الأحد، 3 يونيو 2012

هل حبّ السّلطة يحوّل الإنسان من حمل وديع لوحش كاسر ؟؟



حب السلطة وحبّ التملك والتطلع للمناصب وطلب الرفعة والتهافت على الدنيا والتطلع للأعلى نزعة وغريزة تتملّك الإنسان وقد تهوي به لسوء المصير ، حين تجد فراغا في قلبه وضعفا وأنانية ،حينها تهفو النفس للسلطة حسب هواها هنا تجد هذه الأخيرة عرشا في القلب الخرب تتربع عليه ، ويتحول الإنسان من حمل وديع إلى وحش كاسر رهين شهواته التي لا تنقضي ..
أما حين يرافق طلب السلطة حبّ الخير والعمل في خدمة الغير ، وتغليب مصلحة الوطن ونزع حظ النفس ، وتحجيم تطلعاتها حينها تكون السلطة زيادة في الخير لطالبها ..

فحين يكون واحدا من الشعب يتلطف ويقطع الوعود ، وما إن يرقى للمنصب حتى يتملص من كل الوعود لأن نفسه لم تكن سوية لم يدرّبها على الزهد ونظر للمسؤولية على أنها تشريف وليست تكليف ، لم ينظر لتبعاتها ولم يأبه للمحاسبة والمساءلة ، تسابق إليها غير مقدذر ثقلها ومخاطرها ، حسبها مغنما لا غير ، ما أسهل أن نطلب المسؤولية ونجري خلفها ونلهث لتقلدها ،وما أصعب أن نكون أوفياء لمبادءنا ووعودنا ..

النفس إن لم تهذبها وتطوعها حتى لا تتطلع للغنى السهل وتركن للهوى ويمتلكها الغرور ويصاحبها التكبر ستكون السطلة آفة عليها ، خاصة إن وجد من يكيل له المدح هنا يزهو ويستقوي ويعلو فوق أي حساب وعقاب فهو الآمر الناهي ، السلطة زرعت في نفسه المريضة الخيلاء ويزيده نفخ بطانة السوء له غرورا وكبرا..

يأخذه الزهو وينفش ريشه وينسى أنه كان عاملا بسيطا أو جنديا مغمورا ، واليوم ما إن أرتقى للأعلى حتى بدأ يتلذذ بمجاملات من حوله وينتشي بتصفيقاتهم والويل لمن خالفه ويركن لسماع أجمل التوصيفات ، وينسى أنها لو دامت لأحد لما وصلت إليه ، فيحسب نفسه فوق العباد وأن الحرائر عقمت أن تأتي بمثله وأنه إن غاب أو إنزاح عن أبهته أو رحل ضاع الوطن..

وينسى أنه بشر وأنه محاسب أمام الله إتجاه رعيته. هل أقام العدل فيها ؟ وأن المتملقين اليوم له لن يغنون عنه شيئا حين يرحل ، والظلم داء يستشري وتمتد جذوره ، فمن عاش تحت ظل الإستبداد عقودا يمارس نفس الظلم على من هم تحته ويمتد الظلم وتنشر القسوة رداءها إنه داء السلطة العضال ..

السلطة تغيّر الكثيرين من طيبيين لجشعين ، خاصة كلما طال عليهم الأمد لأنهم يعلمون أنه لا رقيب عليهم ولا حسيب ،، ينسى الإنسان أن الثراء والمنصب والغنى والأبهة والجاه كلها إبتلاء من الله له ، كما أن الفقر إبتلاء فكل ما ذكرناه أيضا إبتلاء فيفرح بالسلطة ويعدها إكراما له في حين هي إبتلاء ، لأنهم يهضمون حقوق الغير ، وتفتنهم السلطة ببريقها وأضواءها ، والقليل القليل من ينجح في إجتياز إمتحان الإبتلاء حين يجدون من يكبح جماح سلطانهم ومن يحد من أطماهم ومن يذكرهم بيوم الحساب ..

قد ينجح الإنسان في إجتياز إبتلاء الفقر ، لكن قد لا يصمد أمام إغراءات السلطة إلا من أعانه الله على نفسه ، وزهد في الدنيا وسمع كل صوت مخالف وسعى لخير العباد والبلاد ، أما المخفقون في الإبتلاء حين يطلب الشعب منهم الرحيل ، تجدهم يتحولون لوحوش كاسرة تقتل وتفتك بالكل لأنهم لم يدربوا أنفسهم على التعالي على المنصب ولم يعدوا أنفسهم خداما للوطن ، بل توحدوا مع السلطة فلن ينفكوا عنها حتى تقتل غرورهم .

وهذا إمتحان أخفق فيه من كان قبلنا والأمثلة كثيرة فقط نأخذ مثال واحد : قارون كان فقيرا معدما فمنّ الله عليه من الكنوز والثراء مالا يعد ولا يحصى ، فبذل أن يشكر المنان ويعطي حق الفقير بغى وإستكبر ، وتعلق بلعاعة الدنيا وبطر على خلق الله ، ونسب الغنى لنفسه وتطاول على الخلق وإستعبدهم لحاجتهم إليه ، وجار وتكبر بدل أن يتواضع للخالق ويخفض جناحه للخلق ، وبذل أن يقابل إحسان الله إليه بالشكر والحمد قابله بالإفساد في الأرض والبغي والظلم وإنفاق المال بغير وجه حق .

فالله حين منّ عليه بالثراء جعل للفقراء حقا عليه والله سائل كل منا عن منبع ماله وكذا مصبه يعني في أي أوجه ينفقه هل في أوجه الخير أم الشر ، وكثيرا من الناس لا يدركون أن السلطة إبتلاء والناجح فيها من وظفها لخدمة البلاد والعباد لأن التاريخ يسرد علينا الكثير الكثير ممن تقلّدوا السلطة وبغوا في الأرض وأخفقوا في الإمتحان لأنهم لم يكونوا أمناء ولم يتحملوا الأمانة كما يجب ..

نسأل الله لمن تقلد المسؤولية أن يعمل لها بكل تفان وحرص ، وأن يطلب العون من الله له حتى يسدد خطاه ويوفقه لما يحبّه ويرضاه ، وأن يفتح قلبه وبلاطه لكل صوت وأن يكون خادما للعباد وأن يكون قلبه على مصلحة البلاد ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق