السبت، 24 مارس 2018

مسيرة العودة الكبرى ..




ولد الفلسطيني المبعد عن وطنه في الشتات بعيدا عن موطنه فلسطين ، لم يرى قريته الوادعة رأي العين إلا أن حبها استوطن وجدانه ، فتح عينيه على أوجاع وطنه المسلوب وهو يئن تحت وطأة الإحتلال ، من خلال قصص أبيه ومن قبل جده ، تعرف عن محنة وطنه ، وعن قريته التي هُجرت عائلته منها قسرا ، وكيف احتلها الصهاينة بعد أن عاتوا فيها خرابا ودمارا وقتلا وترويعا للأمنين ، وكيف أحالت عصابات الصهاينة وطنه الجميل جنته على الأرض إلى جحيم لا يطاق بعد أن نشر الرعب في ربوعه ..

على جدران البيت علق الفلسطيني صورة كبيرة لخارطة فلسطين ، من النهر إلى البحر ، على ربوعها تتراءى له القرى الفلسطينية التي هُجر منها أصحابها ، عمد الإحتلال إلى تغيير الأسماء ، لطمس معالم جريمته ، إلا أن الأرض تنبض بحب أصحابها الحقيقيون ، من تعلق قلبهم بها وتفانوا في حبها وجادوا بالأرواح فداءََ لثراها الطيب ، من تنتظر عودتهم على أحر من الجمر ، الفلسطيني تشرب حب وطنه منذ نعومة اظفاره ، وذاب حنينا وشوقا لأحتضانه ، وهشم مقولة : الكبار يموتون والصغار ينسون ، حياتهم في الشتات لم تنسيهم أن لهم وطنا محتلا وحقا مسلوبا ومقدسات يُدنس الإحتلال طهرها ، أسماء مدنهم وقراهم سموا بها فلذات أكبادهم حتى تظل حاضرة في الأذهان ..

وكيف ينسونه وفصول النكبة لازالت مستمرة في تفاصيل يومياتهم في الغربة ، في دول اللجوء أو دول الإيواء ، ظل الفلسطيني وفيا لوطنه ، وحتى من يعيش نوعا من الأستقرار في بلدان غربية ، لم ينسى وطنه ، بعد المسافات لم تزده إلا اصرارا على العودة واستماتة في المطالبة بحقه ، هناك في الغربة يُعرف بالقضية العادلة ، ويحشد لها الدعم ويكشف جرائم الإحتلال ، ويميط اللثام عن وجهه البغيض ، مما زاد من أعداد المدافعين عن القضية ، مهما سعى الإعلام المضلل لقلب الحقائق وحجب المعاناة وتزييف الواقع والتماهي مع الرواية الصهيونية ، ومساواة الضحية بالجلاد ، إلا أن صاحب الحق أبدع في إيصال الحقيقة وتفنيد ادعاءات الإحتلال ، واستثمر أدوات العصر في الدفاع عن حقه ، وبذلك بدا نور الحقيقة بالتجلي ، مما زاد من التضييق على الأحتلال وارتفاع وتيرة محاصرته ، من خلال تفعيل سلاح المقاطعة ..

تكررت هجرة الفلسطيني مع تكرار نكبته ، بعد المآسي التي ألمت بدول اللجوء ، وجراء هذه الحروب الطاحنة وهربا من جحيم الحرب ، لن يبقى له إلا أن يشق عباب البحر في رحلة محفوفة بالمخاطر وفرارا من شبح الموت الذي يطارده ، وبحثا عن ملاذ آمن ، ومع كل ذكرى النكبة يجدد الفلسطيني العهد والوفاء لوطنه ، إلا أن هذا العالم يختلف عن سابقيه في ظل ما يُحاك للقضية من مكر وما يضمره المحتل من شر ، فالفلسطيني يحيي هذه الذكرى الأليمة ، بمسيرى العودة الكبرى ، رسالة قوية للمتخاذلين وللمتقاعسين وللمتواطئين على حقه ، ولمن يسعى لوأد القضية وتصفيتها ، لاقدر الله ، يقول للعالم أجمع أنه شعب حي ويرنو للعودة ..

ينصب الخيام على مقربة من وطنه ، يحيي ثراته ، يملي العين بجمال طبيعة موطنه ، يبث أشواقه الحارة لقراه ، يقول للمحتل : الكبار لم يفرطوا والصغار لم ينسوا ، يزرع شتائل الزيتون لحيي نبض الأرض ، هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون ، تصدح الحناجر بالاهازيج الوطنة معلنة ساعة العودة ، ترفع الأعلام الفلسطينية ، تُدون أسماء المدن والقرى ، تعود قضية اللاجئ للواجهة ، حتما سيصغي العالم لصوت لاجئ أعياه البعد عن وطنه وأرقه الحنين لقراه ، يطالب بحق كفلته كل القوانين والأعراف الدولية ، يشارك الفلسطيني في هذه المسيرة أينما كان ، إن لم يستطيع بلوغ أقرب نقطة تفصله عن موطنه ، يشارك بفاعيات في مكان تواجده ، تواكب الحدث الجليل .

مسيرة العودة الكبرى تقول للعالم أن هناك شعب صلب من ينل الاحتلال من عزيمته ولم تفت في عضده المحن ولا الشدائد ، ظل متشبت بأرضه وقاوم الإحتلال وأفشل خططه في انتزاعه من أٍرضه أو كي وعيه ، إن لم يسكن فلسطين ، ففلسطين ملأت روحه وتربعت على عرش قلبه ولها سيعود ، مسيرة تفند روايات الإحتلال عن أرض بلا شعب ، هاهو الشعب الذي هجره الإحتلال قسرا يريد استرداد حقه ، أصلا لم ينسى فلسطين ليتذكرها اليوم ، فهي دوما في ضميره وفي وجدانه وترافقه في ترحاله ، تزين جدران بيته وقد أفسح لها مكانا واسعا في غربته ، شبّ على حبها وتعلق بها ، فلسطين للفلسطيني ، كالروح للجسد ، فكيف يستغني عن روحه ، وهو بلا روح جسد هامد ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق