الجمعة، 25 أغسطس 2017

في رحاب آية ..



طغى فرعون وتجبر وتسلط على الرقاب واستعبد الخلق ومزق النسيج ليحمي سلطانه انتهج سياسة فرق تسد ، فئة يغدق عليها من كل النعم وتحضى بكل الإمتيازات وتتمتع بالراحة والدعة وفئة أخرى يذلها وينكل بها ويستغل جهدها ويبخس حقها ويستخدمها في مهن تذيب قوتها ، مهن يأنف منها الغير وينظر إليها بإحتقار وازدراء ودونية وو..
إلى أن جاء يوم رأى فيه فرعون مناما قض مضجعه وأقلقه حتى جافى النوم عينيه ، فتملكته الهواجس وأرقه الكابوس الذي رآه وازعجه ، وتأكدت شكوكه عندما فسره المعبرون ، فاحس بالفزع وعلم أن لمنامه مغزى وقصد ومعنى ..

لقد اقترب مجيئ المخلص وأهلّ زمانه ، من سينتصر للمظلوم ويرفع عنه صلف فرعون وينصفه ويأخذ بحقه ممن ظلمه ويكسر اغلاله ويحرره من براثن العبودية ، فحرص فرعون أن يحول دون مجيئه ، يغتاله في المهد حتى لا يرى هذا الوليد النور ، ليحمي سطوته مستعد لإقتراف أبشع الجرائم ، فأمر بقتل الصبية ، وبعد هذا القرار الجائر ولدواعي ساقتها حاشيته وتخدم مصلحتها وليس مصلحة الشعب المغلوب على أمره ، أمر بقرار أيضا مجحف ولا يقل اجراما عن الأول ، يُقتل الصبية الذكور عاما ويعفون من القتل عاما آخر ، في عام العفو ولد هارون عليه السلام ، ولو ولد موسى عليه السلام في عام العفو لمَنّ عليه فرعون بعفوه ، وأن بقاءه حيا كان منة منه ، كما عيره بتربيته له في القصر انتقاصا منه وتكبرا وتعاليا عليه ، إلا أن رد موسى عليه افحمه ، لاقيمة للإحسان والتفضل على فرد واحد في مقابل اذلال شعب بأكمله واستعباده وإهدار كرامته ..

ولد موسى عليه السلام في هذا الجو المشحون بالقلق والهواجس وبتربص من فرعون ، فأحاطته عناية الله عز وجل ، وبددت مكر فرعون وزبانيته وحمته حتى ابلغته قصر فرعون ، ساقته الأقدار لقصر ألد اعدائه من يضمر له كل شر ، وكأن القدر يقول لفرعون : هذا الذي بالأمس القريب تبحث عنه لتنكل به سيأتي يوم تحرص على بقائه ! ما إن فتحت زوجة فرعون الثابوت حتى وقع حبه في قلبها ، تعلقت به وأحبته وتمسكت به ، ولم تعد تطيق فراقه ، وتغلغل حبه في حنايا قلبها ، اجتهدت مع من حولها لجلب له المراضع ، رفض كل المراضع وعلا صوت بكائه ولم يعد لسكونه وهدوئه إلا عندما احتضنته أمه بحنان وعطف وارضعته ، عندها أحس بالامن والأمان والطمأنينة ..

موسى عليه السلام في عرف الطغاة ، طفل رضيع مجرد من كل قوة ، ما اسهل الفتك به ، إلا أن قوة الله تسنده ورعايته تحيط به ، وفرعون في عرف العامة من يقيسون الأمور بمقاييس البشر وفي عرف الجبابرة ، قوي وقوته ظاهرة للعيان ، إلا انه مجرد من قوة الله ، فرعون غرق في البحر مع كل سطوته ولم ينفعه جبروته ولاحاشيته ولا جنوده أوبطانة السوء التي كانت تحيط به وتزين أفعاله المشينة وتصفق له ، وموسى الرضيع نجى من الغرق لحفظ الله له ، وقد شملته رعايته وعنايته ، وكما حماه الله عز وجل من الغرق حماه من بطش فرعون ، فكان قصر فرعون الملاذ الآمن لبقائه حيا ، في بيت أبويه مع كل حرص أمه قد ينكشف أمره وتمتد له يد الغدر وتفتك به ..

وكأن القدر يقوله له : هذا الذي حرصت دون مجيئة وازقت الارواح البريئة لتطفئ نوره ، سينشأ في قصرك ويتغذى على مائدته ويكون هلاك ملكك وزوال سطوتك وغرورك على يديه ، بإذن الله تعالى ، ذهب كل احترازه هباءََ ، لا بطش فرعون ولا صلفه ولا جبروته حال دون مجيئة وبزوغ فجر الحق والعدل ، وحلّ ما كان يتوجس منه فرعون ، وإذا أراد الله شيئا أن يتحقق قدره وتكفل به ويسر له السبل ، وأزال كل العقبات ودلل له الصعاب وهيأ له الظروف والأجواء وحققه ، لاقيمة لأية قوة على الأرض أمام قوة الله جل وعلا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق