الثلاثاء، 3 يناير 2017

بين الأسر والشهادة..


ليست المقارنة هنا على فلذة الكبد أو أي غالِِ وعزيز على نفسك فارقك ، فالفراق صعب في كل الأحوال ، إن كان الغالي على نفسك شهيدا أو أسيرا ، فالأمر واحد ويشق على المرء فراقه ، وما يخفف العناء ويضمد الجراح : عدالة القضية وطلب الأجر والثواب من الله عز وجل ، وفداء وطن يستحق البذل والعطاء والتضحية ..

المقارنة هنا بين حالة الأسر والشهادة  ، في حالة الشهادة يضفي الله عز وجل على أهل الشهيد الرضا والصبر ، مع كل ما يتمتع به الشهيد من كرامات وفضائل ونعم ، تحدثت عنها آيات وأوردتها أحاديث جمة ، الشهيد حيّ يرزق في حمى آمن ، عند رب رحيم ودود كريم ، عطاؤه لا ينقطع ، تطمئن نفسك على أحواله ، فالشهيد في رحاب فسيحة في جنان فيحاء يرفل وعند رحيم رحمان يتنعم ، سكن قلوب أحبته ، التي ستظل ألسنتهم تلهج بذكره ، لن ينسوه أبدا مع ما للشهادة من شرف وعزة فهي عنوان الكرامة والإباء ، الشهادة وسام تشرف به الشهيد وأهله واكليل فخر وشهامة تزين به جبينه الوضاء وكذا أهله ..

أما الأسير مسلوب حقه ، محروم من العيش بحرية وكرامة في موطنه ، مقيد بالأصفاد ، بعيد عن دفء العائلة ولمة الأهل والأحباب والأصحاب ، في الأسر ذبل الجسد وانهك، يحس بالقهر عند وفاة أحبته دون أن يلقي عليهم نظرة وداع ، يفتقدهم ويفتقدونهم في المناسبات السعيدة ، سنين عدة اقتطعت من عمره ظلما وجورا ، يصبح ويمسي في عتمة السجن على سحنة السجان ، يحمل أثقالا من الأوجاع تنوء بحملها الجبال ، يخففها بصبره وصموده وثباته وإيمانه .

الأسير يقبع خلق القضبان ب"جريرة" حبه لوطنه والذود عنه ، جريرته أنه فلسطيني ينتمي لهذه الأرض الطيبة المعطاءة ، دافع عن أرضه وعرضه ومقدساته وحمى ثرى وطنه الغالي ، رفض ذل الإحتلال وتاقت روحه لحريته وحرية موطنه ، أسير في عتمة السجن يقبع ، بين يدي قلوب انتزعت منها الرحمة ، فغدت أشد وأقسى من الحجر ، الأسر موت بطيئ ومعاناة لا تقف عند الأسير بل تتعداه لتطال كل أحبته ، ولوعة الشوق والحنين لا تطفئها سويعات الزيارة خلف الحواجز مع ما يرافقها من حيف وصلف المحتل وتعسفاته ، بل تؤججها ، كم من زيارة تلتها حرقة وغصة في القلب وحزن مرير وأمراض بل وموت ، ولا يحس بمرارة الإنتظار إلا من تجرعها واكتوى بنارها..

هم جنرالات الصبر ، يحدوهم الأمل في لقاء أحبتهم ، لهم عزيمة قوية لا تلين ، ويقين عالِِ بفرج الله ومعانقة شمس الحرية ، بإذن الله ، وثقة في جهود المقاومة ، بأن تثمر خيرا ، بإذن الله ، فقد وعدت ووفت ، وحققت حلما طالما راود الأسرى لسنين فغدا حقيقة جلية ، وقريبا بحول الله سيتحقق الوعد وستدخل الفرحة والسرور والبهجة قلوب طالما انتظرتها ، بعون الله ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق