الاثنين، 21 أغسطس 2017

عائدون ..



ومادام هناك شعب ينبض بالحياة متمسك بحقه يستميت في الدفاع عنه ، يفدي الأرض بروحه ، أبدع في وسال الدفاع عن حقه ، واستثمر وسائل العصر الحديثة والجديدة لتحقيق مناه وبلوغ هدفه ، فالعودة قريبة بإذن الله ، وفي ذكرى النكبة يتجسد ذاك الحنين للوطن ، لم يعد الفلسطيني يحيي ذكرى النكبة بحسرة وغصة تخنق الروح ، أو بالرضا بالأمر الواقع والإحساس بالعجز أوبالإكتفاء فقط بالعتب عن خذلان القريب والبعيد أو اجترار الألم والبكاء على الأطلال ، بل ترجم حبه لفلسطين وشوقه لحضنها الدافئ ، واحياء للذكرى بكشف جرائم الإحتلال ونصرة القضية واعادتها للواجهة والدفاع عنها والإستماتة على الحقوق ، بل والإصرار على استعادة حقه المسلوب ..

لا تتناول ذكرى النكبة إلا وتستحضر تداعياتها وما خلفته من معاناة ولجوء وشتات وتمزيق لأوصال العائلات وتشريد للشعب ..
 أحمد شاب لاجئ يجسد مرارة وتداعيات النكبة ، عندما يتحدث عن فلسطين والذي لم يرها ولم يزرها من قبل ، إلا أن قصص جده عنها لازالت ترن في مسامعه ، فيتحدث عنها بحنين وشوق واعتزاز وفخر ، وكلما حلت الذكرى إلا وتجلت أمام ناظريه فصولها الدامية ، وكأنه عايش الأحداث عن قرب ، يتحدث عن بطولات الفدائيين وعن مقارعتهم للإحتلال تفنيدا لرواياته الإحتلال التي سوقها عن شعب باع أرضه وعن أرض بلا شعب ، يروي أحمد ماكابده الشعب المكلوم من محن ومشاق وعن ألم اللجوء ، فالعاناة لم تنتهي ولازالت مستمرة ، دول اللجوء بدورها شهدت محن وأزمات ، فتكررت نكبة الفلسطيني في أقسى صورها ، وتجددت فصول المعاناة وتعمقت الجراح ..

يروي أحمد ما قصه جده عليه ، عن عصابات الإجرام الصهيونية والتي سعت بكل صلف ووحشية لإقتلاع شعب عن أرضه ، ترهيب وترويع وطرد وتهجير وارتكاب أفظع الجرائم ، وطمس قرى بأكملها لإخفاء معالم الجريمة ، لازال أحمد يسترسل في حديثه ، عن كيف نشأ في مخيم ، يحمل إسما يزرع الأمل في النفوس وعن مخيمات تحمل أسم الصمود وتذكر بملاحم السلف ، أما المدارس وأحياء المخيم فتحمل أسماء المدن والقرى الفلسطينية التي سعى الإحتلال لمحوها من الذاكرة ومحو الوجود الفلسطيني عليها ، إن لم يعيش أحمد في فلسطين فهي تعيش في وجدانه وقد رسم لها أجمل الصور ، حملها معها أينما رحل أو ارتحل ، حتى تبقى حية في الوجدان وأمانة تتناقلها الأجيال ، يحمونها ولا يفرطوا فيها ، ويوطدوا كل قوة وكل الإمكانيات وكل الطاقات لتحريرها وكسر قيدها ..

جد أحمد كبقية الفلسطينيين لم يفرطوا في الحق الفلسطيني وزرعوا حب فلسطين في قلوب الصغار ، وحب الإنتماء لأرض العطاء ، أرض البطولات والملاحم والإنتصارات ، حتى سكن هواها في أوصالهم وسرى حبها في شرايينهم ، وبدورهم الآباء ساروا على نهج الاجداد ، ورثوا للإحفاد حب فلسطين وتمسكوا بمفاتيح العودة ولازالوا يحتفظون بها ، لم يفقد أحمد ولا عائلته كبقية العائلات الفلسطينية الامل في العودة لقراهم وبياراتهم ومزارعهم ، ومرارة اللجوء تذكرهم دوما بموطنهم الأصلي وأن وجودهم مؤقت ومهما طالت غربتهم قريبا سيعودوا لفلسطين ، بإذن الله ..

كل ما حلت الذكرى يُسيّر أحمد وبقية شباب المخيم مسيرات العودة ، حتى يبلغوا لأقرب نقطة تفصلهم عن فلسطين ، فيتراءى لهم جمالها الآخاذ من بعيد ، يتنسم عبيرها الفواح ، يسرح في بهائها وسنائها وزرقة سمائها وعليل هوائها وشمسها الدافئة ومروجها الخضراء ، يغبط الطيور التي تعود لموطنها ولأعشاشها بعد غياب طويل ، يستذكر كلمات جده عن قريته الوادعة وعن بيتهم الواسع وبياراتهم وحقولهم واحلام الطفولة البريئة وابتساماتهم التي اغتالتها ألة الحقد الصهيونية وحولتها لأشلاء ، يجدد العهد للوطن ، يدرك أن اللاجئ هو الشاهد على جرم الإحتلال بفلسطين وأهلها والقصص المروعة عن شعب هُجر قسرا عن موطنه شهادة تدين الإحتلال وتبرز فداحة جرمه وحقده وتحمله مسؤولية عما جرى وما يعانيه الشعب المكلوم..

أحمد وكل الشباب في مثل سنه فندوا مقولة الصهاينة ، أن الكبار يموتوا والصغار ينسوا ، صغار الامس هم ثوار اليوم ، مقاومة في فلسطين تقض مضجع الإحتلال وتفقده أمنه وهبات تولد لتجدد العهد بمقاومة متأصلة ومتجذرة ، شعب أبيّ يرفض العيش تحت بساطير الإحتلال ويقاومه ببسالة وفي الشتات تمسك بالحق والذود عنه واحياء القضية ، وماضاع حق وراءه مطالب ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق