الثلاثاء، 2 يونيو 2015

نعم الأمير أميرها..



لم تكن رؤيا كالتي رآها يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام ووفر لها كل السبل لتحقيقها ،بل كان حديثا شريفا تغلغل نوره وحبه في حنايا قلبه ،ذاك الشرف الذي تسابق إليه الصحابة ليتقلدوا وسامه ، ونال شرفه الشاب المجاهد الورع محمد الفاتح والذي لم يتجاوز عمره 25 سنة ،تاقت روحه لهذا اللقب الجليل : لتفتحن القسطنطينية نعم الامير أميرها ونعم الجيش جيشها ، فكان أهلا لها ، عمل بجد واجتهاد وبذل له التضحيات الجسام حتى بلغه..

هدفه الاسمى شحذ طاقاته ورفع همته ، لم يمني نفسه بالنصر ثم أخلد للنوم بل قابله بالعمل الدؤوب ، رسم هدفه وسطره وتسلح بكل ما من شأنه أن يساعده على تحقيقه ، طريق المجد ليس مفروشا بالورود بل دونه تضحيات جسام ..

 ولو رجعنا قليلا للوراء لنقف على المحضن الذي ترعرع فيه ونشأ ، تربى  على أيدي علماء أفذاذ تركوا بصماتهم الجلية على شخصيته وقَوّتها ، عزز المحضن الخيّر في نفسه قيم الاسلام السامية وغرس شجرة فضائله وأسمى أخلاقه وفنون الاقدام  وعندما أمسك بزمام الامور قربهم إليه في مجلسه فكانوا له نعم السند ، يسندونه بنصائحهم النيرة والتوجيهات السديدة ، العلماء هم صمام أمان للامة يحمونها من كل شر وينيرون لها درب الصلاح ..

لم يتميز فقط في العمل العسكري وأتقن فنونه ، بل تميز في شتى علوم ونهل من شتى ميادين ، المجال الفني بكل أصنافه من شعر وأدب وو..والمعماري من بناء وتشييد وو.. بنى حضارة متكاملة ، ومن قبل تعهده الاب الصالح برعايته من جميع المناحي ،فكان فارسا لا يشق له غبار ، رغم حداثة سنه ، سلمة إمارة تحت إشراف ثلة من أهل العلم والصلاح ، ليتدرب على تسيير شؤون البلاد ، لتكسبه التجربة مهارة ويتدرب على طريقة الحكم وتكون له دراية ومعرفة مسبقة تساعده التجربة الزاخرة في حياته المستقبلية وتسنده ، أخذ من كل العلوم التي أثرت عصره ، البيئة الصالحة والمنبت القيم والاصيل ينمي مدارك الناشئة ويصقل المواهب ويساهم في تربية صالحة ويخرج لنا جيلا تفخر به الامة ..

وما إن تولى زمام الامور في السلطنة حتى تهيأت روحه للمجد المنتظر ووضع نصب عينيه هدفه حتى نال شرف نعم الامير أميرها ، بشارة تسابق لها لينال شرفها.. كيف بنا نحن اليوم وقد وعدنا الله عز وجل أن الاقصى المبارك عائد إلى حمانا ، لماذا لا نتجهز لنكون نحن جيش التحرير ، ونتوج بهذا الشرف وحتى إن لم نبلغه نكون قد ذللنا له الصعاب ، قد يبغله أولادنا أو أحفادنا ، نضع له حجر الاساس وتبدأ السواعد المخلصة في البناء ، النتائج بيد الله عز وجل ، المهم العمل المستمر وخلق أسباب النصر ..

 هي إذن بشارة بث علماء أجلاء تربى على أيديهم في خلده فتألقت روحه وتاقت نفسه للنصر وحفزته ليكون من أهلها ويكون جديرا بتلك المنزلة الرفيعة وذاك القدر العالي ، بشارة أشادت بالقائد وبالجيش ،وفر لها القائد كل طاقته وبدأ على الارض يرسم معالمها ، وتجهز للمعركة ، لم يركن للنوم والدعة حتى فاته العدو عدة وعتادا ، حتى حين يقارعه يجد هوة شاسعة بينه وبين العدو ، ويتطلب اقتلاعه مضاعفة الجهد والوقت ، تجند لهدفه بكل ما أوتي من قوة وجهد ، يعرف أن العدو شرس وأنه حتما سيضع متاريس للحيلولة دون بلوغ النصر ، غير أن الفاتح المحنك المدرب تجند جيدا للمعركة وكان أهلا للامتحان ونجح في اجتيازه بامتياز ، ذلل كل الصعاب وتهيأ من جميع النواحي لخوض غمار المعركة ..

قطع الطريق على العدو واحكم حصاره مع توفير سلاح باغت به العدو ، كيف تريد أن تحرز نصرا وسلاحك ليس من صنع يديك ؟!!
سلاحك الذي صنتعه تعرف سره وهو من سيجلب لك النصر بإذن الله ، لانك تفاجئ به العدو وتربك حساباته ، المفاجآت في الحرب سلاح فتاك تحبط به خطط العدو وتشل تفكيره ، شاب في العشرينات قاد جيشا عرمرا وخاض به حربا ضارية وقاتل قتالا مستميتا وقارع قوة عظمى ، وأبان عن مهارة وحنكة وعزيمة واصرار ، دليل على أننا أمة قوية نحتاج لعنصر الاخلاص والتفاني في بلوغ الهدف والاعتماد بعد الله عز وجل على امكانياتنا الذاتية ونطورها حتى تضاهي ما يملكه العدو بل وتفوقه ونعزز في خلدنا عنصر الثقة بالنصر واصلاح أنفسنا أولا فهو المدخل لاصلاح واقعنا وتحقيق نصر مؤزر ..

عندما رفرفت رايات النصر خفاقة سجد القائد الفذ سجدة شكر وامتنان لله عز وجل على ما منّ عليه من أفضال ، لم يتجبر على الخلق ولم يبطر بل تعامل مع الناس معالمة راقية وطيبة لم يجبر أحدا على ترك دينه أو تغييره ، بل سماحته وخلقه الرفيع كان سببا في إسلام الكثير منهم ، دخلوا للاسلام عن طواعية عندما لمسوا سماحة الاسلام وعدله والذي تجسد في خلقه قولا وفعلا وهذا هو النصر الحقيقي ، فتح القلوب لتستقبل الخير وتعممه ، وتحمل مشعل نوره وتكون له بعد ذلك نعم الجند الاوفياء ، يدافعون عنه ويذودون عنه ..
لم يكتف بهذا اللقب الجليل والذي احرزه عن جدارة واستحقاق ثم اخلد للترف أو البذخ والرفاهية حتى يترهل جيشه وتضعف منعته ويلحقه الخوار ، بل واصل الفتوحات ، كان قائدا ملهما في السلم كما في الحرب ، في الحرب أبلى البلاء الحسن وفي السلم كان مضرب الامثال في التسامح ونبل الاخلاق ، حافط على انتصارات السلف وواصل المشوار حتى وافته المنية وحقق بذلك للامة ما كانت تصبو إليه من مجد وعزة ومنعة وأوج النصر حتى بلغ بها القمة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق