروج من المدينة ، جريرته أنه انتصر لمظلوم ودفع عنه ظلم وصلف طاغي ، هي عناية الله من حفظته في الصغر ورعته حتى اشتد عوده وهي من يسرت له من ينصحه ويحذره ، خرج من المدينة هائم لا يعرف إلى أين يتجه ، يدعو الله عز وجل أن يهديه لسواء السبيل ،ترك الثراء والرفاهية والغنى وراءه لم يلتفت للعاعة الدنيا ، تجرد من كل عون إلا من عون الله عز وجل له وهو كفاه ومن حَرصه ورعاه وهو رضيع حتما لن يتخلى عنه في محنة وسيكون له نعم العون ونعم السند في مشواره الطويل وسيسدد خطاه ..

قطع طريقا وعرا في حر وقيظ ، رحلة طويلة بلا زاد أو معين ، ترك خلفه فرعون يحث الخطى في طلبه وقد اشتط غضبا وغيظا، مع أنه لم يقصد قتل القبطي الذي طغى وتجبر على مستضعف ،لكن فعله في عرف فرعون إشارة قوية ستنغص عليه معيشته وستقض مضجعه ، أحس أن موسى عليه السلام سيؤلب عليه من عدهم عبيده ، وسيبصرهم بما هم فيه من عبودية وذل واغلال، وحتما سيطالبون بحقوقهم ، سيزيح الغشاوة عن أعين الناس ويبلغون مرفأ الحق ، اهتزت اركان البغي خوفا من أن يستفيق الناس من سباتهم ويرفضون عيشة الذل والهوان ويتطلعون للحرية والكرامة ، ديدن الطغاة على ممر الزمان الحيلولة دون بلوغ الحق للناس لتقبل عليه بطواعية ويفتحون له مغالق قلوبهم ، يحاربون كل شعاع من نور يوقظ العقول وينير البصيرة ويزيد من منسوب وعي الشعوب ويعرفها رسالتها ومكانتها والسر في خلقها ، لذلك يكمم الافواه ويقتل كل من عارضه وناهض بغيه وجوره بل ويريد أن يستأصل شأفته..

واصل موسى عليه السلام مشواره الطويل حتى بلغ مدين ،حيث لن يصل له أي أذى ، محمي هناك ، بلغ للملاذ الآمن بعد رحلة شاقة وعسيرة فآوى إلى الظل ، غير أن من امتاز بنفس طاهرة تأبى أن ترى تعسفا أو ظلما أو مايزعجها ، وتبقى مكتوفة الايدي أو لا تأبه به أو تتجاهله، رأى ما أرقه وما تأنفه مروءته ، رأى مرأتين تنتظران حتى يسقي الرعاء وهم رجال لتسقي لغنمهما ، تحركت نخوته فهو من دافع عن مظلوم ، كيف ينكص عن مساعدة امرأتين تحتاجان للمساعدة مع كل ما كان يعانيه من تعب وشدة في رحلته ..

نفس زكية أبية ترفض الظلم وتعافه ، ورحيمة بالضعفاء ،لم ينتظر أن تطلبا منه الدعم أو المساعدة ، هو من بادر من تلقاء نفسه ما إن تعرف على ظروفهما حتى قام بواجبه ، لم يطلب الاجر جراء صنيعه ، لم يُعجب بصنيعه أو بطر بقوته أو أخذه الزهو ، نفس خيّرة تحس بآلام الآخرين ، وترأف لحالهم ، لم يؤرقه حالهما ولم يحزن فقط ، بل هب لمساعدتهما والتخفيف ما أثقل عليهما  كما هب سلفا لرفع الظلم عن المظلوم ، مع أنه في أمس الحاجة للمساعدة ، خصال رفيعة اتصف بها موسى عليه السلام ، إغاثة الملهوف ورفع الظلم عنه ونصرة المظلوم ومساعدة المحتاج ، ورحمة بالضعفاء .

بعدها عاد إلى الظل يطلب من الله العون والسند ، فهو الفقير إلى الله والله عز وجل هو الغني ذو الفضل الواسع والعطاء المتدفق ، يغمر الصالحين بعطائه الفياض ، عاد للحمى الآمن يسأله من فضله وجوده وكرمه ليمن عليه من رحمته الواسعة، وهو لا يعلم ما يخبئه له القدر من خير ورزق ، كيف لنفس عزيزة ونبيلة أن يخذلها الله ، لحظات قليلة وجاءه الفرج بل إكرام ووفاء لصنيعه الطيب ، أمن وأمان افتقدهما ، احسان وجود وعطاء وأهل يأنس بهم وأسرة كريمة يسعد في كنفها ودفء عائلي يغمره وبيت يحتضنه ..

لا تخف..كلمة ادخلت السرور على نفس موسى عليه السلام واستبشر بها خيرا واطمأن لها قلبه ، انت محمي هنا لن يصلوا إليك ، لن تطالك أيدي الطغاة ، وكلمات كريمته التي اتسمت بالادب والنقاء نبهته لمقصد عفيف طاهر ، اب يمتاز بسرعة البديهة علم ما تقصده ، وادرك تلميحاتها : فهو القوي الامين ، خصال طيبة ، أمانة وقوة ، فكان للرجل الغريب الخائف المطارَد كل ما يتمناه ، رزق وافر وصهر يحنو عليه ويحمل همه ، وبيت يأويه وزوجة طاهرة عفيفة تؤنسه ، نفوس تقية نقية جمعت الخير كله..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق