الاثنين، 3 أكتوبر 2016

الهجرة النبوية : الدروس والعبر..



ماتركت قريش وسيلة خسيسة لوأد الدعوة في المهد والحيلولة دون انتشار الدعوة إلا وفعلتها ، ألبت عليه القبائل حتى لا يجد النصرة والدعم والمؤازرة وحرضتهم عليه ومنعته من تبليغ الدعوة، وشاءت قدرة الله عز وجل أن يبلغ صدى الدعوة نفر من المدينة ، فتح الله مغالق قلوبهم واسلموا وعادوا إلى المدينة ينشروا الدعوة ويقووا شوكتها وينشئوا النواة الأولى لدولة الإسلام  ..

بدأت الهواجس تقض مضجع قريش وترى في قوة الدعوة المتنامي في المدينة خطر داهما يهدد كيانها ويضر بمصالحها ، فعقدت اجتماعا آثما للتخلص من النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الوقت الذي تعلن فيه قريش زهدها في سيد الخلق وتخطط للنيل منه ، هناك في المدينة قوم ينتظرونه وكلهم شوق للقياه ، هناك من آمن به ولم يره وينتظر رؤيته على أحر من الجمر ويتهيئون لاستقباله والحفاوة به والإبتهاج بمقدمه ، ولحماية الدعوة واسنادها واحتضانها وحفظها من مكر قريش ، وفي الوقت الذي تخطط فيه قريش وتتآمر على الدعوة وعلى سيد الخلق لخنقها ، جاء الإذن من الله عز وجل له بالهجرة ، حماية له مما تضمر له قريش من شر ومكر وأذى..

ولأهمية حدث الهجرة اختاره عمر بن الخطاب رضي الله عنه تأريخ للمسلمين ولما يحمله بين طياته من الدروس والمعاني ومنها :
- السرية التامة والتكتم على موضوع الهجرة حتى لا تفطن قريش وتفشلها ، وهو المعصوم من الله عز وجل من أن تمتد له يد بالغدر حتى يُتم نوره ، ومع هذا أحاط الموضوع بالسرية آخذا بالأسباب وحتى يفوت على قريش مآربها .. 
- التضحية والصبر على فراق مكة ، الوطن الذي ترعرع فيه وألفه وأحبه وارتبط قلبه به  ، قال عليه الصلاة والسلام وهو يغادر مكة إلى المدينة : والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أُخرجت منك لما خرجت..عبارات تعكس آلامه ولمسة الحزن التي انتابته وشعوره بالقهر على فراق وطن تعلق به ..

- العمل الدؤوب والصبر على المشاق والمحن وكل ما اعترى طريقه في نشر الدعوة من منغصات ، وأذى قريش وإن أُغلب باب دونه ، طرق بابا غيره علّ تباشير الخير تهل عليه منه ولم يستسلم لليأس ، حتى أثمرت دعوته في المدينة وتُوج صبره بالنصر والتمكين ، ووجد في المدينة التربة الخصبة لزرع بذور الدعوة وإنمائها ، وبعد فترة من الزمن أثمرت بذور الدعوة مجدا ومنعة وسؤددا وتكلل صبره واصراره وقوة عزيمته بالنصر وتُوج صموده بالفتح العظيم ..

- ومهما علا جبروت عدوك وأراد بك شرا ، لن يفلح مادامت عناية الله تحيط بك وتحميك ، ومن تولاه الله بعنايته كفاه ونصره وحفظه من كل شر ، فمن كان الله معه فمن يكون عليه ..
- أختيار الرفقة الصالحة ، التي تعينه  على نوائب الدهر ، وكان الصحابي الجليل أبو بكر الصديق أهلا لهذه الصحبة الطيبة ، تشرف برفقة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام كان يؤثره على نفسه ويخفف عنه آلامه وأوجاعه وكل ما أرقه ، ويتقدم عنه في أي موضع حلّا فيه حتى يدفع عنه أي مكروه أو أذى قد يصادفه ، ويؤنسه ويخفف عنه مشاق السفر ..

- اختيار الدليل المؤتمن الذي يحفظ العهد ولا يخون أو يغدر ، وله دراية ومهارة وعلم بالطرق التي نادرا ما تسلكها القوافل ، طريق طويل لكنه مؤمن ..
-  تجدد الأمل : فقد كانت الهجرة ضيقا ومكابدة المشاق وغربة عن الوطن واحساس بالظلم وبعدها جاء النصر المؤزر والفتح العظيم ، هاجر مكة خائفا مكرها مضطهدا وعاد إليها فاتحا منتصرا وقد مكن الله له في الأرض وقد أبدل خوفهم أمنا وفقرهم غنى وضعفهم قوة وتفرقهم ألفة وتماسك وعزة ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق