السبت، 30 مارس 2013

وااا معتصماه ..



لن تنسى الحرية الأبية تلك الليلة الحالكة لازلت محفورة في ذاكرتها ، يوم أن أغار اللصوص على بيتها ، وفتكوا بكل أهلها وشرد الظالم بنيها وهدّم منزلها ونكل بمن يحميها وشرد بالبقية منهم ، منذ ذلك اليوم رحلت عنها الفرحة وغاصت في حزن عميق واجترت آلام فراق الأحبة ، غدت وحيدة ، غدت مكسورة الجناح يتيمة ، تفرق عنها أهلها ، ووقعت في أسر سجان نزع الله من قلبه الرحمة ، تجلدت بالصبر وتشبتت بالأمل ، أمل يداعب خاطرها أن إخوتها لن ينسوها ، تذكرت اختها المسلمة حين نال منها الظلم ، نادت بأعلى صوتها : وااامعتصماه ، فلبى المعتصم نداءها وجيش جيشا عرمرم وبادر لنجدتها ، وأنصفها وأكرمها وأعاد لها صفو نفسها ، وأعطاها حق الرد أو الصفح على من أساء إليها، يوم أن كان للإسلام عزة ومنعة وقوة ، حمى حرماته ودافع عنها ، رغم أن في ذاك الزمان لم يكن تمة وسائل اتصال ، تبلغ الصورة الحية لمشاهد تهز القلوب كما حالنا اليوم ..

كانت حرة أبية طيبة القلب ، لم تحمل لأحد من إخوتها أي حقد أو غل بل حملت لهم كل صفاء وإيخاء ولم تضمر لهم أي شر ، أمعن السجان في إيذاءها ، أثخن جسدها الطاهر بالجراح ، كلما ضاق بها الحال صرخت بأعلى صوتها ، علّ أحد من إخوتها يسمع صدى صوتها فيلبي نداءها ، لكن دون جدوى ، ذهبت صرخاتها أدراج الرياح ، مر شهر تلو الشهر والعام تلو العام ولم تحرك مشاهد الدمار والقتل والرعب قلوب إخوتها ..

 وبعد سبات عميق وبعد أن نال منها السجان وأرهق كاهليها ، جاءها مرسول من إخوتها عبرالحمام الزاجل ، وكان هذا الأخير مكرها رفض أن يعود لوطنه وقد أضحى مقبرة وأشباحا ، وقد غادرته البسمة وضحكات الصغار ، فرطت من عينيه دمعة حزن وألم على وطن ماعاد له فيه مكان ، بعد أن بلغه ظلم السجان وفتك بصغاره وأدمى عشه ، أضحت الحدائق التي كان يرفل فيها الصغار وقد كانت تنبض بالحياة والبهجة لمقابر للشهداء ، غابت الفرحة وحلت محلها الغصة والالم والحزن ، دمر الظلم كل حياة وخنق الجو ، رحل معظم بنيها ينشدون الأمن والأمان ، فرارا من جحيم لجحيم آخر في خيم لا تقيهم حر الصيف ولا زمهرير البرد..

سلمها الحماح المرسول وعاد أدراجه يبكي وطنا أثخنته الجراح ، غمرتها الفرحة بمرسول إخوتها ، تقبله تارة وتحضنه تارة أخرى تتنسم عبيره وعطره ، فتحته علها تجد فيه السلوى أو البلسم لجراحها ، تصفحته بشغف كانت تلتهم الحروف علها تبلغ مبتغاها ، نصرتها وفكّ قيدها وعودتها لحماهم ، وما هي إلا لحظات حتى تجلت لها الحقيقة المرة وخاب ظنها فيهم ، أوصوها إخوتها بالتجمل بالصبر ، وأن المدد قادم!!  

خارت قواها وتلاشت كل مناها ، وتبددت آمالها وذابت أحلامها ، ووقفت على خذلانهم لها ، لم يعطوها غير كلمات الشجب والإدانة والتحسر ، لم تنال منهم غير كلمات المواساة ، والوعود ، ماذا يفيدها أن يذرف إخوتها الدموع على حالها دون أن يقدموا لها أي دعم حقيقي ويزيحوا عنها الأغلال والأصفاد ، كلمات المواساة لن تُحررها من أسر السجان ، ولن تُخفف من معاناتها ومصابها ، ولن تَحمي من بقي من أولادها ولن تُعيد الحياة لمن فارقها من أحبتها ، ولن تنصفها ....!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق