الأحد، 24 أغسطس 2014

كيف يعبر الطفل بالرسم عن ما يختلج فؤاده الصغير ..




الحرب تترك نذوبا وآثارا على نفسية من عايش فصولها ، من فَقْد الاحبة  وتدمير الدور وأزيز الطائرات ومشاهد مروعة تبقى عالقة في الاذهان ، والاطفال هم الشريحة الاكثر تأثرا بمخلفات الحرب ، تنعكس سلبا على نفسياتهم وحتى على طريقة لعبهم ، وحتى يجتازوا هذه الآثار مطلوب أن يتلقوا علاج نفسي ودعم معنوي حتى تمحى تلك الصورة القاتمة ويعودوا لحياة طبيعية ، الاطفال في الحرب ينتابهم شعور بالخوف والهلع وعدم الامان ، خاصة في ظل النزوح و التشريد وهدم الدور واستشهاد الاهل والاحبة والاصدقاء وو ..

والمحتل  يركز دوما على هدم الدور بالاساس ، لأن  تدميرها يترك أثرا بليغا في النفوس ، فهي السكن وهي الذكريات والآمال ، ويتأثر أكثر الاطفال فهم يحسون أن الملجأ والملاذ الآمن والحضن الدافئ ،قد إندثر، وهو يرى ألعابه وكتبه وكل عالمه الصغير تحت الركام ، البيت معناه الامن والأمان ومملكتك التي تعود إليها لترتاح بعد عناء ، وفيها تجد أحبة يخففون عنك ما أثقل الكاهل ، وفيه تجد من يربت على كتفك من أهل وأحبة وفيه تجد السلوى لكل أحزانك..

على ورقة الرسم ، يسرد الاطفال بأناملهم الصغيرة كل ما يختلج فؤادهم من مشاعر جياشة تجاه واقعهم ، يعبرون بصدق عن ما يحسون به وهم يعيشون معاناة الحرب ، وفي مشهد يفتت القلب ويدمع العين ، طفل من غزة المقاوِمة رفض أن يرسم وأجهش بالبكاء ، قد يكون ما ألم به أصعب من أن يعبر عنه بالرسم ، قد يكون افتقد صدرا حنونا يحتويه ويضمه إليه ، ويحس بين أحضانه بالرحمة والحماية والحنان والدفئ ، أو  يفتقد لبيت يحس بين جدرانه بالسكينة والطمأنينة والامن ، قطعا وراء هذه الدموع حكاية ، تصدع لها كيانه ، أما أطفال الاسرى فيرسمون طيورا وقد تحررت من أسرها وكسرت قيدها وعانقت فضاء الحرية ، هذه هي مشاعرهم تجاه آباءهم ، يرنون ليوم يحتضنونهم فيه ..

وفي مشهد آخر ، في سوريا الجريحة ، عادة الاطفال عندما يلعبون بالرمل يبنون بيوتا ، غير أن اطفال سوريا من عايشوا مرارة الحرب ، وأثرت في نفسيتهم ، يبنون قبورا ، هذا ما خلفته الحرب في ذاكرتهم ، وهذا ما عاينون ، قوافل الشهداء تمضي ، أضحت هي يومياتهم ، ولازال الباغي يسقي البراءة من كأس الموت الزؤام  ، ولازالت آلة الحقد تحصد الأرواح البريئة ، ومن نجى من الموت ، كان الموت البطيئ في انتظاره ، خيم اللجوء وغصة في القلب تخنقه على فراق الوطن وغياب الاحبة ومرارة الغربة ..

أما في ليبيا فكانت الدبابات وزخات الرصاص والالوان الداكنة  ،هي ما يعبر عنه الاطفال في رسوماتهم ،حتى لعبهم ، عبارة عن لعبة على شكل بندقية ، يلعبون الموت ...
على أوراق الرسم يطلق الطفل العنان لخياله ليسطر كل ما يحلم به أو كل ما أثقل على النفس ، حتى الالوان لها لغة يفهمها الملمين بهذا المجال ، كل لون إلا وله معنى عنده ، ومن خلاله يستشعر محطات أليمة مرت به ، حتى الاطفال الذين عايشوا الحرب ولو من بعيد ينعكس ذلك على ابداعاتهم ، وتترك بصماتها على رسوماتهم .



يقارنون بين أطفال يعانون مرارة الاحتلال وبين بقية الاطفال ، ليجدوا بون شاسع ، طفل محروم من أبسط حقوقه ، يعيش في عالم غابت عنه كل مظاهر الطفولة وطفل آخر ينعم بكل الحقوق من ألعاب وبيت يأويه وأهل يحيطونه بكل حب وحنان وو..، وقد يرسمون آمالهم ، وما يحلمون به ، عالم لا خوف فيه ولا قهر ولا ظلم يعتريهم فيه ، عالم يكتنفه العدل ويسعدون تحت ظله ، عالم تسوده  البهجة والوئام ، عالم لا يختطف طفولتهم من بين أحضان أهليهم ، ولا يفجعهم بفقد محبيهم ويجرعهم مرارة اليتم ، طفولة ترنو لعالم يحترم حقوق الطفل ، لا يتغنى بها ويرفعها شعارا ، ويئدها على أرض الواقع ، بل عالم ينصفهم ممن ظلمهم ، يتطلعون لضمير حي يهتز حين تغتال الطفولة البريئة وهي بين أحضان امهاتهم وفي الاحشاء ، فالمحتل قتل أجنة في الارحام ،  الطفل وإن عجز عن التعبير بالكلمات عن ما أرقه  ، فعلى اوراق الرسم يسرد فصول الحكاية برمتها ، لا ينسى حتى التفاصيل الصغيرة ، ذاكرته قوية ...

قد ينفع العلاج النفسي في محو تلك الصورة الاليمة واجتياز المرحلة العصيبة التي عايشوها ، والعودة بهم لعالم الطفولة البريئ ، لكن كلما حلت الذكرى أو حلت المناسبات أو الاعياد نكأت الجراح وتذكر أحبة غيبهم الاحتلال أو الاستبداد عن ناظريه ،  الجروح النفسية لا تندمل بسرعة ولا تتلاشى بصفة نهائية ، والدعم النفسي قد يخفف من وطأتها ومن حدتها ، وحتى حين تعود الحياة لطبيعتها ، سيبقى الماضي الاليم ماثل أمام ناظريهم بحلوه ومره وذكرياته ، وسيلقي بظلاله القاتمة على المستقبل ، وإن وجدوا أيادي حنونة ، تعوضهم عن ما افقتدوه ، وترسم البسمة على شفاههم ، وتعيد لهم الثقة بأنفسهم ، حتى يستأنفوا المسير وتسند ضعفهم وتقويهم ، وتساعدهم على محو كل ما ترسخ في الاذهان ، سيكملون المشوار ، فالمحن تسقل معادن الناس فتغدو صلبة قوية ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق