الجمعة، 23 مارس 2018

معتصم في يوم الأم ..




يأتي يوم الأم لينكأ جراح الثكالى والأيتام والمحرومين من حنان الأم والمكلومين في شتى بقاع الأرض ، يلفهم الحزن وهم يرون أقرانهم يهرعون مع آبائهم للمراكز التجارية لإختيار أجمل هدية لأمهاتهم ، هدية محببة لقلبها ، تسعدها وتدخل السرور لقلبها وتغمرها فرحة ، لا تكمن قيمة الهدية في ثمنه الباهض بل في رمزيتها ولأي قلب محب ستُهدى ، وتبقى الأم أعظم هدية للأنسان ، هي لا تنتظر البدل لتضحايتها ، فهي تُقْدم على التضحية بلا مقابل ، مناها أن ترى البسمو تعلو محياك ، تتعب لترتاح أنت وتكابد المشاق لتسعد أنت ، تضحي لتفرح أنت ، سعادتها من سعادتك ، تفرح لفرحك وتحزن لحزنك ، لذلك هو يوم قاسي على الأم وعلى الطفل ، إن كان البعد مفروضا عليهما ..

فالمحرومون دفنوا فرحتهم في قلوبهم ، فالأم إما أسيرة أو شهيدة ، فأقسى حرمان من افتقد حنان الأم ، وجعله الإحتلال أو الإستبداد يعاني مرارة الفراق وعناء البعد ، فهي إما شهيدة وقد تركت فراغا قاتلا في حياته بغيابها ، أو أسيرة خلف القضبان ، يجتهد الأحباب من حوله في ملأ الفراغ ، اجتهاد يخفف آلام الفقد لكن لا ينهيه !

قصة الطفل معتصم تعكس معاناة أطفال كُثر ، حرمهم الإحتلال حضن الأم ، وأغتال الفرحة في يومها ، اعتاد المعتصم في يوم الأم أن يقبل أمه ويهدي لها باقة ورد يعبر بها عن حبه العميق لها ، وعن امتنانه لصبرها ورعايتها وعنايتها به ، وتثمينا لتضحياتها ، وشكر الله على أعظم هداياه له ، فهي أعظم هدية من الله له ، تغمره بحنانها وعطفها ، إلا أنها اليوم بعيدة عنه وقد زج بها الإحتلال في غياهب السجون ، وأثقل كاهليه الصغيرتين بأحكامه الجائرة ، ومازاد ألمه أنها في حاجة ماسة للعلاج وكل تأخير يشكل خطرا على حياتها ، والإحتلال يماطل في علاجها وهذا ما يزيد عذاباته وعذاباتها..

في يوم الأم حرمه الإحتلال ابتسامة أمه وحضنها الدافئ وقلبها الطاهر النقي وروحها الصافية ، حتى زيارته لها ضن بها عليه ، فبعد أن يقطع المسافات الطوال رفقة خالته لينعم بزيارة أمه وتقديم هدية لها يصطدم برفض الإحتلال له بالزيارة ، الطريق إلى السجن طويل ومعتب ومرهق وثقيل على نفسية الكبار فكيف بطفل في عمر الزهور أن يتحمل كل هذا العناء ، إلا أن أمل لقاء بأمه يخفف عنه طول المسير ..

يجلس المعتصم بجانب خالته يتحدث مع نفسه متساءلا ، كيف ستكون لحظة اللقاء وكيف سيعبر عن اشتياقه لأمه وهل ستعجبها هديته ، إلا أن الحقد الأمى أوصد الأبواب دون رؤيتها ، ومنعه من زيارتها ، يلوذ للصمت ليخفي خلفه حملا ثقيلا تعكسه قسمات وجهه الحزين ، قلبه الصغير يكاد ينفطر من هول الصدمة ، أمه قريبة منها وقطع مسافات طوال لزيارتها ولا تفرقه عنها إلا امتارا قليلة ، تطلب خالته منه الهدية لتدخلها بدلا عنه ، لكنه يرفض ، هو من يريد أن يقدم الهدية لأمه ، تسمر المعتصم أمام البوابة السوداء كسواد قلوب من يقف أمامها ، تخنق قلبه العبرة ..

 اغتالت جدران السجن الصماء الفرحة بملاقاة أمه ، كتم الأشواق بين أضلاعه ، عاد لعالمه الصغير ليغوص فيه وليبث له شكواه ، فقد يعجز لسانه عن التعبير عن أوجاعه ، وقد يجد في عالمه الصغير بعض السلوى ، يخفف عنه مصابه ، في انتظار يوم يجمعه بأمه ، يوم تعمه الفرحة ..فرحة تتلاشى فيها أحزانه ، ويلتم شمله بأمه ، فحتى سويعات الزيارة لا يلتئم لها جرحه ، فقد تؤجج نيران الفقد ..

هو يريد أمه لجواره كما كل أطفال العالم ، تشاركه أفراحه ، تفتقده إن غاب وتقص عليه قصصا رائعة قبل النوم ، تسعده في أحلامه ، تطبع على خده قبلة حنان عند ذهابه للمدرسة وعندما يعود يجدها تنتظره في لهفة وشوق ، تطهو له اكلات محببة لقلبه ، وتصطحبه في زيارات للعائلة وللمتنزهات ، وتكون لجواره في المناسبات ، وإن مرض تتعهده حتى يُشفى ، فالزيارة لا تخفف لوعة الفراق بل تعمقها ، معاناة الأم لا تختلف عن معاناة الطفل ، إلا في طاقة تحملها ، فالأم تداري حزنها عن طفلها حتى لا توجعه والطفل يُعبر عن عما يختلج فؤاده الصغير ببراءة الأطفال المعهودة ، لا يشفى جرحهما إلا باللقاء ، فالإحتلال يُمعن في حربه النفسية ليزيد من وطأة المعاناة ، وإلا يكفي الأسير مرارة أغلال القيد وحرمانه من نعمة الحرية ، ليحرمه احتضان مهجة فؤاده !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق